قضايا بيئية

واقع البيئة في الجزائر

بالرغم من كون الجزائر من أكبر بلدان القارة الإفريقية ب 2.381.000كم2، غير أن مواردها الطبيعية لا تناسب ما يمكن انتظاره من مثل هذه المساحة لأنها محدودة وهشة بالظروف المناخية وسوء توزيعا على الإقليم، مما يعرض أثمن مواردها( أخصب وأحسن الأراضي الزراعية) لأخطار محققة من خلال اكتساح العمران المتميز بالتسارع وسوء الحكم فيه، حيث ارتفع من 40%سنة 1977 إلى 60%سنة 1987حيث تضاعف عدد السكان ب03 مرات من6.779.000نسمة إلى17.460.000نسمة، وهذا التبذير للأراضي الزراعية القيمة بسبب الانتشار المفرط للمدن يولد واقعا مؤلما آخر يتمثل في تبذير موارد أخرى هامة كالماء الذي يتميز بالندرة وكثرة الطلب،كون95 %من الإقليم خاضعة لمناخ جاف من جهة،وكون الموارد الكامنة المتولدة عن الحجم السنوي لمياه الأمطار التي تستقبلها الأحواض المنحدرة لا تعبأ إلا جزئيا وبصعوبة كبيرة.

كما أن وفرة هذا المورد لا تتعدى أكثر من 383م3 ن / ،وهذا الوضع يرتبنا من بين البلدان التي تقع تحت حد الندرة في وفرة المياه المحددة دوليا ب 1000م3 سنويا لكل ساكن،ونسبة التسربات في القنوات بلغت50% أما نسبة تنقية المياه القذرة فهي تقريبا معدومة
وستنخفض في أفق 2020بعدد السكان المتوقع 44مليون نسمة إلى 261م3سنويا لكل ساكن وبالإضافة إلى الأسباب المناخية المسببة لهذه الندرة،يبقى الاستعمال غير العقلاني للماء وتبذيره من أهم العوامل الأساسية لذلك.

أما مسألة التصحر في الجزائر فقد أصبحت قضية استعجاليه ، نظرا لتهديدها لمجموع المجال السهبي الواسع، وهو المنطقة الرعوية عالية الجودة للبلاد،حيث أظهرت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية أهمية المساحات المهددة بظاهرة التصحر 13.821.179هكتار أي 69بالمائة من مساحة السهوب (تقرير حول حالة ومستقبل البيئة في الجزائر،2000)،وهذا يرجع لأسباب عديدة منها الجفاف، الأنشطة البشرية وكمثال لهذا الأخير هو كون السهوب لا يمكنها تحمل أكثر من 04ملايين رأس من الغنم في حين يزيد هذا القطاع حاليا عن 10ملايين رأس.

وفي حديثنا عن المناطق الحضرية والأنشطة الصناعية فلا يخفى عن أحد أن المجتمع الحضري يتميز بالكثافة السكانية وتزايد التخصص المهني الناجم عن تقسيم العمل وفي الجزائر،يعتبر التوسع العمراني غير المدروس والنمو الديمغرافي وتغير نمط الاستهلاك فيه من العوامل المباشرة للتدهور التدريجي للإطار المعيشي الذي من بينه
أ‌- تلوث الهواء: عرفت الجزائر خلال السنوات الماضية تطورا هاما على الصعيد الحضري والصناعي الذي ولد تلوثا هوائيا يمكن في بعض الأحيان مشاهدته بالعين المجردة، وترجع التدفقات الهوائية في التجمعات الحضرية أساسا لحركة المرور،مصادر منزلية،تدفقات صناعية صادرة عن الوحدات الإنتاجية أو صادرة عن احتراق النفايات الصلبة في الهواء الطلق.ولا شك أن الأفراد يختلفون في استجابتهم لملوثات الهواء ، فالأطفال خاصة أكثر حساسية لامتصاص أجسامهم للملوثات بسرعة وكذا كبار السن والمرضى بأمراض مزمنة.

ب‌- النفايات:إن أغلب النفايات حتى المسموح بها من طرف البلدية هي نفايات خام لا تخضع لمعايير حماية خاصة المنزلية منها فهي تشكل مصدرا هاما لتلوث البيئة في الجزائر بسبب طبيعتها السمية والمشوهة لجمال المناظر،فالجزائري ينتج يوميا ما يعادل بالقيمة المتوسطة 0.5كغ من النفايات الحضرية وتزيد هذه النسبة إلى 1.2كغ في كبريات المدن، بالإضافة إلى نتائج سلوكات المواطن غير المحسوبة في تأزيم هذه الوضعية ،نجد أن تسيير النفايات في الجزائر يتميز بنقائص هامة كانعدام فرز النفايات في عين مصدرها، انعدام المزابل الخاضعة للمراقبة، نقص في إعلام وتحسيس المستهلك…

أما فيما يتعلق بالأنشطة الصناعية فقبل صدور القانون المتعلق بحماية البيئة(1983)كانت المشاريع الصناعية تنجز دون القيام بدراسة أثرها على البيئة ، حيث كان المقاولون يفضلون المواقع سهلة التهيئة مما جعل الصناعة تبتلع مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية،وكانت لهذه الوضعية آثار على البيئة والصحة العمومية، مثال ذلك هو أن تدفقات كل من مركب المنظفات لسور الغزلان لوث سد لكحل،والمنطقة الصناعية لتيارت لوث سد نجدة…زد على ذلك إنتاج النفايات الصناعية كالإسمنت والجبس والغازات ذات المفعول التحراري الناجمة عن مصانع التكرير، ولا بد من الإشارة إلى أن التسممات الأكثر حدوثا سببها الرصاص، تذويب وتكرير الرصاص، صناعة الطلاء…وعليه فالتقييم البيئي للمشروعات الصناعية هو أفضل حل للتقليل من الآثار الناجمة
في نفس الوقت لا يمكننا أن نغفل وجود أوساط وأنواع التنوع البيولوجي في خطر،فالمعروف أن التنوع البيولوجي هو مجموع الجسيمات الحية من حيوان ونبات مع دعيمتها الوراثية والأنظمة البيئية التي تتطور فيها، والتنوع البيولوجي أساسي للمساعدة على التكيف مع التغيرات ، إلا أنه رغم كون هذا التنوع ثري في الجزائر إلا أنه متقهقر ففي الجزء الشمالي نجد الغابات المتوسطية وفي الهضاب، الحلفاء والعرعار أما الصحراء فهي قاحلة في مجملها تقريبا وكل منطقة تحوي حيواناتها وكائناتها البرية والبحرية التي يجب حمايتها، مع العمل على زيادة مساحة الغابات الجزائرية كما كانت عليه قبل قرنين ،وتهيئة السهوب بتنظيم عمليات الرعي والحماية من التصحر والجزائر أيضا فضاء للعديد من التنوعات الوراثية لأنواع مزروعة أو طوعيه، إلا أنها اليوم تعاني من وعدة مشاكل كالأمراض،الحرائق،الإفراط في الإرعاء تهدد بعضها بالانقراض،وأهم ما يمكن ذكره والذي يعمل حاليا على حمايته بدعم دولي هو الحظائر الوطنية والمحميات الطبيعية للحفاظ على التنوع البيولوجي وهي تغطي حوالي 53.000.000هكتار لقد من الله على الجزائر بمناطق بحرية وشاطئيه أكسبتها واجهة بحرية رائعة ممتدة على طول 1200كم، وبالرغم من كون عمق هذه المنطقة الساحلية لا يتعدى ال50كم بمساحة 45.000كم2، إلا أنها تأوي حوالي 12.5مليون نسمة أي ما يعادل 43بالمائة من إجمالي السكان بكثافة سكانية تقدر ب300ن/كم2 مقابل 12.22ن/كم2 بالنسبة لمجموع الإقليم.

هذا التركز الكبير للسكان وما يتبعه من تمركز لمعظم الأنشطة الصناعية والسياحية والتجهيزات القاعدية المتنامية، أثر على المساحة الشاطئية (ضياع حوالي 17بالمائة من المساحة الإجمالية للمنطقة الشاطئية وعلى الموارد المائية حيث سجل التلوث البحري المتولد عن الأقطاب الصناعية نسبا تبعث على القلق خاصة التسربات البترولية فحوالي 100مليون طن من المحروقات تمر سنويا بالقرب من الشواطئ الجزائرية،و 50مليون طن تشحن سنويا من الموانئ الجزائرية، و10.000طن تفقد وتتسرب في البحر أثناء هذه العمليات، فهل يمكن تخيل تأثير ترسب المعادن الثقيلة على الأحياء البحرية ؟… فقد تم منع الاستحمام في 183 شاطئ ضمن 511 شاطئ أي أكثر من الثلث، ضف إلى ذلك مشكل الانجراف الشاطئ و الاقتلاع المفرط للرمال من الشواطئ -الآثار الاجتماعية الصحية الناجمة عن هذا الواقع: بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية تعرف الصحة بأنها \”حالة من الراحة الجسمية والنفسية والاجتماعية وليست فقط الخلو من الأمراض إلا أننا سنتحدث عن الأمراض الناتجة عن واقع بيئتنا في الجزائر لنتمكن من استنتاج أهمية البيئة في حفاظ سلامتنا الصحية من خلال الاقتصاد في التكاليف المرتبطة بالعلاج وبالتالي حتمية وضرورة حمايتها، ومما لا شك فيه أن هذه الآثار عديدة ومتنوعة ولكننا سنركز على ثلاث أساسية مرتبطة بتلوث الماء، تلوث الهواء، وتدهور البيئة و هي .

الأمراض المرتبطة بتلوث الماء: إن هذه الأمراض تسببها جراثيم أو طفيليات أو فيروسات وهي ذات تصريح إجباري،وقد شهدت الجزائر عبر مختلف مناطق البلاد تفاقما لهذه الأمراض (بين 1993-1996 من866. 2إلى 3.545 حالة لكل 100.000ساكن وأهمها التيفوئيد 44 بالمائة إلى 47بالمائة من مجموع التصريحات بالأمراض المنقولة عن طريق المياه
وتعتبر المنطقة التلية وخاصة الهضاب العليا الأكثر إصابة بهذا الداء، كما تقتل الأمراض الإسهالية المتولدة عن استهلاك الماء 2000طفل سنويا ، وأهم الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض هي تلوث مجاري المياه والينابيع بتدفق المياه القذرة، توحيل السدود، عدم كفاية وغياب مخططات شبكات توصيل الماء العذب
-الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء: إن الهواء الملوث يضر بالصحة ويزيد من تواتر بعض الاضطرابات مثل الأمراض التنفسية ( الربو، النقص التنفسي، السعال المزمن، التنخم…) حيث بين التحقيق الذي أجراه المعهد الوطني للصحة العمومية (1990) أن الإصابات التنفسية تهيمن ب 35.7بالمائة من المرضية المحسوس بها و27.2بالمائة بالنسبة لأسباب الاستشفاء ، وقد تم سنة 1994 خضوع 21.5بالمائة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 05سنوات بسبب مرض تنفسي حاد ، وفي سنة 1999 بلغ عدد حالات الاستشفاء 37.571حالة .
ومن جهة أخرى، يمكن لتلوث الهواء أن يضعف الوظائف الرئوية، فالغبار يصيب الجهاز التنفسي، ومونوكسيد الكربون يؤثر على القلب والمخ، والرصاص والكالسيوم يصيبان الدم والكلى، والديزل وبعض المركبات كالبنزين تؤدي إلى حدوث السرطان.
-الأمراض المرتبطة بتدهور البيئة : أهمها السرطان 840حالة لدى البالغين من العمر 70-74 عام لكل 100.000ساكن، أمراض العوز الغذائي خاصة لدى الأطفال، الأمراض القلبية العرقية أكثر ارتباطا بالفقر، حمى المستنقعات نتيجة البلدان المجاورة للجزائر وأهم الولايات المعرضة لهذا المرض اليزي،تمنراست، أدرار (80بالمائة من الحالات)،عين الدفلة وخميس الخشنة في الشمال، بالإضافة إلى الأمراض الناتجة عن المخلفات الطبية
تدخلات (تجربة ) الجزائر في مجال حماية البيئة

بالرغم من وجود تدخلات جريئة للسلطات الجزائرية في مجال حماية البيئة، إلا أنه يجب الذكر بأنها غير منتظمة وغير خاضعة لتقييم النتائج المحرزة ، وسنحاول ذكر أغلب مجلات التدخل: . -في مجا ل التلوث المائي: تتعلق الأعمال الجارية بإعادة تأهيل الشبكات التمويل بالماء الصالح للشرب وشبكات التطهير، بإعادة تأهيل شبكات 10مدن يفوق عدد سكانها 02مليون نسمة، و إعادة تأهيل 24محطة للتصفية دون أن ننسى مبادرات الشراكة مع الدول الأوربية لتحسين تسيير الموارد المائية، مع توسيع التنازل عن الخدمة العمومية للماء لصالح القطاع الخاص و إعادة النظام التعريفي للماء،وتأسيس ضرائب خاصة بنوعية الماء والاقتصاد فيه، ويقدر البرنامج الذي شرعت في تنفيذه وزارة الموارد المائية و المتعلق بتجديد وتوسيع منشآت التموين بالماء بمبلغ 170مليون دينار أنجزت منه 50بالمائة
في مجال التلوث الجوي :إن المصادر الرئيسية للتلوث الجوي في الجزائر هي السيارات والصناعة وترميد النفايات،وقد اتخذت في هذا المجال عدة إجراءات أهمها اختيار أنواع من الوقود تكون خالية هي ومخلفاتها من الملوثات والتحول إلى مصادر جديدة للطاقة كالكهرباء أو الطاقة الشمسية (كمال الشرقاوي غزالي،1996)حيث بدأت بتعميم استعمال غاز البترول المميع كغاز وقودي وإدخال البنزين الخالي من الرصاص حيث نسجل في الوقت الحالي حوالي 40.000سيارة حولت إلى غاز البترول المميع، وإنجاز 160محطة منتشرة عبر كافة الإقليم –وإن كان هناك مصنع تكرير وحيد لإنتاج البنزين الخالي من الرصاص بسكيكدة
وفي المدة الأخيرة، خصصت مصانع الإسمنت ووحدات الامينت-الإسمنت استثمارات جديدة لتجديد أو لإقامة تجهيزات مضادة للتلوث فقد استثمرت سوناطراك 272مليون دولار أمريكي للتقليل من تلوث الغازات المحروقة ولاحترام التزاماتها لا سيما الناتجة عن معاهدة الأمم المتحدة المتعلقة بالتغيرات المناخية وباتفاقية مونريال المتعلقة بالمواد المضعفة لطبقة الأوزون،تنفذ الجزائر برنامجا واسعا مخصصا لحماية الجو كإعداد برنامج وطني لحماية طبقة الأوزون،وإنجاز حوالي 30مشروع مخصصة لإزالة المواد التي تسهم في إضعاف طبقة الأوزون،وتشجيع الاقتصاد في الطاقة ومكافحة التبذير
في مجال النفايات الحضرية والصناعية:إن عملية جمع وإخلاء النفايات الحضرية في الجزائر تتم في ظروف مقبولة نوعا ما، غير أن هذه الإزالة لا زالت تجري في ظروف لا تؤمن أية حماية للبيئة، خاصة تفريغها في مزابل فوضوية على الرغم من محاولات إقامة مزابل مراقبة،كون الموارد المالية لا تسمح سوى بجمع ونقل النفايات وإن كانت كبريات المدن قد خصصت لها استثمارات معتبرة بغرض التقليل من آثار النفايات على البيئة وسيشرع في وقت قريب في تنفيذ برنامج خاص بتحديث نظام جمع وإخلاء النفايات بفضل قرض قيمته26 مليون دولار أمريكي منحه البنك الإسلامي لولاية الجزائر.كما أن وضعية النفايات الصناعية هي الأخرى باعثة على القلق،وإن كانت حوالي 50بالمائة من الوحدات الصناعية قد جهزت بأنظمة مضادة للتلوث إلا أن معظمها معطلة حاليا لذلك جهزت مؤخرا 15 وحدة صناعية بمحطات تصفية غير أن تشغيلها يبقى اتفاقيا، ومن جهة أخرى تعكف سوناطراك على دراسات حول المعالجة الكيماوية لأوحال البترول عوض طمرها وهذا تحقيقا للمواد03-10من القانون رقم 03-10مؤرخ في 19جمادى الأول عام 1424الموافقل19 يوليو2003المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة
في مجال تلوث البحر والمناطق الشاطئية: إن إقامة جل مشاريع وبرامج التنمية الثقيلة والملوثة على الشريط الساحلية زاد من تدهور الوضعية وبالتالي سعت الدولة سنة1992 بعد تمويل صندوق البيئة العالمية للبرنامج المغاربي لمكافحة التلوث الناجم عن المحروقات بشراء معدات الكفيلة بمكافحة التلوث البترولي وتجهيزات ومواد المخابر ، وإعادة تشغيل محطات تفريغ زيوت البواخر وتكوين الاطارات المختصة وتنظيم المرور في الموانئ،ومن جهة أخرى وعلى غرار بلدان الحوض المتوسطي، بادرت الجزائر بمساعدة برنامج عمل البحر الأبيض المتوسط بإعداد مخطط للتهيئة الشاطئية وقد انتهت دراسته الأولية الخاصة بالمساحة الحاضراتية للجزائر العاصمة، وفي حالة بلوغ هذا المشروع نتائج حسنة،يتم توسيعه إلى مناطق ساحلية أخرى
في مجال الغابات وحماية السهوب:ترمي الإستراتيجية الحالية إلى تفضيل الاختيارات التقنية المقبولة من طرف الفلاحين من جهة ومراعاة احترام البيئة من جهة أخرى والعمل على قدم وساق لإعادة تهيئة 03ملايين هكتار من السهوب وإعطاء أولوية أكبر للأراضي المعنية بالانجراف، ولكن العمل الجبار الذي تجدر الإشارة إليه هو عملية مكافحة الجراد الصحراوي حيث تم رش أكثر من 1400هكتار من الأراضي الموبوءة بيرقات الجراد الصحراوي في سياق تجربة المبيدات البيولوجية المشتركة بين الجهات المعنية بوقاية المزروعات الجزائرية ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التي أكدت بأن هذا المضاد الحيوي (العضلة الخضراء) المتكون من بذور الفطر ومزيج من الزيوت النباتية والمعدنية أفضل من المبيدات التقليدية كونه غير سام لبني البشر ولا توجد له تأثيرات جانبية بيئية أخرى، وقد قدر البرنامج الخماسي لحماية الأراضي وتوسيع الغابات بمبلغ 25مليار دينار
في مجال حماية التراث الثقافي:يمثل التراث الثقافي الأثري خاصة سندا للذاكرة الجماعية، وعلى الرغم من أهميته التاريخية والثقافية إلا أنه يعاني مشاكل أهمها: السلب المنتظم للمنحوتات والأواني لما قبل التاريخ وبيعها في الخارج،و سلوكات التخريب والخربشات التي يتركها المارة لإبراز الرسوم لالتقاط الصور،ونهب الصخور المنحوتة لتستعمل كمواد للبناء بشرشال وجميلة..لهذا الغرض فتحت عدة ورشات تعمل حاليا على ترميم التراث التاريخي،وإعادة الاعتبار للمكتسبات التاريخية وتخص العملية 18ولايةمنها الجزائر العاصمة ب15موقع،الاغواط، قسنطينة، وهران،غرداية…،وقد خصص الغلاف المالي لحماية التراث التاريخي والثقافي ب1.114.000دينار
في مجال التربية والتحسس البيئي: إن السياسة البيئية الناجعة هي تلك التي تمهد الطريق أمام نشوء وعي وثقافة بيئية،وهي التي تربط النظام الايكولوجي بالنظام التعليمي حيث تم إدراج دروس حول البيئة في الطور التعليمي الأول،وطبع كتاب مدرسي لمقياس التربية البيئية للطور الثاني، كما أسست برامج إذاعية وتلفزيونية حول البيئة تشاركها الصحافة المكتوبة العمومية والخاصة في معالجة ونشر مواضيع ايكولوجية.
إستراتيجية الدولة في مجال البيئة : نذكر في هذا المجال مخطط التدخل 2001-2004 الذي يمس خاصة أربع محاور أساسية، إليكموها مع تكلفتها المالية:

كما وضعت إستراتيجية للعشرية القادمة 2001-2011 تتركز حول تحقيق الأهداف التالية
أ- إدماج الاستمرارية البيئية في برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية: حيث يتم تشكيل الأعمدة القاعدية الكفيلة بضمان تنفيذ البرامج المسطرة التي يكون فيها استعمال الموارد الطبيعية وتقديم خدمات بيئية سليمة متوافقة مع متطلبات صلاحية البيئة والتنمية المستدامة.
ب- العمل على النمو المستدام وتقليص ظاهرة الفقر: من خلال القانون المتعلق بالتهيئة والتنمية المستدامة، موضوعه عقلنه الأعمار والتطور البشري الذي تقوم عليه التنمية المستدامة والتي أصبح الاستثمار فيها أمرا ضروريا حيث تسمح بالإسهام في بناء مجتمع متضامن والتخفيف من ظاهرة الفقر.
ج-حماية الصحة العمومية للسكان: من خلال التربية والتحسيس البيئي لحث المواطنين على احترام القواعد البيئية فيغيروا سلوكا تهم بصفة إرادية تجاه البيئة سواء بواسطة المعلمين والمربين أو الجمعيات الفاعلة أو الشخصيات المحلية …لنصل لتحقيق المثل القائل \”درهم وقاية خير من قنطار علاج16\”.

العلاقة بين الفقر والبيئة:
لقد أثبتت الدراسات أن العلاقة بين الفقر والبيئة تراكمية دائرية أو أشبه بعملية سببية تراكمية، حيث يجبر الفقراء على اختيار الفائدة المضمونة على المدى القصير حتى يمكنهم من سد الاحتياجات المستقبلية، لذلك فهم يتسببون في تدهور البيئة التي تعمل بالتالي على زيادة فقرهم وهكذا تستمر المشكلة، حيث يؤدي الفقر إلى قصور في الإنتاجية واستخدام غير مستديم للموارد الطبيعية.
وبشكل تفصيلي فإن علاقة الفقر بالبيئة علاقة مزدوجة الاتجاه، فالفقر هو أحد مسببات التدهور البيئي لأن احتياجات الفقراء وسبل معيشتهم الملحة تعني في كثير من الأحيان القيام بممارسات وسلوكات مدمرة للبيئة مثل الإفراط في صيد الأسماك والحيوانات البحرية في المناطق الساحلية واستخراجها بطرق غير سليمة ودون إعطاءها فرصة للتكاثر وتجديد مواردها، كذلك أدى اندفاعهم نحو الأراضي الهامشية بسبب قلة مواردهم وزيادة أعدادهم وعدم كفاية التنمية إلى تدمير الأراضي في الغابات المطيرة وحرث المنحدرات شديد الانحدار والرعي الجائر في أراضي المراعي الهشة(17)، ويحدث هذا عادة في الأنظمة البيئية التي تأوي مجتمعات فقيرة تعتمد بصورة أساسية على الموارد الطبيعية، وهناك علاقة بين الفقر وظاهرة التصحر.
فضلا عن هذا فإن التلوث البيئي الذي يؤدي إلى تدني نوعية البيئة يعرض الفقراء للخطر حيث أوضحت المسوح العلمية في جميع أنحاء العالم أن الفقراء هم أول من يتأثر بالتدهور البيئي(18)، حيث يقلل الفقر من حصانة الأفراد ضد آثاره باختلاف أشكالها (تلوث الهواء، الماء، التربة، التلوث الإشعاعي، التلوث الضوضائي). فالتلوث البيئي من أهم العوامل المؤثرة على صحة الأفراد لا سيما في المجتمعات الريفية مثلا فإن الأمراض التي تصيب الأفراد وبشكل رئيسي الفقراء تعود إلى أسباب بيئية، وأكثر الأمثلة مأساوية 80 من الأطفال يموتون سنويا بسبب الإسهال الناجم عن تلوث المياه السطحية بالإضافة إلى التأثيرات الصحية للأمراض الناتجة عن التدهور البيئي نجد أيضا التأثيرات الاقتصادية، حيث أشارت دراسة إلى أن معالجة الملا ريا تستنزف
حوالي 4% من دخل الأغنياء مقارنة ب33% تسترف من دخل الفقراء و تبعا لهذا السياق
فقد اقر التقرير الوطني حول حالة البيئة في الجزائر سنة 2000، بأن الفقر تفاقم بشكل واضح المشكلة البيئية، لا سيما وأن تقرير المؤتمر الوطني لمكافحة الفقر والإقصاء الذي نظمته الحكومة الجزائرية في 28 أكتوبر 2000، أكد أن شخصا واحدا على الأقل من بين خمسة أشخاص يعيش في حالة من الفقر، فإلى جانب التعرض المتزايد للسكان الفقراء لأخطار التلوث البيئي تزيد حالة العوز والحاجة عندهم في استهلاك الموارد البيئية دون مراعاة، وهذا لضمان حياتهم، ومن منظور سوسيولوجي فإن تعامل الفرد مع بيئته الطبيعية يخضع لجملة من المعطيات من بينها مستواه المعيشي، فلا يمكن التحدث عن سلوك بيئي إيجابي وعقلاني بينما يفتقد الفرد أبسط ضروريات الحياة مما يدخله في حيز الصراع من أجل البقاء وطبعا فالخيار هو للفرد على حساب عناصر البيئة الطبيعية، كما أن الجزائر أدرجت بشكل واضح ضمن الإستراتيجية وطنية للبيئة ومخطط العمل البيئي ضرورة تقليص ظاهرة الفقر والعمل على النمو المستدام(19).

البعد البيئي في إستراتيجية مكافحة الفقر:
إدراكا من المجتمع الدولي لحقيقة العلاقة بين الفقر والبيئة، ظهرت مشاريع وتجارب حاولت التوفيق بين تلبية الاحتياجات الأساسية وحماية البيئة، وقد نظم الإتحاد الدولي للطبيعة في هذا السياق مؤتمر حول \”التنوع البيولوجي والتعاون الأوروبي للتنمية وهذا من 19 إلى 21 سبتمبر 2006 حضره 400 مشارك يمثلون مختلف الحكومات والمجتمع المدني، وقد انتهى \”بنداء باريس\” المتضمن العمل على تمكين الفقراء من تيسير مواردهم الطبيعية خاصة وأن الثروات والموارد الطبيعية تمثل حوالي 25% من مدا خيل الدول ذات الدخل الضعيف وقد أبدى المشاركين قلقهم بخصوص الملاحظ في الخدمات المقدمة من طرف الأنظمة البيئية بفعل تناقص التنوع البيولوجي ككل والذي من شانه تهديد التنمية المستدامة خصوصا وأن أهداف التنوع البيولوجي هو المساهمة في الحد من الفقر لصالح كل كائن على وجه الأرض\”.وقد خلص المؤتمر إلى ضرورة إبلاء البيئة أكثر اعتبارا في التنمية وفي إستراتيجيات خفض الفقر، حيث تم تحديد جملة من الأنشطة والتحديات أهمها تحدي الإدماج الرامي إلى:
– ترقية التنمية المستدامة في المناطق الريفية وذلك باستخدام التنوع البيولوجي كرأسمال للحد من الفقر مع التخفيض من المخاطر وتحسين التغذية والصحة.
– إدماج المسائل البيئية في إستراتيجيات الحد من الفقر وكذا وسائل السياسات الاقتصادية الشاملة مع متابعة التطور الحاصل في ذلك المجال من أجل أن تصبح تلك السياسات عملية.

فيما كان التحدي الثاني هو نظام الحكم من خلال:
– إدخال إجراءات فعلية في وثيقة الإستراتيجيات الوطنية وسياسات القطاعات التي تسمح بدعم الاعتراف الصريح بحقوق سكان الأرياف والسكان الأصليين في تسيير الموارد الطبيعية والاستفادة منها.
بينما كان التحدي الثالث يكمن في أدوات ترابط السياسات من خلال:20
– الاستغلال الكلي للفرص التي تمثلها الأدوات المتاحة مثل الدعم المالي.
– تشجيع الاستعمال المنهجي والمنظم للتقييمات البيئية الإستراتيجية.
– دعم التنمية والمعارف والبحث المشترك.
فضلا عن هذا يمكن إدراج البعد البيئي في إستراتيجية مكافحة الفقر من خلال:
– فهم ظاهرة الفقر وقياسها وتقييمها وفق كل مجتمع.
– دعم سبل المعيشة المستدامة من خلال زيادة فرص التشغيل في المناطق الريفية والبلدات النائية والمجتمعات المحلية وهي أكثر فئات المجتمع تعرضا للفقر مع مراعاة الخصائص البيئية لهذه المناطق وبصيغة أخرى اعتماد أسلوب معيشة مع الأخذ بعين الاعتبار النشاطات البيئية في المجتمعات المحلية لمكافحة الفقر مع تقوية دور المنظمات المحلية غير الحكومية كالجمعيات.
– ضمان حصول الفقراء على عناية كافية وتحسين أوضاعهم الصحية لا سيما وأن الفقراء هم أكثر فئات المجتمع تعرضا وتأثرا للتلوث البيئي.
– دعم تمويل المشاريع المصغرة ودعم الأسر المنتجة ومتدنية الدخل.
الخاتمة
وصفوة القول فإنه ليس ثمة اتفاق على أن مصالح الفقراء ومصالح البيئة يتعارضان أو يتكاملان من ناحية المنطلق، إذ أن الممارسة الفعلية هي التي تحكم هذه العلاقة وتحددها، وكما يعمل بعض الفقراء نتيجة انعدام أو تدني الدخل بالتأثير السلبي على البيئة، فإن أساليب التنمية المستدامة تمكن من التوفيق بين احتياجات هؤلاء الفقراء واحتياجات البيئة وهو ما يمثل جوهر التنمية المستدامة، لا سيما إذا تم إدراج البعد البيئي ضمن إستراتيجيات مكافحة الفقر والأخذ بعين الاعتبار التجارب القابلة للتكرار والتطبيق في عدة أماكن في العالـم.

الهوامش
1. جمال عبد الناصر،\” المعجم الاقتصادي\”، دار أسامة والمشرق الثقافي ، الطبعة الأولى، (2006)، 283. 2. عبد الرزاق الفارس،\” الفقر و توزيع الدخل في الوطن العربي\” ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى، (2001) ،21.
3. فضيل دليو، \” التحديات المعاصرة- الفقر- الانترنت- اللغة\”، دون طبعة ، قسنطينة، دون سنة نشر،46- 68-69.
4. كريم كريم، \” الفقر والعولمة في مصر والدول العربية\” ، تر سمير كريم، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الاولى، (2005)،13.
5. إسماعيل قبرة وآخرون،\” عولمة الفقر المجتمع الآخر مجتمع الفقراء و المحرومين\”، دار الفجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، (2003)،17.
6. JEAN Lebens , \” sociologie de la pauvreté \”, édition Gall iman, paris, (1978), 74.
IBRC مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية 7.ناصر مراد ،تشخيص و مكافحة الفقر ، جامعة البليدة .
8. عبد الحكيم الصعيدي، \”البيئة في الفكر الإنساني والواقع الإيماني\”، الدار المصرية اللبنانية، مصر، 1996، ص39.
9.www.aljazeeratalk.net.
10.www.ulum.net.

11- ZANON Slimane, \”Population et environnement au Maghreb\”, Académie, Belgique, 1995, P 24.
12. إبراهيم سليمان عيسى، \”تلوث البيئة\”، دار الكتاب الحديث، الجزائر، ط2، 2000، ص63.
13. سيد أحمد غريب وآخرون، \”دراسات أسرية وبيئية\”، دار المعرفة الجامعية، مصر، 1997، ص85.
14. عبد الحكيم الصعيدي، \”البيئة في الفكر الإنساني والواقع الإيماني\”، الدار المصرية اللبنانية، مصر، 1996، ص39.
15.محمد صبري، \”البيئة الطبيعية\”، دار الفكر العربي، مصر، 1996، ص 26.
16. نادية جبر عبد الله ،\” الفقر وطرق قياسه \”، دار فرحة للنشر والتوزيع، دون طبعة ، دون سنة نشر،5.
17. أحمد عبد الوهاب عبد الجواد، \”التكافل الاجتماعي البيئي، الدار العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2001، ص 49. 50.81.
18.باتر محمد علي وردم ،العولمة و المستقبل الأرض ،الأهلية للنشر و التوزيع ،عمان119.118.2003.
19.وزارة تهيئة الإقليم ،المخطط الوطني للإعمال من اجل التنمية المستدامة 30،2001.
20. عامر محمود طراف، \”أخطار البيئة والنظام الدولي\”، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، ط1، 1998، ص82

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى