دراسات سياسية

بعيدا عن الموالاة – المعارضة؟

كسبت أستانا، العاصمة الكازاخية، الأضواءَ من جنيف، عشر جولات (أستانية) برعاية روسية إيرانية تركية مباشرة، ورقابة أميركية غير مباشرة. لقد نجح هذا المسار في وقف القتال، في أربع مناطق أطلق عليها (مناطق خفض التصعيد، والآن سوف نشهد استانا ١١ خلال الربع الاول من شهر أيلول / سبتمبر ) ، ضمن ترتيبات معينة مقابل تقاسم النفوذ بين الدول الراعية .
فقد كانت عقدتا القلق في مسار أستانا لدى الإدارتين الأميركية والإسرائيلية؛ هما تركيا في الشمال السوري، وإيران في الجنوب السوري.
فالتغلغل والنفوذ التركي (الاحتلال التركي المرفوض وطنيا) غرب الفرات مهد للسيطرة على مناطق جرا بلس والباب وإعزاز وعفرين ونقاط تمركز ورقابة عسكرية في إدلب والريف الشمالي لحماة، ليكون في مواجهة النفوذ الأميركي شرق الفرات الداعم للكرد وللإدارة الذاتية، والذي يشكل قلقا متزايدا لدى ارد وغان والنظام التركي مما دفع به تجاه روسيا للتعاون المشترك في مجالات متعددة منها .. أوكرانيا والقرم وملف اللاجئين.. الاقتصاد والاستثمار والتجارة والتسلح.. مع التقرب من الحليف الإيراني، (على حساب مصالح شريكها الأميركي في حلف شمال الأطلسي) سواء في سورية أم في المنطقة الممتدة من بحر قزوين حتى البحر الأبيض المتوسط.
إن رفض الطرف التركي الخضوع للعقوبات الأميركية بحق إيران، وصفقة منظومة الدفاع الجوي (س 400) مع روسيا، وسياسات أر دوغان الداخلية، واللعب على حبال تناقضات المصالح الدولية، واعتقال القس الامريكي، اثار ردود فعل أمريكية قاسية، وخصوصا الاقتصادية، محاولة للضغط على أرد وغان من اجل الانصياع لطلبات إدارة ترامب.
ويأتي ذلك توازيا مع موقف البيت الأبيض من الاتفاق النووي مع إيران، ومن برنامجها في الصواريخ الباليستية، وتدخلاتها في المنطقة، مبينا نية أميركا إضعاف دور إيران في المنطقة، وبالتالي إضعاف دور كل من إيران وتركيا في سورية، تظهر بوادرها جليةً داخل كل من إيران وتركيا، في أزمة تدهور الريال الإيراني والليرة التركية.
في المقلب الآخر، أعقد المسائل في العملية السياسية هي قضية اللاجئين، وإعادة الإعمار، فهل العودة إلى مسار جنيف ما تزال حقيقية؟ أم أنها صارت من الماضي، بسبب المعطيات الجديدة التي أنتجتها أستانا وسوتشي؟ وهل من مسار آخر ينشأ ويأخذ جديته؟ نعتقد ونطالب بان يكون مسار دمشق هو النهائي …
لا شك أن تطبيق تفاهمات أستانا – سوتشي قد فرض معطيات جديدة على الأرض، صارت تحول دون العودة إلى جنيف ، بنسخته الأولى (بيان جنيف1)، فالمعارضة الخارجية ترقص في الهواء ، وتركيا التي تدير جناحها الإسلامي تهتم في تأمين منطقة نفوذ لها غرب الفرات .
وفي المقابل، توجد أميركا التي تقود تحالفًا دوليًا ضد (داعش) شرقي الفرات، وتدعم (قوات سورية الديمقراطية)، و(الإدارة الذاتية) التي يقودها الكرد، ولها تسع قواعد عسكرية فيها.
وللمرة الاولى منذ أواخر القرن الماضي تشهد السياسة الدولية اتساعا غير مسبوق لمساحات فعل ونفوذ وتدخل حكومات لا تعنيها الديمقراطية ولا حقوق الإنسان وتستخف بقيم العدل والحرية والتسامح ، بالرغم من ادعاءاتها بذلك .

على الصعيد الداخلي …

‏الحضارة تأتي من الشك في الثوابت والتفكير خارج نمط المعتاد والفضول في المعرفة والرغبة في التأكد والإثبات، ذلك لا يأتي من العوام الذين يصدقون ما يقال لهم او ينقل اليهم، او يعتادون عليه او يطمأنون له، ولكنه يأتي من الباحثين عن الحقيقة متسعي العقل لما هو غير معتاد من القول و الفكر.
علينا العمل على تغيير في شكل وجوهر وأساليب وأدوات وآليات إدارة حياة السوريين، وصولا إلى الديمقراطية، وعدم الإقصاء والإلغاء والمشاركة في القرار والمسؤولية، والشفافية وسيادة القانون، وصولا إلى دولة القانون والمؤسسات.
سوريا بكل ازمتها التي شهدت ارهابا ودمارا، سيتم فيها إجراء انتخابات المجالس والادارات المحلية في ١٦ أيلول / سبتمبر القادم، بما يؤكد عودة العافية الى الدولة السورية متمنين ان تكون هذه الانتخابات بادرة خير للشعب السوري عبر إرادة جدية وحقيقية للتعبير عن خيارات المواطن السوري بشفافية لوصول الكفاءات والقدرات التي تمثله الى هذه المجالس، وخصوصا في هذه الفترة الحرجة للوصول الى مشاركة فعالة في برنامج اعادة الاعمار نظرا للدور الكبير لتلك المجالس فيها اذا توفرت الظروف والقيادات المناسبة فيها.
علينا العمل على فصل السلطات بآليات جدية، وفصل الدين عن الدولة بإرادات حقيقية.
لو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا حسب ارادته، من هنا فان عدم احترام الاختلافات وفرض الفكر وتكفير الاخر ، يعنى عدم احترام النظام المقدس الذى أرساه الله .
إن التناقضات الدولية التي كانت تتحكم بمفاوضات جنيف أضحت أكثر تعقيدًا، وبالتالي فإن فرص العودة إلى مسار جنيف صارت شبه معدومة، اذا لم تتمكن روسيا وأميركا من الاتفاق على خارطة طريق جديدة على أساس تقاطع مصالحهما، وليس تناقضاتها، تتوخى فيها مصلحة الشعب السوري بالداخل.
إن الفشل وتشابك المصالح وتناقضها بين الاطراف الإقليمية والدولية يطرح سؤالا جديًا على السوريين ؛ لماذا يتم تنحية الخيارات الوطنية العابرة لتقسيم موالاة/ معارضة، التي يمكن أن تتبلور من خلال حوار وطني، بين أطراف سورية متعددة تمثل الشعب السوري، بكامل مكوّناتِه الاثنية والدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، على أساس عقد اجتماعي جديد يستلهم أولوياته من الازمة وما تبعها ، في إطار مشروع نهضوي تنموي جديد يشمل كل أبناء الوطن الواحد .
نطرح فكرة برسم جميع السوريين الذين يأملون بنهوض واستقرار سورية !
ماذا لو تم تشكيل تكتل سياسي سوري يعتمد فصل الدين عن الدولة وعماده حق المواطنة والمساواة وسيادة القانون ويعمل على الحد من الفقر والجهل ، بالتنمية المستدامة العادلة والمتوازنة ووضع اليات تنفيذية للمرسوم ١٠٧ لعام ٢٠١٢ بخصوص اللامركزية ومنح صلاحيات اوسع للمجالس المحلية ، يضم كل الذين يقفون مع هذا المشروع النهضوي .
ألن يشكل ذلك وزنا نوعيا على كل الأطراف ويسهم في تغيير الواقع ووضع شعارات وأهداف جديدة نواة للسلام والامان؟
نعتقد ان الوقت قد حان للابتعاد عن التمترس بين الموالاة – المعارضة، فقد أصبح ذلك المفهوم خلفنا، واليوم نحن بأشد الحاجة الى تمترس وطني يحافظ على سورية ونقف جميعا صفا واحدا في سبيل نهضته واستقراره عبر مشروع وطني نهضوي …
سورية للجميع … وفوق الجميع …
والى لقاء اخر …
المهندس باسل كويفي

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى