دراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

شروط النهضة والقابلية للاستعمار عند مالك بن نبي بين النقد والتأييد

Table of Contents

د.محمد عبدالرحمن عريف

 قابلية الاستعمار، مصطلح أو مفهوم طرحه مالك بن نبي في 1948م في كتاب شروط النهضة، حيث أن المحتل الذي يحتل أرضاً ويسيطر على ترابها فأنه مع مرور الزمن يبقى غازياً ومحتل لفرد غير قابل للاستعمار، هنا يتدخل “المعامل الاستعماري” وهو المصطلح الذي جاء به مالك بن نبي أيضاً، يتدخل المستعمر من أجل خلق نموذجاً من الحياة والفكر والحركة، وبعد أن تتم السيطرة المعنوية والمادية يصبح هذا الفرد، يقبل بالحدود التي يرسمها له الاستعمار ويفكر داخلها، ولا يخرج عليها ويرسم شخصيته طبقاً لحدودها، بل ويدافع حتى لا تزول تلك الحدود التي أقنعه بها المستعمر، وحينها نكون هنا أمام فرد يعاني من “القابلية للاستعمار”.

https://www.youtube.com/watch?v=vclEGIDRNoQ

 جاء تعدد الآراء واختلافها بين من تفهم فكرة مالك بن نبي حول القابلية للاستعمار، وبين من تنكر لها، حيث تعددت حولها التفاسير والشروح، كلا حسب درجة استيعابه لهذا المفهوم من جهة، وقراءته للظروف السياسية التي عاشها مالك بن نبي بالخصوص من جهة أخرى. كما لعب البعد الأيديولوجي والفكري، لدى بعض من حاول تفسير هذه الرؤية دوراً مهماً في توجيه تفسيراته ورؤيته لهذا المفهوم الدقيق، سواء من حيث اعتباره وصفاً دقيقاً لخص من خلاله حالة الوهن والضعف الذي أصاب الأمة العربية والإسلامية في مرحلتها الراهنة أم من حيث ما لصق بهِ من تهم، وسوء فهم بشكل أفقده بعده المعرفي من حيث دلالته العلمية في توصيف التحولات التي قد تتعرض لها المجتمعات البشرية، أثناء مسيرته التاريخية.

نعم عندما أبدع مالك بن نبي أطروحته بشأن “القابلية للاستعمار”. لاقى المفهوم/ التعبير استنكاراً من متلقيه وشيئاً فشيئاً أعيد له الاعتبار بوصفه مفهوماً تاريخياً دقيقاً لحالة التخلف التي كانت عليها الشعوب المستعمَرة. وبقدر ما أصبح مفهوم “القابلية للاستعمار” شائعاً، ومأنوساً في التحليلات المعاصرة، إلا أنه يظل مثيراً للأسئلة، حتى في صيغته الأولى التي بلورها مالك بن نبي. وجانباً من الخلل المنطقي الذي تعتري بعض استعمالات هذا المفهوم. فقد جاء فكر مالك بن نبي -في معظمه- في فتره استعمار واستقلال الشعوب الإسلامية، فجاء متأثراً بخطر الاستعمار، ومن ثم يهتم بكل ظاهرة استقلالية كحركة الضباط الأحرار وغيرها، والتي عاد وتراجع عن كثير من مواقفه التي ارتبطت بالتخلص من الاستعمار شكلياً، ووصل إلى نتيجة مفادها أننا لن نتخلص من الاستعمار حتى نتخلص من القابلية للاستعمار، وأن الاستعمار لا يزال يلاحقنا بصراعه الفكري.

  ولكن هل تورط مالك بن نبي في بعض استخداماته للمفهوم في الاتجاه السلبي كما أشرت؟ أم أنه كان معنياً بمعالجة مشكلة التخلف المزمنة وتجاوز الظواهر السطحية إلى التغلغل في الأعماق؟، إنه كان مأخوذاً بالبحث عن السبل الكفيلة للتحول من العجز إلى الفعالية ولذلك لا يروق له كثيراً، أساليب الدفاع والحماس عن العالم الإسلامي، بقدر ما كان مشتغلاً على معالجة مشاكل هذا العالم في اتجاه البناء والتوجيه.

هنا يجب دراسة وتحليل ما توصل إليه هذا المفكر، فلقد كان دارساً متميزاً لظاهرة الاستعمار. وهو عندما يستخدم كلمة الاستعمار، لا يعني بها مجرد الاحتلال للأرض، وإنما للدلالة على كل محاولة أو كل عمل يميل لفرض أيديولوجيته أو معتقداته أو قيمه على مجتمع معين ولذلك وبمنظار بن نبي، فالشيوعية والليبرالية شكلان من أشكال الاستعمار الأيديولوجي يحاولان بسط سيطرتهما على العالم. ولم يغفل بن نبي الدور السلبي الذي قام به الاستعمار، وإن كان اشتغل بشكل أساسي لإيجاد المعالجات والحلول عند الذات لا الآخر، وإنه يلقي اللوم أيضاً على الاستعمار الذي “فكك المجتمع بمقتضى المبدأ الروماني الذائع (فرق تسد)”. ويمضي في توضيح الغايات السياسية له بالقول “دحرت البنائيات الاستعمارية الفرد وألجأته إلى الحياة من أجل ذاته”. مع الأخذ بما نبه إليه مالك بحساسية شديدة إلى مواجهة التحدي في الانتقال من “الاستعمار” إلى “تصفية الاستعمار”. فالتحدي قائم دائماً. ألا وهو تحدي الاستقلال “فالاستعمار قد ارتحل، ولكنه ترك لنا أنساله الصغار الذين ما انفكوا يعربون لنا عن وجودهم”. على حد تعبيره. إذاً مالك بن نبي كان مهموماً ومهتماً أيضاً بمرحلة ما بعد الاستعمار وفي ذلك كتب الكثير.

يجب العمل بما اتفق عليه فكر مالك بن نبي، وابن خلدون في كون الحركة الاجتماعية تخضع لقانون الدورة التاريخية، فالحضارة، إلا سلمنا جدلاً أن هذا الأخير تحدث عن الدولة باعتبارها اكتمالاً لصورتها الكلية، تبدأ وتنتهي في نقطتين منفصلتين على محور الزمن، تشكل الأولى لحظة الانبعاث، يطلق عليها مالك مرحلة الروح، كما يطلق على لحظة الأفول مرحلة الغريزة، حيث يكشف هذا الطور الأخير من أطوارها لحظة انتهاء دورة حضارية ما، فلم يكن فكره ثوري يؤمن بالتغيير من الرأس والحكم، ولذلك نجده يبرز أهمية الفكرة في تفعيل الفرد (الإنسان) حيث يبدأ بتغيير نفسه من داخلها قبل أن يغير الأشياء التي تحيط به، وهكذا يتغير المجتمع بأكمله إذا ما غير كل إنسان نفسه، وجاءت مقولة مالك بن نبي (غير نفسك تغير التاريخ) وهكذا لم يكن فكر مالك بن نبي إصلاحياً، بالمعنى الترقيعي، بل تغييرياً شاملاً.

الواقع أن منهج مالك بن نبي في تناوله لمشكلات العالم الإسلامي، لا تزال مجال اختلاف بين علماء الاجتماع والتاريخ والمفكرين، وتناوله لشروط النهضة وعواملها، والوقوف على سبل معالجتها من وجهة نظره. حيث عايش معظم حملات الاستعمار ومحاولات الاستقلال في العالم الإسلامي، وهي فترة من أحط، وأهم فترات العالم الإسلامي، حيث اعتبرها ابن نبي نقطة أفول الحضارة الإسلامية وبداية التأهل لحضارة إسلامية جديدة.. وتبقى شمولية فكر مالك بن نبي مَعْلماً بارزاً في شخصيته، وقد ناقش مشكلات العالم الإسلامي مناقشة جادة، جعل مردَّها إلى عدم تفاعله بالفكرة الإسلامية الحقيقية، وانحرافه عنها. ومن هنا نشأت المشكلات الثقافية والفكرية، والاجتماعية، والدينية، والاقتصادية، والسياسية، لأنه انحراف شامل عن الفكرة الإسلامية الشاملة. وجمود شامل أصابها بتقاعسنا عن حملها على وجهها الصحيح، وبعبارة: (عدم تفاعل المسلم بالإسلام الحقيقي).

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى