توبة الارهابيين جنوب الجزائر… دلالات وأبعاد

الجزائر: ياسين بودهان

في ظاهرة لافتة أثارت الكثير من التساؤلات بشأن أسبابها ودلالاتها، تشهد الحدود الجنوبية للجزائر والقريبة من مناطق شمالي مالي والنيجر منذ بداية العام الجاري تنامي حالات تسليم الإرهابيين أنفسهم للسلطات العسكرية الجزائرية، وتشير بيانات وزارة الدفاع إلى تسجيل أرقام غير مسبوقة للظاهرة، فلا يكاد يمضي يوم حتى يتم الإعلان فيه عن عملية استسلام جديدة، ما يطرح أسئلة بشأن ملابسات وظروف عمليات الاستسلام هذه.

وحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية فقد سلم يوم الأحد الماضي بتاريخ 15 يوليو (تموز) الجاري، الإرهابي المسمى «أبوزو سيدي عمر» نفسه للسلطات العسكرية بأدرار بالناحية العسكرية الثالثة، وكشف البيان أن هذا المسلح التحق بالجماعات الإرهابية سنة 2017.

هذه الحادثة ليست الأولى وفيما يبدو لن تكون الأخيرة، فآخر حصيلة لوزارة الدفاع الجزائرية نشرت عبر موقعه الرسمي في الإنترنت، فقد بلغ عدد الإرهابيين الذين تم تحييدهم منذ بداية العام الجاري نحو 120 إرهابيا، حيث تم القضاء على 20 إرهابيا والقبض على 18 آخرين، مع العثور على 3 جثث، وبالمقابل استسلم 66 إرهابيا مع عائلة تتكون من عشرة أفراد، مع توقيف 57 عنصر دعم للجماعات الإرهابية.

وبالتوازي مع استسلامهم، سلّم الإرهابيون كل أسلحتهم إلى الوحدات العسكرية، وتضمّنت مدافع ورشاشات وقنابل وراجمات صواريخ وكميّات من الذخيرة وأسلحة أخرى، حيث سمحت العمليات السابق ذكرها بكشف وتدمير 311 مخبأ للإرهابيين مع ورشتين لصناعة المتفجرات، كما سحمت باسترجاع 14 رشاشا من مختلف الأصناف، و14 قاذفاً صاروخياً و345 قذيفة.
كما تمكنت قوات الجيش من استرجاع 12 صاروخا و7 رؤوس صواريخ للمدفعية بي إم 21. مع استرجاع 133 مسدساً رشاشاً من نوع كلاشينكوف و164 بندقية و90 مسدساً من مختلف الأصناف، و150 بندقية و82 صاعقا و39 ضريط ذخيرة و237 مخزن ذخيرة و31 ألف طلقة من مختلف العيارات.

وخلال العمليات أيضا تم كشف وتدمير 318 قنبلة تقليدية الصنع و61 لغماً مع 220 كبسولة خاصة بالمتفجرات، و755 كلغ مواد متفجرة، و700 كلغ مواد كيماوية لصناعة المتفجرات و4.9 كلغ ديناميت و43 مفجرا.
وكان قائد أركان قوات الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، قد وجه نداء للإرهابيين الذين ما زالوا ينشطون في صفوف الجماعات الإرهابية لتسليم أنفسهم أو مواجهة مصير القتل على يد قوات الجيش.

ويفسر خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة، موجة الاستسلام المتكررة لمسلحي تنظيم القاعدة، إلى جهود الجيش الجزائري ومختلف المصالح الأمنية التي أصبحت تفرض حصارا وتضييقا على منافذ الجماعات الإرهابية ومعاقلهم وتلاحق تحركاتهم، الأمر الذي دفع بالإرهابيين إلى التراجع عن حمل السلاح، بعد أن تقطعت بهم كل السبل وأغلقت أمامهم الآفاق لمواصلة نشاطهم الجهادي. إلى جانب نجاح التجربة التي تتبعها الجزائر منذ 2005 عندما أقرّت ميثاقا للسلم والمصالحة، من أجل استقطاب الإرهابيين وإعطائهم فرصة للتوبة والتخلي عن العمل المسلح ومنحهم حق العودة إلى المجتمع.

وبالنسبة للصحافي المختص في الشؤون الأمنية ومدير موقع «مينا ديفونس» المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكرم خريف فإن «كل هذا الاستسلام متعلق بنجاعة التسويق الأمني الذي طبقه الجيش الجزائري على تحرك الجماعات المسلحة على الشريط الحدودي، وفعالية العمليات العسكرية للقوات الدولية في مالي والنيجر، كون تلك القوات وبالأخص الفرنسية لا تعطي حلا سياسيا للمسلحين في المنطقة ما يجرهم إلى المحاربة حتى الموت أو اللجوء إلى الجزائر وطلب تطبيق قانون المصالحة الوطنية عليهم، تلك الثغرة استغلتها كل الأطراف لمحاولة إيجاد حل تفاوضي عن طريق القبائل الموجودة في المنطقة».

وعن الطريقة التي تتم بها عمليات الاستسلام، وهل هناك مفاوضات مباشرة تجري بين الإرهابيين والجيش الجزائري أكد خريف لـ«المجلة» أنه «لا توجد تصريحات رسمية تؤكد وجود تفاوض ثلاثي بين فرنسا والجزائر والجماعات المسلحة»، لكنه يؤكد أن «ظاهرة استسلام المسلحين للسلطات الجزائرية أصبحت شائعة».

وعن الجماعات التي لا تزال تنشط في المنطقة أبرز خريف أن الجماعات المسلحة الموجودة في منطقة الساحل والتي تمثل خطرا على الجزائر هي جبهة أنصار الإسلام التي تضم القاعدة و«جبهة تحرير ماسينا» التي تعد التنظيم الجهادي الأحدث من نوعه في دولة مالي، والتي يغص شمالها (المعروف بإقليم أزواد) بالجماعات المسلحة بمختلف ألوانها وانتماءاتها: المرابطون، وأنصار الدين، وتنظيم الدولة، وكلها متمركزة على الحدود النيجيرية المالية.

الجماعتان برأي خريف «ما زالتا تعتبران خطيرتين وتوجد بيانات تنص على وجود محاربين قدماء من سوريا وليبيا قد التحقوا بهما» ما يفسر برأيه «زيادة وتيرة الهجمات وحتى نواياها مثل الكمين الذي راح ضحيته جنود أميركيون في النيجر أو هجوم تمبكتو في أبريل (نيسان) الماضي»، وقال مصدر من الأمم المتحدة في مالي، إن عدة تفجيرات مدوية هزت مدينة تمبكتو في شمال البلاد، يوم الأحد، وهو ما أثار المخاوف بشأن نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

أما الباحث الجامعي في العلوم السياسية، بجامعة مولود معمري تيزي وزو الأستاذ زاوي رابح فقد أكد لـ«المجلة» أنه يمكن النظر إلى ما يمكن أن يطلق عليه موجة الاستسلام المتكررة لمسلحي التنظيمات الإرهابية على اختلاف انتماءاتهم من زوايا متعددة.

أولا، يمكن ملاحظة أن الظاهرة أخذت منحى تصاعدياً خلال السنوات الأخيرة التي عرفت تحولات أمنية هامة، حيث شهدت المنطقة المغاربية بشكل عام تحولات أمنية متعددة، بدءا بالعودة التدريجية للاستقرار إلى الحالة الليبية التي كانت لها انعكاسات أمنية خطيرة على الأمن القومي الجزائري بالنظر على حجم الأسلحة المنتشرة وتنامي عدد التنظيمات والميليشيات المسلحة، إلى جانب إحكام الجيش الجزائري للحدود الجنوبية من خلال استراتيجية أثبتت نجاعتها إلى حد كبير.

بالنظر كذلك إلى الإحصائيات المتوفرة نجد أن الأرقام تشير إلى عدد يتراوح بين 30 إلى 50 عنصراً سلم نفسه للقوات الأمنية الجزائرية، وهو عدد يظل مرشحا للارتفاع في الفترات الزمنية القادمة خاصة مع انتهاج الجيش الجزائري لنفس الاستراتيجية الأمنية وكذا إقدام الدولة الجزائرية على الإبقاء على باب «التوبة» مفتوحا من أجل استفادة تلك العناصر من تدابير قانون المصالحة الوطنية.

ثانيا، في تصوره فإن أحد أهم الأسباب هي جهود الجيش الجزائري ومختلف المصالح الأمنية التي فرضت حصارا وتضييقا على منافذ الجماعات الإرهابية ومعاقلهم ولاحقت تحركاتهم، الأمر الذي دفع بالإرهابيين إلى التراجع عن حمل السلاح، بعد أن تقطعت بهم كل السبل وأغلقت أمامهم الآفاق لمواصلة نشاطهم الجهادي.

كما أن العدد الكبير للإرهابيين الذين سلموا أنفسهم، يفسّر برأيه نجاح التجربة التي تتبعها الجزائر منذ 2005 عندما أقرّت ميثاقا للسلم والمصالحة، من أجل استقطاب الإرهابيين وإعطائهم فرصة للتوبة والتخلي عن العمل المسلح ومنحهم حق العودة إلى المجتمع.

ثالثا يتفق زاوي بشكل كبير مع الطرح القائم على أن العامل الأمني في منطقة جنوب الصحراء الجزائرية يشكل دائما أولوية بالنسبة للحكومة الجزائرية خاصة أن المنطقة سبق وأن عرفت هجمات إرهابية نوعية على غرار «تيقنتورين» وهي الهجمات التي استهدفت منشأة الغاز بعين أمناس بالصحراء الجزائرية وأسفرت عن احتجاز عدة رهائن في 16 يناير (كانون الثاني) 2016. كما أن العدد المتزايد للإرهابيين التائبين عن النشاط المسلح يأتي في سياق الخطط الأمنية القائمة على التنسيق مع دول الجوار، في إطار مكافحة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي وهو ما كان له أثر كبير على حالة الأمن والاستقرار في المنطقة.

وكنقطة رابعة أشار إلى أنّ التغييرات التي تمت في أعلى هرم السلطة ووضع الملف الأمني في قبضة جهة واحدة بعدما كان اتخاذ القرار الأمني موزعًا بين جهات متعددة، ساهم في الإنجازات الأخيرة، حيث إن إمساك مؤسسة الرئاسة بجهاز الاستخبارات ساعد في وضوح الرؤية والاستبصار في معالجة الملف الأمني، وبالتالي كان لهذه التحولات أثرها على طريقة معالجة الملفات الأمنية بسرعة.

ويعتقد زاوي أنه لا يمكن إغفال عامل يراه أساسيا، ويتعلق بالتأسيس لظاهرة جديدة في التنظيمات المتطرفة وهي «الانشقاق» لعناصرها، خاصة العناصر التي لم يمض على انضمامها وقت طويل جدا، وغالبا ما تكون عوامل هذا الانشقاق مرتبطة بالعناصر التالية:

– اكتشاف وجود هوة كبيرة بين الدعاية التي يسوقها التنظيم والواقع المعاش، على غرار التحفيزات المالية، وبالتالي يؤدي بالعناصر إلى تسليم أنفسهم أو عدم الالتزام بالتعليمات المعطاة إليهم.
– عدم قدرة القيادات الجديدة في التنظيمات الإرهابية على استقطاب عناصر جديدة، سواء تعلق الأمر هنا بتحكم الجهات الأمنية في الوسائل الحديثة على غرار وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال تجفيف المنابع المالية وهي المحرك الأساسي للنشاط الإرهابي.
– بروز التنظيمات الإرهابية الجديدة شكل عامل استنزاف للتنظيمات القديمة على غرار ما حصل في العراق والشام، لصالح تنظيم داعش في العراق والشام سواء في سوريا أو حتى ليبيا.
وعلى العموم، تعتبر ظاهرة تسليم الإرهابيين لأنفسهم إلى المصالح الأمنية عاملا إيجابيا على نجاح الاستراتيجية الأمنية المنتهجة من طرف الجيش الوطني الجزائري والسلطات الأمنية، وكذا للتعاون الأمني والاستخباراتي المنتهج في سبيل مواجهة الظاهرة الإرهابية.

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button