دراسات سياسية

أثر الثقافة السياسية علي النظام السياسي

الثقافة السياسية هي مجموعة القيم والمعايير السلوكية المتعلقة بالأفراد في علاقاتهم مع ‏السلطة السياسية.

يتأثر أي نظام سياسي بالبيئة المحيطة به. وبدورها تلعب الثقافة السياسية جزءاً مهماً في تحديد طبيعة هذه البيئة عبر المدخلات النابعة من البيئة، وعبر توقعات الأفراد والجماعات المكونة للمجتمع من النظام السياسي، والمطالب التي يضعونها على كاهل هذا النظام.

فالثقافة السياسية تشكل جزءاً مهماً من البيئة أو الوسط الذي يُحدث فيه السلوك السياسي. ومن هنا يهدف أنصار اقتراب الثقافة السياسيَّة إلى الفهم الواضح والمنظم للسلوك السياسي عبر الثقافة السياسية في المجتمع.

الافتراضات الأساسية التي يرتكز عليها الاقتراب:

ينطلق أنصار هذا الاقتراب من افتراض أنَّ هناك علاقة بين الثقافة السياسية والسلوك السياسي باعتبار أنَّ السلوك السياسي هو وليد الثقافة السياسية في المقام الأول. وعليه، فإذا أراد الباحث أن يفهم الواقع السياسي أو السلوك السياسي في مجتمع ما فلابُدَّ له من أن يفهم الثقافة السياسية في هذا المجتمع.

وبإعتبار أنَّ الثقافة السياسية السائدة هي التي تحدد السلوك السياسي، فقد نُظِرَ إلى الثقافة السياسية باعتبارها المتغير المستقل الذي يؤثر على النظام السياسي أو السلوك السياسي باعتباره متغيراً تابعاً، بما يعنيه ذلك؛ أنَّه إذا حدث تَغَيُّرَاً في الثقافة السياسية فإنَّه يترتب عليه تغيراً في السلوك السياسي.

وكما أنَّ للظاهرة الاجتماعية ثلاثة أبعاد: بُعد اجتماعي وبُعد اقتصادي وبُعد سياسي، فأنَّ للثقافة العامة للمجتمع أبعادها أيضاً. ومن ثُم فهناك الثقافة الاجتماعية والثقافة الاقتصادية، والثقافة السياسية. أي أنَّ هذه الأخيرة هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع. ويقصد بها منظومة العادات والتقاليد والمعتقدات والقيم السائدة في مجتمع ما صوب النظام السياسي، والتي تتحدد بناءاً عليها أشكال النقاش السياسي.

فالمنظومة السياسيّة ليست فطرية بل مكتسبة وتراكمية مُتغيرة غير ثابتة من خلال التنشئة السياسية. وبذلك؛ تكون الثقافة السياسية هي نتاج التنشئة السياسية. والتنشئة السياسية هي عملية يتم بمقتضاها نقل القيم والأفكار والمعتقدات من جيل لآخر. ويقوم بذلك عدد من مؤسسات التنشة مثل الأسرة والمدرسة وأجهزة الإعلام وغيرها.

المفاهيم الأساسية لاقتراب الثقافة السياسية:

الثقافة السياسية:

وتعد بمثابة المفهوم المحوري الذي سُميَّ الاقتراب على أساسها وقد أدخل جابرييل ألموند – Gabriel Almond هذا المفهوم إلى نطاق التحليل السياسي في عام 1956  عندما نشر مؤلفاً بعنوان ”الثقافة السياسية“.

حيث عرَّف جابرييل ألموند – Gabriel Almond الثقافة السياسية بأنَّها: ”توجهات واتجاهات الغالبية العظمى من أفراد المجتمع صوب النظام السياسي في كلياته وجزئياته وكذا رؤية الفرد لدوره في النظام السياسي“.

ومن هذا المنطلق يثير اقتراب الثقافة السياسية مجموعة من التساؤلات: كيف ينظر الأفراد إلى النظام السياسي ككل بصفة عامة؟

وما هي نظرتهم إلى مختلف مكونات النظام السياسي سواء من حيث الدور الذي تضطلع به ومدى قدرته على تحقيق هذا الدور؟

كيف يرى الفرد دوره في النظام السياسي؟ وإلى أي حد يرى أنَّه ينبغي عليه أن يلعب دوراً وأن يشارك في الحياة السياسية؟

 

التوجهات Orientations:

يشير التوجه إلى كل ما هو كامن ودفين في النفس البشرية نتيجة التنشئة. قد يدركها الفرد وقد لا يدركها. وتؤثر توجهات الأفراد على اتجاهاتهم ومن ثم على سلوكهم فإذا ما نشأ الفرد في بيئة متدينة مثلاً فإنَّ هذا يخلق لديه توجهاً دينياً وبالتالي تتحدد اتجاهاته وسلوكياته في هذا الإطار.

التوجهات إذن هي الإتجاهات قبل أن تُعَبِّرْ عن نفسها بصورة محددة والإتجاهات هي التوجُّهات وقد عَبَّرَتْ عن نفسها تجاه موقف محدد. ومن ثم، فهما مرتبطين ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً. وليس من الغريب إذن أن يعرف ألموند الثقافة السياسية بأنها التوجهات والإتجاهات صوب النظام السياسي بصورة عامة، أو إحدى جزئياته، أو التوجهات والاتجاهات صوب رؤية الفرد لدوره في هذا النظام.

وفي إطار تطويرهم لاقترب الثقافة السياسية استنادا كلاً من ألموند وسيدني فيربا – Sidney Verba من دراسات كل من تالكوت بارسونز – Talcott Parsons  وادوارد شيلز – Edward Shils في حقل الإجتماع السياسي حول مكونات التوجهات الثلاثة: الإدراكية والعاطفية والتقيمية. ترتبط الأولى بالإدراك والفهم وترتبيط الثانية بالمشاعر وترتبط الثالثة بالتقييم والإختيار.

في ضوء دراسات تالكوت بارسونز – Talcott Parsons  وادوارد شيلز – Edward Shils ميَّزَ ألموند وفيربا بين ثلاثة أشكال من التوجهات السياسية على النحو التالي:

– التوجه الإدراكي: ويقصد بذلك المعرفة بخصوص النظام السياسي والأدوار المنوطة به وشاغلي هذه الأدوار. وكذا مدخلات النظام ومخرجاته…الخ.

– التوجه العاطفي: ويقصد بذلك مشاعر الأفراد تجاه النظام السياسي ككل أو أي من أجزائه ومكوناته من كره وحب.

– التوجه التقييمي: ويقصد بذلك الأحكام والأراء التي يصدرها الأفراد عن النظام السياسي، والتي تتحدد بناء على إدراكهم ومعرفتهم بالنظام السياسي ومشاعرهم صووبه.

واستناداً إلى ذلك، ميَّزَ الموند وفيربا بين ثلاثة أنماط مثالية من التوجهات السياسية وهي:

1 – التوجهات السياسية الضحلة أو الضيقة:
وتسود المجتمعات التقليدية حيث لا وجود للأدوار السياسية المتمايزة، وحيث لا وجود للتخصص ويمكن للفرد بأن يقوم بأكثر من دور أو وظيفة مثل شيخ القبيلة الذي يلعب دور المشروع والحاكم والقاضي والقائد العسكري. وتتسم التوجهات السياسية الضحلة بـ:
– غياب توجهات الأفراد صوب النظام السياسي أو ضعفها على أساس إدراك أن النظام السياسي لن يستجيب لمطالبهم.
– ومن ثم تدني أو عدم اعتقاد الفرد بأنَّ له دور في النظام ينبغي عليه القيام به.

2- توجهات الخضوع: وتتسم بـ:
– درجة عالية من توجهات الأفراد صوب مخرجات النظام السياسي إدراكاً منهم بتأثيرات النظام السياسي القوية على الحياة اليومية العادية لهم.
– درجة محدودة من توجهات الأفراد صوب مدخلات النظام السياسي إدراكاً منهم بضعف قدرتهم في التأثير عليها.

3- توجهات المشاركة: وتتسم بـ:
– درجة عالية من التوجهات صوب مخرجات النظام السياسي.
– درجة عالية أيضاً من التوجهات صوب مدخلات النظام السياسي اقتناعاً من الأفراد بقدرتهم على التأثير فيها. ومن ثم يضطلع الأفراد بدور فعَّال ويتراوح تقييمهم لأداء النظام السياسي بين القبول العام والرفض التام لأي من مخرجات النظام، ويُعبر الشكل التالي عن هذه الأنماط المختلفة من التوجهات صوب النظام السياسي

 

التوجهات السياسية المختلة صوب النظام السياسي - الموسوعة السياسية Political Encyclopedia

خلص الموند وفيربا إلى أنَّ أي ثقافة سياسية على أرض الواقع العملي هي خليط من الأنماط الثلاثة من التوجهات السياسية ومن ثم فأنَّ الذي يميز بين ثقافة سياسية وأُخرى هو كونها تشتمل على قدر من كل من هذه الأنماط الثلاثة من التوجهات. فلا يُمكن أن تقتصر على نوع واحد أو نوعين من هذه التوجهات، بل لا بد أن تتضمن الأنواع الثلاثة من التوجهات بنسبة أو بأُخرى. ومن البديهي أنَّه كلما زادت نسبة توجهات المشاركة في مجتمع ما، كلما كان هذا المجتمع أكثر تقدماً من الناحية السياسية. والعكس صحيح فكلما زادت نسبة التوجهات الضحلة كلما كان المجتمع أكثر تقليدية.

ومن هذا المنطلق يمكن تعريف التنمية السياسية من منظور اقتراب الثقافة السياسية بأنها الإنتقال من وضع يغلب عليه التوجهات الضيقة وتوجهات الخضوع إلى وضع يغلب عليه توجهات المشاركة. فكلما زادت نسبة توجهات المشاركة، كلما ارتفع مستوى التنمية السياسية والعكس صحيح.

 

مفهوم الثقافة المدنية:

درس كُلاً من الموند وفيربا الثقافة السياسية في خمس دول تتباين من حيث الخبرة السياسية والتاريخية، وهي الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، والمكسيك. وقد خَلُصَ ألموند وفيربا من دراستهم هذه إلى نموذج لثقافة سياسية مثالية أطلقا عليها الثقافة المدنية.

والثقافة المدنية عند ألموند وفيربا – شأنها شأن أيَّة ثقافة سياسية آُخرى، أي هي خليط من الأنماط الثلاثة للتوجهات السياسية، غير أنَّه يغلب عليها توجهات المشاركة. وأقرب ما يمثل هذه الثقافة حسب وجهة نظر ألموند وفيربا هي الديمقراطيات الناجحة والمستقرة نسبياً في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وتبدو هذه الثقافة السياسية مناسبة تماماً – من وجهة نظرهما – للنظم السياسية الديمقراطية باعتبار أنَّها تقوم على أساس التوازن بين القوة الحكومية بما تمتلكه دون غيرها من الاستخدام المشروع لأدوات القهر المادي وبين ضرورة إستجابة الحكومة للمطالب المجتمعية من ناحية والتوازن بين الرضا الشعبي والإنقسام من ناحية ثانية، وبين سلبية المواطن وقدرته على التأثير على صانعي القرار من ناحية ثالثة.

وتتحقق مثل هذه الثقافة عبر القوى الجدلية للتغير التي تدفع في إتجاه الانخفاض التدريجي في التوجهات الضحلة وتوجهات الخضوع لصالح الزيادة التدريجية في توجهات المشاركة حتى تصل إلى ثقافة يغلب عليها توجهات المشاركة بدرجة كبيرة حيث يهتم الغالبية العظمى من المواطنين ليس فقط بمخرجات النظام السياسي بل وأيضاً بمدخلاته نظراً لإيمانهم في التأثير عليها.

 

الثقافة السياسية والتنمية السياسية - الموسوعة السياسية

يتبين من الشكل السابق أن الثقافة السياسية القائمة على التوجهات الضحلة فقط أو توجهات المشاركة فقط لا وجود لها على أرض الواقع العملي. ومن ثم، فهي تمثل طرفي نقيض على خط متواتر تكون الثقافات السياسية للمجتمعات المختلفة ممثلة عليه عند نقطة أو أُخرى بين هذين النقيضين.

ومن غير الممكن أن تقوم ثقافة سياسية ما على توجهات المشاركة وحدها لأنه في مثل هذه الحالة يصبح من حق المواطنين التأثير على كافة مدخلات العملية السياسية ورفض أي مخرج من مخرجاتها، الأمر الذي ينعدم معه التمييز بين المجتمع والحكومة وهو ما يستحيل تحقيقه عملياً.

ولكن كيف يمكن تبرير كل من التوجهات الضحلة وتوجهات الخضوع في مجمع على درجة عالية من التنمية السياسية؟

الواقع أنه يمكن تبرير وجود التوجهات الضحلة أو الضيقة في المجتمعات المتقدمة على أساس أن هناك من الأمور ما يصعب أن تتاح المعلومات بصددها للجميع مثل تلك المتعلقة بأمور الحرب وبالتالي لا يناقش المواطنون كثيراً بصددها، بل يمنحون كامل تفويضهم في هذا الشأن للقيادة الحاكمة. أمَّا بخصوص تبرير وجود توجهات الخضوع فيمكن القول بأنَّ الأفراد والجماعات كثيراً ما يقبلون قرارات حكومية معينة رغم علمهم بأنَّها تضر مصالحهم انطلاقاً من قناعتهم بأن هناك قرارات أُخرى تصدر لصالحهم والتي قد تضر في نفس الوقت بمصالح أفراد وجماعات أُخرى.

الإنتقادات الموجهة إلى اقتراب الثقافة السياسية:

لقد أخفق أيضاً الاقتراب في الوصول إلى نظرية إمبريقية متوسطة المدى ذات قدرة تفسيرية تنبؤية معقولة ومقبولة استناداً إليه، ويرجع ذلك إلى سببين:

الأول: اعترى المنظور الذي انطلق منه الاقتراب بعض النقص والقصور. فقد ركَّز أنصار الاقتراب على جانب المدخلات في النظام السياسي، وأهملوا كلية جانب المخرجات. فإذا كان صحيحاً أن الثقافة السياسية لها تأثيرها على السلوك السياسي، وهو ما افترضه الاقتراب إلا أنَّه من الصحيح أيضاً أنَّ النظام السياسي له تأثيره أيضاً على الثقافة السياسية عبر مختلف أدوات التنشئة السياسية خاصة المؤسسات التعليمية ومختلف أجهزة الإعلام الجماهيري التي يسيطر عليها النظام السياسي، والذي يسعى من خلالها لغرس قيم معينة مرغوب فيها وطمس قيم أُخرى غير مرغوب فيها بما يؤدي في النهاية إلى تغيير في الثقافة السياسية.

وعليه فإن العلاقة بين النظام السياسي والثقافة السياسية ليست علاقة أحادية الإتجاه، حيث يتم النظر إلى النظام السياسي باعتباره متغيراً تابعاً على الدوام، والثقافة السياسية باعتبارها متغيراً مستقلاً على الدوام. والصحيح – وهو ما يدعمه الواقع – أن العلاقة بينهما هي علاقة دائرية على أساس أن النظام السياسي يتأثر بالثقافة السياسية السائدة في المجتمع، ويؤثر فيها في ذات الوقت. وهو ما يجعل كل منها متغيراً تابعاً ومستقلاً في الوقت ذاته.

الثقافة السياسية - الموسوعة السياسية - Political Encyclopedia

الثاني: أنَّ أنصار الاقتراب يؤكدون على تفرد كل نظام سياسي. فمن الصعوبة بمكان معرفة لماذا تتطور النظم السياسية على النحو الذي تتطور به، ولماذا تتباين عن بعضها البعض؟ صحيح أن الثقافة السياسية مسؤولة عن قدر كبير من التباينات بين النظم السياسية. وما لم تؤخذ علاقة التأثير والتأثر الدائرية بين النظام السياسي والثقافة السياسية بعين الاعتبار، وربط كلاً منهما بالأخر على نحو فعَّال فإنَّه من الصعوبة بمكان بناء نظرية سياسية إمبريقية استناداً إلى هذا الاقتراب.

 

غير أنَّه من الصعوبة بمكان القول بأن اقتراب الثقافة السياسية عديم الفائدة فيما يتعلق ببناء نظرية إمبريقية متوسطة المدى على اعتبار أن التعريف العملى الإجرائي للثقافة السياسية الذي طوره كل من ألموند وفيربا في إطار هذا الاقتراب انطلاقاً من مكونات الثقافة السياسية الثلاثة: التوجهات الضحلة وتوجهات الخضوع وتوجهات المشاركة تعد أداة مفيدة للغاية في إجراء المقارنات. وهو ما يجعلنا نميل إلى القول بأنَّ اقتراب الثقافة السياسية يعبتر محدود الفائدة وليس عديم الفائدة فيما يتعلق ببناء نظرية إمبريقية متوسطة المدى ذات قدرة تفسيرية وتنبؤية معقولة ومقبولة.


مفهوم الثقافة السياسية:

لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين ابنائه، تلك الثقافة التي تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التي اكتسبها عبر ميراثه التاريخى والحضارى وواقعه الجغرافى والتركيب الاجتماعى وطبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فضلاً عن المؤثرات الخارجية التي شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة. والثقافة السياسية هى جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.

1 ـ تعريف الثقافة السياسية : يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة. وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم. ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسى. ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة .. الخ. وبذلك تكون الثقافة السياسية هى مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير السياسية التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتي تحدد الإطار الذى يحدث التصرف السياسى في نطاقه. أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر في السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين. وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى : • تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع. • الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع. • تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير في الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد. • تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية

مفهوم الثقافة السياسية:

لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين ابنائه، تلك الثقافة التى تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التى اكتسبها عبر ميراثه التاريخى والحضارى وواقعه الجغرافى والتركيب الاجتماعى وطبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فضلاً عن المؤثرات الخارجية التى شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة.
والثقافة السياسية هى جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.

1 ـ تعريف الثقافة السياسية :
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التى يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسى.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة .. الخ.
وبذلك تكون الثقافة السياسية هى مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التى تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التى تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير السياسية التى يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتى تحدد الإطار الذى يحدث التصرف السياسى فى نطاقه.
أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر فى السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين.
وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى :
• تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
• الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع.
• تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير فى الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير فى ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم فى نفوس الأفراد.
• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية.

2 ـ مكونات الثقافة السياسية :
يمكن الحديث عن مجموعة من العناصر أو المكونات للثقافة السياسية سواء تلك التىتتبناها الدولة (ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وتلك السائدة لدى أفراد المجتمع (المحكومين) والتى تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :

أ ـ المرجعية :
وهى تعنى الإطار الفكرى الفلسفى المتكامل، أو المرجع الأساسى للعمل السياسى، فهو يفسر التاريخ، ويحدد الأهداف والرؤى، ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية.
وغالباً ما يتحقق الاستقرار بإجماع أعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات بأهميتها وتعبيرها عن أهدافهم وقيمهم. وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الأزمات التى تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره.
ومن أمثلة المرجعيات الديمقراطية، والاشتراكية، والرأسمالية، والعلمانية .. الخ وأغلب الظن أنه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع فى الديمقراطيات الغربية، إذ أن هناك اتفاقا عاما على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى، أما فى الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادى وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.

ب ـ التوجه نحو العمل العام :
هناك فرق بين التوجه الفردى الذى يميل إلى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعى الذى يعنى الايمان بأهمية العمل التعاونى المشترك فى المجالين الاجتماعى والسياسى.
والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه من أهم مكونات الثقافة السياسية، ذلك أن هذا الشعور بالمسئولية يدفع المواطن إلى الإيجابية فى التعامل مع القضايا والموضوعات فى ظل ثقافة متشابهة مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.

ج ـ التوجه نحو النظام السياسى :
الاتجاه نحو النظام السياسى والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة فى العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة فى هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلى.
بالاضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية فى الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التىتحددها الدولة. فالثقافة السياسية هى التى تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذيه بالمعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.

د ـ الاحساس بالهوية :
يعتبر البعض أن الاحساس بالانتماء من أهم المعتقدات السياسية، ذلك أن شعور الأفراد بالولاء للنظام السياسى يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الأزمات والمصاعب التى تواجهه.
فضلاً عن أن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطنى وتقبل الالتزامات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة فى العمليات السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومى والمؤسسات السياسية ، وتقبل قرارات السلطة السياسية والايمان بالدور الفاعل لها فى كافة مجالات الحياة.

3 ـ أثر الثقافة السياسية على النظام السياسى :
يحتاج أى نظام سياسى الى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. فالحكم الفردى توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها فى الخوف من السلطة والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الايمان بكرامة وذاتية الانسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة. أما الحكم الديمقراطى فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الانسان، وتقتنع بضرورة
حماية الانسان وكرامته فى مواجهة أى اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين فى ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الانسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة فى إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.
وتساهم الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع إلى حد كبير فى بلدان كثيرة فى تحديد شكل نظام الحكم، بل انها قد تساهم فى تحديد عناصر القيادة السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية. وحيث يقدر المجتمع كبار السن ويعلى الذكور على الإناث، يغلب أن تجىء القيادة من صفوف المسنين الذكور. وفى كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. هذه الفئة قد تكون رجال الدين أو العسكريين أو المحامين .. الخ. وفى مثل هذه الحالة يتوقع أن تعكس السياسة العامة مصالحهم فى المقام الأول.
وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية ، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطنى والمواطنة المسئولة، وهنا يتوقع ان يشارك الفرد فى الحياة العامة، وأن يسهم طواعية فى النهوض بالمجتمع الذى ينتمى إليه. وفى دول أخرى يتسم الافراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أى شخص خارج محيط الأسرة. وفى بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسى على أنه أبوى يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى كل شىء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة. وفى المقابل قد يتشكك الفرد فى السلطة السياسية ويعتبرها مجرد أداة لتحقيق مصالح القائمين عليها ليس إلا.
لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسى يعتمد على الثقافة السياسية. فالتجانس الثقافى والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسى.

يعرف البعض الثقافة السياسية بإنها “مجموعة من الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التى تعطى نظاما ومعنى للعملية السياسية وتقدم قواعد مستقره تحكم تصرفات أعضاء التنظيم السياسى” ويعرفها البعض الآخر بإنها “القيم والمعتقدات والاتجاهات العاطفية للافراد حيال ما هو كائن فى العالم السياسى “وهذا يمكن القول أن الثقافة السياسية هى مجموعة الافكار والمشاعر والاتجاهات التى يؤمن بها الفرد وتحرك سلوكه تجاه النظام السياسى .

الثقافة السياسية بهذا المعنى هى جزء من الثقافة العامه للمجتمع وهى بذلك تؤثر فى الثقافة العامه وتتأثر بها فالثقافة السياسية تجد مصادرها فى الميراث التاريخى للمجتمع وفى الاوضاع السياسية والاقتصادية والايدولوجية السائده فى المجتمع كذلك فإن الثقافة السياسية تؤثر فى الثقافة العامة للمجتمع عن طريق قيامها بمساندة استمرار اوضاع أو السعى لتغيرها

كذلك لا تعرف الثقافة السياسية لاى مجتمع ثباتا مطلقا، ولكنها تتعرض للتغيير ويحدث هذا التغيير استجابة للتحولات التى تطرأ على المجتمع سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا وسعى الثقافة السياسية للتكيف مع تلك الاوضاع الجديدة.

وبالاضافة الى وجود قاسم مشترك من الثقافة السياسية بين أفراد المجتمع ككل الا أن ذلك يمنع من وجود عدد من الثقافات السياسية التى قد ترتبط بمكان الاقامة مثل ثقافة اهل المدن وثقافة اهل الريف او الاختلافات الجيلية مثل ثقافة الكبار وثقافة الشباب او الاختلافات بين ثقافة الجماهير وثقافة الصفوة. فعلى سبيل المثال تتسم الصفوة بإنها حديثة وعقلانية فى حين تتصف ثقافة الجماهير بالتقليدية والقدرية. كذلك تتسم ثقافة الكبار بالسعى الى المحافظة على القيم القديمة ومقاومة التغيير فى حين أن الشباب يتقبل القيم الجديدة ويسعى الى التغير الاوضاع القائمة

مضمون الثقافة السياسية

تحتوى الثقافة السياسية لاى مجتمع على عدد من القيم السياسية يتراوح مضمونها فى الآتى :

1) الحرية والاكراه : حيث أن الثقافة السياسية قد تؤكد على قيمة الحرية وهنا فان طاعة الفرد للسلطة الحاكمة يكون على أساس الاقتناع وليس الخوف ويكون لدى الفرد أحساس بالقدرة على التأثير فى مجريات الحياة السياسية والمشاركة الايجابية أو قد تؤكد على قيمة الاكراه وفى هذه الحالة فعادة ما ينصاع الفرد للحكومة بدافع الخوف لا الاقتناع ويفتقد الاحساس بالقدرة على التأثير السياسى

2) الشك والثقة : حيث يعتبر عنصر الشك أو الثقة فى السلطة الحاكمة عنصراً اساسياً من عناصر الثقة السياسية مع ويتوقف مدى ثقة الفرد او شكله فى الحكومة على طبيعة سلوك الحكومة تجاه الافراد ومدى استجابتها لمطالبهم كذلك فان انخفاض الثقة بين الافراد وبعضهم البعض يقلل من ثقة الافراد فى حكومتهم

3) المساواة والتدرج : فقد تؤكد الثقافة السياسية أما على المساواة بين الافراد أو على التمييز والتفرقة بينهم وتزداد درجة المشاركة السياسية فى المجتمع كلما زاد الاحساس بالمساواة بين أفراده

4) الولاء المحلى والولاء القومى : ففى المجتمعات التى تعلى من قيمة الثقافة القومية يتجه الفرد بولائه نحو الدولة ككل بما يتضمنه ذلك من شعور بالمسئولية العامه وأعلاء المصلحة العامه على المصلحة الخاصة. والاهتمام بالقضايا القومية. أما فى المجتمعات التى تعلى من قيمة الثقافة المحلية يتجه الفرد بولائه الى اسرته أو قبيلته أو جماعته الدينية أو العرقية أو اللغوية على حساب الدولة ويصاحب ذلك غياب الشعور بالمسئولية العامه والانغلاق على القضايا المحلية والذاتية

ويتم نقل الثقافة السياسية أو خلقها أو تغييرها عن طريق عملية التنشئة السياسية أو نقل ثقافة المجتمع من جيل الى آخر ويقوم بهذا الدور عدد من الادوات اهمهما الاسره والمدرسة وجماعة الرفاق والاحزاب السياسية ووسائل الاعلام المختلفة.

في الحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة لتعزيز البناء الديمقراطي الحقيقي

إن للثقافة السياسية تأثيرًا كبيرًا على النظام السياسي بوجه خاص والحياة السياسية بوجه عام؛ إذ تدفع الأفراد والجماعات إما باتجاه الانخراط في النظام السياسي أو تدفعهم باتجاه اللامبالاة والسلبية السياسية، وحسب تقدير (فيربا وألموند)، فإن التوافق بين الثقافة السياسية والبنية السياسية ضروري لتأمين استمرار النظام السياسي، فإذا حصل التفاوت بينهما، يتلكأ النظام ويتعرض حينئذ للزوال، ومع ذلك لا يكون التوافق كاملًا على الدوام لعدم امتلاك الثقافة السياسية التجانس الكامل. ولكل نمط من الثقافة السياسية ما يقابله من البنى السياسية، ينمو ويتطور في ظله، ولا يمكن بناء بنية سياسية معينة خارج إطار البناء الثقافي السائد في المجتمع، ومن دون التلاؤم بين الثقافة السياسية والبنية السياسية، يتعرض النظام السياسي للخطر ويتهدده السقوط، والتلاؤم بينهما شرط أساسي للاستقرار السياسي.
إن روح الديمقراطية الحقَّة لا تقوم على الأساس المؤسساتي/الإجرائي فقط، فقد تكون الثورات استطاعت أن تقوض مؤسسات ونخب النظم الاستبدادية السابقة إلا أنه يبقى الرهان الحقيقي على كيفية محق قيم الثقافة السياسية التسلطية التي تغلغلت في جينات العقل السياسي العربي، سواء على مستوى الشعور واللاشعور الذي يحدد أنماط السلوك السياسي السلطوي، حيث استطاعت لردح من الزمن أن تحصِّن هذه النظم السياسية التسلطية؛ فالظاهر في هذه المخاضات التي تعيشها دول الربيع الديمقراطي، أن عملية هدم المؤسسات السياسية واستبدال أخرى بها تعبِّر عن إرادة الشعب، هي عملية يسيرة بخلاف استبدال قيم ثقافة سياسية ديمقراطية بقيم ثقافة سياسية استبدادية. فالثانية مسألة بالغة التعقيد، وقد تحتاج إلى وقت بفعل موانع وإكراهات تشكِّل التفكير الجمعي السلطوي ليس فقط في علاقة السلطة بالمواطن وإنما بفعل تمكنها حتى من العلاقات الاجتماعية مما يفرض تحديات كبرى.
الثقافة السياسية الجديدة التي تفترضها استراتيجية الانتقال الديمقراطي هي -باختصار- الثقافة التي تحل النزعة النسبية في وعي السياسة والمجال السياسي محل النزعة الشمولية، وتحل التوافق والتراضي، والتعاقد، والتنازل المتبادل، محل قواعد التسلط، والاحتكار، والإلغاء… إلخ، فتفتح المجال السياسي -بذلك- أمام المشاركة الطبيعية للجميع، وتفتح معه السلطة أمام إرادة التداول السلمي عليها. هذا يعني أن في قاع هذه الثقافة السياسية النظري مفهومًا مركزيًّا تأسيسيًّا للسياسة والسلطة، وهو أنهما -معًا بحسبها- ملكية عمومية للمجتمع برمته يتخلص معها أي سلم معياري تتوزع بموجبه أقساط السياسة والسلطة ومستحقاتها على قواعد الامتياز أو الأفضلية أو ما في معناها من أسباب السطو على الرأسمال الجماعي السياسي.
إن كثيرًا من التناقضات والتوترات السياسية والاجتماعية الداخلية، لا يمكن معالجتها بدون ثقافة سياسية جديدة، تؤسس لنمط جديد من العلاقة والتواصل بين مكونات المجتمع وقواه قوامها التسامح والحرية وسيادة القانون وقيم حقوق الإنسان. فكثير من مشكلات الداخل في المجالين العربي والإسلامي، بحاجة إلى رؤية وحلول جديدة، تتجاوز النمط التقليدي في معالجة هذه المشكلات. فأزمات السلطة وعلاقتها بالمجتمع وتعبيراته المتعددة وطبيعة الموقف من التعدد والتنوع المذهبي والقومي والعِرقي المتوافر في العديد من المجتمعات، بحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، تعيد صياغة العلاقة على أسس جديدة بين السلطة والمجتمع، كما أنه لا يمكن تجاوز معضلات التمييز الطائفي والعِرقي والقومي، بدون ثقافة سياسية، تعيد إلى التنوع كينونته ومتطلباته، وترسي دعائم المواطنة وأسس الوحدة وفق رؤية وثقافة لا تلغي الخصوصيات الثقافية لكل فئة أو شريحة في المجتمع والوطن، دون أن تشرع في الانكفاء والانحباس في الذات
د. عثمان الزياني – أستاذ بجامعة مولاي إسماعيل، مكناس، مركز الجزيرة للدراسات بتصرف

المصادر والمراجع:

أ. د جابر سعيد العوض، النظم السياسية المقارنة، النظرية والتطبيق، جامعة 6 أكتوبر.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى