العلاقات المدنية-العسكرية والدولة المحدثة في المنطقة العربية

طرح المنظروون في الدراسات الاستراتيجية موضوع “العلاقات المدنية-العسكرية” كجزء من تلك البحوث التي نالت اهتماما كبيرا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، من أجل ربط العلاقة بين الدولة المدنية وسيطرة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا على الجيش والقطاعات الأمنية الأخرى؛ بواسطة إعادة مفهمة أدوار ومهام القوات المسلحة في الديمقراطيات الناشئة. تركز الحوار النظري حول مسائل التحكم، الفعالية العسكرية، والكفاية الدفاعية، وذلك من أجل نجاح عملية التحول الديمقراطي، وفي نفس الوقت تعزيز قدرات الدولة في المحافظة على الأمن الداخلي ومواجهة مخاطر التهديد القادمة من البيئة الخارجية. اشتقت كل مفردات التحليل من تجارب التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية، أوربا الشرقية، أسيا وحتى اوربا الشرقية وإسبانيا والبرتغال.
اكتسب الموضوع جاذبية بين المنظرين الكبار من أمثال صامويل هانتغتون وكذلك الباحثين في العالم المتقدم والثالث على حد سواء، بسبب النجاحات التي حققتها الديمقراطيات الناشئة في تلك المناطق، باستثناء المنطقة العربية، التي لازالت تعاني من اضطرابات أمنية وحروب أهلية، أفضت في النهاية إلى استمرار هيمنة العامل الأمني على المستوى الوطني والإقليمي على حد سواء.
معظم تجارب التحول الديمقراطية أجهضت بواسطة غياب بلورة جيدة لمضامين العلاقة بين المدنيين والعسكريين، أو حتى الاستفادة من تجارب الآخرين بسبب التحكم المتزايدة لقادة الجيش والقطاعات الأمنية في الشؤون السياسية تحت ذريعة تنامي التهديدات الأمنية بواسطة الإرهاب، الجريمة المنظمة، ومخاوف الحرب الأهلية والمذهبية. الحقيقة أن ليس هناك حكما عاما يمكن إسقاطه على كل حالات العلاقات المدنية-العسكرية في العالم العربي، لكن المؤكد أن تعثر التحول الديمقراطي في المنطقة يرجع في جزء كبير منه إلى الفشل في إيجاد صيغة تنظم العلاقة المدنية-العسكرية، وتعيد ترتيب المهام الجديدة والأدوار الأساسية للقوات المسلحة، تدار بواسطة قيادة مدنية منتخبة شعبيا.
المفارقة الاستراتيجية المثيرة للاهمام، أن العلاقة المدنية-العسكرية في العالم العربي تحولت إلى مصدر لإنتاج عدم الاستقرار وتصاعد القابلية للعطب الأمني الشديد بواسطة الميل المتزايد لاستخدام القوة العسكرية والعنف المفرط من قبل قوات الأمن ضد المعارضين للحكومة. ذكرت وسائل الإعلام العالمية خبر قتل قوات الأمن المصرية في أسيوط ثلاثة من أفراد جماعة الإخوان المسلمين بدم بارد، بدعوى أنهم كانوا مجتمعين في شقة، وعلّق الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي أمس على الحادثة بقوله أن هناك من يعمل على تهديم الدولة منذ 30 يونيو 2013، وإننا سوف نستخدم القوة العسكرية لمحاربة الإرهاب وجماعته. المسألة التحليلية الرئيسية هنا، هي تحت أي فئة يمكن تصنيف المجتمعات التي تقوم فياه القوات المسلحة بقتل مواطنيها خارج المؤسسات القضائية بدعوى الإرهاب، وأي صورة سوف ترسمها مثل هذه الأعمال في الإدراكات الشعبية.
تم إعلان هيئة الإحصاء الشهر الماضي أن عدد سكان مصر قد وصل إلى 92 مليون نسمة، وأن عدد السكان يزداد بثلاث ملايين كل ستة أشهر، لكن هذا الحجم سوف يكون بدون فعالية اقتصادية أو استراتيجية بسبب تعثر التحول الديمقراطي وغياب صيغة جيدة للعلاقة المدنية-العسكرية، تضع الجيش المصري والقطاعات الأمنية تحت يد حكومة مدنية منتخبة شعبياو بحرية. إن مصر مثل باكستان (160 مليون نسمة)، سوف تستمر في الأزمات وتصاعد النزاعات الداخلية بسبب الظروف الاقتصادية وزيادة أعباء القوات المسلحةعلى الاقتصاد المصري، المنخرطة في تشديد القبضة الأمنية على المعارضة السياسية.
طالما أن العلاقات المدنية-العسكرية مازالت غامضة وتراوح مكانها، واستمرار نفوذ العسكري على المدني في الوطن العربي، فإن مفهوم الدولة المحدثة سوف يطول غيابه في عالم يتقدم بسرعة إلى الأمام.

عامر مصباح (جامعة الجزائر 3)
10/12/2016

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button