الهجوم الكيماوي: إعادة تنشيط الدور الأمريكي بدوافع استراتيجية مختلطة

عامر مصباح (جامعة الجزائر3)
يقضي الافتراض العام الذي يقوم عليه تحليل الواقعية الهجومية لمأساة سياسة القوى العظمى، بأن الإمبراطوريات إذا لم تتوسع، تتعفن. ومنذ صعود الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، بدت سياسة الولايات المتحدة الخارجية غير مكترثة بشؤون السياسة الدولية أو على الأقل ليست على هرم سلم أولوياتها؛ وذلك بسبب شعار دونالد ترامب “أمريكا أولا”، والذي يعني لا ندافع عن العالم إلا بمقابل تعويضات تتلقها أمريكا من حلفائها وأصدقائها وحتى من خصومها. نظرت مراكز القوى الأمنية-العسكرية والسياسية داخل الولايات المتحدة إلى هذه السياسة على أنها أكبر خطر على نفوذ الولايات المتحدة في العالم وثقلها الاستراتيجي في العلاقات الدولية، ولابد من تصحيح الوضع بأن يتم خلق الأحداث المأساوية التي تؤثر على الإدراكات الاستراتيجية وتغير المواقف السياسية وتصحح الاتجاهات نحو مجالات القضية الحيوية؛ على افتراض أنه إذا لم يكن الدور الأمريكي نشطا، فإنه سوف يهمّش تدريجيا؛ ويتوسع على حسابه نفوذ القوى العظمى الأخرى بالتعاون مع القوى الإقليمي (روسيا والصين على وجه الخصوص).
بناءً على هذه الأرضية النظرية، يتم مناقشة الحادثة المأساوية في خان شيخون بمحافظة إدلب هذا الأسبوع، المتمثلة في الهجوم بالأسلحة الكيماوية، الذي يحمل الكثير من علامات الاستفهام والغرابة، أن تقوم حكومة الأسد بتقويض موقفها الاستراتيجي فوق الأرض بعد معركة حلب، تدمر عمليات المصالحات المحلية مع المقاتلين، وتنسف محاولات الحل السياسي الذي تسعى وراءه؛ وتسعدي الإدارة الأمريكية الجديدة. الأغرب من ذلك، أن معظم الفواعل الرئيسية في النظام الدولي وجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة السورية قبل إجراء أي تحقيقات دولية محايدة حتى ولو شكليا؛ وهي الأسباب مجتمعة التي تدفع إلى النظر إلى ما وراء الحادثة المؤلمة، والتساؤل عن من المستفيد الحقيقي من وراء هذا الحدث، ولماذا كان رد الفعل بهذا الحجم على تجريم طرف معين قبل محاكمته؛ ولماذا بادر الرئيس السوري لأول مرة معارضته للأكراد في مسعاهم وراء الفدرالية في شمال سوريا، وهو الموقف الذي يتفق مع انقرة؟
أولا، بالنسبة للرئيس الأمريكي ترامب، فقد بدا منذ وصوله إلى البيت الأبيض غارقا في مشاحناته الداخلية مع أعضاء الكونغرس (فشل مشروع إلغاء أوباما كار)، الولايات (رفض بعض الولايات تعليمته الخاصة بالهجرة)، والإعلام وقضية علاقة حملته بروسيا وتحقيقات FBI؛ بل الأكثر من ذلك، أنه أعلن في الشهر الأول من حكمه أمام وسائل الإعلام أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا ضد سياسة بوتين. لكن حادثة خان شيخون دفعته ليخرج أمام نفس وسائل الإعلام ويقول أن موقفه قد تغير من الأسد (بعدما كان يصفه بأنه مقاتل مهم للإرهاب) والأزمة السورية وأن على روسيا أن تراجع موقفها نحو حكومة دمشق، في انتظار احتمال اتخاذ أمريكا لموقف عسكري. بل لأول مرة في عهد ترامب، تقف سفيرة أمريكا في مجلس الأمن أمس وتوجه كلاما شديدا إلى السفير الروسي، وقدمت خطابا لاذعا مشيطنا لسياسة روسيا في سوريا، حاملة معها صورا للضحايا؛ والتي ذكرتنا بموقف وزير خارجية جورج بوش الابن في مارس 2003 السيد كولن باول، عندما جاء إلى مجلس الأمن مزودا بصور زعم أنها التقطتها الأقمار الصناعية تظهر محاولات المخابرات العراقية إخفاء أسلحة الدمار الشامل، وذلك لتبرير الحرب الأمريكية على العراق، وصوّر هذا الأخير على أنه أكبر تهديد للأمن العالمي. إن الغاية الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة، أن يعمل الرئيس وفريقه الرئاسي على تنشيط الدور العسكري الأمريكي في سوريا من أجل الحد من نفوذ روسيا في المنطقة. ولو أن ملك الأردن كان أكثر عقلانية عندما اقترح على ترامب أن يقدم تنازلات لبوتين في القرم مقابل تنازلات في سوريا.
ثانيا، بالنسبة لإسرائيل، ذكرت حكومة نتانياهو أنهم متأكدون من أن الهجوم الكيماوي كان من تنفيذ الجيش السوري، بحيث يخيل لنا أن إسرائيل أصبحت تقف إلى جانب حقوق الإنسان العربية. بالطبع حساباتها ليست مركزة على الحكومة السورية بالدرجة الأولى، وإنما تريد دعم الموقف الدولي الذي يدفع باتجاه تغيير ترامب لسياسته والقيام بدور نشط من أجل الضغط ومن المحتمل القيام بعمل عسكري لإخراج إيران وحزب الله من سوريا. وهي الحسابات الاستراتيجية القريبة من نظيرتها لدى حكومات دول الخليج مع بعض التباينات الطفيفة، على اعتبار أن إيران هي خصم مشترك لكل من إسرائيل وحكومات دول الخليج؛ وإذا كانت هذه الحسابات مربحة لإسرائيل، فإنها في مقابل ذلك عبارة عن سراب بالنسبة لدول الخليج أو على الأقل هي حسابات غير متماسكة.
أما بالنسبة لتركيا، فإن المعضلة الرئيسية التي تواجه حكومة أردوغان هي تنامي نفوذ الأكراد في شمال سوريا (قوات سوريا الديمقراطية) التي أصبحت لاعبا رئيسيا بالنيابة عن الولايات المتحدة، ويتم تدريبها وتجهيزها بشكل متسارع ودعمها فوق الأرض بواسطة القوات الأمريكية، بشكل يحول دون استهدافها من قبل الجيش التركي؛ ومن ثم، وضعت تركيا الأسد في وضعية حرجة التي تدفعه إلى التصرف باتجاه تعزيز الموقف التركي ضد الأكراد.
إنها مأساة إنسانية لأجل أغراض استراتيجية بدوافع مختلطة.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button