نظرية العلاقات الدولية

النظرية الوظيفية في العلاقات الدولية

الفصل الأول:ماهية النظرية.
المبحث الأول: ظروف نشأة النظرية.
يرجع أصل نشأة النظرية الوظيفية الجديدة إلى الباحث السياسي البريطاني “دافيد ميتراني” وهو صاحب النظرية الوظيفية، وقد بلور “ميتراني” مجمل أفكاره فيما يخص التكامل والاندماج في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك خلال الحرب العالمية، وقد انطلق “ميتراني” من مسلمات متفائلة ومثالية حول إمكانية تحسين وتطوير المجتمعات، إذ اعتمدت على وسائل نفعية ومنفعية، وكانت هذه المسلمات تشكل مفاهيم مركزية وأساسية عند المفكرين الليبراليين البريطانيين من أمثال “سيسيل روبرت” و”ليونارد وولف”، ويرى “ميتراني” أن الوظيفة تهدف إلى كسر الرابط التقليدي بين السلطة ووحدة ترابية معينة (الدولة)، وذلك عبر ربط السلطة بنشاط معين (أي أن الوظيفية تقدم في توجهها العام على تخطي الإقليمية إلى الكونية –الحكومة العالمية-).
وقد ظهرت النظريات التكاملية والاندماجية بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كبير وتبلورت في شكل نظريات مستقلة قائمة بذاتها، ومنها النظرية الوظيفية، والوظيفية الجديدة والنظرية الدستورية (الفدرالية والكونفدرالية).
كما أن النظرية الوظيفية استمدت أفكارها من نظريات أخرى منها النظرية الواقعية والنظرية الاتصالية وغيرها.

المبحث الثاني: مفهومها.
يعتبر “أرنست هانس” من أهم منظري النظرية الوظيفية الجديدة، وتستمد النظرية الوظيفية الجديدة بعض عناصرها من النظرية الوظيفية، إذ أن النظرية ترى أن التكامل والاندماج يبدأ من مجالات سياسية دنيا أي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن لابد من التسييس التدريجي لعملية التكامل بانتقالها من ميادين سياسية دنيا إلى ميادين سياسية عليا، كقضايا الأمن القومي والقضايا ذات الأهمية الإيديولوجية والرمزية، ويكون هذا بانتقال الولاء من ولاء للدولة القومية إلى ولاء لهيئات جديدة وهي المنظمات الإقليمية والمحلية، لنصل إلى انصهار الدول الإقليمية داخل دولة لإقليمية واحدة.
كما تشدد النظرية الوظيفية الجديدة على دور النقابات والمجتمع المدني ومجموعات المصالح للدفع بمسار نتيجة للمنفعة التي تجنيها مما يجعلها تقف في وجه أية محاولة من السلطة السياسية داخل الدول لوقف مسار التكامل.

الفصل الثاني: مسلمات النظرية ونقدها.
المبحث الأول: مبادئ النظرية.
عرف “أرنست هانس” التكامل بأنه العملية التي تتضمن تحولات الولاء والنشاطات لقوى سياسية في دول متعددة ومختلفة نحو مركز جديد تكون لمؤسساته صلاحيات تتجاوز صلاحيات الدول القومية القائمة، بل إنه يذهب إلى حد جعل عملية التكامل مرتبطة بربط النظام الدولي المقترح بالمستقبل، ثم يقول: إذا فهمنا الوضع الحالي على أنه سلسلة من التفاعلات والتمازج بين عدد من البيئات الوطنية من خلال المشاركة في المنظمات الدولية، فإن على التكامل أن يحدد العملية التي يتم من خلالها زيادة التفاعل بهدف المساعدة على تلاشي الحدود بين المنظمات الدولية والبيئات الوطنية.
واستناداً إلى تعريف “أرنست هانس” للتكامل، عرّف “ليندر برغ” في دراسة له عن السوق الأوربية المشتركة التكامل بأنه:
1. العملية التي تجد الدول نفسها راغبةً أو عاجزةً عن إدارة شؤونها الخارجية وشؤونها الداخلية الرئيسية باستقلالها عن بعضها البعض، وتسعى بدلاً من ذلك لاتخاذ قرارات مشتركة في هذه الشؤون أو تفوض أمرها فيها لمؤسسة جديدة (منظمة دولية مثلاً).
2. كما يعرف التكامل بأنه العملية التي تقتنع من خلالها المجتمعات السياسية بتحويل نشاطاتها السياسية إلى المركز الجديد.
أما تعريف “كارل دويتش” فإن التكامل واقع أو حالة تمتلك فيها جماعة معينة تعيش في منطقة معينة شعوراً كافياً بالجماعية وتماثلاً في مؤسساتها الاجتماعية وسلوكها الاجتماعي إلى درجة تتمكن فيها هذه الجماعات من التطور بشكل سلمي، أي أن التكامل عند “دويتش” هو حالة يحل فيها الأفراد داخل المجتمع الواحد خلافاتهم بطرق سلمية دون اللجوء إلى العنف.
وفي دراسة لـ”هانس” مع “فيليب شوميتر” أشار الباحثان إلى ثلاثة متغيرات تتدخل في إمكانية تحقيق التكامل السياسي انطلاقاً من تكامل اقتصادي:
المتغيرات القاعدية: مثل حجم الوحدات والتعددية الاجتماعية داخل الوحدات (أديان، لغات قومية…إلخ) ومعدل التعامل بين الوحدات.
المتغيرات لحظة الاتحاد الاقتصادي: حجم السلطة المفوضة للاتحاد مستوى المشاركة، مستوى مشاركة الاتحاد في أعمال الحكومات وأهدافها.
المتغيرات الحركية: نموذج اتخاذ القرار، معدل التعامل بين الوحدات بعد قيام الوحدة الاقتصادية، ومستوى قدرة الأفراد على التكيف لمواجهة الأزمات.
وترى الدراسة أن التعميم (Spillover) التكامل أو الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية يعتمد بشكل أساسي على النقاط التي يسجلها كل من المتغيرات السابقة، فكلما زادت تلك النقاط كان التعميم أكثر احتمالاً، ولاحظت الدراسة أن تحول الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية تتوفر على فرصة أكبر في المجتمعات الصناعية الديمقراطية كما هو الحال في أوربا الغربية، ونبه “هانس” إلى أن التعميم لا يحدث بشكل آلي، ولكنه مرتبط بإرادة الأطراف واستعدادها للتكيف مع الواقع الجديد من جهة وتعميمها للنجاح في قطاع على قطاعات أخرى من جهة ثانية.

ويرى “فيليب جاكوب” أن عوامل التكامل هي:
التقارب: إن الشعوب المتقاربة جغرافياً مؤهلة أكثر للتكامل والوحدة فيما بينها.
التجانس: الشعوب المتشابهة في جوانب عديدة مؤهلة أكثر للتكامل من غير المتشابهة.
التعامل المتبادل: إن صلابة التحالف أو التكامل تقاس بمدى وحجم التحالفات بين الأطراف.
المعرفة المشتركة (التقارب الذهني): كلما زاد التقارب الذهني كلما تدعم التكامل.
المصالح: كلما كانت المصالح والفوائد الرئيسية تشمل أطرافاً أكثر، كلما كانت قوة التحالف واستمراره أكبر.
مدى الروح الجماعية: كلما كان للأطراف رغبة في المشاركة مع المجتمعات الأخرى، كلما كان أفضل للتكامل، أما الانعزالية فتضعف التكامل.
الإطار البنيوي: بمعنى كلما كانت المشاركة في اتخاذ القرار أكبر داخل الوحدات، كلما كان التماسك أكثر.
السيادة: كلما كانت الوحدات السياسية أكثر تشبثاً بسيادتها، كلما عطل ذلك التوجه نحو التكامل.
الفعالية الحكومية: كلما كانت الحكومة أكثر قدرة على تلبية الحاجات والمطالب، كلما كانت أكثر تكاملاً.
التجربة التكاملية السابقة: النجاح السابق في ميدان يؤدي إلى تعميم النجاح في ميادين أخرى.
أما “إتزيوني” فيرى بأن عملية التكامل تمر بثلاث مراحل وهي:
1. حالة ما قبل الوحدة.
2. عملية التوحد من خلال القوى الفاعلة فيها.
3. عملية الوحدة من خلال الميادين والقطاعات التي شملتها.
4. نضوج عملية التوحد ووصولها للنهاية المرسومة لها.
المبحث الثاني: نقد النظرية.
يمكن تلخيص أهم الانتقادات التي وجهت للنظرية فيما يلي:
– صعوبة إن لم يكن استحالة فصل النشاطات الاقتصادية والاجتماعية عن السياسة، فقد أثبتت الأحداث أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية هي موضوع تسيير وتنازع وخلافات الدول.
– إن الدول لم تبد رغبةً كافية في التخلي عن وظيفتها السياسية للسلطات الدولية.
– إن العديد من الوظائف الاجتماعية والاقتصادية غير مؤهلة للتعميم على القطاع السياسي.
– إن إرادة التكامل مرتبطة بإرادة الأطراف أكثر من ارتباطها بالوظيفة الاقتصادية أو الاجتماعية.
– كما يظهر ضعف المسلمة التي تقول بانتقال الولاء من الولاء للدولة إلى الولاء للمنظمة، وهذا إن كان ممكناً على صعيد الأفراد فإنه غير ممكن على الصعيد السيكولوجي (النفسي).
– إن النظرية تصور كامل على أنه عملية آلية، ولكن هذا غير صحيح، لأن مسار التكامل يمر ببعض مراحل التشنج والخلاف بين الدول، كما أن التكامل يمكن أن يتوقف أو يتأخر في مرحلة ما نتيجة تحول في ميزان القوى السياسي في أية دولة باتجاه مضاد للتكامل، وقد يكون بسبب استراتيجي لا علاقة له بعملية التكامل.
– بالنسبة للمسلمة التي تقول بأن الأنظمة السياسية هي المستفيدة الأولى من التكامل، فهذا غير صحيح، لأنه لولا تأثير وضغط الأطراف الغير رسمية لما اتجهت الأنظمة نحو التكامل.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى