دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

الأزمة الخليجية: هل تخرج قطر من مجلس التعاون؟

يطرح كثير من القطريين في هذه الأيام فكرة الخروج من مجلس التعاون، وهذه الدعوى في اعتقادي ردة فعل طبيعية من الشعب القطري الذي مسَّه الضر من الدول الثلاث. لكن إذا تأملنا هذه الدعوى، سنجدها دعوى عاطفية سطحية، كشأن أي دعوى تخرج لحظة انفعال.

وحتى نثبت أن هذه الدعوى سطحية عاطفية وليست منطقية يجب علينا في هذه المقالة أن نثبت أمرين:

  • الأمر الأول: أنَّه لا توجد فائدة حقيقية من الخروج.
  • الأمر الثاني: أنَّ للخروج أضرارًا ومساوئ على قطر.

فإذا ثبت أنه لا توجد فائدة من الخروج، وثبت كذلك أنَّ للخروج أضرارًا، فإنَّ المطالبة بالخروج تكون دعوى غير منطقية، بل إنَّها تضر قطر أكثر مما تنفعها، وسوف تثبت المقالة هذين الأمرين.

هل للخروج من مجلس التعاون فوائد؟

بعد تقليب النظر في هذا السؤال، لم أجد فائدة حقيقية للخروج من المجلس، والفائدة الوحيدة التي يرددها المطالبون بالخروج هي أن الخروج من مجلس التعاون سيخلق لقطر مسارًا سياسيًا مستقلاً، وسيُخرج قطر من مظلّة المملكة العربية السعودية، ولذلك فإنَّ بقاء قطر في مجلس التعاون سوف يعيقها عن طموحاتها واستقلال إرادتها.

إذن السؤال الآن: هل يشكّل مجلس التعاون عائقًا للقطريين في طريق طموحاتهم؟

الجواب الأكيد: لا. ليس مجلس التعاون عائقًا، ولا يستطيع أصلاً أن يكون عائقًا في طريق قطر تجاه أي من طموحاتها؛ لأنَّ النظام الأساسي لمجلس التعاون بكل مواده الاثنتين والعشرين ليس فيه أي مادة يستطيع صانع القرار القطري أن يرى فيها عائقًا من عوائق نهضته واستقلاله وتطوره. وتاليًا لا يصح أن يُدعَّى أنَّ من فوائد الخروج من مجلس التعاون الاستقلالية في صناعة القرار؛ لأنَّ قوانين مجلس التعاون لا تحول دون تحقيق هذه الغاية.

هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فتعدُّ سلطنة عمان خير مثالٍ على ما نقول، فالسلطنة لها خطها السياسي والدبلوماسي المستقل عن بقية المنظومة الخليجية، ومع ذلك لم تعلن يومًا من الأيام أنها محتاجة إلى ترك مجلس التعاون والخروج منه. فلماذا سلطنة عمان لم يمنعها انتماؤها لمجلس التعاون من أن تكون مستقلة ودولة قطر يمنعها انتماؤها أن تكون مستقلة؟

إذا كان لديك خياران، فإنَّ النجاح لا يتمثّل في اختيارك لأحدهما، بل في أن تحصل عليهما جميعًا، وهذا ما تفعله سلطنة عمان، لم تخسر خيار استقلالها وطموحاتها، وفي الوقت نفسه لم تخسر انتماءها للمنظومة الخليجية، وبذلك حافظت على الخيارين. أما الذين يطالبون قطر بالخروج من مجلس التعاون، فهم في الحقيقة يريدون لقطر أن تخسر ميزة الخيارين، وأن تبقى على خيار واحد. وهذا خطأ كبير؛ سيحرم قطر من الاستثمار على الجهتين.

ثم الواقع القطري نفسه ينبئ بأن الانتماء لمجلس التعاون لا يمنع من الاستقلالية، فدولة قطر الآن لا ينكر أحد أنها خرجت عن هيمنة النفوذ السعودي تمامًا، واتخذت مسارًا مستقلاً، ومع ذلك فهي ما زالت عضوًا في مجلس التعاون! وهذا ما يثبت أن مجلس التعاون ليس عائقًا حقيقيًا في طريق تحقيق المسار السياسي المستقل.

إذن لا يوجد مكسب أو طموح تعجز قطر عن تحقيقه بسبب انتمائها لمجلس التعاون.

هل ثمة أضرار من الخروج عن مجلس التعاون؟

لا ينكر أحد وجود أضرار من الخروج، والذي قد يجادل في الأضرار الاستراتيجية فإنه لن يجادل في الأشياء الواضحة التي يلمسها المواطن العادي، والتي من أوضحها أن المواطنين القطريين لن يدخلوا الدول الثلاث إلا بتأشيرة، وما يتبع ذلك من تصنيف القطريين بأنهم “أجانب” غير منتمين لمجلس التعاون في المطارات وغيرها.

لكن هذه الأضرار وغيرها من الأضرار المباشرة الملموسة ليست هي الضرر الأكبر، بل الضرر الأكبر يتمثّل في الاستغناء الرسمي لقطر عن عمقها الاستراتيجي المتمثل في البيت الخليجي في ظل التحديات الأمنية الإقليمية التي تتشكل على أسوار الخليج. نعم، البيت الخليجي اليوم أضاع بوصلته، ونقل المعركة إلى داخله، ولأجل ذلك سعت قطر لخلق تحالفات إقليمية تعيد التوازن للمشهد الإقليمي. لكن في المقابل كلنا نعلم أنَّ المشكلة التي يعاني منها البيت الخليجي هي مشكلة طارئة، مرتبطة بأشخاص معينين، وليست مرتبطة بطبيعة الأنظمة ودساتيرها، بدليل أننا لو افترضنا أن أولئك الأشخاص رحلوا من السلطة فإنَّ العلاقات ستعود إلى ما كانت عليه.

ولذلك فإنَّ السؤال الموجه لهؤلاء الذين يطالبون بخروج قطر من مجلس التعاون، ماذا سيكون موقفهم غدًا حين ترجع العلاقات؟ هل سينادون برجوع مجلس التعاون ويجعلون رجوعه من أعظم إنجازات دول الخليج؟  بالتأكيد أنهم سيطالبون برجوع قطر إلى مجلس التعاون، أو على الأقل لن يمانعوا من ذلك، وهذا يعني أننا رجعنا خطوتين إلى الوراء ثم تقدمنا خطوة إلى الأمام.

في اعتقادي أنَّ قرار الخروج من المجلس هو أمنية تحلم بها الدول الثلاث؛ لأنَّها تعجز عن إخراج قطر من المجلس نظرًا لأن المادة التاسعة تستلزم وجود إجماع على القرارات الموضوعية، فلذلك لا تستطيع سوى الضغط على قطر حتى تخرج بنفسها.

لكن النقطة الأهم التي ربما يغفل عنها كثيرون هي أي أنَّ خروج قطر من مجلس التعاون ليس كدخولها إليه،  فصحيح أن الدول الثلاث لا تستطيع قانونيًا إخراج قطر من مجلس التعاون؛ لكن الصحيح كذلك أن رجوعها لمجلس التعاون لن يكون إلا بموافقة الدول الثلاث!

فإذا كان قرار الخروج من مجلس التعاون بيد قطر، لكن قرار الرجوع ليس بيدها. فلماذا تختار قطر التحول من موقع القوة إلى موقع الضعف؟

أخيرًا أقول: إن استمرار الأزمة الخليجية قد يدفع صانع القرار القطري وبعض القوى الإقليمية لتشكيل كيان موازٍ وبديل لمجلس التعاون باعتباره إطارًا أمنيًا بديلاً، يقوم على الواقعية السياسية والاحترام المتبادل للمصالح المشتركة. وهذا القرار إن حصل، فإنَّ الدول الثلاث تتحمل مسؤوليته التاريخية؛ لأنَّها لم تترك لقطر خيارًا عقلانيًا آخر في ظل العبث السياسي الذي تقوم الدول الثلاث به.

اسم الكاتب : د.نايف بن نهار – أستاذ بجامعة قطر

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى