دراسات قانونية

مفاهيم قانونية : التعريف بالحقوق والحريات

اكتسب الاهتمام بحقوق الانسان زخما متسارعا في الفترة الاخيرة، فاصبح من اهم الاعمدة الرئيسية في معرفة مدى ديمقراطية اي نظام سياسي وتناولت دساتير الدول والمواثيق الدولية تلك الحقوق بالشرح والتوضيح، واصبح احترام حقوق الانسان من اهم المعايير في عدالة وقانونية النظام السياسي القائم في اي بلد.

وان من اهم الاسباب التي دعت الى الاهتمام بموضوع حقوق الانسان في الوقت الحاضر:-
1- ما لحق بالبشرية في الحرب العالمية الاولى والثانية من مأسي ودماروقتل للملايين من الناس وكانت من اشد الحروب قسوة ونتائج محزنة هي الحرب العالمية الثانية، حيث قتل فيها نحو (40) مليون نسمة نصفهم من المدنيين.
2- ظهور ديمقراطيات ناشئة تؤمن بالحقوق والحريات ساعد على استقرار انظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
3- الدور الذي لعبه المجتمع الدولي من خلال المنظمات الدولية والاقليمية في صك العديد من المواثيق الدولية مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والكثير من الاتفاقيات الدولية التي تتناول حقوق الانسان في السلم والحرب.
4- الدور الريادي للشريعة الاسلامية في تناول العديد من الحقوق والحث على العمل بها ومنها مقاصد الشريعة والحقوق الاخرى مثل حق الزواج والتعليم واللجوء غيرها والتي اثبت الواقع العملي والتجريبي صحة الاخذ بها وتطبيقها.
5- التطور التاريخي الذي صاحب البشرية على مر التاريخ من اجل الوصول بالحقوق الى مرتبة يوازي ماقدمته البشرية من تضحيات.
6- دخول موضوع الانسان بقوة في الدراسات العلمية والثقاقية والاكاديمية والتي تناولت الموضوع بالتعريف والتوضيح والتحليل.
7- الاحساس المتأصل لدى الناس بان اجراءات الامن تقف بالضد من حقوق الانسان وحرياته.

والحق في الاصطلاح اللغوي يعني خلاف الباطل حيث يقول الفيروزآبادي في توصيفه للكلمة: “الحق: من أسماء الله تعالى أو من صفاته، والقرآن، وضد الباطل، والأمر المقضي، والعدل، والإسلام، والمال، والملك، والموجود الثابت، والصدق، والموت، والحزم، وواحد الحقوق. يقول الجوهري: “الحق: خلاف الباطل، والحق: واحد الحقوق.
اما الحق في المعنى الاصطلاحي: فهو اما ان تكون علاقة او ضمانات تقرها قواعد قانونية واليات تبادلية الغاية والمنفعة او انها تعني المكنة التي تمنح صاحبها التمتع والمطالبة والتيسير.
فما المقصود بالحق وفق منظور الدراسات القانونية، ان الحق هو مركز شرعي او قانوني ينتفع به صاحبه او غيره، فهو اما ان يكون مادي تدركه الحواس او ان يكون معنوي، وبذلك فهو عام اذا كان الانتفاع به يشمل الجميع، وهو خاص اذا كان الانتفاع به يخص فرد او فئة معينة.

فاصحاب النظرية الشخصية والتي تزعمها الفقهاء الالمان كل من فيند شايد(Windsheid) وسافيني(Savigny) وجيرك(Gierke) اعتبروا ان الحق قوة ارادية يخولها القانون لشخص معين ويرسم حدودها، ان هذه القدرة الارادية لا يمنحها الشخص لنفسه وانما يمنحها له القانون، ان الحق وفق النظرية الشخصية اسير القانون فهناك حق ينظمة القانون ولا يعطيه القانون مثل حق الزواج وحق التعلم وحق التنقل وغيرها، وكما هو معروف فان توماس هوبز ولوك وجان جاك رسو هم اصحاب نظرية العقد الاجتماعي في اصل تكون الدولة او السلطة حيث يرى “هوبز” ان الافراد قد تعاقدوا فيما بينهم وتنازلوا لشخص واحد وهو الحاكم عن كل حقوقهم، ان الحاكم هنا ليس طرفا في العقد ، والقانون هنا الاساس فيه هو ارادة الحاكم.

اما ” لوك” فيرى ان الافراد قد تعاقدوا مع الحاكم على ان يقوم الحاكم باقامة السلطة من اجل حمايتهم ورعاية مصالحهم، ان حقوق الافراد هنا سابقة على التعاقد،ارادة الحاكم هنا مقيدة.
ويرى “روسو” ان العقد هنا بين الافراد انفسهم ومن ناحيتين الاولى كونهم افراد مستقلين والثانية كونهم متحدين، الحاكم ليس طرفا في العقد انما هو وكيل عن الجماعة يحكم وفقا لارادتها وليس لارادته دخل في الموضوع، ان الافراد تنازلوا عن حقوقهم من غيرخوف لصالح الجماعة، وفي القرن العشرين برز الفقيه ليون ديجي(ديكي) وهو من اهم الباحثين في مجال القانون الدستوري والذي اوجد نظرية التظامن الاجتماعي حيث انكر على الدولة صفة السيادة والشخصية المعنوية وان الدولة ليست سوى مجموعة افراد واعتبر القانون فوق الدولة والقانون عنده يعبر عن ضرورات التظامن الاجتماعي وعلى هذا الاساس فان حقوق الانسان ليست امتيازات اعطيت لهم وانما سلطة يمنحها القانون للشخص باعتباره فردا اجتماعيا.

اما الأسس التي اعتمده ديجي في نظريته وهي:-
1- وجود المجتمع الانساني.
2- وجود التظامن داخل هذا المجتمع.
3- وجود حقوق للافراد داخل هذا المجتمع.
وبناءا على ما تم عرضه نستطيع القول ان: الحق علاقة مادية او معنوية تنشأ في كنف القانون فيتمتع المستفيدين منها بسلطة قوامها الحرمة والالزام والحرمة تعني صون الحق ويقابله التزام على الاخرين باحترامه وعدم التجاوز عليه، اما الالزام فيعني ان لصاحب الحق القدرة في الزام غيره في ان يحترم حقه. وبعض الفقهاء يرى ان الحق “سلطة قانونية” يقررها اوينظمها القانون بحيث يمكن بموجبها القيام بعمل معين او عدم القيام به تحقيقا لمصلحة مشروعة.

وخير من تناول موضوع الحقوق هي الشريعة الاسلامية حيث قسمت الشريعة السمحاء تلك الحقوق من حيث المقاصد الى (حق حماية الدين- حق الحياة- حق حماية العرض- حق حماية الملكية والمال- حق حماية العقل)، وتناولت الشريعة مجموعة اخرى من الحقوق بالذكر والتفصيل او الاشارة الضمنية مثل حق التنقل والزواج وحقوق الزوجة والاطفال والبيع والشراء وحق التداوي والرعاية الاجتماعية وغيرها.

وهناك مفهوم اخر يتضمنه مفهوم الحقوق الا وهو “الحريات” ومفهوم الحقوق والحريات مفهومان متقاربان ولكنها مختلفان في نواحي عديدة، وغالبا ما يأتيان مترادفان، فالحرية تعني المكنة في ان يختار الانسان ما يراه مناسبا من غير وجود لتدخل خارجي وبمعزل عن السلطة وان كان الكثير من الحريات تخضع لتنظيم السلطة او ضوابط مجتمعية ذات جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية او مؤسساتية مثل حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي فهي تخضع لضوابط يفرضها الواقع.

وحتى لا نشكل على القارئ والمستمع نطرح ما موجود من الفوارق بين المفهومين وان كان لا يوجد اتفاق عليها:-
1- الحريات مفهوم داخلي الاستخدام والتأثيروالتعامل بينما الحقوق مفهوم دولي، وخير شاهد على ذلك ما جاء بالمادة الثالثة عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام/1948م حيث ورد بالفقرة الاولى منه” لكل فرد حرية التنقل واختيار محل اقامته داخل الدولة” بينما نجد الفقرة الثانية من نفس المادة تنص على” يحق لكل فرد ان يغادر اية بلد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة اليه” حيث ربطت تلك المادة تنقل الانسان داخل بلده بموضوع الحرية، ومغادرة الانسان لبلده بموضوع الحق، وان كان الكلام فيهما غير قطعي وجازم.
2- الحريات تتعلق بالممارسات التي يقوم بها الافراد ولا تحتاج الى سلطة بينما الحقوق يمكن ان يستفاد منها نتيجة لما تقدمه السلطة من منافع وخدمات او مسائل تنظيمية.
3- الحريات تكاد تمتاز بالثبات في جميع المجتمعات بينما الحقوق تمتاز بالتطور والتوسع.
4- اصل الحريات القوانين الوضعية بينما الحقوق ولدت مع وجود الانسان.
5- جميع الحريات تنظم بقوانين مثل قانون حرية العمل الصحفي بينما الحقوق موجودة قبل صدور التشريع او القانون اذ لا يمكن فهم حرية معينة دون وجود تشريع ينظمها.

وجاء في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر عام 1789 على ان الحرية هي “القدرة على كل ما لا يضر الغير”.
ومن الحريات ما يطلق عليه اسم الحق مثل “الاختيار” ، فهل هو حق الاختيار ام حرية الاختيار؟
وتخضع الاجابة على هذا السؤال الى وجوب فك الاشتباك بين قيود السلطة وتشريعاتها، ويذهب جانب من الفقه الى ان الحقوق والحريات وجهان لعملة واحدة ودليلهم في ذلك ما جاء في اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي عام/1789م من اعتبار ان الحرية هي اول حق للإنسان سابق على غيره من الحقوق، وإن الحقوق الأخرى ماهي الا حريات فنستطيع ان نقول حق التملك وحرية التملك، والقسم الاخر من الفقهاء يطرح فكرة الحقوق كحريات والحريات كحقوق، ويسود مفهوم في الوقت الحاضر على أن جميع الحريات هي حقوق للإنسان، ولكن ليس جميع حقوق الإنسان حريات، اي ان مفهوم حقوق الانسان اوسع من مفهوم حريات الانسان.

وحتى لا نطيل بامكاننا ان نصف مفهوم الحق ومفهوم الحرية توصيفا يقربنا من المعنى وليس بالضرورة ان يكون قطعيا فعند ذلك نقول:
الحق: مركز قانوني يستطيع بموجبه المتمتع سواء كان شخصا ماديا او معنويا الحصول على منفعة او درء مفسدة خاصة او عامة وهو علاقة تبادلية اساسها المعرفة والحرمة والالزام.

الحرية: الممارسة ضمن الصلاحيات التي يقرها الشرع والقانون.
وحتى لا ندخل في اشكالية جدلية في ايجاد الفوارق بين مفهوم الحقوق والحريات او اعتبار الحقوق هي العنوان الاوسع وان الحريات جزء من ذلك العنوان، او انه لا توجد فوارق بين الحقوق والحريات واننا نتكلم عن نفس المفهوم بعنوانين مختلفين، نجد انه لازما علينا وبعد دخول الافراد كشخص من اشخاص القانون الدولي، وظهور فرعين من فروع القانون الدولي وهما القانون الدولي لحقوق الانسان والذي يعنى بالحقوق في وقت السلم والقانون الدولي الانساني الذي يهتم بحقوق طائفة من الافراد وقت الحروب، ووجود العديد من الهيئات الراعية او المراقبة لاوضاع حقوق الانسان في العالم مثل منظمة هيومن رايتس ووج، منظمة العفو الدولية، اللجنة الدولية للصليب والهلال الاحمر الدوليين، ان نفرق بين الحقوق والحريات وان تقاربت المسافات بينها، فنرجع في ذلك الى السلطة والتشريعات لتبين لنا ايهما نعتبره حقا وايهما نعتبره حرية وعلى اقل تقدير يحتاج الموضوع الى وقت لاثبات ذلك او العمل به.

ان موضوع الحريات يختلف اختلافا كبيرا عن موضوع الحقوق وان كان غالبية الفقهاء يعتبرون الحريات جزءا لا يتجزأ من موضوع حقوق الانسان، حيث جاء في المادة الثانية من اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي لعام/1789م ان الحقوق هي- الحرية والملكية والامن ومقاومة الظلم والطغيان، وجاء تعريف لوك على ان الحرية هي(الحق في فعل اي شيء يسمح به القانون).

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى