دراسات اقتصاديةدراسات سياسية

مقاربة العقوبات الاقتصادية: الاختبار الصعب للتعددية القطبية

فرضت إدارة دونالد ترامب حزمة من العقوبات التجارية والاقتصادية على إيران مع تهديد كل دول العالم بدون استثناء أن كل من يتعامل مع إيران لا يتعامل معنا، في إشارة واضحة للأوربيين وكل القوى التي رفضت الامتثال للعقوبات الأمريكية مثل روسيا، الهند الصين، تركيا وغيرها.

المعنى الإستراتيجي للعقوبات الأمريكية لا يتوقف عند حدود الأهداف المعلنة من قبل الإدارة الأمريكية وهي تغيير سلوك إيران في المنطقة، إعادة التفاوض حول البرنامج النووي والصاروخي، التدخل في الأزمات الإقليمية، وإجبار القادة الإيرانيين على التفاوض مع ترامب بدون شروط مسبقة؛ وإنما هو اختبار فعلي للقوة الأمريكية في إعادة ترميم من جديد الأحادية القطبية بواسطة الأدوات الاقتصادية والتجارية، بعد أن أحبط بوتين الأحادية العسكرية عام 2008.

الحقيقة أن دافع البحث عن الأحادية القطبية والهيمنة على النظام الدولي ليس تقليدا جديدا في الثقافة الإستراتيجية الأمريكية، إذ حاولت إدارة هاري ترومان تثبيت الأحادية القطبية عقب الحرب العالمية الثانية بواسطة احتكار الأسلحة النووية؛ لكن لم تعمّر المحاولة طويلا إذ بعد ثلاث سنوات استطاع جوزيف ستالين تغيير التوازن الإستراتيجي من الأحادية إلى الثنائية القطبية؛ ثم حاولت القيام بذلك كل من إدارة كلينتون بواسطة توسيع الحلف الأطلسي شرقا وتفكيك يوغسلافيا، وإدارة جورج بوش الابن عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 بواسطة شعار “من ليس معنا فهو ضدنا” وشن حربي أفغانستان والعراق؛ وبعد سبعة سنوات استطاع فلاديمير بوتين إنهاء الأحادية القطبية بواسطة التدخل في أزمة جورجيا في أوت 2008، ثم أزمة أوكرانيا عام 2014، ثم أزمة سوريا عام 2015.


منذ قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، عمل على ترميم الأحادية القطبية بواسطة الأدوات التجارية والاقتصادية، مثل الانسحاب من الاتفاقات التجارية، الدعوة إلى مراجعة اتفاقات التجارة الحرة، الحرب التجارية ضد الصين، بالإضافة إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات بشكل صارم بطريقة أحادية، وتهديد باقي قوى العالم من مغبة انتهاك العقوبات الأمريكية.


برّر ترامب الخطوات الأمريكية ضد إيران بخدمة السلام العالمي، وهو التقليد الإستراتيجي الشائع في الثقافة الإستراتيجية الأمريكية، إذ بررت أمريكا مثلا قصف اليابان بالأسلحة النووية بالرغبة في وقف الحرب العالمية الثانية، وتدخلت في فيتنام بدعوى الدفاع عن العالم الحر، وقامت باحتلال وتدمير العراق تحت شعار تحرير العراق ونشر الديمقراطية.


ما هو مهم أن مقاربة ترامب في التعامل مع إيران هي من حيث الجوهر اختبار فعلي لقوة الولايات المتحدة في تثبيت الأحادية القطبية من جديد، وجعل كل القوى العظمى تستجيب لأولويات الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن ثم، سوف يتوقف مصير التعددية القطبية بإرادة الاتحاد الأوربي والقوى الاقتصادية الناشئة في الصمود أمام العقوبات الأمريكية وامتثالها من عدمه للقرارات الأمريكية. باختصار، الأطراف المؤهلة لإنهاء الأحادية القطبية الجديدة هي دول الاتفاق النووي الإيراني زائد الهند وتركيا.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى