دراسات أسيويةدراسات سياسية

الدور التنموي للدولة في مکافحة الفساد: دراسة حالة ماليزيا

ملخص:

يُعد الفساد أحد أخطر وأهم المعوقات والمشکلات التي تقف أمام تحقيق التمية، حيث انه يساعد علي تآکل عوائد التنمية ويحد من قدرة الدولة علي تحقيق عدالة التوزيع فيما بين أفراد المجتمع. ولذلک فقد أخذت الدولة الماليزية علي عاتقها منذ الاستقلال تنمية وتطوير الأجهزة الحکومية بما يحقق التنمية الاقتصادية ويضمن مستوى متميز من الخدمات العامة و بناء نظاماً سياسياً واداريا ذو قدرة استجابية عالية لاحتياجات المواطن.

وقد رکزت الورقة على التجربة الماليزية باعتبارها نموذجاً متفرداً جدير بالدراسة خصوصاً للدول النامية، حيث مثل النموذج الماليزي في التنمية بشکل عام ومحاربة الفساد و التطوير الإداري بشکل خاص نموذجاً خاصاً قام علي تفعيل منظومة القيم الروحية والأخلاقية والدينية التي يتمتع بها المجتمع وجعلها منطلقاً رحباً لتدعيم بناء الدولة والمجتمع أولاً کوحدات أصيلة متکاملة ومتجانسة رغم اختلافها.

و قد أوضحت دراسة التجربة الماليزية في محاربة الفساد عدم وجود استراتيجية سهلة التنفيذ تستطيع من خلالها الدول علاج ذلك الخلل المجتمعي والاقتصادي الذي يسبب تآکلاً مستمراً لجهود التنمية ويُحد من تحقيق عدالة التوزيع. وقد أظهرت دراسة التجربة الماليزية ضرورة وجود رؤية شاملة ومتکاملة لإشکالية الفساد، فعلي خلاف العديد من التجارب التي ترتکن علي إيجاد صيغ قانونية وتشريعية ومؤسسية نزعت ماليزيا إلى وضع مواجهة قضية الفساد فى قمة أولوياتها ضمن مخططها الاستراتيجي ورؤيتها القومية للدولة.

مقدمة:

شهد العالم منذ النصف الثانى من القرن العشرین جدلاً کبیراً حول دور الدولة فی التنمیة، وتعددت الأراء والمدارس الفکریة فی محاولة لتوصیف دور الدولة وطبیعته ونطاقه فی تحقیق عملیة التنمیة.

وفی هذا السیاق ظهر اتجاهان، الاتجاه الأول، الذی یدعمه الفکر الرأسمالی ویرى أن الدولة تکون الدولة الحارسة أو دولة الحد الأدنى أی أنه لا یحق لها التدخل فی المیادین الثقافیة، الإقتصادیة و الإجتماعیة داعمةٍ للمبدأ المشهور : “دعه یمر دعه یعمل”..فإن الدولة لا تمارس إلا تلک الوظائف التی تسمح لها بالحفاظ على کیانها وبقائها لمواجهة العدوان الخارجی والحفاظ على الأمن والنظام داخل إقلیمها، وبالتالی فإن وظائفها تنحصر فی مرافق الدفاع والأمن والقضاء. وتعتبر أن تجاوز هذا الحد یؤدی إلى المساس بحقوق وحریات الأفراد .

الاتجاه الثانى، فکرة الدولة التدخلیة والتى تعبر عن النظام الاشتراکی والتى لها وظیفة أساسیة هی تحقیق العدالة و المساواة بین الأفراد، یرى أنصاره أن سعادة الفرد تتحقق من خلال تدخل الدولة التی تتولى تحقیق العدالة و المساواة بین الأفراد فی المجتمع و تقضی على الطبقیة المبنیة على إستغلال الإنسان للإنسان.وإن تدخل الدولة یشمل جمیع المیادین الإجتماعیة، الثقافیة و الإقتصادیة و یتم من خلال، الملکیة الجماعیة لوسائل الإنتاج حیث تقوم الدولة الإشتراکیة فی مرحلتها من خلال عملیة التأمیم بتحویل الملکیة الخاصة لاسیما الإستغلالیة منها إلى ملکیة جماعیة تُستعمل لتوفیر الخیرات المادیة لجمیع أفراد الشعب. علاوة على الإعتماد على أسلوب التخطیط حتى تحقق الدولة أهدافها الإجتماعیة و الإقتصادیة لابد من إستعمالها لأسلوب التخطیط العلمی و المرکزی، وأیضا- التوزیع العادل للدخل الوطنی ، و یتم فی المرحلة الأولى من النظام الإشتراکی طبقا لمبدأ “لکل حسب عمله” ثم فی مرحلة متطورة من النظام الإشتراکی “الکل حسب حاجته” (مجتمع الوفرة). 

ومع سقوط الاتحاد السوفیتى وهزیمة نموذج الحد الأقصى، شهد العالم طغیان نموذج دولة الحد الأدنى وشیوعه فی شتى البلاد، وعلى الرغم من ذلک عرفت نفس الفترة تجربة ایجابیة فی منطقة جنوب شرق أسیا عرفت بالنمور الأسیویة، حیث برزت هذه الدول على الساحة کاقتصادیات جدیدة ومتحرکة، أنجزت خلال الربع الأخیر من القرن العشرین ما یشبه المعجزة الاقتصادیة، بتحقیق معدلات نمو عالیة وقدرة هائلة على التصدیر والمشارکة فی التطور التکنولوجى للصناعات الحدیثة، حیث لعبت الدولة دورا محوریا وفاعلا فی تحقیقها رغم أن هذه الدول تأخذها جمیعها بنظام السوق.

وتأتى مالیزیا فی هذا السیاق لتکون نموذجا متمیزا للدول النامیة، حیث حققت قدرا کبیرا من التنمیة، لعبت فیه الدولة دورا محوریا بما لها من أجهزة ومؤسسات فی تحقیق تنمیة شاملة، الأمر الذی یجعل منها نموذجا یستحق دراسته.

وفى هذا الإطار لطالما اُعتبر الفساد أحد أخطر وأهم المعوقات التی تقف أمام تحقیق التتمیة بل أن العدید من التقاریر والدراسات أکدت علی أن الفساد بکافة أشکاله وأنواعه یساعد علی تآکل عوائد التنمیة ویحد من قدرة الدولة علی تحقیق عدالة التوزیع فیما بین أفراد المجتمع.ولذلک فقد أخذت الدولة المالیزیة علی عاتقها منذ الاستقلال تنمیة وتطویر الأجهزة الحکومیة بما یحقق التنمیة الاقتصادیة ویضمن مستوى متمیز من الخدمات العامة و بناء نظاماً سیاسیاً واداریا ذو قدرة استجابیة عالیة لاحتیاجات المواطن.

إشکالیة الدراسة:

یمکن بلورة اشکالیة الدراسة فی صورة تساؤل بحثى رئیسى مفاده : کیف نجحت الدولة الانمائیة فى مالیزیا فی تحقیق الانجازات على صعید مکافحة الفساد خصوصاً أثناء فترتى حکم رئیس الوزراء مهاتیر محمد فى الفترة الأولى من عام 1981 بدایة تولى مهاتیر محمد الحکم حتى عام 2003 ، ثم فى فترته الثانیة من مایو 2018حتى مارس عام 2020 فترة حکمه الثانیة؟

تساؤلات الدراسة:

1- ما هى الدولة الانمائیة؟ وما هم أبرز سماتها ؟

2- ما هى التطورات التى أثرت على دور الدولة الانمائی؟

3- ما هى أبرز التحدیات التنمویة التى واجهتها مالیزیا فى سعیها لمکافحة الفساد؟

4- ما هى انعکاسات إستراتیجیات مکافحة الفساد على موقع مالیزیا فى المؤشرات الدولیة.

5- ما هی أبرز الدروس المستفادة من التجربة التنمویة المالیزیة؟

أهمیة الدراسة:

تنبع أهمیة الدراسة فى کون مالیزیا قد قدمت نموذجا تنمویاً یتمیز “بمحوریة” دور الدولة فی مجالات التنمیة المختلفة وذلک فی ظل سیادة النظام الرأسمالی الداعى بالحد من دور الدولة ، وقد استطاعت مالیزیا وهى إحدى الدول النامیة التى تعانى من بعض معوقات التنمیة أن تتمکن من تحقیق طفرة تنمویة کبیرة وتتمکن من تقلیل معدلات الفساد من خلال استراتیجیة وطنیة لمکافحة کل صور ومظاهر الفساد، مما یوجب علینا دراسة تلک التجربة کمحاولة للاستفادة منها.

ثالثا: منهج الدراسة:

سوف یتم استخدام منهج تحلیل النظم، لدیفید ایستون، ویتکون عنده من أربعة عناصر أساسیة :

1-المدخلات: وهى الضغوط والتأثیرات التى یتعرض لها النظام وتدفعه إلی النشاط والحرکة، وقد یکون مصدر هذه المدخلات داخلیا أو خارجیا.

2-عملیة التحویل: ویتم فیها تحلیل واستیعاب المدخلات .

3-المخرجات: وتتمثل فی استجابة النظام للمطالب فی صورة سیاسات وقرارات

4-التغذیة الاسترجاعیة.

بالتطبیق على الحالة المالیزیة، فالتحدیات التنمویة مثل أزمة العرق والفقر وعدم الموازنة فی الدخول بین السکان الاصلیین المالای وغیرهم من الأقلیات کانت مطالب مٌلحة على النظام، دفعته الی انتهاج سیاسة تنمویة من ضمنها سیاسات مکافحة الفساد (التحویل)، نتائج تلک السیاسات من مؤشرات ایجابیة ونجاحات تمثل “المخرجات”.

رابعاً: تقسیم الدراسة:

سوف تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء بشکل تفصیلى علی التجربة المالیزیة فی محاربة الفساد من خلال تقسیم الدراسة الى ثلاثة أقسام تلیها خاتمة وأهم التوصیات ، وذلک کما یلى:

– یتطرق القسم الأول لمفاهیم الدور الانمائى للدولة و عناصر للدولة الإنمائیة ومفهوم الفساد.

– وفى القسم الثانى نستعرض أهم تحدیات التنمیة فى مالیزیا.

– و فى القسم الثالث نٌشیر الى التجربة المالیزیة فی محاربة الفساد.

الإطار النظرى: ” مفاهیم الفساد والدولة الإنمائیة: السمات والعناصر الرئیسیة ومتغیرات الدور الانمائى للدولة”

أولاً: ماهیة الدول الانمائیة وعناصرها:

لا تزال الدولة الانمائیة من بین المفاهیم القلیلة فی العلوم الاجتماعیة التى تستحق إلی مزید من الدراسة، وترجع الأهمیة العملیة لهذا المفهوم إلی التزام هذه الدول بالتنمیة والتعبئة الناجحة لاستثمارات القطاع الخاص من أجل دفع النمو الاقتصادی بما یجعلها على النقیض التام مما یطلق علیه الدولة الضعیفة والتى لا تعتبر فقط مسئولة عن غیاب التقدم الاقتصادی، وإنما حاجز بالفعل فی وجه الدول الأقل نموا لتحقیق تنمیتها.

1- ماهیة الدولة الانمائیة:

یؤکد أدریان لیفویتش أن قیام الدولة بدور أساسی فی دفع التنمیة لیست فکرة جدیدة، فهى دائما ما کانت تثار فی سیاق الحدیث عن التنمیة منذ عام 1940، بل أنه أوضح أن فکرة الدولة کجهاز قائد للتنمیة کانت جزء أساسیا من السیاسات الاستعماریة . وسعى لیفتوتیش إلی التمییز بین الدولة الفاشلة التى تمیز الکثیر من دول أفریقیا جنوب الصحراء، وتلک التى أحرزت بعض التقدم فی جنوب شرق أسیا، مشیرا أن ما میز الدولة الانمائیة فی شرق أسیا کان نتاجاً لنمط سیاسات یمیل إلی الترکیز على کل من الارادة السیاسیة، والاختصاص البیروقراطی لوضع خطة تنمویة تتسم بالتنافس. ویعود الاهتمام بمفهوم الدولة التنمویة الی “فریدریش لیست” والتى أکد من خلالها على أن الدول الأقل تقدما تحتاج إلی وسائل اصطناعیة غیر طبیعیة للحاق بالدول المتقدمة، مشیر فی هذا الصدد إلی أن مهمة الاقتصاد السیاسی هو اعداد الدول للحاق بالتقدم وتحقیق التنمیة الاقتصادیة ، وهو ما لا یمکن أن یتحقق کما یقول الا اذا تمتعت الدولة بالقوة والاستقلالیة.وقد شارکه فی هذا الرأی مارکس حینما ألمح الی شئ قریب بالدولة التنمویة وهى الاستقلالیة التى تمتعت بها الدولة فی فرنسا تحت حکم لویس بونابرت، وهو ما علق علیه الیستر بالقول أن الدولة الرأسمالیة کانت هى حجر الأساس فی نظریة مارکس والتى نظرت للدولة مستقل وفعال یبحث عن مصالحه الخاصة .

ومن جانبه تحدث شالمیرز جونستون فی کتاباته عن الدولة التنمویة مشیرا الی کون الیابان نموذجاً فی تحقیق ذلک موضحا أنه اضافة إلی کل من أنظمة السوق الحر والاشتراکیة تواجدت فئة ثالثة من الدول وهى”الدولة التنمویة الرأسمالیة .

ومن جانبه رای هنتنجتون ان تفسیر عدم فعالیة الدولة یکمن فی الصراع ما بین أهداف الدولة ومصالح القوى المجتمعیة، مشیرا إلی أن دور الدولة لا یقتصر فحسب على القضاء على الفوضی ولکن أیضا توجیه نحو التنمیة، حیث أصر على الحاجة إلی دولة قویة لتحدیث المجتمعات الانتقالیة، مؤکدا على أنه کی تتعامل الدولة بنجاح مع مسأـلة التحدیث فإن النظام السیاسی ینبغی أن یکون قادرا على ابتکار السیاسة التى من شأنها أن تدفع الاصلاح الاقتصادى والاجتماعی من خلال تدمیر مراکز القوى المجتمعیة الأخرى ودفعها لکی تسیر فی الطریق التنموی. وانطلاقا من هذا أکد هنتنجتون على الأهمیة التنمویة لترکیز السلطة السیاسیة فی الدول النامیة التى تمر بعملیات تحدیث، مشیرا أن مثل هذا الترکیز وهذه القوى کانت ضروریة للنجاح التنموی لهذه الدول، لأنها مکنت الدولة من أخذ قرارها بالتدمیر السیاسی للمؤسسات والتقالید والعادات والمصالح التى أعاقت التنمیة.

ویعرف ماسکی ابی الدولة التنمویة بأنها الدولة التى تهدف نُخبها السیاسیة إلی الاسراع بالتنمیة الاقتصادیة ومن أجل ذلک فإنها توفر القوة والسلطة لبیروقراطیتها لکی تخطط وتنفذ السیاسات بفعالیة، وهکذا تتمتع الدول الانمائیة بالشرعیة من خلال قدرتها على تحقیق معدل مرتفع من النمو الاقتصادی. وأشار مارک بیسون إلی ان الدول التنمویة أخذت على عاتقها مسؤلیة وضع أهداف اقتصادیة واجتماعیة یمکن أن تقود عملیات التنمیة والحراک الاجتماعی. حیث صممت للتأثیر على اتجاه وسرعة التنمیة الاقتصادیة من خلال التدخل بشکل مباشر عن التنمیة على قوى السوق لتوزیع الموارد الاقتصادیة.

وفی سیاق أخر، اعترف البنک الدولى بالدور المهم للدولة فی رفع معدلات النمو المرتفعة، وقد کرس تقریره 1997 دور الدولة فى عالم متغیر وفی عام 1998 “من معاداة السوق الی الارتباط بالسوق” لتحلیل دور الدولة. ففى تعرضهما لدور الدولة الانمائیة افترض کل من رویستجین وستونمان (الباحثین فی البنک الدولى) أنه یمکن الاقتراب من الدولة التنمویة من زاویتین: الاولى الاقتصادیة، والثانیة سیاسیة ففی اطار الاقتراب الاول، تعرف الدولة التنمویة انطلاقا من نقائص السوق دون ابداء السبب الخاص عن إلی اى مدى لدى الدولة القدرة أو الرغبة فی اتخاذ السیاسات الضروریة، أما الاقتراب الثانی، فیحدد الشروط السیاسیة التى تتمتع فی ظلها الدولة بالقدرة على التدخل بشکل مناسب.

ووفقا لهما فإن الدولة التنمویة لیست مرادفا للسلطویة، وانما مزیج من عناصر إنتقائیة تواجدت وضمت کلا من الدولة القومیة والبیروقراطیة من أجل دفع معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادی، کما أنها تمزج ما بین مبدأ دعه یعمل اللیبرالی ونظیره الکینزى الذی یدعم تدخل الدولة. وأکد على أن قوة الدولة التنمویة تکمن فی قدرتها وامکانیاتها على الاستجابة للتغییر الاقتصادی، والتکیف مع الصدمات والضغوط الخارجیة من اجل افراز الیات جدیدة للتحکم فی عملیة التغیر واستثمار فائض الموارد فی المجتمع.

ومن جانبه حدد جوردن وایت ثلاثة متغیرات أساسیة للتمییز ما بین أنماط ثلاثة للدولة التنمویة وهى الرأسمالیة، الاشتراکیة، الوسیطة، وتتضمن هذه المتغیرات طبیعة القوى الاجتماعیة التی شکلت الدولة وأهدافها، وهو ما أطلق علیها السیوسولوجیة السیاسیة للدولة، القدرات التقنیة والسیاسیة والاداریة للدولة، أسلوب إدارة الدولة للنشاط الاقتصادی.

ویؤکد لیفتویتش أن الدولة التنمویة هى التى تهیمن علیها نخب تنمویة قومیة مزجت ما بین درجات متنوعة من القهر والشرعیة فی مجتمع مدنى ضعیف، ورکزت سلطاتها وقواها واستقلالیتها واختصاصتها فی مؤسسات بیروقراطیة وسیاسیة مرکزیة للدولة وحافظت على روابط تنسیقیة مع المصالح الاقتصادیة الأساسیة فی القطاع الخاص.

2- عناصر الدولة الانمائیة:

فی هذا الجزء سوف نتناول عناصر الدولة التنمویة ثم سنشرح کل عنصر على حدى بالتفصیل:

1-استقلال نسبی للنخبة عن المصالح الخاصة المحلیة.

2- وجود نخبة تنمویة مصممة على دفع التنمیة.

3- وجود بیروقراطیة اقتصادیة مستقلة وکقوة تتمتع بالقوة.

4-الادارة الاقتصادیة الفعالة للدولة.

5-ضعف المجتمع المدنى فی مواجهة الدولة.

6-المزج ما بین الأداء والشرعیة والقهر.

أ‌- استقلال نسبی للدولة عن المصالح الخاصة المحلیة:

من أکثر السمات والرکائز التى تقوم علیها الدولة الانمائیة هى تمتعها بقدر من الاستقلالیة، وأن هناک عناصر عدیدة قد شکلت هذه الاستقلالیة والتى تعنى درجة مرتفعة من التماسک لأجهزة الدولة بما یمکنها من صیاغة وتطبیق الأهداف التنمویة والعمل بشکل جماعی یتمتع بالتماسک والقدرة على تعریف وتطبیق الأهداف التنمویة بشکل واضح.وأکد جوهنستون ان السمة السلطویة للدولة کانت واحدة من العوامل التى اتاحت قدراتها التنمویة، حیث تمتعت الدولة بالقدرة على الانفصال النسبی عن ما تثیره المصالح الخاصة من قلق وتوتر، والتغلب على هذه المصالح الضیقة من أجل الصالح العام.

حیث أکد کلا من هوبسن ویسس على أهمیة تمتع أجهزة الدولة بالقدرة على توظیف استقلالیتها ، مشیرین إلی أنها تنبع من وجود بیروقراطیة کفؤة، ومختصة، ومتماسکة یتم تجنیدها على أساس الاستحقاق، وقد أشارا إلی أنه ما یهم لیس حجم الجهاز الاداری والبیروقراطی، حیث تتسم الدولة التنمویة بالتنظیم المحکم والهیکل البیروقراطی صغیر الحجم نسبیا.

ولا تقوم الدولة التنمویة/الإنمائیة على درجة عالیة من الاستقلالیة و البیروقراطیة ،ولکن أیضا وجود درجة واضحة من التفاعل المؤسسی والحوار ما بین نخب الدولة والمراکز المستقلة للسلطة داخل المجتمع المدنی، فالدولة الأکثر نجاحا هى الدولة التى لدیها قدرة على العمل من خلال التعاون مع المراکز المستقلة للسلطة.وکما أکد ریتشارد دونار أنه تفقد الدولة فعالیتها لیس بسبب فساد بیروقراطیتها وإنما بسبب نمو القوى الاجتماعیة الأخرى ورأس المال الخاص بشکل أقوى، فاذا کانت الاستقلالیة وما یصاحبها من اختصاص بیروقراطی سمة أساسیة من سمات الدولة الانمائیة، فإنه یمکن القول أن کلا من الولایات المتحدة والمملکة المتحدة تستحق الوصف بأنها انمائیة، نظرا لما تمتلکه من بیروقراطیات متماسکة ومؤهلة، إلا أنه على الرغم وفقا لنموذج الدول الانمائیة ینظر الی کلیهمما على أنهم دول ضعیفة.

 ب-وجود نخبة تنمویة مُصممة على دفع التنمیة:

أکد شمبلمیز جوهنسون أن واحدة من السمات الأساسیة للدول الصناعیة الجدیدة فی جنوب شرق أسیا هو وجود حکم مستقر من قبل نخبة بیروقراطیة سیاسیة لا تتنازل أو ترضخ للمطالب السیاسیة التى من شأنها تقویض النمو الإقتصادی، فإذا کان السیاسیون یبحثون فی المدى القصیر عن الدعم والتأیید السیاسی، فإن صانعى السیاسة الاقتصادیة ینبغی عزلهم على المدى الطویل وبقدر الامکان عن تداعیات المطالب السیاسیة المتنافسة. ولهذا تتسم الدولة التنمویة بتواجد نخبة تنمویة مرکزیة ترتبط بمجموعة محدودة من السیاسیین والبیروقراط القریبین من قلب السلطة السیاسیة، ورئیس السلطة التنفیذیة، وما تتسم به هذه الدول هو أن الدائرة المرکزیة المحیطة بالقیادة صغیرة، کما ما یمیز تلک النخبة هو اخلاص وارتباط عناصرها البیروقراطیة بالعناصر السیاسیة، وبصفة خاصة فی القمة من أجل تحقیق الأهداف المنشودة.

ج- وجود بیروقراطیة اقتصادیة مستقلة وکفئة تتمتع بالقوة:

وتعد البیروقراطیات الاقتصادیة هى المراکز الرئیسیة للتوجه الاقتصادى الاستراتیجى فی الدول التنمویة، وکما أن أهم ما یمیز هذه القیادات الاقتصادیة العلیا فی الدول التنمویة هو سلطتها فی تشکیل السیاسة التنمویة بالرغم من أنها تختلف من دولة لأخرى.

وقد تمرکزت مؤسسات التخطیط والتنفیذ الاقتصادی فی مالیزیا فی وحدة التخطیط والتى کانت تتبع رئیس مجلس الوزراء وکان لها دورها المهم فی تخطیط التنمیة القومیة، وبصفة خاصة فی فترة التصنیع الذی تقوده الدولة تحت رئاسة مجلس الوزراء بقیادة مهاتیر محمد بعد عام 1980.

د- الإدارة الاقتصادیة الفعالة للدولة:

یری جوردن وایت أن الفکرة الحدیثة للتنمیة تترکز على مفهوم الدولة کحافز ومنظم للتطور الاقتصادی والاجتماعی، واذا کان قد ساد نوع من التفاؤل حتى نهایة الستینیات بکل من القدرة الاقتصادیة والامکانیات الدیمقراطیة للدول الجدیدة المتواجدة فی الدول المستعمرة سابقا، الا أن انتشار الفساد وعدم الفعالیة والتأثیر المشوه للتخطیط القومی، أدى الی انتشار الجدل حول فاعلیة تدخل الدولة الاقتصادى، الا أنه قد تجدد التأکید هلى أن التنمیة ینبغى أن تحفزها الدولة.

فالدولة دورها أساسی ومرکزى للتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة باعتبارها شریکا محفزاً على النمو، ولیس کمانح للنمو، ومن أجل تحقیق المزید من الرفاهیة والتقدم، لابد من زیادة قدرة الدولة على اتخاذ ودفع القرارات الجماعیة. وقد سعى البنک الدولى لتفسیر کیف یمکن زیادة قدرة الدولة من خلال تصمیم القواعد الفعالة لمحاربة الفساد والرقابة على التصرفات التعسفیة، واخضاعها لمزید من المنافسة بما یفسح السبیل للارتقاء بمؤسسات الدولة وجعلها أکثر استجابة لاحتیاجات الافراد.

ه- ضعف المجتمع المدنى فی مواجهة الدولة:

تظهر الدولة التنمویة /الانمائیة بصفة خاصة فی الظروف التى یعانى فیها المجتمع المدنى من الضعف وتتسم الدولة بالقوة والقدرة على التغلغل فی المقابل.

ووفقا لیبتر ایفانز تمیل الدول لأن تکون أکثر نجاحا فی إحداث التحول الاقتصادی حینما تتواجد بیروقراطیة متطورة ومتماسکة لا یمکن التلاعب بها من قبل الجماعات الاجتماعیة الباحثة عن العائد، ونخب منخرطة فی علاقات وثیقة مع الفاعلین فی القطاع الخاص فی المجتمع. وأشار الی الاستقلالیة والاحتواء بأنها شروط أساسیة للتحول الاقتصادی الناجح لانه بفضل هاتین السمتین ستتمکن الدولة من التعریف المحدد لأهدافها التنمویة طویلة الأجل والحصول على المعلومة اللازمة من المجتمع لتنفیذ أهدافها التنمویة، وکما أکد أن الاستقلالیة والاحتواء تشیر الی روابط وثیقة لیس مع المجتمع بصفة عامة وانما مع رأسمال الصناعى بصفة خاصة.

وبالرغم من أن الدولة فی الغالب تأخذ قرارت معادیة لتنمیة المجتمع المدنى، الا انها یمکن أیضا تحت ظروف معینة أن تلعب دورا فعالا فی تیسیر ظهور المنظمات المدنیة، وتراکم أرصدة رأس المال الاجتماعی فی المجتمع المدنى، اذ إن هذه المنظمات من الممکن أن تلعب دورا فعالا فی مساعدة الدولة على إحیاء مؤسساتها العامة.

و- المزج بین الحقوق المدنیة والقهر”السلطویة الناعمة”:

فالسمة التى تشترک فیها کل الدول التنمویة هو أن معظمها تمزج بین السلطویة الناعمة و القهر السیاسی للحریات المدنیة، لاضفاء الشرعیة على أدائها التنموی فیما یتعلق بتوصیل السلع والخدمات العامة.

– المتغیرات العالمیة الراهنة و الدور الإنمائی للدول:

شهد العالم منذ أواخر الثمانیات عدد من التغیرات على دور الدولة فی التنمیة، یستعرض هذا الجزء لأهم وأبرز مظاهر التغییر فی دور الدولة فی ضوء المستجدات العالمیة:

أولا: انکماش نشاط الدولة وتأکلها:

شهد الاقتصاد العالمی تغییرات منذ تسعینات القرن المُنصرم، حیث أصبح عدم تدخل الدولة فی النشاط الاقتصادی أهم الاستراتیجیات المُطبقة من جانب الحکومات المختلفة، وهو الأساس التى قامت علیه منظومة العولمة الجدیدة. ومن ثم فإن اتجاه النظام العالمى إلی الأخذ بنظام السوق وتقلیل مساحة الدور الذى تلعبه الدولة فی التنمیة ینعکس بشکل کبیر فی النظم الاقتصادیة والخطط التنمویة لاسیما فی بعض من الدول النامیة .

کما تزایدت مطالب الشعوب النامیة بتحقیق مستویات أعلى من المعیشة على غرار المجتمعات المتقدمة، مما أدى إلی تزاید الضغوط على الدولة من قبل منظمات المجتمع المدنى وجماعات المصالح التى تبنت تلک المطالب، مما ساهم فی تحول دور الدولة إلی الترکیز على الأبعاد الإجتماعیة والثقافیة فضلا عن الاقتصادیة وهو ما ظهر فی کثیر من الاتجاهات الفکریة کاللیبرالیة الجدیدة والطریق الثالث.وفی نفس السیاق أضعفت العولمة قدرة الدولة على التحکم فی توزیع الدخول بین المواطنین بما لذلک من أثار اقتصادیة واجتماعیة سلبیة، مما یؤدى إلی زیادة التفاوتات الاقتصادیة على مستوى الدول والأفراد على حد سواء. بیت القصید، ساهمت العولمة بمختلف صورها إلی تقلیص دور الدولة التى تلعبه فی مجال التنمیة.

ثانیا: تزاید احتمالات التعرض لأزمات وصدمات خارجیة:

تشیر الادبیات التاریخیة إلی تأثر طبیعة ونطاق دور الدولة فی التنمیة بالتطورات التاریخیة السیاسیة منها الاقتصادیة والاجتماعیة، بحیث تأتى طبیعة ونطاق تدخل الدولة فی العملیة التنمویة إلی حد کبیر انعکاسا لمثل هذه التطورات، وتعتبر الأزمات العالمیة التى عصفت بالنظام الدولى خیر مثال على ذلک.

ففى عام 1929 تعرض العالم لما یعرف بأزمة الکساد العالمی، حیث انخفض فیها الطلب على المنتجات بشکل غیر مسبوق کما زادت معدلات البطالة لینکشف النقاب عن قصور النظام الرأسمالى واقتصاد السوق وقدرته على ادارة الاقتصاد ویطرح مزید من الشکوک من وجود الیة التصحیح أو الید الخفیة التى افترضها أدم سمیث. وفی سعیها للتعامل مع الأزمة بدأت الاصوات تعلو بزیادة تدخل الدولة فی الحیاة الاقتصادیة وان اختلفت طبیعة ونطاق هذا التدخل، وقد قدم کینز فی هذا السیاق تفسیرا لأزمة الکساد العالمى وما صاحبها من تزاید معدلات البطالة، کما قدم سیاسات للتغلب على هذه الأزمة وذلک عن طریق زیادة تدخل الدولة فی اطار ما یعرف بالدور الانمائی للحکومات.

وفی منتصف 1997 مُنًى العالم بأزمة انهیار الأسواق المالیة فی منطقة شرق وجنوب شرق أسیا، وهی الأزمة التى اعتبرها مهاتیر محمد أحد الانعکاسات السلبیة لظاهرة العولمة(20)، حیث جاءت هذه الازمة نتیجة لأسباب خارجة بالأساس تمثلت فی المضاربات على العملة فی الأسواق لدول جنوب شرق أسیا. وعلى غرار ما حدث اثناء ازمة الکساد العالمی، تعاملت دول جنوب شرق اسیا مع الأزمة المالیة من خلال زیادة تدخل الدولة فی الاقتصاد، حیث لجأت هذه الدول الی تقیید حرکة رؤوس الأموال عبر الحدود وفرضت صورا مختلفة من الرقابة على الاستثمارات المالیة والأجنبیة وتغیرات سعر الصرف، فضلا عن مطالبتها باجرءات دولیة تهدف الی اصلاح هیکل الاقتصاد العالمی.

وفی الأونة الأخیرة شهد العالم أزمة مالیة طاحنة ظهرت جذورها فی الولایات المتحدة الأمریکیة فی 2008، وامتدت أثارها الی العالم کله نتیجة عولمة الاقتصاد وتزاید الاعتماد المتبادل بین الدول، ویذهب صندوق النقد الدولى الی اخفاق البنیان الاقتصادى الراسمالی العالمی فی تقدیم التحذیرات اللازمة للاحتراز من تداعیات وقوعها.وقد احدثت الازمة العالمیة انخفاض حاد فی عوائد وایرادات ، وانخفاض معدلات النمو والاستثمار الأجنبی المباشر، وانخفاض اسعار المواد الأولیة والبطالة وافلاس عدد کبیر من المؤسسات المالیة والمصارف.وقد ساهمت الازمة المالیة العالمیة فی اعادة النظر فی قضیة دور الدولة فی الاقتصاد والتنمیة عموما ، حیث تُعد الدولة المؤسسة الرسمیة المعنیة بحمایة الاقتصاد والحیلولة دون تعرضه لأیة أثار سلبیة ایا کان مصدرها. ومن ثم تعالت الاصوات من جدید بضرورة زیادة تدخل الدولة فی الاقتصاد.

وبدأ هذا یحدث بالفعل ابان الازمة المالیة، ففی سعى الدول لاعادة الاستقرار الاقتصادی بدأت الدولة فی التدخل بشکل أکبر فی الحیاة الاقتصادیة من خلال سیاسات مالیة ونقدیة توسعیة، حیث تم خفض سعر الفائدة وزیادة نسبة السیولة من خلال تخفیض نسب الاحتیاطى، کما قامت الحکومة بإعادة رسملة المؤسسات بشراء أسهم عادیة وممتازة فضلا عن دیون بعض المؤسسات المتعثرة وضمان التزاماتها المالیة.کما تم زیادة الانفاق الحکومى کأحد الادوات المالیة التى تم اتباعها للتعامل مع الازمة، من خلال تقدیم حزم مالیة ونقدیة کبیرة موجهة بشکل أساسی إلی الانفاق العام لعلاج حالة الرکود الاقتصادى التى منیت بها اقتصادات الدول.

وبشکل عام فقد أبرزت تلک الازمة عدد من القضایا:

1-ان المنتجات المالیة الجدیدة لم تستخدم لتحسین حیاة الناس وإنما عرضّت الاقتصاد العالمی للمخاطر وعدم الاستقرار حیث رکزت تلک المنتجات على التحایل وتخطى النُظم المحاسبیة والمالیة الموضوعة لتأکید الشفافیة والکفاءة ومن استغلال الأقل معرفة، وکان یتعین على الدولة فی هذا السیاق أن تکون على علم بکافة التفاصیل المتعلقة بمثل هذه المنتجات وتأثیراتها من حیث حجم المخاطر المحتمل ومن ثم یتعین أن یتزاید دور الدولة فی هذا السیاق منعا لحدوث أزمات مالیة مشابهة.

2-أظهرت الأزمة أن مصادر الطلب العالمی بحاجة إلی إعادة النظر، ومن ثم یجدر بالحکومات التدخل لموازنة الطلب الکلی المحلى والخارجی.

3-قد یؤدى القطاع الخاص فى سبیل تحقیق أهدافه إلی زیادة أرباحه فی ظل حریة الاقتصاد إلی خلق أزمات مالیة وأثار سلبیة على النشاط الاقتصادی، وهو ما یستدعى تدخل الدولة بالشکل التالی:

أ-تضع الدولة تنظیمات تحد من نشاطات القطاع الخاص التى یمکن أن تحدث أثارا سلبیة على مجمل النشاط الاقتصادی وتعاقب المخالفین فی هذا السیاق.

ب-تسن الدولة إجراءات وقواعد لادارة الازمات المالیة واحتواء تداعیاتها.

ج-التعاون مع المؤسسات الدولیة لوضع نظام انذار مبکر لاستشعار الازمات.

ومن ثم أثبتت الازمة المالیة عجز القطاع الخاص على التعامل مع الازمات وعلاج تداعیاتها، ومن ثم فإن حمایة الاقتصاد والحیلولة دون تعرضه لأزمات مالیة تطلب تدخل فی القطاعات المالیة والنقدیة.وبشکل عام رأى عدد کبیر من المفکرین الی اعتبار الأزمة المالیة العالمیة 2008 دلیل قاطع على فشل واسع للسوق بالمعنى الاصطلاحى ومن ثم فقد تعالت الأصوات التى تطالب بزیادة دور الدولة فی الاقتصاد لإعادة الأمور الی نصابها، وهو الدور الذی یتعین أن تلعبه الدولة فی الأجل القصیر وعلى المدى البعید (زیادة دور القطاع العام فی الاقتصاد فضلا عن الانفاق العام).

ثانیاً: مفهوم الفساد:

تُعد ظاهره الفساد الإداری والمالی من الظواهر الخطیرة التی تواجه البلدان وعلى الأخص الدول النامیة حیث أخذت تنتشر فی هیاکل مجتمعاتها بدأت بالأمن وما تبعه من شلل فی عملیة البناء والتنمیة الاقتصادیة والتی تنطوی على تدمیر الاقتصاد والقدرة المالیة والإداریة وبالتالی عجز الدولة على مواجهة تحدیات أعمار أو إعادة أعمار وبناء البنى التحتیه اللازمة لنموها .

لاقت هذه الظاهرة و المعضلة الخطیرة (الفساد Corruption) اهتمام الکثیر من الباحثین والمهتمین واتفقت الآراء على ضرورة وضع وتأسیس إطار عمل مؤسسی الغرض منه تطویق المشکلة وعلاجها من خلال خطوات جدیه ومحدده ومکافحة الفساد بکل صوره ومظاهره وفی کافة مجالات الحیاة لتعجیل عملیة التنمیة الاقتصادیة.

ویُعد الفساد أحد اهم المعضلات التی تواجه النظم السیاسیة والإداریة و تعوق عملها فی کلاً من الدول النامیة والمتقدمة علی السواء. ولذلک أشارت العدید من الدراسات کما أکدت العدید من تقاریر المنظمات الدولیة ومواثیقها علی ضرورة اتخاذ کافة التدابیر والإجراءات التی یجب أن تتخذها الدول لمواجهة و حصار الفساد.

فقد أصدرت الأمم المتحدة عام 2004 میثاق الأمم المتحدة لمکافحة الفساد و الذی أقر أن انتشار الفساد من شأنه تقویض الدیمقراطیة وتعطیل حکم القانون و یؤدی بشکل أو بآخر إلى انتهاک حقوق الانسان ویحدث تشوهات فى الأسواق ویؤثر علی جودة الحیاة وأخیراً أشار المیثاق إلی أن استشراء الفساد من شأنه أن یفتح باباً لانتشار الجریمة المُنظمة ویؤثرعلی الأمن الانسانی . وأشارت المادة (6) من المیثاق أنه یتعین على کل دولة طرف أن تضمن وجود هیئة أوهیئات، حسب الاقتضاء، تتولى منع الفساد من خلال:

1- تنفیذ السیاسات فی المادة )5) والإشراف على وتنسیق تنفیذ تلک السیاسات

2- زیادة وتعمیم المعرفة حول الوقایة من الفساد.

 کما تمنح کل دولة طرف الاستقلالیة اللازمة لتمکین تلک الهیئة أو الهیئات من الاضطلاع بأداء وظائفها بصورة فعالة ودون أی تأثیر لا مبرر له. وهذا یشمل الموارد المادیة اللازمة والموظفین المتخصصین والتدریب اللازم لتوفیر کوادر ماهرة لدیها القدرة علی مباشرة أعمال التحقیق فی قضایا الفساد.

ویمکن تعریف الفساد بشکل عام ومبسط على أنه أى إساة للسلطة الممنوحة لشخص ما من أجل تحقیق عائد ومصلحة خاصة . کما قد عرف کلاً من البنک الدولى ومنظمة الشفافیة الدولیة الفساد علی أنه اساءة لاستخدام الوظیفة العامة من أجل تحقیق مصلحة خاصة وهو یتعلق بالضرورة بسلوک غیر قانونى منحرف لکلاً من الموظفین العمومیین والسیاسیین والتى تخول لهم مناصبهم قدر من السلطات التی قد یسئوا استخدامها من أجل الحصول علی المال العام .

وقد قدم المیثاق تعریفاً موسعاً لمفهوم الموظف العام الذی قد یسئ استخدام سلطاته بشکل معیب من أجل تحقیق أهداف خاصة تتعارض بالضرورة مع المصلحة العامة. فقد عرف المیثاق الموظف العام بأنه أی موظف فی الدولة لدیه سلطة تنفیذیة أو تشریعیة أو قضائیة، سواء کان معین بشکل دائم أو من خلال تعاقد مؤقت و أیاً کانت المنظمة أو الجهة الحکومیة التی یعمل بها هذا الموظف.

 وتقف العدید من الأسباب وراء انتشار الفساد فی دولة ما أهمها ضعف الأُطر والبرامج والسیاسات الحاکمة لعمل المنظمات العامة والوظیفة العامة مما یضعف من نظم الشفافیة و المحاسبة أو یتسبب فی غیایها، کما أن التفاوتات فی مستوى الدخل بین القطاعین العام والخاص وعدم کفایة نظم الحوافز المادیة التى یحصل علیها العاملون فی الخدمة المدنیة تمثل أحد أهم الأسباب التی تقلل من قیم النزاهة والأمانة فیما بین الموظفون العمومیین. و لما أدرکت العدید من الدول والمنظمات الدولیة ضخامة تأثیر الفساد علی التنمیة لما یخلفه من أثار سلبیة تضر بالصالح العام وتؤثر تأثراً سلبیاً علی جودة الحیاة العامة و مستوی تقدیم الخدمات.

کما قد عرَف برنامج الأمم المتحدة الإنمائی الفساد علی أنه إساءة استعمال القوة الرسمیة أو المنصب أو السلطة لمنفعة خاصة، سواء عن طریق الرشوة أو الابتزاز أو استغلال النفوذ، أو المحسوبیة أو الغش، أو تقدیم اکرامیات للتعجیل بأداء الخدمات، أو عن طریق الاختلاس.

 أما الفساد الإداری فیمکن تعریفه علی أنه کل اساءة لاستخدام سلطة عامة قد خولت لموظف عام بحکم وظیفته وذلک من أجل تحقیق مصلحة شخصیة ویتلقی رشوة من أجل ذلک، وقد أشار البعض إلى أن ذلک التعریف ینسحب علی کل من شغر منصباً عاماً و من یعمل فی القضاء ولا ینسحب على الرشوة التی قد تقدم فی القطاع الخاص .

– وهناك ثلاثة انواع للفساد الإداری :

– الفساد البسیط : و هذا التعبیر قد استخدمه البنک الدولی اشارة إلی ذلک النوع البسیط من الفساد الضغیر والذی قد یکون غیر متعمد فی بعض الأحیان مثل أعمال السرقة والرشوة والمحسوبیة أو المغالاة فی تقدیر بعض النفقات من أجل الحصول علی عوائد ما.

– الفساد المنظم: وهذا النوع من الفساد الذى یوجد عندما یکون هناک ادارة منظمة قائمة علی فساد منظم حیث تتحول هذه الإدارة إلى ادارة تدیر شبکة واسعة من الأعمال والمسئولین الفاسدین حیث تربط الأفراد العاملون فی هذه الشبکة علاقات معقدة تقوم علی علاقات تبادلیة.

– الفساد الکامل: هو ذلک النوع من الفساد الذی تتم فیه عملیات نهب منظمة للمال العام والممتلکات العامة علی نطاق واسع. ویدخل فی نطاق هذا النوع العملیات التی تتم بغرض التصرف فی الأموال العامة من أجل تحقیق أهداف سیاسیة فی بعض الأحیان .

إن الفساد (Corruption) مصطلح یتضمن معانی عدیدة فی طیاته . والفساد موجود فی کافة القطاعات الحکومیة منها والخاصة فهو موجود فی أی تنظیم یکون فیه للشخص قوة مسیطرة أو قوة احتکار على سلعة أو خدمة أو صاحب قرار وتکون هناک حریة فی تحدید الأفراد الذین یستلمون الخدمة أو السلعة أو تمریر القرار لفئة دون الأخرى وقد یتضمن مصطلح الفساد الإداری محاور عدیدة .

1 . الفساد السیاسی ویتمثل بالانحراف عن النهج المحدد لأدبیات التکتل أو الحزب أو المنظمة السیاسیة نتیجة الشعور بالأزلیة أو کونه الأوحد أو الأعظم أو المُنظر ، أو بیع المبادئ الموضوعة فی أدبیات المنظمة للکتل الدولیة أو الإقلیمیة القومیة لسبب أو أکثر فالخیانة والتواطؤ والتغافل والإذعان والجهل والضغط … وغیرها .

2 . الفساد الإداری ویتعلق بمظاهر الفساد والانحراف الإداری أو الوظیفی من خلال المنظمة والتی تصدر من الموظف العام إثناء تأدیة العمل بمخالفة التشریع القانونی وضوابط القیم الفردیة ، أی استغلال موظفی الدولة لمواقعهم وصلاحیاتهم للحصول على مکاسب ومنافع بطرق غیر مشروعة .

3 . الفساد المالی ومظاهره تتمثل فى الانحرافات المالیة ومخالفة الأحکام والقواعد المعتمدة حالیاً فی تنظیمات الدولة (إداریاً) ومؤسساتها مع مخالفة ضوابط وتعلیمات الرقابة المالیة .

4 . الفساد الأخلاقی ویتمثل بالانحرافات الأخلاقیة وسلوک الفرد وتصرفاته غیر المنضبطة بدین أو تقالید أو عرف اجتماعی مقبول .

تحدیات التنمیة فی مالیزیا

یُلقى هذا القسم الضوء على التحدیات الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة ذات الصلة بالمجتمع المالیزى والتى یمکن اجمال أهمها فی الأتى:

1-التعدد العرقى والدینى

2-المنظمومة الثقافیة والقیمیة

3-ضغوط النظام العالمی

4-الأزمات الاقتصادیة

1-تحدى التعدد العرقى والدینى:

 تُعد مشکلة التعدد العرقى واحدة من أخطر التحدیات التى واجهت الدولة المالیزیة فی تحقیقها للتنمیة، اذ تعتبر مالیزیا دولة متعددة الأعراق حیث بمثل السکان الاصلیون(البومبیوترا) 58% من السکان فی حین یمثل الصینیون 24% من اجمالی عدد السکان، أما الهنود فیمثلوا 8% من السکان، بالاضافة الی عدد من أقلیات من التایلاندیین والاندونسیین والاسترالیین والأوروبیین.

بالاضافة الی هذا التعدد، تتمیز أیضا مالیزیا بالتعدد الدینى، حیث یدین بالاسلام حوالی 60% أغلبهم من الملایو وبعض الصینیین والهنود، فی حین یدین بالبوذیة 19% والمسیحیة 9% والهندوسیة 6% والکنفوشیة 3% اما الباقى بلا دیانات.

فی الواقع ، قد تکون قضیة التعدد العرقى من القضایا الشائعة فی عدد من العالم النامی وواحدة من اکبر معوقات وتخدیات التنمیة، بیدا أن هذا التحدى یکتسب الکثیر من الخصوصیة فی النموذج المالیزى وذلک بسبب وجود متلازمة بین التعدد العرقى من ناحیة والتعدد الدینى والحالة الاقتصادیة من ناحیة أخرى، فالمالای(السکان الاصلیون)، وهم غالبیة السکان ویعانون من تدنى الحالة الاقتصادیة وانخفاض مستوى المعیشة مقارنة بالصینین الذین لا یمثلون أکثر من ربع عدد السکان، وعلى الرغم من ذلک فهم یمتلکون معظم ثروات البلاد، کما ان الملایو یقطنون فی المناطق الریفیة والولایات الفقیرة ویعملون فی المهن الفقیرة مقارنة بغیرهم من العرقیات، کما انهم یعملون فی القطاعات ذات الانتاجیة المنخفضة کالزراعة ، کما تقل القدرة الإنتاجیة والإبداعیة عند الملایو عن غیرهم من الاقلیات الاخرى.

ویذهب الکثیر من الباحثین الی أن هذه الاختلافات العرقیة والدینیة وما صاحبها من تفاوتات اقتصادیة تعود الی الاسباب التالیة:

1-موجات الهجرة فی فترة الاستعمار البریطانى وما قبلها، حیث شهدت مالیزیا عددا من موجات الهجرة لا سیما من الهند والصین وذلک لتمیز مالیزیا بوافرة المحاصیل وامکانیات الزراعة والصید بالاضافة الی تزاید عدد السکان فی البلاد المجاورة لمالیزیا.

2-المعاملة التفضیلیة الموجهة ضد الملایو فی فترات الاستعمار البریطانى، حیث قصر الاحتلال البریطانى الاقتصاد الزراعى والتقلیدى عموما على الملایو بینما أفسح المجال للعرقیات الأخرى لاسیما الصینیین للعمل فی القطاعات التجاریة الأکثر ربحیة وهو ما أفضی فی النهایة الی حدوث تمایز اقتصادی بین العرقیتین خالقا بذلک ما یعرف بمعلضة الملایو على حد تعبیر مهاتیر محمد، ومن ثم فان الادارة الاستعماریة ضد الملایو الی نزوحهم الى القرى والمناطق الریفیة من المدن والمراکز الصناعیة والتجاریة.

ویذهب البعض أن الادارة البریطانیة فی فترة الاحتلال کانت مسئولیة عن عدم الانسجام العرقى بین الملایو والصینیین حیث فتح البریطانیون الباب أمام الهجرة الصینیة للبلاد وذلک لخدمة المصالح البریطانیة، وهو ما أدى الی خلق وضع تعاظم فیه النفوذ الاقتصادى الصینی وتدنت فیه مستوى المعیشة للمالای.

وبعد الاستقلال استمرت هیمنة الصینیین على الحیاة الاقتصادیة فی مالیزیا بالشکل الذی حافظ على الوضع الذی کان سائدا قبیل الاستقلال مع انخفاض الفرص الاقتصادیة امام الملایو للدخول فی الاعمال التجاریة. ومن ثمة نشأت علاقة ضمنیة أطلق علیها “الصفقة”، وبموجب هذه العلاقة یسیطر الصینییون على الحیاة الاقتصادیة على أن یهیمن الملایو على الحیاة السیاسیة فی البلاد.

وهکذا اشتعلت احداث العنف العرقى عام 1969 بین الملایو والصینیین اثناء احتفال الصینیین بنتائج فوزهم فی الانتخابات النیابیة، تلک الأحداث التى انتشرت فی ارجاء مالیزیا، کانتشار النار فی الهشیم لتفرض على الحکومة سرعة التدخل بمختلف اجهزتها ومؤسساتها لعلاج التفاوتات الاقتصادیة بین العرقیات واتاحة فرص اقتصادیة متکافئة امام الملایو تمکنهم من المشارکة فی الاعمال الاقتصادیة الحدیثة والحصول على نصیب عادل من عائدات التنمیة.

2-المنظومة الثقافیة والقیمیة:

من أبرز التحدیات التى واجهت مالیزیا هى طبیعة النسق القیمى والثقافی السائد، ذلک النسق الذی یوصف فیه الملایو على انهم کسالى ومتخلفون عن رکب التقدم وهو ما انعکس فی تدنى المستویات الاقتصادیة ومستویات التعلیم لدیهم، وقد اطلق علیهم مهاتیر محمد “معضلة المالایا”. ذهب مهاتیر محمد الی أن العوامل الجنینیة والوراثیة قد لعبت دورا محوریا فی تدنى الأوضاع الاقتصادیة والاجتماعیة للملایو، حیث یحرص الملایو على الزواج من بعضهم البعض، الأمر الذی أدى إلی خلق جیل ضعیف غیر قادر على قیادة البلاد للحاق برکب التقدم، مقارنة بالصینیین الذین تزخر بلادهم بالکوارث الطبیعیة التى لا ینجو منها سوى الاقویاء والاذکیاء، فجاءت الاجیال الصینیة ذکیة وقویة مما مکنها من السیطرة الاقتصادیة.

ومن ناحیة اخرى ساهمت القناعات الثقافیة والدینیة لدى الملایو فی ارساء معضلة الملایو، حیث ذهب مهاتیر محمد الی ان الملایو فی تعلمهم للإسلام أساؤا فهم مبادئه السلیمة، فقد أدى فهمهم المغلوط لمبادئ الإیمان بالقدر الی اتصافهم بالسلبیة، کما أدى التعامل بالکرم والاحسان والتسامح مع غیرهم من العرقیات الی سعى العرقیات الاخرى لاستغلالهم وفی مقابل ذلک لم ینتبهوا الی أن مبادئ الاسلام ترکز على اتقان العمل والاخلاص فیه .

علاوة على ان المنظومة الثقافیة للملایو ساهمت بشکل کبیر فی اتساع الهوة الاقتصادیة بینهم وبین الصینیین، حیث تتضمن المنظومة الثقافیة للملایو تفضیل الحیاة البسیطة على المغامرة وحب المخاطرة وهو ما هو أدى الی تفضیل الحیاة فی الریف عنها فی المراکز الصناعیة والمدن، وجعلهم لا یفضلون العمل الشاق وان أدى الی تحسین أحوالهم المعیشیة ومستویات دخولهم، أضف إلی ذلک زهدهم فی الارتقاء بمستواهم التعلیمى وتقاعسهم عن استیعاب التطورات التکنولوجیة.

3-ضغوط النظام الدولى:

لم یؤدى انتهاء الحرب الباردة وتحول بنیة النظام العالمی الی القطبیة الأحادیة إلی تحسین الأوضاع الأقتصادیة للدولة النامیة بل خلق فی مواجهتها مزیدا من التحدیات، وذلک فی ظل السیاسات الحمائیة کسیاسة الاغراق وهى السیاسات التى حرمت الدول النامیة من الدخول العادل إلی أسواق الدول المتقدمة فضلا عن غیر المتقدمة وحرمها من الاتجار فی السلع التى تتمتع فیها بمیزة تنافسیة.

علاوة على ظهور التکتلات الاقتصادیة الکبرى ، بالاضافة الی القواعد التى تضعها الدول الکبرى من خلال منظمة التجارة العالمیة والتى تهدف الی تحریر التجارة فی الخدمات لخدمة مصالحها وترفض تحریرها فی المنتجات الزراعیة.

وقد وصف مهاتیر محمد العولمة بالاستعمار التقلیدى ولکن فی ثوب جدید، حیث قال أن الأمال والطموحات لدى الدول النامیة ذهبت الی ادراج الریاح بسبب سیطرة الدول المتقدمة على مقدرات الاقتصاد العالمی مما مکنها من وضع قواعد وشروط للتبادل التجارى.

4-الازمة المالیة الاسیویة 1997 والازمة المالیة 2008

ضربت الازمة المالیة الاسیویة دول جنوب شرق أسیا، والقت بتداعیات بالغة على الاقتصاد الاسیوى عموما والمالیزى خصوصا، حیث فقدت مالیزیا 19% من قیمة عملتها أمام الدولار کما انخفضت معدلات النمو إلی أقل من 5%، کما انعکست على الاستقرار السیاسی المالیزى بتفجر الخلاف بین مهاتیر محمد وأنور ابراهیم حول استراتیجات التعامل مع الأزمة.

على عکس ما روج له البنک الدولى من أن اسباب الازمة ترجع الی ضعف الصادرات وضعف کفاءة الجهاز الادارى بینما رأى مهاتیر محمد ان تلک الأزمة نتیجة انعکاسات ظاهرة ظاهرة العولمة على الدول النامیة، حیث اتسم النظام العالمی بعدم المساواة فی الفرص الاقتصادیة فضلا عن السیطرة من قبل الدول الکبرى على مقدرات الاقتصاد العالمی.

تأثرت مالیزیا أیضا بالازمة المالیة العالمیة 2008، وخاصة فیما یتعلق بمعدلات النمو وحجم الصادرات، حیث انخفضت معدلا النمو الی 4.6%، وکذلک حجم الصادرات بنسبة 15.95% خلال الأزمة.

“التجربة المالیزیة فی مکافحة الفساد”

منذ حصولها علی الاستقلال عام 1957 جعلت الحکومة المالیزیة عملیة تدعیم وإصلاح الأجهزة الحکومیة أحد أهم أولویات بناء الدولة الحدیثة. و علی الرغم من أن مستویات الفساد التی توجد بمالیزیا هى الأقل مقارنة ببعض الدول الأسیویة الأخری التی یرتفع فیها معدلات الفساد مثل أندونیسیا و تایلاند والفلبین إلا أن مالیزیا قد اتخذت العدید من التدابیر التی من شأنها مواجهة الفساد داخل الأجهزة الحکومیة منذ الإستقلال.

– ملامح و مظاهر الفساد فى مالیزیا:

طبقاً لمسح میدانى قامت به منظمة الشفافیة الدولیة عام 2013، فإن أکثریة الأسر التی شملها الاستطلاع ترى أن الأحزاب السیاسیة فی مالیزیا فاسدة بدرجة کبیرة . و یعتبر ربع الأسر التی شملها الاستطلاع أن جهود الحکومة فی مکافحة الفساد غیر ذات فعالیة وغیر مؤثرة .

وفى هذا السیاق فقد صنًف مؤشر مدرکات الفساد لعام 2017 الصادر عن منظمة الشفافیة الدولیة مالیزیا فی المرتبة 62 من بین 180 دولة حول العالم.

و فی تقریر التنافسیة العالمیة للمنتدى الاقتصادی العالمی 2013-2014 یکشف رجال الأعمال الذین تضمنهم الاستطلاع أن السلوکیات غیر الأخلاقیة للشرکات تُشکل عائقا أمام ممارسة الأعمال والأنشطة التجاریة والاقتصادیة فی مالیزیا ، حیث أن والمزایدات الحکومیة والصفقات العامة تُمنح أحیانا لشرکات ذات ارتباطات وعلاقات دون مناقصة مفتوحة شفافة.

وإرتباطاُ بما سبق، یمثل الفساد قضیة هامة فی مالیزیا، بالرغم من أنه لیس بنفس الدرجة من الانتشار والتوغل مقارنة بالدول الآسیویة الأخرى فی منطقة جنوب شرق آسیا . ففی مؤشر مدرکات الفساد لعام 2014 حصلت مالیزیا على درجة فساد قدرها 52 من أصل 100 (درجات عالیة أقل فسادا) ؛ وهو ما یجعل مالیزیا ثانی أنظف و أقل بلد فی جنوب شرق آسیا، وفی المرتبة التاسعة من بین 28 دولة فی آسیا والمحیط الهادئ وفی المرکز 50 من أصل 175 دولة تم تقییمها فی جمیع أنحاء العالم.

أما فی مؤشر مدرکات الفساد لعام 2015، حصلت مالیزیا على درجة فساد قدرها 50 من أصل 100. حیث أصبحت فى المرتبة 54 عالمیا والمرتبة الثانیة فی منطقة جنوب شرق آسیا بعد سنغافورة التى تحتل المرتبة الأولى فی جنوب شرق آسیا والثامنة عالمیا، ثم جاءت تایلاند فى المرتبة الثالثة فی جنوب شرق آسیا وال76 عالمیا، و إندونیسیا فی المرتبة الرابعة فی جنوب شرق آسیا وال88 عالمیا، وفیتنام التى تحتل المرتبة الخامسة فی جنوب شرق آسیا، و112 عالمیا.

– الإطار القانونی المُنظم لجهود مکافحة الفساد فی مالیزیا:

لقد کانت مالیزیا سبّاقة فی مسالة ایجاد آلیات لمکافحة الفساد. فقد شرعت سلطات الاحتلال البریطانى أوائل الخمسینات فی أن تُوکل مسألة التحقیق فی بعض جرائم الفساد ضمن قسم التحقیقات Criminal Investigation Department والتی تم فیما بعد إنشاء وحدة مستقلة داخل القسم عام 1958. ثم عمدت الدولة عقب الإستقلال إلی إدماج هذا القسم مع غیره من التدابیر التی أتخذتها الحکومة فیما سبق لتتکون هیئة جدیدة “هیئة مکافحة الفساد Anti-Corruption Agency( ACA) تجمع فی تخصصاتها مهام التحقیق والإدعاء فی قضایا الفساد والتی نظم أوضاعها قانون منع الفساد Corruption Prevention Actالذى صدر عام 1961 والذى لم یکن تشریعاً برلمانیاً ، حیث جعل الهیئة تابعة لوزارة الشئون المحلیة. وقد واجهت عمل الهئیة العدید من أوجه النقد أهمها عدم ضمان استقلالیة الهیئة و استمراریة تبعیتها لأحد الأجهزة الحکومیة مما یثیر مسألة تضارب المصلحة .

کما أشار البعض إلى فقر الهئیة للکوادر البشریة المطلوبة لتعقب قضایا الفساد الذی تتورط فیه بعض الشخصیات المعروفة کبار الساسة وذلک لقربها من الحزب الحاکم أو قضایا الفساد التى تتورط فیه بعض الأفراد العاملین فی قطاع الشرطة أخذاً فی الإعتبار أن العدید من العاملین فی هذه الهیئة هم من رجال الصف الثانى من جهاز الشرطة وذلک بدوره یمثل تضارباً للمصلحة. حیث لا یستطیع هؤلاء توجیه الاتهام إلی من هم فی الصف الأول فی جهاز الشرطة لأنهم من یتخذوا قرارات الترقیة الخاص بهم حال رجوعهم إلى جهاز الشرطة مرة أخرى، و بالتالى عدم قدرة الهیئة على تحریک الإدعاء ضد هذه الشخصیات والإقتصار علی التحقیق فی بعض قضایا الفساد المحدودة .

أیضاً أفرزت الممارسة وفقاً لهذا القانون وعمل الهیئة مشکلة متعلقة بعدم قدرة الهیئة علی متابعة أو تتبع قضایا الفساد الکبیر نتیجة لإفتقار الهیئة للأدوات التی تضمن نجاح تتبع المتورطین فى قضایا الفساد الکبری وقدرة المتورطین فیها علی استغلال نفوذهم خاصة السیاسیین للتحایل علی الإجراءات و التهرب من العقاب .

وتلافیا لهذه المشکلات قامت الحکومة المالیزیة عام 1973 بإنشاء المکتب القومی للتحقیقات The National Bureau of Investigation (NBI)فی قضایا الفساد بناء علی القانون الذی مرره البرلمان و الذى غیر مسمى القانون من Anti-Corruption Act (ACA) لیحمل نفس مسمی الهیئة The National Bureau of Investigation Act . وفی عام 1982 أرجع البرلمان الأسم الأول للقانون (ACA).

وعلی الرغم من إدراک الدولة المبکر لأهمیة مواجهة الفساد وما اتخذته الحکومات المالیزیة من اجراءات وقوانین وانشاء لهیئات تقوم علی حصار الفساد الموجود ، إلا أن مستویات الفساد قد ارتفعت، حیث تراجعت مکانة مالیزیا وفقا لمؤشر مدرکات الفساد Corruption Perception Index (CPI) حیث احتلت مالیزیا المرتبة 26 عام 1996 ثم المرتبة 44 عام 2006. هذا وقد تحسن الوضع بعض الشئ خلال العامیین 2007-2008 حیث بلغ مؤشر مدرکات الفساد 5.1، ثم تدهور خلال العام 2009 إلی 4.1 . وقد أشار المؤشر إلی استمرار التدهور بعض الشئ حیث وصل خلال عام 2012 إلى 4.9 واحتلت مالیزیا المرتبة 54 فیما بین 174 دولة، کما شغلت المرتیة العاشرة فیما بین دول جنوب شرق آسیا .

وجدیر بالذکر أن البرلمان المالیزی قد أقر قانون مکافحة الفسادThe Anti-Corruption Law عام 1997 وذلک عقب الأزمة المالیة التى هزت دول جنوب شرق آسیا وقد أقر القانون ضرورة انشاء هیئة لمکافحة الفساد بحکم القانون یشرف علیها رئیس الوزراء الذى یقوم بتعیین رئیس الهیئة ونوابه. کما حدد القانون کلٌ من طبیعة ومفهوم وأنواع الفساد (اساءة استغلال السلطة العامة والوظیفة العامة، الابتزاز، المحسوبیة، العطایا و الهدیا)، طریقة اختیار رئیس الهیئة ونوابه والمدد المسموح بها لشغل هذه المناصب، والموظفون المعینون بها، کما فصل القانون الإختصاصات المخولة للهیئة بحکم القانون. وقد حدد القانون بشکل من التفصیل الإجراءات التى یجب علی الهیئة والعاملون بها اتباعها عند اجراء التحقیق والبحث والقاء القبض علی المتهمین فی القضایا محل التحقیق التی تتولاها الهیئة .

  ونجد أن ذلک قد شکل أحد أهم الأسباب التی دفعت برئیس الوزراء الأسبق عبد الله أحمد بدوی عندما وصل إلی السلطة خلفاً لمهاتیر محمد عام 2003 بأن یجعل مواجهة الفساد من أولی أولویاته، بل أنه أعلن منذ تولیه السلطة عن التزامه نحو تدعیم الحکم الرشید و تدعیم قیم الشفافیة والمساءلة وذلک جنبا إلی جنب مع تدعیم القیم الروحیة والأخلاقیة القائم علیها المجتمع المالیزی. وفى هذا الصدد اتخذت الحکومة مجموعة من التدابیر والخطط التی من شأنها تقویض ومواجهة الفساد الذی قد یوجد فی کلاً من القطاع العام والخاص والذی قد یعیق تنفیذ الخطط التی تبتها الحکومة بشأن رؤیة مالیزیا 2050 والتی من أهمها أن تکون مالیزیا من أحد الاقتصادیات المتقدمة التی تحقق دخلاً مرتفعاً لمواطنیها فى عام 2050.

– أهم الخطط والاستراتیجیات التی سنتها الحکومة المالیزیة لمحاصرة الفساد:

1- الخطة القومیة لتدعیم النزاهة The National Integrity Plan(NIP) والتی أکدت على اتباع منهج وقائی یقوم علی منع تواجد الفساد وذلک من خلال الإستثمار الخُلقی والاخلاقى فی أفراد المجتمع المالیزی بشکل عام وتدعیم مجموعة من القیم والأخلاق التی تعلی من قیم النزاهة والأمانة والشفافیة. کما اکدت الخطة علی أن الهدف لیس فقط مواجهة الفساد الذی یسبب تآکلاً للموارد العامة فحسب بل أن الهدف هو النهوض بالمجتمع قوام أفراده یتمتع بمنظومة قویة من القیم الأخلاقیة والدینیة والروحیة.

وقد قامت خطة النزاهة القومیة علی التطبیق من خمس مراحل خلال الفترة المتدة من 2004-2008. وقد اعلت المرحلة الأولی مجموعة من الأولویات جعلتها علی اجندة عمل الأجهزة الحکومیة التی تبنا فکر الإصلاح و التطویر المستمر نهجاً لها، من أهم هذه الأولویات :

• العمل بفاعلیة علی تقلیل کل ما یُعد عملاً فاسداً یتم من خلاله اساءة استخدام السلطة.

• العمل علی الرقی بجودة تقدیم و ایصال الخدمات العامة وتجنب ما قد یُوصف علی أنه تعقید بیروقراطی وقد یمثل باباً من أبواب اساءة استغلال السلطة.

• تدعیم حوکمة الشرکات والعمل علی بناء مجتمع أعمال تکون قوامه الأخلاق والقیم وغیر مدفوع فقط بتحقیق الربح.

• تدعیم وتقویة مؤسسة الأسرة.

• تحسین جودة حیاة الانسان.

وقد عملت الحکومة المالیزیة علی تقسیم الخطة إلی مجموعة من البرامج وإیجاد مجموعة من أدوات و میکانزمات التنسیق التی تفعل من وجود مجموعة أخری من المؤسسات المجتمعیة الموجودة بالفعل والتی من شأنها ان تساعد على تحقیق أهداف البرنامج. وفی سبیل ذلک حددت الخطة مجموعة من الاستراتیجیات الشاملة والتی تستثمر وتدفع بمجموعة من خطط الإصلاح فى مجموعة من المؤسسات و منها:

– مؤسسة الأسرة.

– مؤسسات المجتمع المدنى.

– المؤسسات المجتمعیة و الثقافیة

– المؤسسات الاقتصادیة.

– المؤسسات السیاسیة.

– مؤسسات الإدارة العامة

واستکمالاً لعمل الخطة فقد تم انشاء المعهد الوطنی لتدعیم النزاهة Integrity Institute of Malaysia (IIM) . و قد أُوکل لهذا المعهد مهمة ضمان ومتابعة عملیات التخطیط والتطبیق والتنسیق والمتابعة والتقویم المتعلقة بخطة النزاهة. کما أن المعهد أخذ علی عاتقه ترسیخ ثقافة تناهض الفساد من خلال تنظیم العدید من الدورات التدریبیة لتدعیم قیم النزاهة والشفافیة فی المنظمات العامة، بالإضافة إلی عقد العدید من جلسات ودوائر المناقشة التی جمعت بین المتخصصین من جانب وبعض العاملین فی القطاع الخاص وذلک من أجل تجذیر ثقافة تناهض الفساد فى کلاً من القطاعیین العام والخاص، کما حاول المعهد ایجاد أدوات للتنسیق والمتابعة من خلال عقد مجموعة من المؤتمرات التی تتم برعایة المنظمات الدولیة المعنیة ودعوة کلاً من العاملین فی القطاع الخاص والعام. وفی هذا السبیل أیضاً حاول المعهد بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى الدفع بعدد من برامج بناء القدرات والمهارات للعاملین فی المعهد والقائمین علی تنفیذ خطط وبرامج الخطة القومیة لتدعیم النزاهة و الشفافیة .

فعلی سبیل المثال أصدر رئیس الوزراء المالیزى السابق نجیب رزاق عام 2011 قراراً بإنشاء أکادیمیة مکافحة الفساد لتکون الأولی من نوعها فی المنطقة لتقوم علی تقدیم نوع من التدریب الحرفى للعاملین فی القطاعین العام والخاص فی مالیزیا ودول الجوار. وقد هدفت الأکادیمیة بشکل رئیس إلی بناء کوادر قادرة علی متابعة سیاسات مکافحة الفساد واجراء التحقیقیات اللازمة خاصة فی جرائم الفساد الکبیر مثل تلک المتعلقة بجرائم غسل الأموال ومتابعة تنفیذ السیاسات علی المستوى القومی. ونجحت الحکومة المالیزیة فی الحصول على دعم کلاً من بنک التنمیة الأسیوى Asian Development Bank (ADB) ومنظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة (OECD).

من جهة أخرى وعلی التوازی قامت الحکومة المالیزیة بمجموعة من الخطوات التی من شأنها منع انتشار الفساد وتدعیم قیم المساءلة والشفافیة. فقد دفعت الحکومة عام 2012 بقوانین من شأنها إصلاح نظم المحاسبة الداخلیة التی تعتمد علیها المنظمات العامة .

کما أنشأت الحکومة مکتب الشکاوى العامة Public Complains Bureau لتلقی شکاوى المواطنین بخصوص أداء المنظمات العامة. و قد نظّم هذا المکتب العدید من الرحلات والزیارات علی مستوى الدولة، کما تم تنظیم العدید من اللقاءات التی جمعت أعضاء هذه اللجنة برؤساء الهیئات الحکومیة المعنیة فی موضوع الشکوی والمواطنین. وقد ساهمت هذه الألیة بشکل کبیر فی تحسین مستوى الخدمات العامة، حیث أن تواجد مثل هذه الممارسة من شأنه تدعیم ثقة المواطن بالحکومة و تعضد من قدرته علی المساهمة فی إیصال صوته للقائمین علی صنع السیاسات وبالتالی أرائهم حول أفضل الطرق لتقدیم الخدمات أو تحسین تقدیم الخدمة خاصة علی مستوی بعض المناطق المحلیة التى لم یکن لها القدرة علی إیصال شکواها.

وقد أمنت الحکومة المالیزیة أن مکافحة الفساد لاتتم بمعزل عن إصلاح البنیة التشریعیة والقانونیة المرتبطة بمجموعة من الأنشطة والمرافق الحکومیة، علی رأسها قطاع الشرطة حیث تم تشکیل لجنة بأمر ملکى فی العام 2009 لإصلاح الإدارة الشُرطیة وتغییر أسلوب العمل والمنظومة القیمیة التی کان یقوم علیها قطاع الشرطة. فأکدت اللجنة علی ضرورة تعزیزالعاملین فی الشرطة بقیم أخلاقیة وروحیة ودینیة لتمثل حائط صد لمقاومة الفساد. وقد حرصت اللجنة أثناء عملها علی الإستماع إلی أراء المواطنین للوقوف علی أهم المشکلات التی یواجهونها أثناء التعامل مع أفراد الشرطة. کما اعتمدت اللجنة على بناء استراتیجیة وقائیة فیما بین العاملین فی الشرطة وانشاء ادارة داخلیة تقوم على عملیة المتابعة الدوریة للعاملین و تقوم علی تلقی شکاوی المواطنین.

من جهة أخرى سعت الحکومة إلى تغییر القوانین المنظمة لإجراءات عمل المزادات والعطاءات الحکومیة التی تُعد أحد أهم الأبواب التی قد تغذى الفساد فی القطاع الحکومى.

أما فیما یتعلق بقضایا الفساد الکبیر فقد أصدر البرلمان قانون مکافحة غسیل الأموال وحظر تمویل الأرهاب عام 2001. کما قنن البرلمان ما یُعرف بالمال السیاسی Money Politics وهو المال الذی یتم استخدامه من قبل بعض السیاسیین بغرض شراء أصوات الناخبین ویعد هذا السلوک نوعاً من أنواع الفساد السیاسی. کما أصدرت الحکومة المالیزیة مجموعة من التشریعات التی من شأنها تدعیم حریة تداول المعلومات وکفالة حریة حصول الأفراد على المعلومات وتدعیم حریة الصحافة. وقد عملت الحکومة علی توفیر ضمانات حقوقیة للموظفین العمومیین الذین یبادروا بالکشف عن الفساد داخل المنظمات العامة .

و مع عودة رئیس الوزراء المالیزى مهاتیر محمد للحکم مرة أخرى فى مایو 2018 عقب فوز تحالف الأمل الذى قاده بالانتخابات العامة الأخیرة ضد رئیس الوزراء السابق نجیب رزاق المُدان فى تهم فساد مالى، بدأ مهاتیر مهام عمله رافعا شعار مکافحة الفساد عالیاً، وعازما على إصلاح أخطاء الحکومة السابقة التی ترأسها نجیب عبد الرزاق.

وفى خلال فترة وجیزة لا تتعدى عشرة أیام استطاع مهاتیر محمد محاربة العدید من مظاهر الفساد فی بلاده، وخلال هذه الفترة القصیرة قام بفتح أکثر الملفات والقضایا فسادا ، وهو الصندوق السیادی المالیزی الذی تقدر حجم الأموال المنهوبة منه بأکثر من 4.5 ملیارات دولار، کما بدأ التحقیق مباشرة مع نجیب عبد الرزاق رئیس الوزراء السابق وزوجته وبعض أقاربه بتهم الفساد والتربح وتلقی رشاوى خارجیة بلغ قیمتها حوالى 681 ملیون دولار من الأسرة المالکة بالسعودیة.

والجدیر بالذکر فى هذا السیاق، أن مهاتیر محمد قد قام بالتحرک سریعا لإسترداد أموال منهوبة جرى تحویلها إلى الخارج عبر عملیات تحویل غیر مشروعة، بل وأکد أن حکومته تسعى لاسترداد ملیارات الدولارات التى دخلت فی إطار عملیات غسیل أموال فی الولایات المتحدة وسویسرا ودول أخرى .

2- هیئة مکافحة الفساد The Malaysian Anti-Corruption Commission (MAAC)

و نتیجة لما استشعرته الحکومة تراجعاً لموقع مالیزیا وفقاً لمؤشر مدرکات الفساد والذى کان له أثره فی انخفاض نسب الاستثمارات الخارجیة. أقرت کلاً من الحکومة والبرلمان عام 2008 قانون إنشاء الهیئة القومیة لمکافحة الفساد، وتتولى هیئة مکافحة الفساد عملیات متابعة التحقیق فی قضایا الفساد بشکل مستقل دون تبعیة لرئیس مجلس الوزراء. وقد حدد القانون المنشأ للهیئة کلاً من الرؤیة و الرسالة التی یجب أن تقوم علیها الهیئة. حیث تتمثل رؤیة الهیئة فی ” السعی نحو بناء مجتمع مالیزی خال من الفساد قائم علی تدعیم القیم الخلقیة والروحیة، والسعی نحو جعل هذه الهیئة نموذجاً للتمیز لیس فقط علی المستوى القومی بل علی المستوى الإقلیمی”.

کما تتمثل رسالة الهیئة فی ” العمل علی محاصرة الفساد بکل أشکاله والعمل بشکل مستمر علی تدعیم وتقویة قیم النزاهة والشفافیة وبناء کوادر بشریة فاعلة تعمل علی تحقیق ذلک فی کلاً من القطاعین العام والخاص”

ویتولى کبیر المفوضین داتوک دزلکفلی أحمد. رئاسة الهیئة المالیزیة لمکافحة الفساد فى الوقت الحالى ، وقد تم تعیینه فی أغسطس 2016 لیحل محل الرئیس المفوض السابق تان سری أبو قاسم محمد. ، وهى حالیا تحت إدارة رئیس الوزراء المالیزىز

ومن أبرز المهام التى قامت بها الهیئة بعد تولى مهاتیر محمد مقالید الحکم مرة أخرى فى مایو 2018 ، کانت فی أوائل یولیو 2018، حیث تم القبض على رئیس الوزراء السابق نجیب رزاق من قبل لجنة مکافحة الفساد المالیزیة (MACC) للتحقیق معه فی کیفیة تحویل 42 ملیون رینغیت مالیزی (10.6 ملیون دولار أمریکی) من سی أر سی الدولیة إلى حساب نجیب المصرفی.وصادرت الشرطة محتویات شخصیة وحقائب ید ومجوهرات بقیمة 273 ملیون دولار .

وقد تبنت الهیئة فى الفترات السابقة مجموعة من البرامج التی تمکن الحکومة المالیزیة من مواصلة جهودها لدعم التنمیة والإصلاح المستدام اللذان یضمنا استمرار السعی نحو تنفیذ أهداف المخطط 2050من جهة، و من جهة أخری یعضد من توجه الدولة المستمر نحو القضاء علی الفساد الذی أمنت مالیزیا أن وجوده من أهم المعوقات التی تعیق تحقیق التنمیة. ومن أهم تلک البرامج برنامج إعادة الهیکلة الحکومی Government Transformational Program و الذی تبنته الحکومة عام 2010. والذی بدوره اندرج تحته مجموعة من الخطط أهمها National Key Results Areas وهی تلک الخطة التی رکزت العمل علی ستة أهداف رئیسة وهی : تحسین مستویات الدخل والتقلیل من معدلات الجریمة ومحاریة الفساد وتحسین عوائد العملیة التعلیمیة والرقى بمستوى المعیشة الفئات والأسر الفقیرة وتحسین البنیة التحتیة والنقل فى المناطق الحضریة.

3- تدشین مؤسسة صندوق برادانا الدولیة لمکافحة الفساد:

جاءت أخر إسهامات رئیس الوزراء المالیزى مهاتیر محمد فى سعیه الحثیث لمحاربة ومکافحة الفساد ، فى فبرایر 2020 عندما قام بتدشین صندوق مؤسسة “بردانا” الدولیة لمکافحة الفساد بالتعاون مع الصندوق الدولی التابع للأمم المتحدة لمکافحة الفساد ، حیث أکد مهاتیر محمد إن هذا الصندوق ذو أهمیة کبرى لأنه یعمل کنظام داعم ومساند لمسؤولى مکافحة الفساد الذین تعرضوا للتهدید والإساءة فی سبیل القیام بمهامهم.

ومن المتوقع أن تؤدى المؤسسة دورا مهما فی تنفیذ مسؤولیة الصندوق الدولی التابع للأمم المتحدة لمکافحة الفساد فی مالیزیا واستکمال تطلعات اتفاقیة الأمم المتحدة حول الفساد.

والجدیر بالذکر فى هذا السیاق، أن الإدارة المعنیة بمکافحة الفساد فى مالیزیا، قد أعلنت أوائل فبرایر 2020، أنها تقوم بالتحقیق فى مزاعم من مکتب مکافحة جرائم الاحتیال الخطیرة فى بریطانیا تدور حول ان شرکة إیرباص الأمریکیة قد دفعت رشوة قیمتها 50 ملیون دولار للحصول على طلبیات من أکبر شرکة طیران فى آسیا من حیث المیزانیة وهى (إیر آسیا) ومقرها مالیزیا.

– انعکاسات استراتیجیات مکافحة الفساد فی مالیزیا على موقعها فى المؤشرات الدولیة:

سوف یتم دراسة انعکاسات استراتیجیات مکافحة الفساد فی مالیزیا والتی بدأ تدشینها فی عام 2004، وذلک من خلال دراسة تطور ترتیب مالیزیا فی المؤشرات الدولیة لمکافحة الفساد، والتی تتمثل فی دراسة مؤشرات منظمة الشفافیة الدولیة، وکذا مؤشرات البنک الدولی.

أولا/ نتائج مؤشر مدرکات الفساد

مؤشر مدرکات الفساد هو أحد المؤشرات الصادرة عن منظمة الشفافیة الدولیة والذی بدأ منذ عام 1995، والذی تم بناءه لیقیس إدراک الفساد فی القطاع العام فی مختلف دول العالم، وخلال الـ 18 عام السابقة، کان یتم إعادة تعریف وتکییف المنهجیة المستخدمة فی حساب المؤشر حتى عام 2014، والتی تزید القدرة على مقارنة البیانات بین الدول أو على مستوى الدولة الواحدة من وقت لآخر ، والذی یقوم بترتیب الدول من صفر إلى 100، ویشیر صفر إلى أن الدولة ذات درجة عالیة من الفساد highly corrupt بینما یشیر الترتیب 100 إلى ان الدولة نظیفة ولا یوجد بها فسادvery clean.

الجدول رقم (1)

مرکز مالیزیا فی مؤشر مدرکات الفساد منذ اصدار قانون مکافحة الفساد 1997

السنة الترتیب

2003 – 37

2002 – 33

2001 – 36

2000 – 36

1999 – 32

1998-  29

1997 – 32

المصدر: تم الإعداد بمعرفة الباحث، من واقع نتائج تقاریر مؤشرات مدرکات الفساد.

 یوضح الجدول رقم (1) المرکز الذی کانت تشغلة مالیزیا فی مؤشر مدرکات الفساد الذی یشیر إلى تدهور ترتیبها بشکل کبیر بین الدول فوصلت إلى مراتب متدهورة حیث شهد العام 1997 وهو العام الذی واجهت فیه الدولة المالیزیة الأزمة المالیة الشهیرة، کما أنه شهد إصدار قانون مکافحة الفساد المالیزی الذی سبقت الإشارة إلیه فی الفصل السابق من الدراسة، والذی تسبب فی مزید من تقدم ترتیب الدولة فی المؤشر ولکن لم یکن هذا التقدم بشکل واضح، وهو ما یعکس الوضع المتدهور للدولة وانتشار الفساد بها بالشکل الذی جعله ینعکس على نتائج المؤشر.

الجدول رقم (2)

مرکز مالیزیا فی مؤشر مدرکات الفساد

السنة الترتیب

2014 – 52

2013 – 50

2012 – 49

2011 – 60

2010 – 56

2009 – 56

2008 – 47

2007 – 43

2006 – 44

2005 – 39

2004 – 39

المصدر: تم الإعداد بمعرفة الباحث بالإعتماد على تقاریر منظمة الشفافیة الدولیة.

ویوضح الجدول رقم (2) التطورات التى شهدها ترتیب مالیزیا فی مؤشر مدرکات الفساد الصادر عن منظمة الشفافیة الدولیة، والذی یعکس مستوى التدهور فی الترتیب فی العام الذی تم اصدار الاستراتیجیة المالیزیة لمکافحة الفساد فی عام 2004، وأخذ الترتیب فی التطور على الرغم من عدم استمرار التطور بشکل مستمر فظل الترتیب فی التطور والتقدم بشکل ملحوظ حتى وصل إلى عام 2011 لیصل لـ 60 مقارنة بـ39 مع بدایة الاستراتیجیة، والذی شهد فیما بعد تراجع لفترة وجیزة ولکنه عاد مرة أخرى فی التقدم لیصل إلى 52 فی عام 2014، من بین 175 دولة تم تطبیق المؤشر علیها.

ثانیا/ مؤشر دافعی الرشوة:

یعبر هذا المؤشر عن مستویات دفع الرشوة فی الدولة وتوقع الشرکات دفع رشوة لتسهیل قیامها بعملها، ویقیس هذا المؤشر اقتصادیات أکبر 28 دولة فی العالم، ویعطی المؤشر الدول مجموعة من الدرجات scores التی تمتد من صفر – 10 درجات، وتشیر الدرجة 10 إلى أن الشرکة لم یسبق لها دفع رشوة، أما الدرجة صفر فتشیر إلى أن الشرکة دائما ما تدفع رشوة لتسییر أعمالها.

یعد التقریر الأخیر الصادر عام 2011 من التقاریر المختلفة التی تقیس أیضا الرشوة المدفوعة بین الشرکات التابعة للقطاع الخاص (‘private-to-private’ bribery )، ومن ثم تتدارک المشکلة التی أشرنا الیها فی عرض اشکالیات تعریف الفساد الذی یغفل الفساد داخل القطاع الخاص والفساد ما بین القطاع الواحد.

وفیما یلی یمکن توضیح موقف مالیزیا فی هذا المؤشر، وذلک من خلال الإشارة إلى الدرجة والترتیب الذی تحتله مالیزیا فی نتائج المؤشر.

الجدول رقم (3)

مرکز مالیزیا فی مؤشر دافعی الرشوة

السنة الدرجة الترتیب

2014 7.6 15

2008 – –

2006 5.59 25

2002 4.3 15

1999 3.9 15

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على نتائج مؤشر دافعی الرشوة.

والجدول رقم (3) یوضح تطور وتقدم ترتیب وموقع مالیزیا فی مؤشر دافعی الرشوة الذی تصدره منظمة الشفافیة الدولیة، والذی یوضح أن التقریر الصادر عن المنظمة عام 2014 یفید حصولها على درجة متقدمة بالمقارنة بالسنوات السابقة على إصدار الاستراتیجیة المالیزیة لمکافحة الفساد التی تم إصدارها فی عام 2004، فنجد ارتفاع ملحوظ فی درجات مالیزیا فی مؤشر عام 2006 التی حصلت فیه مالیزیا على حوالی 5.6 درجة، بالمقارنة ببیانات عام 2002 الذی حصلت فیه على 4.3 درجة، وبیانات عام 1999 التی حصلت فیه على 3.9 درجة.

من خلال استعراض المؤشرین السابقین یتضح أن موقع مالیزیا قد اختلف وتطور بشکل ایجابی بعد تدشین الاستراتیجیة المالیزیة لمکافحة الفساد الصادرة عام 2004، فنجد مؤشر مدرکات الفساد یعکس تطور کبیر فی ترتیب مالیزیا فی التقریر الصادر عام 2014، وکذلک مؤشر دافعی الرشوة أیضًا أوضح وجود طفرة فی نتائج هذا المؤشر على مالیزیا وهو ما تعکسه نتائج المؤشر الصادر عام 2014.

ثالثًا/ مسح الموازنة المفتوحة:

یقیس مسح الموازنة المفتوحة مدى الشفافیة والمشارکة المجتمعیة فی موازنات الدول حول العالم، ویقوم باعداده مجموعة من الباحثین المستقلیین فی البلدان التی یتم تقییمها،ویتألف بحث الموازنة المفتوحة من 125 سؤال 95 سؤال منها یتعلق مباشرة بالتوافر العلنی والشمولیة لثمان وثائق رئیسة للموازنة والتی ینبغی على الحکومات نشرها فی مراحل محددة من دورة الموازنة .

ویتم إعداد هذا المسح بشکل دوری کل عامین بدایة منالعام 2006، وحتى عام 2014، وذلک عقب إعداد مجموعة من الاختبارات التجریبیة على مجموعة من الدول منذ عام 1999 حیث قام الباحثون فی مشروع الموازنة الدولیة ومعهد الدیمقراطیة فی جنوب أفریقیا بتجریب منهجًا لاجراء بحث عن شفافیة الموازنة، ویتم تعدیل منهجیة المسح بشکل دائم بإضافة أسئلة للاستبیان المستخدم بالمسح ذلک لیتماشى مع مبدأ شفافیة الموازنة والمصداقیة .

وفیما یلی عرض لتطور ترتیب مالیزیا فی نتائج مسح الموازنة المفتوحة منذ عام 2006 وحتى أخر مسح تم اعداده فی عام 2014.

الجدول رقم (4)

مرکز مالیزیا فی نتائج مسح الموازنة المفتوحة

السنة الترتیب

2014 39

2010 39

2008 35

2006 –

المصدر: تم الإعداد بواسطة الباحث من واقع تقاریر مسح الموازنة المفتوحة.

أوضحت نتائج مسح الموازنة المفتوحة تطور ترتیب مالیزیا فی مسح الموازنة المفتوحة منذ مشارکة مالیزیا فی هذا المسح عام 2008، والتی احتلت فیه مالیزیا المرکز 35 من بین مائة دولة مشارکة حول العالم، وأظهرت نتائج المسح الذی تم إعداده من قبل شراکة الموازنة الدولیة (IBP)، وأظهر تقریر مالیزیا الصادر عن المنظمة فی تقییمه لمالیزیا أنها احتلت المرکز 39 من إجمالی 100 دولة تم تنفیذ المسح علیها، وهو ترتیب أقل من متوسط ترتیب جیرانها مثل اندونیسیا والفلبین، لکنها أیضًا أعلى من جیرانها تایلاند وکامبودیا وفیتنام ومینمار.

فمالیزیا – طبقا لهذا التقریر تقدم قدر یسیر من المعلومات للعامة حول وثائق موازنتها خلال العام، فتعطى الحکومة معلومات محدودة حول الموازنة القومیة لها والأنشطة المالیة، مما یطرح معه تحدى کبیر للمواطنین عند محاسبتهم للحکومة لتصرفها فی المال العام.

ویرى التقریر أن الحکومة المالیزیة من الممکن أن تحقق مزیدًا من شفافیة الموازنة من خلال مجموعة من الإجراءات قصیرة ومتوسطة الأجل ومنها ما یمکن فعله بدون أی تکلفة إضافیة على الحکومیة .

رابعًا/ مؤشرات الحوکمة الصادرة عن البنک الدولی

یقوم البنک الدولی سنویًا بإصدار مؤشر خاص بالحوکمةWorldwide governance indicators، والذی یتکون من مجموعة من المؤشرات الفرعیة والتی تعکس 6 أبعاد للحوکمة لـ215 دولة حول العالم خلال الفترة من عام 1996 حتى عام 2014، والتی تتمثل فی :

1. التصویت والمحاسبیة Voice and Accountability

2. الإستقرار السیاسی وغیاب العنفPolitical Stability and Absence of Violence.

3. کفاءة الحکومة Government Effectiveness.

4. الجودة التنظیمیة Regulatory Quality .

5. سیادة القانون Rule of Law .

6. السیطرة على الفساد Control of Corruption.

فیما یخص مؤشر السیطرة على الفساد، الذی یتضمن وضع تقدیر للحوکمة Estimate of Governance الذی یتراوح بین -2.5 وهو ما یعتبر ضعیف weak، و2.5 الذی یعد قوی strong طبقًا لهذا المؤشر، کما یعطی للدولة ترتیب Rankبین کافة دول العالم من (صفر إلى 100) وصفر هو الترتیب الأدنى lowest، ویشیر الترتیب 100 إلى الترتیب الأعلى highest .

وفیما یلی توضیح لمرکز مالیزیا من هذا المؤشر العالمی وکذلک تقدیرها قبل إصدار الاستراتیجیة المالیزیة لمکافحة الفساد منذ عام 2003، وحتى التقریر الصادر عن البنک الدولی فی عام 2014.

الجدول رقم (5)

مرکز مالیزیا فی مؤشرات الحوکمة الصادرة عن البنک الدولی

السنة الترتیب تقدیر الحوکمة

2014 68.42 0.41

2012 65.55 0.30

2011 59.72 0.05

2010 62.86 0.13

2009 58.37 -0.03

2008 59.22 0.02

2007 66.50 0.28

2006 64.88 0.25

2005 62.93 0.27

2004 70.24 0.43

2003 68.78 0.39

2002 62.44 0.21

المصدر: تم الإعداد بمعرفة الباحث من واقع بیانات مؤشرات السیطرة على الفساد المتفرع عن مؤشرات الحوکمة للبنک الدولی.

ومن الجدول السابق یتضح أن مؤشرات مالیزیا فی مؤشر تقدیر الحوکمة تتراوح ما بین 59 إلى 70.25، ولکن من قراءة المؤشرات الخاصة بالدولة نجد أنه فی العام الذی أصدرت مالیزیا فیه الاستراتیجیة الوطنیة لمکافحة الفساد انعکس ذلک على ترتیبها فی مؤشر السیطرة على الفساد لیصبح 70.24 وذلک فی عام 2004، وأخذ ینخفض ثم حقق أعلى مستوى له منذ عام 2004 فی التقریر الصادر عام 2014 لیصبح 68.42.

وفى ختام هذا الجزء، فقد أظهرت المؤشرات تقدم مالیزیا عامًا بعد عام فی نتائج تلک المؤشرات وخاصة بعد إصدار الاستراتیجیة المالیزیة لمکافحة الفساد فی عام 2003، إلا أنها فی بعضها لا یمکن التوصل لطفرات فی ترتیب أو مرکز مالیزیا فی المؤشر لکنه غالبًا ما یعکس تقدم مستمر لکنه لیس بالکبیر مع ملاحظة أنها لا تعود للوراء.

الخاتمة :

تُعد التجربة المالیزیة لمکافحة الفساد من أهم التجارب التی تم إعدادها على مستوى مختلف الدول النامیة، وإن کان هناک العدید من المشکلات التی تعترضها نتیجة لطبیعة النظام السیاسی المالیزی إلا أنها تعد هامة فی طریق بناء الدولة المالیزیة، ومکافحة مظاهر الفساد خاصة فی مجال الخدمة العامة.

و ما یجب التنویه له فی هذا الشأن أن أهم ما یمیز التجریة المالیزیة فیما یتعلق بمحاربة الفساد هو تکاملیة التجربة حیث لم یکن توجه الحکومات المالیزیة أحادى النظرة أو أحادی البعد، بل أن محاربة الفساد جاء ضمن رؤیة أکثر شمولیة للدولة المالیزیة فی إطار ما عُرف بالرؤیة 2050 التى اعتمدت علی رؤیة استراتیجیة لمالیزیا تجعل منها أحد الدول المتقدمة فى عام2050 . ولذلک لم ترکن الحکومة إلی الإعتماد على تشریع أو إنشاء هیئة تقوم علی محاربة الفساد دون تفعیل دور کلا ًمن القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنی بل أن الحکومة المالیزیة سعت إلى دعوة بعض المنظمات الإقلیمیة التی لها القدرة على توفیر التمویل اللازم لخطط مکافحة الفساد کما أشارت الورقة سلفاً.

وتقدم التجریة المالیزیة نموذجاً متفرداً جدیر بالدراسة خاصة للدول النامیة، حیث مثل النموذج المالیزی فی التنمیة بشکل عام ومحاربة الفساد و التطویر الإداری بشکل خاص نموذجاً خاصاً قام علی تفعیل منظومة القیم الروحیة والأخلاقیة والدینیة التی یتمتع بها المجتمع وجعلها منطلقاً رحباً لتدعیم بناء الدولة والمجتمع أولاً کوحدات أصیلة متکاملة ومتجانسة رغم اختلافها. ثم همت فی ذات الوقت لتاخذ بأسباب التمدن و التحدیث وجعلت من التنمیة المستدامة هدفاً رئیساً لکل خطط التطویر التی تتبعا الدولة. و قد أوضحت التجربة المالیزیة فی محاربة الفساد عدم وجود استراتیجیة أو آلیة سهلة تستطیع من خلالها الدول علاج ذلک الخلل المجتمعی والاقتصادی الذی یسبب تآکلاً مستمراً لجهود التنمیة ویحد من تحقیق عدالة التوزیع. أوضحت التجربة المالیزیة أیضاً ضرورة حساسیة واستجابة الحکومة للتغیرات والمشکلات المجتمعیة. أخیراً أظهرت التجربة المالیزیة ضرورة وجود نظرة تکاملیة شمولیة لاشکالیة الفساد، فعلی خلاف العدید من التجارب التی ترتکن علی ایجاد صیغ قانونیة وتشریعیة ومؤسسیة نزعت مالیزیا إلى وضع اشکالیة الفساد فی القلب من مخططها الاستراتیجی ورؤیتها القومیة للدولة.

وحول الدرورس المستفادة من التجربة التنمویة المالیزیة:

أولا: ضرورة الأخذ بمبدأ التکامل بین دور الدولة ونظام السوق على أن تکون الدولة فی تدخلها أکثر مراعاة للبعد الاجتماعی وتحقیقا للعدالة الاجتماعیة.

ثانیا: التعامل الحذر مع الاستثمار الأجنبی، وذلک من خلال وضع الضوابط اللازمة لضمان سلامة الاقتصاد القومى وتوجیه الاستثمار الاجنبی المباشر إلی القطاعات التى تخدم التنمیة.

ثالثا: ـأهمیة دور القیادة السیاسیة ودورها فی العملیة التنمویة.

رابعا: الاهتمام بمنظمومة التعلیم فی مختلف المراحل، على اعتبار أن الإنسان هو جوهر التنمیة، مما یمکنه من تحقیق التنمیة.

خامسا: تبنى استراتیجیة لتوزیع الدخول تهدف مکافحة الفقر المدقع وإعادة هیکلة العمالة وزیادة تنمیة الأعمال التجاریة والصناعیة للغالبیة الفقیرة.

سادسا: اتباع لسیاسة ضریبیة أخذه بمبدأ التصاعدیة فی ضریبة الدخل.

سابعا: منح الإعانات المالیة للفقراء، تقدیم قروض بدون فوائد لشراء المساکن قلیلة التکلفة للفقراء فی المناطق الحضریة، علاوة على تدعیم الأدویة التی یستهلکها الفقراء.

تحميل الدراسة

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى