دراسات قانونية

دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حماية الأطفال

بوصف اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) وإعتبارها من أهم الهيئات الدولية الموكول بها تحقيق حماية الأطفال في ظل النزاعات المسلحة، فهي منظمة محايدة ومستقلة وغير متحيزة، وهذا يعطيها مرونة أكثر في تحقيق هذا الغرض.

يرجع الفضل الأول في تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى المواطن السويسري ” هنري دونان Henri Donan “، فبعد ما قام بنشر كتابه “تذكار سولفرينو”، والذي صور فيه ذلك المنظر الرهيب لضحايا معركة سولفرينو بين الجيشين النمساوي والفرنسي، والتي وقعت في عام 1859، باقليم لومبادريا بشمال إيطاليا، واقترح في كتابه الذي هز أوروبا بأسرها، أن يجري في زمن السلم تدريب متطوعين لاغاثة الضحايا في ساحة القتال، وقد انضم إليه أربعة من المواطنيين السويسريين وهم ( غوستاف موانييه والجنرال هنري ديفور والطبيبان ابيا ومنوار)، حيث قاموا في بادئ الأمر بتأسيس اللجنة الدولية لإغاثة العسكريين، وذلك في فبراير عام 1863، وبعد ذلك بشهور قليلة، وتلبية لدعوة منهم اوفدت 16 دولة واربع جمعيات انسانية ممثلين لها إلى المؤتمر الدولي الذي افتتح في جنيف في26 أكتوبر عام 1863، وكان هذا المؤتمر هو الذي اعتمد شارة الصليب الأحمر على أرضية بيضاء، وولدت من خلاله اللجنة الدولية للصليب الأحمر .

تضم الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ثلاث فئات هي:

  • اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أنشئت في عام 1863.
  • الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر، التي تعترف بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفي مطلع عام 1999 بلغ عدد الجمعيات الوطنية المعترف بها 175 جمعية من بينها 140 جمعية إعتمدت شارة الصليب الأحمر، و 35 جمعية أعتمدت شارة الهلال الأحمر.
  • الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر، والهلال الأحمر، الذي انشئ في عام 1919.

التعريف باللجنة وبمبادئها الأساسية.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي منظمة دولية غير حكومية، وهي تعمل منذ نشأتها[1] على الإضطلاع بدور الوسيط المحايد في حالات النزاع المسلح والإضطرابات، ساعية سواء بمبادرة منها، أو إستناداً إلى اتفاقيات جنيف وبروتوكولاها الإضافيين إلى كفالة الحماية والعون لضحايا النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. والإضطرابات الداخلية، وسائر أوضاع العنف الداخلي. [2]

ويقوم الصليب الأحمر الدولي على مجموعة من المبادئ الاساسية هي: الإنسانية، وعدم التحيز، والحياد، والإستقلال، والعمل التطوعي، والوحدة والعالمية.[3] وهذه المبادئ التي تضطلع اللجنة الدولية بدور الحارس عليها، قد أعلنت رسمياً في المؤتمر الدولي العشرين للصليب الأحمر الذى عقد في “فيينا” عام 1965.[4]

هذا، وتتميز مبادئ الصليب الأحمر بقوتها الملزمة، فقد أصدرت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في 27 يونيو 1987 ما يؤكد ذلك، ففي الدعوى المتعلقة بالأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في “نيكاراجوا” ضد هذا البلد. حيث إعترفت المحكمة بأنه يجوز الإحتجاج على الدول بالمبادئ الأساسية للصليب الأجمر والهلال الأحمر. فبعدما طلبت إليها المحكمة فحص مشروعية “المساعدة الإنسانية”، التي قدمتها حكومة الولايات المتحدة للقوات المعارضة لحكومة نيكاراجوا في ضوء مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وقد قضت المحكمة أنه لا يجوز إعتبار تقديم مساعدة إنسانية محضة لقوات أو اشخاصاً يتواجدون في بلد آخر تدخل غير مشروع، بشرط أن تكون هذه المساعدة إنسانية ومتفقة مع المبادئ الأساسية للصليب الحمر وبخاصة مبدأي الإنسانية، وعدم التحيز.[5]

يلاحظ الباحث أن محكمة العدل الدولية إعترفت بكل وضوح بالقوة الملزمة للمبادئ الأساسية للصليب والهلال الأحمر، ولا تلزم هذه المبادئ الدول بالسماح لمؤسسات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بالتقيد بها فحسب، بل يجب أيضاً أن تصبح هذه المبادئ مصدر إلتزامات للدول إذا أرادت ممارسة نشاط إنساني.

ويرى الباحث أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسهم بوصفها راعية للقانون الدولي الإنساني في تطوير هذا القانون، فتقوم لهذا الغرض بالإعداد للمؤتمرات الدبلوماسية المنوط بها إعتماد نصوصه الجديدة، وتتولى في كل مرحلة من مراحل تقنين القانون الدولي الإنساني إعداد مسودات النصوص التي تعتمدها الدول. ويعقد الصليب الأحمر مؤتمره العادي كل أربع سنوات، فيتم فيه النظر في المسائل الإنسانية العامة ذات المصلحة المشتركة. ويضم هذا المؤتمر جميع عناصر الحركة الدولية للصليب الأحمر، وممثلي الدول التي أنظمت إلى اتفاقيات جنيف. [6]

دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حماية الأطفال.

تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالمهام التي توكلها إليها اتفاقيات جنيف، والعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة،[7] فهي تسلم الشكاوي بشأن أي إخلال مزعوم بهذا القانون. وبمساعدة الضحايا العسكريين والمدنيين.[8]

وتؤدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر مهامها الإنسانية لصالح الأطفال بصفة خاصة في وقت الحرب أو الحروب الأهلية أو الإضطرابات الداخلية.

وللجنة الدولية للصليب الأحمر تاريخاً طويلاً في إتخاذ المبادرات في إطار دورها كمؤسسة محايدة ومستقلة، وكوسيط يكّرس جهوده لمنع المعاناة البشرية وإزالتها. وتمشياً مع تقاليد اللجنة الدولية كمؤسسة إنسانية وإلتزاماً بصلاحيتها، فإنها لم تنتظر صدور النصوص القانونية لحماية الأطفال في النزاعات المسلحة، قبل أن تباشر عملياتها التي تهدف إلى حماية الأطفال، ففي جميع النزاعات إستبقت مبادرات اللجنة الدولية إقرار الحماية القانونية للأطفال.[9]

وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإعطاء العناية بالأطفال أولوية مطلقة، بتوفير الأغذية المناسبة الخاصة بهم والملابس. فهي تدرك عند تقديم المساعدة الطبية والغذائية للأطفال، أنه من الواجب أن يتلقى الإنسان عوناً مناسباً بحسب مقدار معاناته، وأن ترتبط أولوية تقديمه بالسرعة التي تتطلبها حالته. وهذا هو المعيار الوحيد الذي يلتزم به الهلال والصليب الأحمر بإتباعه عند تقديم خدماته. كما أن مبدأ المساواة وهو ثمرة الإحساس بالإنسانية والعدالة معا، يعني وجوب تركيز الإهتمام على المحتاجين بدرجة أكبر، وإعطاؤهم الأولوية في المساعدة.[10] وتولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر أهمية خاصة لصون وحدة العائلة وإعادة الأطفال إلى أهلهم، خاصة في ظل أوضاع النزاع الحديثة والمعقدة، والتي تتزايد فيها حالات تفرق شمل الأسرة.[11] وتكافح اللجنة الدولية للتغلب على معاناة الأطفال في هذه الحالة، فعمليات البحث ولم شمل العلائلات منوط بها للوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، وتشمل أعمال الوكالة الأطفال الذين لا عائل لهم.[12] وفي سبيل ذلك تحصي وتتابع جميع الأطفال الذين تفرقوا عن عائلاتهم أينما كانوا، وتسجل هوية كل واحد منهم عن طريق معرفة إسم كل طفل وإسم والديه، وعنوانه السابق والحالي، كما أنها تنشئ نظاماً للبحث عن الأهل يشمل: إعلان أسماء الأهل الذين يجري البحث عنهم في مخيمات اللاجئين وفي الأماكن العامة التي يحتشد فيها الناس. وإعلان الأسماء على موجات الإذاعة المحلية أو الدولية. وتوجية نداءات إلى الأهل الذين يبحثون عن أطفالهم، لكي يتصلوا بأقرب مكتب للصليب أو الهلال الأحمر. بالإضافة لتوصيل رسائل الصليب الأحمر التي كتبها الأطفال إلى العناوين القديمة للوالدين.[13]

ومن الأنشطة الإنسانية التي تقوم بها اللجنة الدولية، الزيارات التي تقوم بها إلى الأشخاص المحرومين من حريتهم، وإلى معسكرات أسرى الحرب. فقد يتعرض الأطفال عند مشاركتهم في الأعمال العدائية للإعتقال أو للأسر. وهنا تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة هؤلاء الأطفال طبقاً للمهمة التي عهدت لها بها الدول الأطراف في معاهدات القانون الدولي الإنساني. (خاصة المادة 126 من اتفاقية جنيف الثالثة)، فتعمل على ضمان إحترام القواعد التي تخول للأطفال حماية خاصة. وتؤكد أيضاً على ضرورة مراعاة قدرتهم المحدودة بحكم سنهم، الذي يتطلب إتخاذ تدابير لصالحهم.[14]

وعندما تتدخل اللجنة الدولية لضمان إعادة الأطفال المقاتلين إلى الوطن أو الإفراج عنهم، يكون ذلك بعدما تحصل على ضمانات من الدولة أو الجهة التي ينتمي إليها الأطفال تقضي بأنهم لن يعودوا إلى القتال مرة أخرى.[15]

وتطالب اللجنة الدولية أطراف النزاع بأن تراعى القدرة المحدودة للتمييز لدى الأطفال، وأن تعمل على ضمان المعاملة الملائمة لسن الأطفال. واللجنة تقوم بذلك إستنناداً إلى القانون أو بمبادرة منها.

يرى الباحث أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعدّ من أهم الهيئات الدولية المعنية بحماية حقوق الطفل في حالات النزاع المسلح، نظراً لأنها تتمتع بإعتراف دولي من جانب الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة ومن جميع دول العالم، مما يجعلها وسيلة فاعلة لتأكيد حقوق الضحايا وحماية حياتهم وإغاثتهم في أصعب الظروف، وهو ظرف النزاع المسلح.

المراجع

[1] – مطبوعات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إجابات على أسئلتكم، 1999 ص 4، 5 .

[2] – الأستاذ معين قسيس، التعريف بالحركة الدولية للصليب الأحمر، دراسة في كتاب القانون الدولي الإنساني، تطبيقاته على الصعيد الوطني الأردني، منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ص 182.

[3] – اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المباديء الأساسية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ص 2.

[4] – مطبوعات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إجابات على أسئلتكم، 1999، ص 12 ،13 .

[5] –  فرانسوا بونيون، المجلة الدولية للصليب الأحمر، سبتمبر/ اكتوبر، 1995 ، ص 364، 365.

 [6] –  الأستاذ ديفيد ديلابرا، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الدولي الإنساني،دراسة منشورة ضمن كتيب محاضرات في القانون الدولي الإنساني، تحرير شريف عتلم، دار المستقبل العربي، القاهرة، مصر، 2001، ص 151 وما بعدها.

[7] –  ماريا تيريزا دوتلي وكريستينا بيلانديني، اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتنفيذ نظام قمع الإخلال بقواعد القانون الدولي الإنساني، المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة السابعة، العدد 36، مارس- أبريل، 1994، ص 103 وما بعدها.

[8] –  النظام الأساسي للجنة الصليب الأحمر، المجلة الدولية للصليب الأحمر، العدد 61 ،سبتمبر،1998 ،ص 521 وما بعدها.

[9] –  ساندرا سنجر ، مرجع سابق، ص 156.

[10] –  جان بكتيه، مبادئ الهلال والصليب الأحمر، معهد هنري دونان، جنيف، سويسرا، الطبعة الثانية، 1984. ص 44، 35.

[11] –  كورنيليو سوماروغا، مجلة الإنساني، العدد  السابع، نوفمبر/ ديسمبر، 1999، ص 13.

[12] – ديفيد ديلابرا، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الدولي الإنساني، دراسات في القانون الدولي الإنساني، دار المستقبل العربي 2000، ص 401، 402.

[13] –  إعادة الأواصر العائلية، مطبوعات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 1997، ص 4، 5.

[14] –  د.حسن سعد سند، الحماية الدولية لحق الإنسان في السلامة الجسدية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، 2004، ص 226.

[15] –  ماريا تيريذا دوتلي، الأطفال المقاتلون الأسرى، المجلة الدولية للصليب الأحمر، سبتمبر/أكتوبر، 1990، ص 404 وما بعدها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى