دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات استراتيجيةدراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

ملف شامل حول تطورات مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي – الجزء الثاني

الأهمية الإستراتيجية والجيوستراتيجية لتركيا

تتمتع تركيا بأهمية إستراتيجية وجيوستراتيجية خاصة، للقارة الأوروبية؛ ومن ثم للاتحاد الأوروبي؛ ليس فقط بسبب وجود جزء منها (العاصمة التجارية إستانبول Istanbul) داخل القارة الأوروبية, وإنما أيضاً لحجم المصالح الحيوية الضخمة المشتركة بينهما, والتي يدعمها تشكيل تركيا لحلقة الوصل الإستراتيجية للعلاقات السياسية الأوروبية الخارجية, وللجسر ذي الأهمية الإستراتيجية للنظام الاقتصادي الأوروبي، في إطار دمجه في النظام الاقتصادي العالمي, ولمعبر الالتقاء الثقافي, وحوار الحضارات بين قارة أوروبا غرباً، وبين قارة آسيا شرقاً, والمنطقة العربية جنوباً.

أولاً: منطقة الشرق الأوسط

1. أكثر التعاريف قبولاً لتحديد منطقة الشرق الأوسط، هو الذي يعرفها على أنها “المنطقة الجغرافية التي تمتد من غرب شبه القارة الهندية شرقاً، إلى دول شرق أفريقيا وحتى منطقة القرن الأفريقي غرباً, ومن جنوب منطقة القوقاز الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود شمالاً، إلى البحر العربي وخليج عدن جنوباً”.

2. مع بداية القرن الحادي والعشرين, وفى إطار المشروعات الأمريكية المتعلقة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دول منطقة الشرق الأوسط, ظهر التعريف الأمريكي للمنطقة لتمتد حدودها غرباً لتشتمل على دول شمال أفريقيا العربية, ودول العمق الإستراتيجي لها.

ثانياً: خلفية تاريخية  (اُنظر صورة مصطفى كمال أتاتورك)

1. كانت تركياً مركزاً للحكم العثماني حتى عام 1922، إلى أن أُنشئت الجمهورية التركية في عام 1923 على يد “مصطفى كمال أتاتورك Mustafa Kemal Ataturk”, الذي ألغى الخلافة العثمانية نهائياً في عام 1924.

2. استبدل “مصطفى كمال أتاتورك”، عند توليه رئاسة تركيا في عام 1923، بالمبادئ الإسلامية أعرافاً قومية علمانية, واستبدال بالكتابة العربية اللغة اللاتينية.

3. سيطر الحكم المدني على تركيا حتى عام 1973, وسيطر الحكم العسكري بعد ذلك, ما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة اندلاع أعمال العنف في عام 1980, والتي أدت إلى انتهاء الحكم العسكري عام 1982؛ ولكن نجحت المؤسسة العسكرية في عام 1997 في استعادة سيطرتها لمنع الإسلاميين من تولى السلطة.

4. تعانى الحكومة التركية منذ عام 1984 من معارضة الأرمن, والأكراد بقيادة حزب العمال الكردستاني, حيث يمثل الأكراد حوالي (20 – 25) مليون نسمة, ولا تعترف بهم الحكومة كجمهورية مستقلة.

5. تمثل تركيا في المجتمع الدولي “نموذج الدولة الإسلامية– الديمقراطية”، في ظل التشكك العالمي في قابلية العالم الإسلامي للتطوير. 

ثالثاً: أهم الحقائق الجيوبوليتيكية لتركيا

1. الموقع الجغرافي والفلكي (اُنظر خريطة تركيا)

أ . تعد تركيا جغرافياً دولة مستطيلة الشكل تقريباً, وأنها دولة آسيوية أوروبية, حيث يقع الجزء الأكبر منها في جنوب غرب قارة آسيا, وجزء آخر صغير (إستانبول) في جنوب شرق قارة أوروبا. ولهذا, تعد تركيا بمثابة حلقة الوصل بين قارات العالم القديم (آسيا ـ أوروبا ـ إفريقيا).

ب. تقع تركيا فلكياً ـ تقريباً ـ بين خطى الطول (23, 45 ْ) شرق خط جرينتش, وبين دائرتـي العرض (36, 42 ْ) شمال خط الاستواء. أي أن تركيا تقع ضمن خط المناخ المعتدل.

ج. تعد تركيا شبه جزيرة محاطة بسواحل بحرية من ثلاث جهات جغرافية؛ فهي تطل بسواحل بحرية على كل من: البحر الأسود شمالاً, وبحر مرمرة, وبحر إيجة غرباً, والبحر المتوسط جنوباً. وتتحكم تركيا في مضيقين بحريين إستراتيجيين, وهما: “مضيق البوسفور” شمالاً بين البحر الأسود وبحر مرمرة, و”مضيق الدردنيل” جنوباً، بين بحر مرمرة والبحر المتوسط من خلال بحر إيجة؛ ومن ثم فإنها تتحكم في حركة المرور البحري بين البحرين الأسود والمتوسط.

د. يصل طول دولة تركيا من الشرق إلى الغرب إلى حوالي (1500 كم), بينما يصل عرضها من الشمال إلى الجنوب إلى حوالي (550 كم).

هـ. تتحكم تركيا في عدد من الجزر, يقع معظمها في بحر إيجة, والبحر المتوسط, “جزيرة أمروز” أهمها (279 كم2).

2. دول الجوار الجغرافي لتركيا

يحيط بالموقع الجغرافي لتركيا عشر دول آسيوية, وأوروبية, موزعة كالآتي:

أ. سبع دول في القارة الآسيوية, وهى: روسيا الاتحادية عبر البحر الأسود في الشمال, وجورجيا, وأذربيجان, وأرمينيا, وإيران في الشرق, والعراق, وسورية في الجنوب.

ب. ثلاث دول في القارة الأوروبية, وهى: بلغاريا, واليونان في الشمال الغربي والغرب على التوالي, وجزيرة قبرص في الجنوب.

3. مساحة تركيا

أ. يبلغ إجمالي مساحة تركيا حوالي (779.452 ألف كم2), ويقع نسبة (97%) منها في قارة آسيا (منطقة الأناضول), ونسبة (3%) منها في قارة أوروبا (إستانبول).

ب. تبلغ الحدود البرية التركية حوالي (2753 كم), ويصل طول الحدود الساحلية لها إلى حوالي (8333 كم).

4. الطبيعة الطبوغرافية (التضاريس)

تتنوع الطبيعة الطبوغرافية في تركيا تنوعاً يتناسب مع أبعاد مساحتها، والتي تشتمل على الجبال الشاهقة, والهضاب المترامية الأطراف، والتي من أهمها الآتي :

أ. الجبال والهضاب

معظم الأراضي التركية جبلية, حيث سلسلة جبال “بنطس” شمالاً, وسلسلة جبال “طوروس” جنوباً, أعلاها “جبل أرارات” (5317 م). وهي تحيط بمعظم الأراضي التركية، عدا مناطق غرب تركيا. تقع الهضاب الممتدة في الجزء الأوسط من تركيا, وتوجد مناطق منحدرات إلى سهول ساحلية في غربها.

ب. السهول الزراعية

تحتل الأراضي الزراعية أكثر من نصف مساحة تركيا, وتغطى الغابات أكثر من ثلث أراضيها, وتنتشر في مناطق الجنوب والغرب من تركيا.

ج. السواحل البحرية

يشتهر الساحل الجنوبي لتركيا بجمال طبيعته, وشواطئه الطويلة, ويعرف باسم “الريفيرا التركية”, تشبهاً بالريفيرا الفرنسية.

5. الطبيعة المناخية

أ. تتمتع تركيا بمناخ متميز له عدة خصائص؛ فهو مناخ معتدل, وجاف, وحار, وممطر, ومن ثم يمكن التمتع فيها بأجواء, ومظاهر الفصول الأربعة, والمناخات المتعددة في آن واحد, حيث السياحة في البحر, ومشاهدة الجبال المغطاة بالثلوج معاً.

ب. تتأثر تركيا بمناخ حوض البحر المتوسط المتميز بجفافه في مواسم الصيف. وهناك تباينات مناخية بين المناطق, التي ترتبط بكل من المسافة من البحر, والارتفاع عن مستوى سطحه, والسلاسل الجبلية حولها. ويتنوع المناخ في تركيا كالآتي:

(1) في مناطق البحار (جنوب بحر مرمرة ـ بحر إيجة ـ البحر المتوسط)

تكون مواسم الصيف في مناطق البحار حارة وجافة, ومواسم الشتاء بها معتدلة وممطرة.

(2) في منطقة البحر الأسود

يكون المناخ في منطقة البحر الأسود بحرياً ممطراً, وأكثر اعتدالاً.

(3) في المناطق الداخلية

يسيطر على المناطق الداخلية مناخ قاري, حيث يكون حار وقليل المطر في الصيف, وشديد البرودة الثلجية في الشتاء.

(4) في منطقة الأناضول الشرقية

تمتاز مواسم الصيف في منطقة الأناضول الشرقية بجو لطيف, والشتاء بجو بارد جداً, وممطر بالثلوج.

(5) في المنطقة جنوب شرق الأناضول

تكون مواسم الصيف في المنطقة جنوب شرق الأناضول حارة وجافة, وتكون أشهر الشتاء أقل برودة.

6. مصادر الثروات الطبيعية

أدى تنوع الطبيعة الطبوغرافية والمناخية في تركيا إلى تنوع وتفاوت مصادر الثروات الطبيعية بها، والتي نبرز أهمها في الآتي:

أ. الثروة المعدنية والنفطية

تتنوع الثروة المعدنية في تركيا (60 معدناً مختلفاً), والتي من أهمها معادن: الكروم, والحديد, والرصاص (الخارصين), والنحاس, والألومونيوم, والفضة, والذهب, والفحم (الحجري ـ النباتي), والفوسفات, والصوديوم, ومادة البور, والبرليت ( زجاج بركاني). ويوجد احتياطي محدود من النفط في جنوب شرق تركيا.

ب. الثروة المائية

(1) تمتلك تركيا ثروة مائية ضخمة تنبع ـ أساساً ـ من الأنهار الدولية النابعة من أراضيها, والأنهار الوطنية العديدة (15 نهراً), ومياه الأمطار, وأحواض المياه الجوفية.

(2) جميع الأنهار التركية غير صالحة للملاحة النهرية, وحركة السفن, بسبب كثرة الشلالات بها. وتعد بحيرة “فان” (383 كم2) الواقعة شرقي البلاد، من أكبر البحيرات التركية.  

(3) تنحصر الأنهار الدولية في “نهرى دجلة والفرات”, والمارين في دولتي سورية, والعراق. وتتركز أهم الأنهار الوطنية في أنهار (سيحان ـ جيحان ـ سقاريا ـ مندريس ـ جديز), حيث تقيم عليهما تركيا المشروعات المائية الضخمة, والتي من أهمها الآتي:

(أ) مشروع “جاب GAP” في جنوب شرق الأناضول على نهرى دجلة والفرات, والذي يتضمن (22) سداً, و(19) محطة توليد كهرباء؛ الأمر الذي تنعكس تداعياته سلباً على حصص دولتي سورية, والعراق، من مياه النهرين.

(ب) مشروع “أنابيب مياه السلام”, والذي يهدف إلى نقل حوالي (6 مليون م3) من تركيا إلى منطقة الشرق الأوسط؛ الأمر الذي من شأنه أن يمنح تركيا السيطرة على شريان حياة منطقة الشرق الأوسط, ما يعود بتركيا – تدريجيا- لتصبح أهم عنصر جيوبوليتيكى في المنطقة.

(4) تتوجه تركيا نحو بيع مياه نهرى دجلة والفرات, وتسويقهما عالمياً فيما أطلقت عليه: “السوق الدولية للمياه”.

رابعاً: أهم الحقائق الديموجرافية لتركيا

1. التعداد ومعدل النمو السكاني

يصل إجمالي تعداد سكان تركيا إلى حوالي (71.892.808) مليون نسمة, طبقاً لإحصاءات عام 2008. ويبلغ معدل النمو السكاني بها حوالي (1.013 %) سنوياً.

2. التوزيع السكاني

يعيش حوالي (75 %) من السكان في المدن, والباقون في المناطق الريفية.

3. الكثافة والتركيبة السكانية

أ. تعد مدينة “إستانبول” هي أكبر المدن من حيث الكثافة السكانية (10 مليون نسمة), تليها العاصمة “أنقرة Ankara”  (3.5 مليون نسمة), ثم “أزمير Izmir ” (2.2 مليون نسمة).

ب. تعد تركيا دولة شابه متوازنة نوعياً من حيث التركيبة السكانية, حيث يمثل السكان الأقل عمراً من (14) عاماً نسبة (24.4 %), ويمثل السكان الذين تتراوح أعمارهم من (15 – 64) عاماً نسبة (68.6 %) من تعداد السكان.

4. التركيبة المجتمعية

أ. تتصف التركيبة المجتمعية التركية بأنها معقدة, إذ تتكون مما يزيد عن (24) قومية, أهمها الأكراد والعرب. ويرجع أسباب تشكيلها إلى عهد الإمبراطورية العثمانية, نتيجة امتداد مناطق نفوذها في آسيا, وأوروبا, وأفريقيا.

ب. يشكل الأتراك الغالبية العظمى من سكان تركيا, حيث تصل نسبتهم إلى (70%) من تعداد السكان, مقابل نسبة (20 – 25 %) من الأكراد, والباقون من جنسيات أخرى, وفي مقدمتها الأرمن.

وتركيا هي أول دولة إسلامية تفصل الدين عن الدولة, إذ تعتنق الفكر العلماني. ولهذا, ترى فيها القوى الدولية نموذجاً للدولة الإسلامية الحديثة. وتعتنق نسبة (94.2%) من السكان الدين الإسلامي, وحوالي (5.8%) الدين المسيحي.

خامساً: الأهمية الإستراتيجية لتركيا

من الدراسة التحليلية للحقائق الجيوبوليتيكية, والديموجرافية لتركيا, يمكن تحديد الأهمية الإستراتيجية لهـا, من خلال تناول العناصر الرئيسية الآتية:

1. الأهمية الإستراتيجية والسياسية

أ. تقع تركيا في قلب المجال الجغرافي المصطلح على تسميته “أوراسيا”, وتعد نقطة تقاطع قارات العالم القديـم الثلاث (آسيا ـ أوروبا ـ إفريقيا), ما أعطاها أهمية إستراتيجية بالغة, حيث تمثل ملتقى طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية في المنطقة, وتتحكم في طرق نقل الطاقة، سواءً إلى منطقة الشرق الأوسط, أو إلى قارة أوروبا, والولايات المتحدة الأمريكية.

ب. تشكل تركيا جسراً عابراً للقارات, ومعبراً إستراتيجياً ذا اتجاهات متعددة, يقع على الجانب الغربي منه الكتلتين الأوروبية والأمريكية, وعلى الجانب الشرقي منه الكتلة الآسيوية, وعلى الجانب الجنوبي منه الكتلة الأفريقية, وأنها بمثابة البوابة الشمالية للمنطقة العربية للعبور إلى القارة الأوروبية, وتمر من خلال الجسر والمعبر والبوابة العلاقات السياسية الدولية والإقليمية.

ج. تؤدى وسطية موقع تركيا بين قارات العالم القديم, وقربها من مناطق المصالح الحيوية والإستراتيجية العالمية، إلى زيادة درجة الاهتمام الإستراتيجي للقوة العظمى, والدول الكبرى بها, بوصفها تمثل نقطة ارتكاز رئيسية, وقاعدة انطلاق، إلى مناطق جيوستراتيجية أخرى من العالم. ولهذا, تحرص تلك الدول على أن يكون لها علاقات تعاون إستراتيجي عسكري وأمنى مع تركيا, وأن يكون لها وجود مسبق, بل ودائم داخلها، تحسباً للحاجة إلى إدارة القضايا والأزمات الدولية والإقليمية في محيطها الجغرافي. 

د. تشكل البحار والمضايق البحرية الدولية المطلة عليها تركيا أهمية إستراتيجية, تعتمد عليها حركة المواصلات البحرية الدولية والإقليمية للانتقال بين البحرين الأسود والمتوسط, ومنهما إلى المحيط الأطلسي غرباً, وإلى المحيط الهندي جنوباً.

هـ. تستغل تركيا مركز ثقلها الجيوبوليتيكى في منطقة الشرق الأوسط, وعضويتها في عدة منظمات سياسية إقليمية (منظمة دول عدم الانحياز ـ منظمة المؤتمر الإسلامي ـ المجلس الأوروبي ـ الاتحاد من أجل المتوسط ـ تجمع الدول المطلة على حوض البحر المتوسط ـ ملتقى الحوار العربي/ الأوروبي)، في تعظيم دورها في السياسة الدولية والإقليمية, كالآتي:

(1) محاولة تركيا ملء الفراغ الحادث في المنظومة الإقليمية بعد احتلال دولة العراق, وأن تكون قوة موازنة  في المنطقة لمواجهة الطموح الإيراني الإقليمي.

(2) تلعب تركيا دور الوسيط الإقليمي والدولي, حيث ترعى مباحثات السلام غير المباشرة بين سورية وإسرائيل, والاتصالات غير المباشرة بين أمريكا وإيران، بعد تولى “باراك أوباما” رئاسة الإدارة الأمريكية.

(3) تحاول تركيا تطوير علاقاتها الإستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي, ودول الجوار الجغرافي العربية (العراق– سورية), والتي ترتبط معها بمصالح مائية من خلال نهرى دجلة, والفرات.

2. الأهمية الاقتصادية

أ. يعطى موقع تركيا بين قارتي آسيا وأوروبا أهمية كبيرة لقطاع المواصلات من المنظور الاقتصادي, والذي جعل منها ـ إذا جاز التعبير ـ كتلة اقتصادية متكاملة, وجسراً ذا أهمية إستراتيجية للنظام الاقتصادي العالمي, تمـر عليه معظم الحركة الاقتصادية والتجارية والمالية العالمية, كما تعد سوقاً تجارياً واعداً.

ب. أعطى موقع تركيا الإستراتيجي القريب من منابع النفط, ميزة إستراتيجية لتكون قاعدة جيدة للسيطرة علـى مصادر الطاقة (منابع النفط) في منطقة الخليج العربي, ومنطقة الشرق الأوسط.

ج. تعد تركيا بوابة صادرات النفط, والغاز الطبيعي, وجسراً للطاقة من منطقة القوقـاز (كازاخستان ـ أذربيجان ـ جورجيا), والعراق إلى أوروبا, حيث يمر عبر أراضيها خط أنابيب (باكو ـ تبليسى ـ جيهان) لنقل النفط الخـام, وخط أنابيب (القوقاز) لنقل الغاز الطبيعي.

د. يؤدى اعتدال مناخ تركيا طوال العام ـ تقريباً ـ إلى صلاحية أجوائها الدولية, ومياهها الإقليمية لحركة الملاحـة الجوية والبحرية؛ الأمر الذي يدعم من الحركة التجارية العالمية, وتحركات المؤسسات الاقتصادية العالمية متعددة الجنسيات داخل منطقة الشرق الأوسط, والقارة الأوروبية, أو عبرهما.

هـ. امتلاك تركيا لثروة مائية ضخمة ـ تعد السلعة الإستراتيجية المستقبلية ـ والتي سوف تنافس في قيمتها وأهميتها الإستراتيجية قيمة الثروة النفطية وأهميتها, وخاصة مع تبنى تركيا إستراتيجية بيع المياه, ومناداتها بإنشاء بنوك تختص بذلك.

و. تتفاوت الثروة الزراعية والحيوانية والسمكية داخل المناطق الجغرافية السبعة التركية[1], وتزدهر قطاعات الإنتاج الزراعي والحيواني في منطقة جنوب شرق الأناضول.

ز. تؤثر المساحة الشاسعة, وضخامة القوى البشرية في تركيا على توجهات المؤسسات الاقتصادية العالمية متعددة الجنسيات, وتغريها على ضخ استثمارات نقدية ضخمة في الاقتصاد التركي, إضافة إلى إنشاء المصانع الضخمة عالية التقنية, أو كثيفة العمالة.

3. الأهمية العسكرية

أ. يتيح الاتساع والعمق الجغرافي لتركيا إمكانيات إنشاء القواعد العسكرية (الوطنية ـ التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي), ونشر القوات, مع تدريبها على أعمال القتال في كافة أنواع الأراضي, وخاصة الجبلية, والزراعية منها, وبحذاء السواحل البحرية, وعلى امتداد الشواطئ النهرية.

ب. إمكانية سيطرة تركيا على مضيقي “البوسفور والدردنيل” البحريين ذوي الأهمية الإستراتيجية, المتحكمان في حركة القوات إلى المناطق الجغرافية المتاخمة عبر البحرين الأسود والمتوسط.

ج. تعد منطقة شرق وجنوب شرق الأناضول، أقصر الطرق البرية والجوية الدولية بين الشرق والغرب, أي أن تركيا تمثل اتجاه الاقتراب الرئيسي إلى عمق القارة الأوروبية من جهة الشرق.

د. يتوافر لدى تركيا شبكة ضخمة من خطوط المواصلات البرية (63805 كم/ طرق + 10984 كم/ خطوط سكك حديدية), والمواصلات البحرية (156/ ميناء بحري) , والمواصلات الجوية (38 مطاراً منها 14 مطاراً دولياً), ما يساعد على حرية المناورة بالقوات من اتجاه إستراتيجي إلى اتجاه إستراتيجي آخر داخل مسارح العمليات المتاخمة لها.

هـ. يوفر اعتدال مناخ تركيا طوال العام تقريباً, وخاصة في منطقة البحر الأسود, ومنطقة شرق الأناضول, صلاحية الأجواء لتنفيذ مهام القوات الجوية, وصلاحية المياه لتنفيذ مهام القوات البحرية.

و. توفر عناصر الإنتاج, وتقدم التكنولوجيا العسكرية إمكانية قيام الصناعات الحربية المحلية والمشتركة, والتي من أبرزها صناعات تجميع الطائرات, وعربات القتال, والصناعات الإلكترونية, ونظم التسليح البحرية. وقد قسمت تركيا مصانعها الحربية إلى ثلاث مجموعات رئيسية كالآتي:

(1) مجموعة مصانع القوات المسلحة, والتي تختص بأعمال الإصلاحات الرئيسية لنظم التسليح المختلفة.

(2) مجموعة مصانع القطاع العام, والتي تغطى احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة, والذخائر, والمعدات الإلكترونية.

(3) مجموعة مصانع القطاع الخاص, والتي تشارك بدور فاعل في تطوير الصناعات الحربية. 

4. الأهمية الاجتماعية والثقافية

أ. تقع تركيا على حافة أحد خطوط الفصل بين العالمين الإسلامي والمسيحي, كما تشكل نقطة تقاطع لهويات ثقافية متعددة, حيث تتقاطع فيها الثقافة الأوروبية من جهة الغرب, والثقافة الروسية من جهة الشمال, والثقافة الآسيوية من جهة الشرق, والثقافة العربية من جهة الجنوب. ولهذا, تعد تركيا بمثابة الجسر الوحيد بين كافة الأديان, وبين مختلف الحضارات, والثقافات.

ب. ساعدت الثقافة الإسلامية لتركيا، على الرغم من أنها ممزوجة بالعلمانية، على إذكاء الهوية الثقافية الإسلامية التركية, والتي تحقق معها حماية المجتمع ضد خطر انتشار الأيديولوجيات الغريبة عليها (الشيوعية ـ مثلاً).

ج. تأثرت الدولة التركية الحديثة بالتيارات القومية والعلمانية، التي ظهرت بعد عصر التنوير في أوروبا, وتعرضت الدولة للتحول الجذري من الإمبراطورية العثمانية إلى الجمهورية التركية المستقلة, والتي قامت على نمط الدول القومية في أوروبا. وقد أسهمت التغيرات السياسية والثقافية التي تلت ذلك في تكوين هوية جديدة للمجتمع التركي, تميل إلى النمط الغربي.

د. من الدراسة التاريخية لتركيا, يمكن تحديد الأهمية الحضارية لها, على النحو الآتي:

(1) تفككت الدولة السلجوقية, فتكونت السلطنة العثمانية فيها بين القرنين الرابع عشر, والسادس عشر, وأخذت في التوسع حتى سيطرة على الإمبراطورية البيزنطية, وبلغاريا, وصربيا.

(2) عندما دخلت الجيوش الإسلامية الجزيرة العربية ومصر في عهد “السلطان سليم الأول”, تم التنازل عن الخلافة الإسلامية, وانتقالها إلى الدولة العثمانية عام 1518, والتي استمرت حتى عام 1923, عندما ألغاها “مصطفى كمال أتاتورك”. 

سادساً: الأهمية الجيوستراتيجية لتركيا

1. حجم القوات المسلحة التركية وتنظيمها

أ. القوات البرية

يقدر حجم القوت البرية التركية بحوالي (77) ألف جندي عامل, إضافة إلى حوالي (325) ألف جندي مجند. وتتشكل القوات البرية التركية في أربعة جيوش, وحامية “أنقرة”, موزعة كالآتي:

(1) ينفذ الجيش الأول التركي مهامه في القطاع الأوروبي في اتجاه دولتي بلغاريا, واليونان, إضافة إلى تأمين مضيقي “البوسفور والدردنيل”.

(2) ينفذ الجيش الثاني التركي مهامه في منطقة الأناضول، في مواجهة دول إيران, والعراق, وسورية.

(3) ينفذ الجيش الثالث التركي مهامه في المنطقة شمال شرق الأناضول، في اتجاه دولتي أرمينيا, وجورجيا.

(4) ينفذ الجيش الرابع التركي مهامه في اتجاه دولة اليونان لتأمين بحر إيجة, ويدخل الفيلق التركي الموجود  في جزيرة قبرص تحت قيادته.

(5) تتكون حامية “أنقرة” من فرقة مشاه ميكانيكي, وتتبع رئاسة الأركان العامة مباشرة.

ب. القوات البحرية

يقدر حجم القوت البحرية التركية بحوالي (48.600) ألف جندي, منهم حوالي (34.500) ألف جندي مجند. ومن أهم القواعد البحرية التركية: قاعدة سينوب, وقاعدة الإسكندرونة, وقاعدة يومورتاليك.

ج. القوات الجوية

يقدر حجم سلاح الجو التركي بحوالي (60) ألف جندي, منهم حوالي (31.500) ألف جندي مجند. ومن أهم القواعد الجوية التركية: قاعدة إنجرليك, وقاعدة أزمير, وقاعدة أنقرة, وقاعدة سيلفلى, وقاعدة قونيه.

د. القوات شبه العسكرية

(1) قوات حرس الحدود (الجندرما): يقدر عدد أفراد قوات حرس الحدود التركي بحوالي (100) ألف جندي عامل, إضافة إلى حوالي (5000) جندي احتياط.

(2) قوات خفر السواحل: يقدر عدد أفراد قوات خفر السواحل التركي بحوالي (3250) جندي.

2. الأهمية الجيوستراتيجية:

تركز الأهمية الجيوستراتيجية لتركيا على الجانب العسكري, وذلك ارتكازا على الأهمية الإستراتيجية لها في المجال العسكري, والتي يمكن إبرازها في الآتي:

أ. توافر القواعد العسكرية, والتي تحقق انتشار القوات بها وتمركزها.

ب. صلاحية طبيعة المنطقة لإدارة العمليات العسكرية الإستراتيجية, وصلاحية أجوائها لإجراء العمليات الجوية, ومسطحاتها المائية لإدارة أعمال قتال القوات البحرية على مدار العام تقريباً.

ج. السيطرة على مضيقي “البوسفور والدردنيل” البحريين الإستراتيجيين, واللذين يتحكمان في حركة القوات, وفى عمليات الفتح الإستراتيجي/ التعبوي البحري داخل مسارح العمليات, وفى المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية المختلفة.

د. توافر النفط نسبياً, بما يحقق التأمين الإداري بالوقود للقوات المشتركة في الحروب الإقليمية المحدودة في دول الجوار الجغرافي (الأكراد في شمال العراقـ مثلاً).

هـ. توافر عدد مناسب من الموانئ البحرية على امتداد السواحل التركية, والتي يمكن استخدامها كقواعد ونقط إيواء بحرية, واستغلالها في عمليات النقل الإستراتيجي/ التعبوي, وحشد القوات في مسارح العمليات المختلفة .

و. وجود شبكة ضخمة من خطوط المواصلات , والعديد من القواعد الجوية والمطارات , ما يوفر حرية المناورة الإستراتيجية للوصول إلى أي منطقة ذات أهمية إستراتيجية داخل مسرح الحرب/ مسارح العمليات .

سابعاً: أهمية تركيا للقوة العظمى والدول الكبرى

1. الولايات المتحدة الأمريكية

أ. تتقارب ـ إذا جاز التعبير ـ الأهمية الإستراتيجية, والجيوستراتيجية لتركيا مع الاتحاد الأوروبي من منظور الولايات المتحدة الأمريكية, حيث إنهما يمثلان جسراً للإستراتيجية العسكرية الأمريكية العالمية، يتحقق معه تجاوب وتفاعل إستراتيجيتي المحيطين الأطلسي والهندي مع بعضهما.

ب. نتيجة لقناعة الولايات المتحدة الأمريكية بالأهمية الإستراتيجية لتركيا, فإنها توظفها لتحقيق التوجهات الأمريكية العالمية, وذلك على النحو الآتي:

(1) فرض الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط, وخاصة منطقة القوقاز, والمنطقة العربية بوصفها مناطق مصالح إستراتيجية تحقق لها السيطرة على مصادر الطاقة من النفط, والغاز الطبيعي. وفى هذا السياق قسمت أمريكا منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاث دوائر أمنية, وتقع تركيا في الدائرة الأولى منها (دائــرة مناطق المصالح الحيوية الرئيسية, والمناطق الإستراتيجية المهمة), ضمن الدول الحليفة لأمريكا (إسرائيل ـ تركيا).

(2) ضمان حرية الملاحة الآمنة للأسطول الأمريكي عبر الممرات الملاحية الدولية, خاصة عبر مضيقي “البوسفور والدردنيل ” في بحر إيجة.

(3) استغلال موقع تركيا في دعم الحزام الإقليمي الأخضر الأمريكي, والذي يهدف إلى إحاطة جنوب روسيا الاتحادية بطوق من الدول ذات الصبغة الإسلامية لمواجهة امتداد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط, وجنوب أوروبا, وذلك من خلال السيطرة على جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الخمس, ودول جنوب القوقاز الثلاث.

(4) تحقيق الاقتراب الأمريكي من الحدود الدولية للدول الكبرى، سواء المنافسة (روسيا الاتحادية), أو الصاعدة (الصين), من خلال إقامة القواعد العسكرية الضخمة على الأراضي التركية.

(5) تحقيق الوجود العسكري الأمريكي الدائم بأشكاله المختلفة في منطقة الشرق الأوسط (القواعد والتسهيلات العسكرية ـ التخزين الإستراتيجي للمعدات العسكرية … إلخ), وإقامة التحالفات (الائتلافات) العسكرية الأمريكية.

(6) دعم مشروعات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي, والتي أطلقتها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش George W. Bush” (الشرق الأوسط الكبير ـ الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا ـ الشرق الأوسط الجديد) بإعطاء تركيا دوراً محورياً في تلك المشروعات فيما يختص بالجانب السياسي الديموقراطي, تروج فيه تركيا لكل من الديموقراطية, والاعتدال الديني التركي (مفهوم الدولة العلمانية) في دول الشرق الأوسط الكبير[2], وخاصة في الدول العربية والإسلامية, وذلك للارتباط الديني والعقائدي والمذهبي بـين تركيا وتلك الدول.

(7) دعم فكرة السيطرة الأمريكية على قارة آسيا بوصفها بمثابة قلب العالم حالياً، بدلاً عن القارة الأوروبية قديماً.

ج. أعطى موقع تركيا الإستراتيجي، القريب من منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي، ميزة إستراتيجية تسمح للولايات المتحدة الأمريكية ـ بحكم العلاقات الإستراتيجية الأمريكية/ التركية ـ السيطرة على معظم الطرق البرية المباشرة, والمسارات الجوية إلى دول الخليج العربية, وإلى دول الجوار الجغرافي الآسيوية والأفريقية.

د. يمنح موقع تركيا الإستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية, ومن ثم منظمة حلف شمال الأطلسي، العديد من القواعد البحرية والجوية, والتي تعد جزءاً حيوياً من البنية التحتية العسكرية, واللازمة لتحقيق الآتي:

(1) تنفيذ مهام مراقبة التحركات العسكرية في دول الجوار الجغرافي لتركيا.

(2) دعم أي مواجهة عسكرية محتملة بين الغرب والشرق, والتي من المنتظر أن تلعب تركيا دوراً رئيسياً فيها.

2. روسيا الاتحادية

أ. إن روسيا الاتحادية على قناعة تامة بالأهمية الإستراتيجية والجيوستراتيجية لتركيا, وخاصة أنها جزء من الحزام الإقليمي الأخضر الأمريكي.   

ب. يتميز الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتركيا بأنه يطل على البحرين الأسود والمتوسط, ويتحكم في مضيقي “البوسفور والدردنيل”, واللذين يمثلان الطريق البحري الوحيد للأسطول الروسي من البحر الأسود إلى المياه الدافئة في بحار وخلجان منطقة الشرق الأوسط، في إطار المحافظة على قدر من الوجود العسكري الروسي المحدود في المياه الدافئـة لمنطقة الشرق الأوسط.

ثامناً: الأهمية الإستراتيجية المتبادلة بين تركيا وبين القوى الإقليمية الرئيسية

1. إيران

أ. ترتبط جمهورية إيران الإسلامية ارتباطا تاريخياً وثقافياً ودينياً مع تركيا الإسلامية, خاصة وأنهما يتمتعان بثقل جيوبوليتيكى داخل منطقة الشرق الأوسط, مع وجود سياسية مشتركة بين الدولتين.

ب. ترى إيران تركيا بمثابة البوابة البرية لها مع دول القارة الأوروبية, لأن إيران تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية وتجارية قوية مع معظم دول القارة الأوروبية.

ج. تعتمد تركيا بشكل كلى على النفط الإيراني, وتسعى لاستبدال اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي بنظيره الإيراني. 

د. تنامت العلاقات الإيرانية/ التركية مؤخراً, خاصة في مجال التعاون الإستراتيجي الأمني, وذلك نتيجة للآتي:

(1) الهاجس الكردي, ومخاطر حدوث تفتيت للعراق, قد ينجم عنه دولة كردية، من ناحية, والمخاوف من زيادة نفوذ حزب العمال الكردستاني, وتهديد الأمن والاستقرار الداخلي لكلا الدولتين، على الناحية الأخرى.

(2) الدور التركي/ البرازيلي المشترك لحل مشكلة الملف النووي الإيراني (مشكلة اليورانيوم المخصب), وإعلان تركيا حيادها بشأن احتمالات توجيه ضربة عسكرية أمريكية/ إسرائيلية، ضد المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية عبر الأراضي التركية.

هـ. التنافس التركي/ الإيراني حول تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية, وتعظيم دور كل منهما مع الجمهوريات الإسلامية الخمس في وسط آسيا.

2. الصين

أ. تنطلق الصين نحو بناء نهضة اقتصادية كبيرة, وثورة صناعية, وقوة عسكرية نووية. وتعد آسيا, بما فيها تركيا, الشريك الاقتصادي الأول للصين. وتحكم العلاقات الصينية/ الآسيوية عناصر ثلاثة, وهى: التحديث, والقومية, والإقليمية.  

ب. ترى الصين أن تركيا دولة محورية, وذات أهمية إستراتيجية وجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط, لأن تركيا تلعب دوراً رئيسيا في توازنات القوى الإقليمية, والتي تعد الصين نفسها طرفاً فيها, وأنهما قوتان إقليميتان صاعدتان[3]. ويبرز ذلك من خلال الآتي:

(1) ترى الصين أن تركيا بمثابة البوابة التجارية الرئيسية لحركة الاقتصاد الصيني العملاق، إلى دول القـارة الأوروبية.

(2) المنافسة التجارية التركية/ الصينية في السيطرة على أسواق دول منطقة الشرق الأوسط, ودول القارة الإفريقية.

ج. ارتباطا بالسابق, وتأكيداً للأهمية الإستراتيجية التركية, زار رئيس الوزراء الصيني “وين جياباو” في 8 أكتوبر 2010 تركيا زيارة رسمية, ومن خلالها أعلن عن الآتي:

(1) إجراء مناورة جوية مشتركة بين القوات الجوية لجيش التحرير الصيني, وبين القوت الجوية التركية خلال الفترة من 20 سبتمبر 2010 إلى 4 أكتوبر 2010, وهى المرة الأولى التي تشارك فيها القوات المسلحة الصينية في مناورة عسكرية مع دولة عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي على أراضيها. وقد نفذت المناورة المشتركة في قاعدة ” قونيه” الجوية بالأناضول, باستخدام الطائرات طراز “إف – 4” فانتوم التركية, والطائرات طراز “سوخوى – 27” الصينية. وفى هذا الصدد, فإن بعض الخبراء العسكريين يرون أن الصين أصبح لديها القدرة على التمدد خارج حدودها, وأنها تتجه نحو تكوين قوة صينية للتدخل الخارجي.

(2) توقيع عقد شراكة إستراتيجية, وعشر اتفاقيات في كافة المجالات الاقتصادية (التجارة ـ النقل ـ الطاقة ـ الاتصالات), والثقافية. وقد رُفعت قيمة التبادل التجاري بين الدولتين إلى (50) مليار دولار/ سنوياً، بحلول عام 2015, وإلى (100) مليار دولار/ سنوياً بحلول عام 2020.

تاسعاً: الأهمية الإستراتيجية لتركيا من منظور الاتحاد الأوروبي

1. النموذج التركي

يتمحور النموذج التركي حول ثلاث قيم أساسية, وهى: الديموقراطية, والعلمانية, والإسلام. وانطلاقا من ذلك, فإنه يمثل النماذج الآتية:

أ. يمثل نموذجاً للإسلاميين, لمعرفة كيفية التعامل مع الأوضاع داخل دولهم، من خلال نهجي الواقعية والاعتدال.

ب. يمثل نموذجاً للديموقراطية الإسلامية المعتدلة, والذي يتم فيه التناوب على السلطة بين الأحزاب المختلفة, واندماج التيار الإسلامي في العملية الديموقراطية, وهو النموذج الذي تبحث عنه كل من الولايات المتحدة الأمريكية, والاتحاد الأوروبي, ويسعيا معاً إلى تعميمه في منطقة الشرق الأوسط.

ج. يمثل نموذجاً اقتصادياً للتقدم الاقتصادي على الرغم من ضعف الثروات الطبيعية, خاصة الطاقة, والموارد الاقتصادية.

د. يمثل نموذجاً لقدرة الهوية الإسلامية على التكيف, وتقديم القيم الأساسية في المجتمع كالحرية, وحكم القانون, والعدالة, والإصلاح, والشفافية.

2. الأهمية الإستراتيجية

من الدراسة التحليلية للحقائق الجيوبوليتيكية, والديموجرافية لتركيا, يمكن تحديد الأهمية الإستراتيجية لها من منظور الاتحاد الأوروبي, وذلك من خلال تناول العناصر الرئيسية الآتية:

أ. الأهمية السياسية

(1) أعطت الدول الأوروبية أهمية إستراتيجية وأمنية خاصة لتركيا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانيـة, وذلك لعدة أسباب, لعل من أهمها موقعها المجاور لحدود دولة الاتحاد السوفيتي (السابق).

(2) تمثل تركيا جسراً للتحرك السياسي, وللحركة الدبلوماسية للاتحاد ألأوروبي, يعبر منه إلى دول منطقة الشرق الأوسط, وخاصة دول المنطقة العربية, بوصف أن تركيا دولة إسلامية.

ب. الأهمية الاقتصادية

(1) يمثل الموقع الجغرافي لتركيا ملتقى قارتي آسيا وأوروبا عند نقطة التقاء البحرين الأسود والمتوسط؛ الأمر الذي يمنح تركيا عدداً من المميزات الجيوبوليتيكية, والتي يأتي في مقدمتها أنها تمثل معبراً تجارياً بين دول الاتحاد الأوروبي وبين دول مناطق وسط وجنوب شرق آسيا, وخاصة الدولة الإسلامية منها.

(2) تمتلك تركيا ما يؤهلها لأن تكون مركزاً مستقبلياً للطاقة, وممراً آمناً لأنابيب الغاز الطبيعي بين دول آسيا, ودول أوروبا. ويدعم ذلك, قيام روسيا الاتحادية بين الحين والآخر بقطع إمدادات الغاز الطبيعي ـ المارة عبر دولة  أوكرانيا ـ عن أوروبا؛ الأمر الذي يزيد من احتمالات أن تتحول تركيا إلى نقطة عبور للغاز الطبيعي الآسيوي إلى القارة الأوروبية.

(3) امتلاك تركيا لثروة مائية هائلة جاذبة للدول التي تعانى من الفقر المائي (حالياً ـ مستقبلاً)، سواءً داخل القـارة الأوروبية, وخاصة الجزر, أو في منطقة الشرق الأوسط.

(4) تمتلك تركيا قوى بشرية ضخمة؛ الأمر الذي يغرى المستثمرين الأوروبيين ويدفعهم، إما إلى ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد التركي, أو إلى استقدام العمالة التركية إلى دول الاتحاد الأوروبي, وخاصة الدول التي تعانى من ظاهرة التآكل الديموجرافي.

ج. الأهمية العسكرية

(1) تمثل تركيا أهمية عسكرية خاصة لمنظمة حلف شمال الأطلسي, ومن ثم للاتحاد الأوروبي, حيث تقوم بدور أساسي في دعم القواعد العسكرية، الموجودة على الأراضي التركية, والتي تعدها المنظمة جزءاً حيوياً من البنية التحتية العسكرية لها.

(2) تحقق تركيا حالة من التوازن العسكري الإستراتيجي الإقليمي في منطقة الشرق الوسط مع القوة العسكرية الإيرانية المتنامية, وذات الطموحات التي تشكل تهديداً ـ قد يكون غير منظور ـ لدول الاتحاد الأوروبي.

(3) يؤدى قيام تركيا بعمليات عسكرية في شمال دولة العراق ضد حزب العمال الكردستاني، إلى التأثير على التوجه الإستراتيجي, والجيوستراتيجي ليس فقط لدولتي العراق, وإيران, وإنما، أيضاً، لمنظمة حلف شمال الأطلسي, ومن ثم الاتحاد الأوروبي.

د. الأهمية الاجتماعية والثقافية

(1) تمثل تركيا جسراً حضارياً مهماً بين الحضارة الأوروبية وبين الحضارات الأخرى في قارة آسيا, وخاصة الحضارة الإسلامية ـ بوصف أن تركيا دولة إسلامية ـ وأنها تعتبر نقطة التقاء لـ “حوار الحضارات”, وأنه يمكنها أن تلعب دوراً بارزاً في تحقيق التقارب بين أوروبا وبين العالم الإسلامي.

(2) أدى قرب موقع تركيا من حدود روسيا الاتحادية لأن يكون سبباً في التقارب الثقافي المتبادل بين تركيا والغرب, وانفتاح تركيا على الحضارة الغربية, وثقافتها المختلفة.  


[1] المناطق الجغرافية التركية, هي: مرمرة, وإيجة, والبحر الأسود, وشرق الأناضول, ووسط الأناضول, وجنوب شرق الأناضول, والبحر المتوسط.

[2] الشرق الأوسط الكبير هو الامتداد الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط الحالية, لتصبح حدودها من المغرب غربا وحتى اندونيسيا شرقاً, مروراً بكل من جنوب آسيا, وآسيا الوسطى, ومنطقة القوقاز.

[3] لا تصنف الصين نفسها على أنها قوة عظمى, وترى أنه يمكن أن ترتقي إلى هذه المكانة بنهاية الفترة ( 2025 – 2050) لتصبح حينئذ من القوى العالمية الكبرى المنافسة , وأحد أقطاب النظام العالمي, وتتحول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى