دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات سياسية

ثلاثون عاما على انهيار جدار برلين

بقلم: عبير بشير

الاثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٩ – 02:00

شكل اندفاع الألمان في نوفمبر 1989، لتحطيم جدار برلين الذي قسم الأمة الألمانية، إعلانًا صاخبًا لنهاية نظام عالمي وضعت أسسه نهاية الحرب العالمية الثانية، واتفاقات بين كبار المنتصرين فيها، وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

وعجل هذا الطوفان السياسي بتفكيك الاتحاد السوفيتي، ونهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وأعاد تركيب الجغرافيا السياسية لأوروبا والعالم، بعد إسدال الستار على الأنظمة الشيوعية في أوروبا -النظام الشيوعي في بلغاريا، والثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا، والسقوط العنيف لرومانيو تشاوشسكو، في رومانيا.

وأسهم قرار رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الامتناع عن التدخل العسكري لحماية الأحزاب الشيوعية الحاكمة في أوروبا الشرقية وتركها لإرادة مواطنيها من دون دبابات وقوات سوفيتية، في انهيار تلك الأحزاب كأحجار الدومينو. وجاء سقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفيتي، بعد سلسلة طويلة من الأحداث، كان أبرز الفاعلين فيها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان.

ريجان كان قد تنبأ في خطابه الشهير «إمبراطورية الشر» عام 1983 بانهيار الاتحاد السوفيتي، وكان يعتبر محاربته مسألة أخلاقية تتوجب المضي قدما في سياسة جديدة أكثر تشددا من سياسة سلفه جيمي كارتر الذي ألقى عليه باللائمة في إضعاف قوة الولايات المتحدة في العالم.

تنبأ ريجان في الخطاب بسقوط الاتحاد السوفيتي: «أعتقد أن الشيوعية هي فصل آخر حزين وغريب في تاريخ البشرية، يتم الآن كتابة الصفحات الأخيرة فيه».

وأطلق ريجان «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» أو «حرب النجوم» وهي برنامج لتطوير نظام دفاعي صاروخي يعتمد على أحدث التقنيات لإحباط أي هجوم قد تتعرض له الولايات المتحدة بالصواريخ الباليستية. هذه المبادرة أدخلت الاتحاد السوفيتي في سباق تسلح، أدى فيما بعد إلى تفككه. فقد ساهمت سياسة ريجان العسكرية في زيادة الضغط الاقتصادي على الاتحاد السوفيتي في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وأنهك سباق التسلح الاتحاد السوفيتي، فقد كان الاتحاد يخصص جزءا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري على حساب معيشة مواطنيه.

وأقر مسؤولون سوفييت سابقون بعد انهيار الاتحاد بأن برنامج «حرب النجوم» كان أحد عوامل الانهيار، فقد أظهر عدم استعداد الاتحاد السوفيتي سياسيا له، وعدم قدرته اقتصاديا على المنافسة في سباق تسلح مع الولايات المتحدة.

وفي فترة ولايته الثانية، تحسنت العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وهدأ ريجان من خطابه تجاه السوفييت بعد وصول قيادة جديدة – جورباتشوف- إلى السلطة، واقتربت الحرب الباردة من نهايتها.

وعندما انفجر مفاعل تشرنوبيل في أبريل 1986، كانت تلك لحظة رمزية للانهيار الوشيك للكتلة الشيوعية، ولانهيار جدار برلين.

كان انهيار جدار برلين، بمثابة الانتزاع الشعبي للحرية، ولحرية التفضيلات السياسية بعيدا عن النظام الشمولي، وكان إلغاء القيود المفروضة على السفر بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية من المعالم المهمة التي بشرت بظهور المجتمعات المفتوحة.

والأهم، فقد أرخ سقوط جدار برلين لمرحلة أغلق فيها قوس، وفتح فيها قوس آخر، فقد أغلق قوس الحرب الباردة التي توزعت فيها البشرية بين نموذجين سياسيين واقتصاديين، وتصورين للإنسان والمجتمع، وفتح غداة سقوط حائط برلين قوس جديد يؤشر على انتصار قيم الليبرالية -كما اعتُقد حينها، أو الليبرالية الجديدة، التي تزامنت مع العولمة.

منذ ذلك التاريخ انبرت الولايات المتحدة تنشر آيديولوجيا جديدة تقوم على الليبرالية في الاقتصاد والدمقرطة في السياسة. كانت تلك هي القيم التي أعلن عنها مستشار الأمن القومي حينها أنتوني ليك، في إدارة الرئيس بيل كلينتون.

في موازاة ذلك، ليس هناك أسوأ من توثيق لحظات 1989 ورفعها فوق التاريخ، فوق الزمن، بدعوى أن التاريخ قال كلمته النهائية لصالح الرأسمالية.

فعشية انتهاء الحرب الباردة، تقدم المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما، بأطروحته الشهيرة حول نهاية التاريخ، والتي تأسست على افتراض أن نظام الحكم الديمقراطي الليبرالي أصبح موضوع توافق عالمي، في ظل الانحسار الآيديولوجي -تفكك الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية.

غير أن هزات عنيفة ضربت أطروحة نهاية التاريخ بعد سنوات قليلة من طرحها، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، برزت الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة الباقية، لكنها فشلت في الارتقاء إلى مستوى المسؤوليات التي ورثتها بحكم وضعها الجديد. كانت الولايات المتحدة أكثر اهتماما بالتمتع بثمار انتصارها في الحرب الباردة، وفشلت في مد يد العون إلى دول الكتلة السوفيتية السابقة، التي كانت تمر بضائقة شديدة.

في الوقت التي التزمت فيه الولايات المتحدة بوصفات إجماع واشنطن النيوليبرالي، الذي افترض إجماع واشنطن على أن الأسواق المالية قادرة على تصحيح تجاوزاتها، وإذا لم تفعل فإن البنوك المركزية تستطيع أن تعتني بالمؤسسات الفاشلة من خلال دمجها في مؤسسات أكبر. كان هذا الاعتقاد زائفا، كما أظهرت الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2008. كان انهيار 2008 سببا في إنهاء هيمنة الولايات المتحدة العالمية التي لم يكن الشك ليرقى إليها، وتعزيز صعود القومية إلى حد كبير، كما تسبب في تحويل التيار القومي ضد المجتمعات المفتوحة.

وترى جريدة الفاينانشيال تايمز أن نصر سقوط جدار برلين انتهى غداة الاستفتاء على خروج بريطانيا من المجموعة الأوروبية، أو البريكست سنة 2016، ونجاح التيارات الشعبوية في أوروبا.

‭‬ كاتبة من فلسطين

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى