بناء السلم في نظم ما بعد الثورات الشعبية

شهدت الدول العربية ثورات شعبية منذ عام 2011 اختلفت الآراء حولها ولكنها مازالت تحمل آثاراً من عدم الاستقرار في الدول العربية فعادة نتائج الثورات لا تظهر في المدى القريب خاصة وان غالبية الدول العربية التي شهدت هذه الثورات لم تكن الأنظمة الحاكمة تتبني أسلوبا ديمقراطيا في الحكم واستمرت عقودا في السلطة مما أدى بطبيعة الحال إلى انتشار الفساد وغيره من النتائج السلبية لنظم الحكم غير الديمقراطية المستمرة فترات زمنية طويلة في الحكم، دون وجود محالات للإصلاح وخلق قيادات شبابية قادرة على تولى مناصب ومسئوليات الحكم فيما بعد.

وقد شهدت مصر حراكاً شعبياً منذ 25 يناير 2011، كان له العديد من الانعكاسات السلبية على التماسك المجتمعي نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية، وافتقاد الشعب المصري والمجتمع المصري بصفة عامة ثقافة الديمقراطية وتقبل الآخر، وثقافة إدارة الاختلاف، وهو ما أثر سلبيا على وحدة المجتمع المصري.

ومن هنا تأتي أهمية دراسة وتحليل كيفية بناء السلم المجتمعي الداخلي في مصر بما يحول دون تطور الانقسامات الراهنة إلى مرحلة الحرب الأهلية.

ويمكن تناول هذا الموضوع من خلال المحاور التالية:

1-التماسك المجتمعي: المفهوم والمؤشرات

2-بناء السلم: المفهوم والخطوات والإجراءات

3-تأثير الثورة على التماسك المجتمعي في مصر

4-آليات بناء السلم وتعزيز التماسك الداخلي فى مصر: برنامج عمل تنفيذي

أولاً: التماسك المجتمعي: المفهوم والمؤشرات:

يُعد مصطلح التماسك الاجتماعي، أو البناء الاجتماعي والمعروف سياسيًا بالوحدة الوطنية، أحد مصطلحات علم الاجتماع التي تستعمل في وصف الحالات التي يرتبط فيها الأفراد، أحدهم بالآخر بروابط اجتماعية وحضارية مشتركة، ويستعمل عادة في تفسير أسلوب تماسك أفراد الجماعات الصغيرة الذي يكون إما بدافع الإغراء أي إغراء الجماعة الصغيرة لأعضائها أو بدافع المصالح والأهداف أي المصالح التي يحققها أعضاء الجماعة خلال انتسابهم إليها.

وتعتمد درجة التماسك الاجتماعي لأي مجتمع، علي طبيعة الجماعات والمنظمات والمجتمعات التي تؤثر تأثيراً كبيراً ومباشراً علي أنماط سلوك الأفراد داخل المجتمع وهو يستعمل عادة من قبل علماء الاجتماع في حالة الجماعات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة خصوصًا عندما تتوفر في هذه الجماعات الصفات التالية: اعتماد الفرد علي المقاييس والقيم المشتركة، تماسك أفراد الجماعة بسبب المصالح المشتركة وأخيراً التزام الفرد بأخلاقية وسلوكية جماعته. أي أنه علاقة تعبيرية إيجابية تقع بين شخصين أو أكثر.

ومن المعروف أيضاً أن التماسك الاجتماعي ما بين أبناء الوطن الواحد، يظهر جلياً عندما يواجه الوطن بعض المحن أو الأزمات، وبخاصة عندما يكون هذا الخطر خارجيا، فتتوحد الأمة وتقوي روابطها دفاعًا عن وطنها الذي يضم الجميع دون تمييز أو تفرقة. فوحدة الوطن هي الغاية، وهي الوسيلة للتماسك والتضامن.

ويرتبط بهذا المفهوم عدة مفاهيم تعمل على توضيحه أكثر مثل الإدماج الاجتماعي والإقصاء الاجتماعي:

1- مفهوم الإدماج الاجتماعي: يدل على عملية مشاركة ديناميكية فى المجتمع تسمح بإدماج الجميع اجتماعيا مع الحفاظ على التنوع والفردية. بعبارة أخرى، أنها محاولة لإنشاء “مجتمع للجميع” مع احترام الاختلافات. وقد يشمل ذلك مبادرات حكومية، وسياسات، وبناء قدرات، وأيضا النفاذ إلى البنية التحتية التي تسمح بالحوار والتبادل في الآراء. ويتماشي مع الإدماج والتكامل الاجتماعيين التماسك الاجتماعي الذي يعطي كل فرد من أفراد المجتمع حساً بالانتماء والتقدير والشرعية ليس نتيجة التجانس الديموغرافي، بل احتراماً للتنوع(1).

2- مفهوم الإقصاء الاجتماعي: يعني الإهمال المنهجي أو الإجحاف أو التمييز ضد أشخاص. وقد تم استحداث هذا المفهوم مؤخراً من أوروبا نتيجة ارتفاع معدلات البطالة وتفاوت الدخل مع نهاية القرن العشرين. ومن ثم فإن مفهوم الإقصاء الاجتماعي هو “العملية التي يُستبعد من خلالها الأفراد أو المجموعات تماماً أو جزئياً من المشاركة الكاملة في المجتمع الذين يعيشون فيه”. ويرى البعض أن للإقصاء ثلاثة نماذج هي:

• فسخ الروابط الاجتماعية بين الفرد والمجتمع حيث يُبنى التكامل حول قيم وأعراف مشتركة من خلال مؤسسات وسيطة وسياسات التكامل،

• نموذج التخصص الإقصاء بالتمييز الناتج عن سلوك وتبادلات فردية حيث يتشكل من خلالها التكامل عبر شبكات للتبادل الاختياري بين أفراد مستقلين يتمتعون باهتماماتهم ودوافعهم الخاصة؛

• نموذج الاحتكار أن الإقصاء ينتج عن هيكل هرمي يحول دون نفاذ الذين لا ينتمون إلى الفئات المهيمنة إلى السلع والخدمات حيث يتحقق التكامل من خلال الحماية الاجتماعية.(1)

وبالتالي؛ فإن التماسك الاجتماعي يمكن استنتاجه من تلك المفاهيم المرتبطة به والمضادة له وخاصة مفهوم الإقصاء الاجتماعي. فالتماسك الاجتماعي يعنى مشاركة جميع أفراد الشعب والمواطنين في الحياة العامة والاجتماعية والسياسية والاقتصادية دون استثناء لأحد بناءً على أية استثناءات عرقية أو دينية أو سياسية.

ثانياً: مفهوم بناء السلام:

على الرغم من بداية ممارسة مفهوم “بناء السلام وإجراءات بناء السلام الداخلي” في سبعينيات القرن الماضي إلا انه تبلور بصورة واضحة في بداية تسعينيات هذا القرن مع صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الدكتور/ بطرس بطرس غالي بعنوان “أجندة السلام” “Agenda for Peace” في يونيو 1992. ووفقاً لهذا التقرير فإن بناء السلام هو ” مجموعة الإجراءات التي تُمارس بعد انتهاء الصراع، بهدف مواجهة الصراعات الداخلية، والحيلولة دون تجددها.”(1) ومن ثم فإن عملية بناء السلام بعد انتهاء الحرب الباردة تتضمن مجموعة من الإجراءات:

•استعادة الدولة النظام

•نزع أسلحة الأطراف المتحاربة

•إزالة الألغام حال وجودها

•إعادة توطين اللاجئين

•إعادة بناء القوات الشرطية وتدريبها

•إعادة بناء قوات الجيش

•إصلاح المؤسسات الحكومية على أسس ديمقراطية

•تعزيز الديمقراطية

ويتضح من هذا التعريف أن الأمين العام للأمم المتحدة كان يقصد بناء السلام في المجتمعات التي شهدت حروباً أهلية.

وترتبط منظومة بناء السلام بمجموعة من المفاهيم الأخرى، مثل: الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام وحفظ السلام وفرض السلام:

1ـ الدبلوماسية الوقائية: هي: “مجموعة الإجراءات السلمية التي تهدف منذ البداية لمنع نشوب النزاعات والصراعات داخل الدولة، ومنع تصاعد حدة الخلافات القائمة وتحولها إلى صراعات مسلحة أو حرب أهلية، وكذلك العمل على منع انتشار الصراعات في حال تصاعدها”(2)

2ـ صنع السلام: هو “الجهود والعمليات التي تتضمن أي عمل يهدف إلى دفع الأطراف المتصارعة (المتحاربة) للتوصل إلى اتفاق سلام”. وتتضمن عملية صنع السلام مرحلتين أساسيتين هما:

• تتم المرحلة الأولى عقب تعثر الدبلوماسية الوقائية وقبل تدخل قوات حفظ السلام من خلال تفعيل الجهود السلمية لإيقاف الصراع أو تحييده.

• أما المرحلة الثانية؛ فتبدأ عقب تدخل قوات حفظ السلام، بغرض التوصل إلى تسوية سلمية مستدامة(1)

3ـ حفظ السلام: هو أكثر المفاهيم شيوعاً في الاستخدام وهى تعبر عن “التدابير المؤقتة التي يمتلك مجلس الأمن اتخاذها دون أن يحسم الخلاف بين الأطراف المتنازعة آو يخل بحقوق المتنازعين أو يؤثر على مطالبهم وذلك على النحو الذي أقرته المادة “40” من ميثاق الأمم المتحدة”(2)

4ـ فرض السلام: هو “التطرق لاستخدام القوة المسلحة أو التهديد باستخدامها لإرغام الأطراف المعنية بأهمية الامتثال للقرارات والعقوبات المفروضة من اجل الحفاظ أو استعادة النظام والأمن والسلام في الدولة مرة أخرى.

ثالثاً: مستويات عملية بناء السلام:

تهدف ثقافة السلام داخل الدولة إلى أن يتمتع كافة المواطنين بحقوق المواطنة في إطار حقوق الإنسان المكفولة للجميع من خلال عدم التمييز بينهم بسبب اختلاف العقيدة أو العرق أو النوع، ومن خلال الحفاظ على تنفيذ سياسات وبرامج التنمية المستدامة بهدف تحقيق تقدم ايجابي ملموس ومطرد فيما يتعلق برفع مستوي المعيشة لكل الفئات بشكل متوازن، وهو ما يؤدي إلى أن تسود حالة من السلام الاجتماعي يساعد على استقرار وتقدم الدولة(1).

وفي هذا الإطار تقوم عملية بناء السلام الداخلي على قسمين هما:

الأول: بناء السلام الداخلي عبر الجهود الوطنية:

يتطلب هذا الأمر وصول الدولة إلى مستوى مناسب من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحفاظ على حقوق الإنسان والعمل على اختفاء كل أنواع التمييز بين المواطنين، وتوجيه المصادر إلى التنمية الشاملة بدلا من التوسع في القدرات العسكرية. ومن هنا تكون الدولة مهيأة لبناء السلام وإنهاء النزاعات. ولم يكن هذا الأمر مختص فقط بالجهود المحلية بل من الممكن أن يساهم فيه المجتمع الدولي ممثلاً في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة التي تعمل في المجالات الاقتصادية والإنسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية. هذا إلى جانب دور المنظمات الإقليمية.

الثاني: بناء السلام داخل الدولة بالدعم الدولي:

حيث تقوم الأمم المتحدة بدور رئيسي في بناء السلام ودعمه في المناطق المهيأة للاضطرابات الوطنية وانهيار النظم السياسية سواء كان ذلك من خلال مساندة الجهود الوطنية بتقديم المساعدات والمنح الاقتصادية أو المساعدات الإنسانية، والتدخل من أجل تحقيق العدالة الإنسانية، ومراقبة إجراء الانتخابات لضمان تحقيق الديمقراطية، وذلك في مرحلة ما قبل الصراعات بهدف الوصول إلى دولة مستقرة قائمة على المؤسسات، وبالتالي تستطيع هذه الدولة أن تلعب دوراً في تحقيق السلام سواء الإقليمي أو العالمي وتجنب الصراع أو الصدام.

رابعاً: عملية بناء السلام: الإجراءات والآليات:

وتتم عملية بناء السلام عبر العديد من الإجراءات والآليات وفقاً لما جاء في الأمم المتحدة وكذلك الفاعلين المحليين أي أن العملية لم تكن مقتصرة فقط على العامل الدولي وان كان العامل الدولي هنا متمثل في منظمة الأمم المتحدة والوكالات وأجهزتها المتخصصة في دعم هذه العملية ومساعدة الأطراف المحليين في تحقيق هذا الأمر حيث أن الأمم المتحدة تهدف من خلال بلورة هذا المفهوم إلى مساعدة الدولة المعنية على استعادة قدرة مؤسساتها في حفظ النظام العام وإرساء الأمن، وتعزيز حكم القانون واحترام حقوق الإنسان، ودعم المؤسسات الشرعية في الدولة، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال العمل على عودة اللاجئين والنازحين عقب انتهاء الحرب الأهلية وإعادة توطينهم، كذلك إرساء الأسس اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق النمو الاقتصادي.

وبالتالي تتضمن الأمم المتحدة تطوير أجهزتها لتطبيق مفهوم بناء السلام ومن ثم فقد طورت الأمم المتحدة عدة أجهزة خاصة ببناء السلام مثل لجنة بناء السلام والتي أنشئت من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة بشكل مشترك لكن بقرارين منفصلين هما قرار مجل الأمن S/RES/1645(2005) وقرار الجمعية العامة A/RES/60/180(2005) وهذه اللجنة تختص بتقديم توصيات بصفتها جهازا ذو طبيعة استشارية والتي تقوم بتقديم اقتراح استراتيجيات متكاملة لبناء السلام عقب انتهاء الحرب الأهلية والصراع الداخلي، المساعدة على ضمان تمويل يمكن الاعتماد عليه في ألمدي الطويل والمتوسط، فضلاً عن تطوير أفضل الممارسات للموضوعات التي تتطلب مشاورات مكثفة وتعاوناً بين الأطراف السياسية والأمنية والإنسانية والتنموية.

وتشمل إجراءات بناء السلام:

• إجراءات أمنية تشمل:

o نزع السلاح

o إعادة الإدماج

o إدارة مشكلة الألغام

o إصلاح المنظومة الدفاعية

o إصلاح قوات الشرطة.

• إجراءات قضائية تتضمن:

o إصلاح النظام القضائي

o تدعيم القانون

o تحقيق المصالحة الوطنية.

• إجراءات سياسية تشمل:

o دعم عملية التحول الديمقراطي

o تطوير أنظمة المعلومات والإعلام.

• إجراءات إنسانية تشمل:

o توفير مساعدات الإغاثة الإنسانية

o إعادة تدامج وتوطين اللاجئين

o إعادة إعمار البنية الأساسية

o دعم النمو الاقتصادي(1).

خامسًا: آليات بناء السلم وتعزيز التماسك الداخلي في مصر:

يتميز المجتمع المصري بمزيد من التماسك والترابط رغم مروره بتحديات من الانقسام. ومن هنا يمكن الاستفادة من مصطلحات سبق توضيحها مثل الدبلوماسية الوقائية وبناء السلام، كما يمكن الاستفادة من العديد التجارب السابقة في دول أخري مع مراعاة خصوصية الحالة المصرية.

1ـ بناء الثقة

يعاني الشعب المصري ومنذ فترة طويلة من أزمة ثقة بينه وبين الحكومة والنظام المصري، وق ازدادت هذه الأزمة تلك الأيام نتيجة عدم وجود شفافية في المعلومات والبيانات وكذلك وجود انحياز إعلامي وصحفي واضح ضد من يعارضون.  وبالتالي لابد من إعادة بناء الثقة بين الشعب من خلال:

• تحييد وسائل الإعلام وخاصة المرئية وبرامج التوك شو.

• تجديد الخطاب الإعلامي وعدم التخوين لأي تيار معارض للحكومة والنظام، وكذلك الصحف.

• تقليل الخطاب الإعلامي المحرض والعدواني.

منع النشر في القضايا التي لم يتم البت فيها.

• عدم إلصاق التهم بتيار بعينه دون التحقيق في الأمر.

• تفعيل أجهزة الدولة التي تستمع إلى آراء المواطنين ومشاكلهم وتقيمهم لأداء الحكومة مما يخلق نوعاً من الثقة ويُفضل مناقشة المسئولين تقييم المواطنين لأداء الحكومة كل ثلاثة شهور مما يخلق نوعا من الثقة بين الطرفين. وتُعد هذه الخطوة من أهم الخطوات التي يجب أن يتخذها النظام فعندما تكون هناك ثقة وشفافية في تداول المعلومات وإزالة الغموض إزاء كثير من الأمور مما يخلق نوعا من الصدق بين الطرفين.

2ـ إنشاء لجنة تقصي الحقائق:

من الأهمية التحقيق في الجرائم التي تم ارتكابها السنوات التالية لثورة 25 يناير 2011 حتى الآن، وتأسيس لجنة يتم تشكليها من قضاة وشخصيات محققة مشهود عنها النزاهة وتعمل بصورة مستقلة عن النظام والحكومة وذلك تحت رقابة من الأمم المتحدة التي يكون دورها استشارياً وداعما لهذه اللجنة. ومن الأهمية أن يتم التحقيق بعيداً عن الأضواء الإعلامية لضمان عدم التأثير عليها وعلى إجراء التحقيقات اللازمة.

3ـ نزع السلاح

شهدت مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 وفتح السجون واقتحامها والاستيلاء على أسلحة الدولة من قبل المجرمين مما أدى إلى انتشار الأسلحة بين المواطنين دون القدرة على التحكم في هذا الأمر وقد أدي هذا الأمر إلى إثارة الخوف والرعب بين المواطنين وكذلك ارتفاع معدلات الجريمة والعنف في المجتمع المصري سواء في محافظات الشمال أو الجنوب وان زادت معدلاتها في محافظات الجنوب.

ونظراً لانتشار الأسلحة التابعة للدولة في أيدي المجرمين والمتطرفين فقد أدى ذلك إلى عدم تحديد هوية مرتكبي جرائم العنف والإرهاب وهو ما سبب فوضي وعدم وضوح في الرؤى لدي الرأي العام من مرتكب هذه الجرائم هل أجهزة الدولة الأمنية أم المجرمين والمتطرفين من الإرهابيين.

ومن ثم من الأهمية العمل على نزع السلاح وجمعه من المواطنين الذين استولوا عليه وهذا الأمر قد يتطلب مزيداً من الوقت ولكنه أيضاً يتطلب مزيدا من الذكاء والحنكة في التعامل مع مثل هذا الأمر الحساس إذ يتطلب جلوس قيادات الأطراف معاً بواسطة طرف محايد كالأمم المتحدة لتسهيل عملية الحوار بين الطرفين وتقديم مزيداً من الاستشارات في هذا الإطار بحكم خبرتها وتجاربها السابقة في دول أخري.

كما انه لابد من استخدامه سياسة العصا والجزرة في هذا الإطار من خلال تقديم الدولة مزيدا من الحوافز لأولئك الذين يقومون بتسليم الأسلحة وتغليظ العقوبة على من يمتلكها دون رخصة ولم يسلمها وهذه الخطوة تحتاج مزيدا من الدراسة ومراعاة خصوصية وضع محافظات الجنوب لما لها من خصوصية في الطبيعة القبلية.

4ـ تشكيل لجنة المصارحة والحقيقة:

من الأهمية اجتثاث بذور الاحتقان والفرقة بين أفراد الشعب المصري وذلك عبر تشكيل لجنة تختص بالمصارحة والحقيقة يقوم من خلالها الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم انتهاك حقوق الإنسان وأخطاء خلال فترات الحكم المختلفة التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 حتى الآن بالإعلان عن ندمهم بالقيام بمثل هذا الأمر. وهذا الأمر قد يواجه بصعوبة في الاعتراف لكنه سيمنح ميزة هامة للمعترفين بأخطائهم حيث تقبلهم في المجتمع وتقبل مشاركتهم حيث أنهم يمتلكون الشجاعة الكافية للاعتراف بأخطائهم والندم عليها والإقرار بعدم تكرارها مرة أخري.

وهذه اللجنة تعتبر من الخطوات الهامة التي لابد من اتخاذها في الدولة لأنها ستخفف مزيدا من الاحتقان بين أفراد الشعب المصري وجميع تياراته السياسية وإعادة إدماج تلك التيارات السلمية في الحياة السياسية والتعبير عن معارضتهم عبر قنوات شرعية سياسية وكذلك المشاركة في الحياة السياسية.

هذا فضلاً عن قيام الدولة بإجراء تحقيقات نزيهة وسريعة مع أولئك الذين تم إلقاء القبض عليهم والإفراج عن من ليس لديهم تهمة موجهة إليهم وهذا سيظهر نزاهة أجهزة الدولة ويخلق نوعا من الثقة بين الأطراف المتحاورة.

وقد كان لهذه اللجنة دوراً كبيراً في جنوب أفريقيا وتجاوز فترة الحرب الأهلية، وقد كان هناك دور لمنظمات المجتمع المدني المحلية في هذا الأمر من خلال تزويد الأجهزة الحكومية بالمعلومات ومساعدتها في الإشراف على تنفيذ القوانين وسبل نزع السلاح.

5ـ إصلاح جهاز الشرطة:

إعادة بناء هيكلية الجهاز الشرطي والمنظومة الأمنية، بما يسمح بتطوير عقيدة المنتمين إلى هذه المنظومة للعمل وفق معايير حماية حقوق الإنسان وعدم انتهاكها، فضلاً عن تحسين طرق التعامل مع المواطنين. وغرس قيمة في وظيفة الجهاز الشرطي هو حماية الأمن العام الداخلي وحماية المواطنين من الجريمة وانتهاكات حقوق الإنسان وعدم استخدامها كوسيلة ضغط على المواطنين.

وفيما يتعلق بالقوات المسلحة والجيش التأكيد على إبعاد الجيش والقوات المسلحة من التدخل في الحفاظ على الأمن العام الداخلي والتفرغ لحماية الأمن القومي، وحماية الحدود، فمصر تعانى من العديد من المخاطر والتهديدات على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية التي لابد من الانتباه إليها من قبل القوات المسلحة، فضلاً عن إبعادها عن التدخل في الأمور السياسية والشأن السياسي لضمان حيادها والتأكيد على هذا الأمر في النصوص الدستورية والقانونية.

6ـ إجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة

يجب إجراء انتخابات حرة نزيهة يشارك فيها جميع الأطراف دون استبعاد لأحد التيارات السياسية، مع استبعاد الأسماء التي كان لها دور بارز في أعمال الفساد والعنف سواء في النظام الأسبق أو السابق. وبإجراء هذه الانتخابات وبصورة حرة ونزيهة وجمع جميع التيارات السياسية فيه دون تفرقة سيشعر إلى حد ما بمصداقية الدولة في المصالحة والالتزام بتطبيق المصالحة والرغبة في العمل السياسي السليم النزيه وقبول المعارضة وعدم وجود سياسات إقصائية لأي من التيارات السياسية.

7ـ التنمية الشاملة

وهنا يُقصد محاربة الدولة للفساد المنتشر في الجهاز الإداري بالدولة والأجهزة الحكومية حيث أن الفساد من أهم التحديات التي تواجهها الدولة المصرية منذ زمن بعيد وقد ازداد هذه الفترة أو تم كشف النقاب عنه ومن الأهمية مواجهته ومحاربته لعدم إهدار موارد الدولة وتقليل نسب البطالة من خلال تنشيط حركة الاستثمارات الأجنبية والحث على المشروعات الإنتاجية وليست الاستهلاكية، ومحاولة التخفيف من أعباء الرأسمالية على المواطنين عبر الاستفادة من سياسات ضريبية حسب الشرائح المالية.

هذا فضلا عن تشجيع الشباب علي القيادة وخلق قيادات شبابية قادرة على قيادة البلاد والمشاركة في الحياة العامة وذلك عبر البرامج والدورات التدريبية ونشاط المجتمع المدني ورفع الوعي لدي المجتمع من خلال دور المجتمع المدني. وتحسين السياسات التعليمية لتخفيض نسبة الأمية في المجتمع والتشجيع على التعليم ورفع كفاءة وجودة التعليم.

خاتمة:

تعتمد عملية تطبيق هذه الإجراءات على قبول النظام مثل هذه الاقتراحات وكذلك الأطراف الأخرى وإقناع الأطراف الأخرى بأهمية تسليم السلاح مقابل إعادة الإدماج في الحياة العامة والسياسية. وكذلك تدخل أطراف دولية تقوم بدور استشاري ورقابي للتنفيذ مثل الأمم المتحدة كأهم المنظمات الدولية التي قامت ببلورة مفهوم بناء السلام.

ومن الأهمية اتخاذ هذه الخطوات مبكراً  قبيل تدهور الأوضاع في المجتمع وحدوث مزيداً من الانقسام في نسيج المجتمع المصري والذي قد يؤدي تطوره إلى صراع داخلي مما يؤثر على استقرار الدولة وتهديد أمنها

القومي خاصة في ظل الظروف الدولية والإقليمية التي تمر بها المنطقة من انتشار التيارات المتطرفة والمسلحة ومحاربة الإرهاب.

—————————————-

(1) الإدماج الاجتماعي والديمقراطية والشباب فى العالم العربي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، مكتب بيروت، 2013، ص 8.

(1) المرجع السابق، ص 9،10

(1) Allen G. sens, “The United Nations and Peace-building: Building the liberal peace”, Paper presented to a conference titled: The United Nations and Global Order, P:10 link

(2) محمود عبد الحميد سليمان، عمليات حفظ السلام في نهاية القرن العشرين، السياسة الدولية، العدد 134، أكتوبر 1998، ص38.

(1) Boutros Boutros  Ghali, Beyond Peace Keeping”, Journal of International Law and Politics, (New York: New York University, No. 25, Fall 1992), P: 115.

(2) خولة محي الدين يوسف، دور الأمم المتحدة في بناء السلام، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 27، العدد الثالث، 2011، ص 494.

(1) أحمد فخر، السلام .. بناء السلام وإنهاء النزاعات، سلسلة مفاهيم الأسس العلمية للمعرفة، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، العدد 1، سنة 2005، ص 7.

(1) United Nations, Executive Office of Secretary-General, Inventory United Nations Capacity in Peacebuilding, September 2006.P.4.

 

مي غيث

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button