من العراق إلى ليبيا وسوريا : الحروب التي تعود لتطاردنا

وفرت سنوات الحرب وعدم الاستقرار في الكثير من بلدان منطقة الشرق الأوسط، أرضا خصبة لمهربي البشر، الذين يتوق زبائنهم إلى مغادرة بلادهم يأسا من بنيته التحتية المدمرة علاوة على نقص فرص العمل وعمليات الابتزاز وضعف المؤسسات السياسية.وعلى الرغم من تشديد الرقابة على الحدود بين الدول التي تعيش حروبا، في الشرق الأوسط، وأوروبا بمساعدة تركيا، وزيادة المقابل المادي الذي يتقاضاه المهربون، لا يزال حماس الكثير من العراقيين والسوريين وغيرهم متقدا للخروج من وطنهم الذي مزقته الحرب. وعلى مر الأعوام، أصبحت تجارة تهريب البشر أكثر احترافية، حيث ينتهي الحال بالمال الذي يتقاضونه من أولئك الناس المتلهفة على الفرار من بلدهم إلى أيدي مجموعات الجريمة المنظمة والخطيرة، وفق تحقيق أجرته وكالة الأنباء الألمانية.

يذكر أن بريطانيا قادت إلى حرب واحدة في ليبيا أطاحت بالقذافي، لكنها كانت كارثية بالنسبة لمعظم الليبيين. وبدون هذا الصراع، لن تغسل أجساد المهاجرين الذين غرقوا إلى أوروبا في مئاتهم على الشواطئ الليبية. للحصول على النكهة الكاملة لما حدث من خطأ، يجدر بنا مشاهدة مقطع يوتيوب من كاميرون على شرفة في بنغازي في 15 سبتمبر 2011، حيث يشيد بحرية ليبيا الجديدة. ثم انتقل إلى ما يقرب من أي فيلم حديث من بنغازي أو طرابلس يظهر الميليشيات تقاتل في الشوارع والمباني التي تحطمها قذيفة

وهناك مشهد آخر يستحق إعادة النظر عبر يوتيوب هو مجلس العموم في 29 اوت 2013، عندما خسر كاميرون التصويت الذي كان سيفتح الباب للتدخل العسكري البريطاني في سوريا. وكان ذلك ردا على استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الحكومة السورية في دمشق، ولكن لم يكن له تأثير إلا إذا تحول إلى حملة جوية من نوع ليبي للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن الحركات من نوع القاعدة كانت ستملأ الفراغ، وسوريا قد تنحدر حتى في عمق الفوضى .

ما يلفت النظر هنا ليس إلى حد كبير أن بريطانيا لم يكن يبدو أن لديها الكثير من الفكرة حول ما يجري في ليبيا أو سوريا على أنها الدرجة التي لم تكن مسؤوليته أبدا قضية. في عهد كاميرون على النقيض من ذلك مع الطريقة التي توني بلير لا يزال حذرا للقرارات التي اتخذها على الذهاب إلى الحرب في العراق في عام 2003. التركيز على القرارات المتخذة في الفترة التي سبقت الغزو أصبح هاجسا الوطني الذي بلير هو كبش فداء ، كما لو أن معظم المؤسسة البريطانية والرأي الشعبي لم يدعموه في ذلك الوقت. ومن المسلم به أن هذا الدعم كان نتيجة جزئية لأدلة مدللة حول أسلحة الدمار الشامل التي لا يملكها صدام حسين، ولكن هناك شيء سخيف من حقيقة أنه يكاد يكون من المستحيل في هذه الأيام مقابلة دبلوماسي أو عمومي لا يدعي أنه كان عميقا إذا بصمت، تعارض المشروع بأكمله في ذلك الوقت

وهناك مشكلة حول هذا الهوس مع أحداث عامي 2002 و 2003 هي أنها أدت إلى فقدان الذاكرة حول ما حدث بعد ذلك في العراق وأفغانستان. وحتى حداد الجنود الذين قتلوا في هاتين الحربيين يعاملهم كما لو كانوا ضحايا كارثة طبيعية، بل إصابات في صراعات كانت نتيجة صنع القرار السياسي. وهذا أمر ملائم للغاية للحكومات المسؤولة، حيث لا يتعين عليها أن تجيب على أسئلة كثيرة جدا عن أهدافها العسكرية ولماذا لم تتمكن من تحقيقها

وكانت الفشل السياسي والعسكري كبير جدا بالنسبة لبريطانيا، حتى ولو كانت لاعبا في الحروب التي اتخذت فيها القرارات الرئيسية الي الجانب الغربي و واشنطن. ربما كان الفشل العسكري البريطاني ضيئلا ، لكنه كان أسوأ من الأمريكيين. انتقل الجيش البريطاني إلى البصرة وجنوب العراق في عام 2003 مع عدد غير كاف من القوات وعدم وجود أي تقدير لقوة المعارضة المحلية. إن البريطانيين تفاخروا بالأمريكيين حول كيف خاضوا حرب العصابات الناجحة في ماليزيا وأيرلندا الشمالية، ولكن في كلتا المنطقتين أيدتهم غالبية السكان. في البصرة لم يكن لديهم حلفاء وكانت النتيجة يمكن التنبؤ بها بما فيه الكفاية. وبحلول عام 2005 كان البريطانيون محصورين إلى حد كبير في مطار البصرة بينما كانت البصرة نفسها تحت سيطرة الميليشيات الشيعية.

وفي هذه اللحظة بالذات، قرر الجيش البريطاني، بدعم من توني بلير والحكومة، أنه قد يكون من الأفضل – وربما أكثر أمانا – إظهار الدعم للسياسة الخارجية الأمريكية في أفغانستان بدلا من العراق. ولسوء الحظ، تقرر إظهار هذا التضامن في مقاطعة هلمند، حيث أدى الوجود العسكري البريطاني إلى حد كبير إلى نشوب حرب مع الأفغان المحليين حيث قتل 453 من الأفراد العسكريين البريطانيين، و 247 من الأطراف بترت، و 40 مليار جنيه استرليني أنفقت دون نهاية معينة. لقد بدا لي دائما أن الكثير من الاهتمام يعطى للقرار بالانضمام إلى غزو العراق في عام 2003، وليس كافيا لمن كان مسؤولا عن السياسات اللاحقة في العراق وأفغانستان التي كانت تقوم على الأوهام التي تخدم المصالح الذاتية، ولا يمكن أن تنتهي إلا في والإحباط والهزيمة.

لقد ابتعدت الحكومات البريطانية عن كوارثها الذاتية عن طريق عدم التفكير فيها كثيرا، وتأمل ألا يفعل أي شخص آخر ذلك. إن التحيز ضد الاعتراف بأن أي شيء قد حدث خطأ قد اتخذ حتى شكل متطرف من عدم تحليل الدروس المستفادة من أخطاء الماضي وتعلمها عن طريق إغلاق أو تهميش مرافق البحوث. ومن السمات الغريبة في تغطية هذه الحروب في الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر عدد الصحفيين البريطانيين وعدد قليل من الدبلوماسيين والجنود الذين غطوا هذه الصراعات لمدة 10 أو 20 عاما. إن إخفاقات النشر على المدى القصير معروف جيدا ولكن لا يبدو أن هناك الكثير مما ينبغي عمله. وفي حرب العراق

حقيقة أن كاميرون عانى من هذا الضرر القليل في فرشه مع حروب الشرق الأوسط في ليبيا وسوريا . صحيح أن الطائرات البريطانية تقوم بضربات ضد الدولة الإسلامية في العراق، إلا أن ذلك يمثل مشاركة رمزية إلى حد كبير، حيث تظهر حصلية الغارات الجوية التي قام بها سلاح الجو الملكي البريطاني في مارس. الضربات قليلة العدد وقد تنطوي على التخلص من مخبأ واحد أو مركبة واحدة. وبالنظر إلى أنذاك تنظيم داعش يغطي مساحة بريطانيا العظمى، وهذا ليس سجلا رائعا

من ضمن الأسئلة التي بدأت تطرح نفسها بقوة في الآونة الأخيرة مع تسارع الأحداث في العراق و سوريا و اليمن وقبلها في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، هو ما إذا كنا بصدد تفكّك حدود دول المنطقة التي تمّ وضعها قبل نحو قرن. ولكن الأزمة في العراق وسوريا تعود في جذورها لزمن ليس قريبا. والجديد فيها أنّه الآن من غير الممكن تغيير مجرى الأحداث التي ستفضي إلى تغيّر جذري في خريطة الشرق الأوسط بالشكل الذي نعرفها الآن.وربما يبدو تركيز العالم منصبا الآن على الانقسامات في العراق بين الشيعة والسنة والأكراد، ولكن نفس “البلقنة” حدثت في ليبيا التي انقسمت واقعيا إلى ثلاث دويلات بحكم الأمر الواقع. وتقريبا في حكم المؤكد أن تكون سوريا هي المقبلة على نفس اللائحة . فقد قسّمت الحرب الأهلية الوحشية الأمة في سوريا إلى أجزاء تسيطر على عدد منها الحكومة والمعارضة المسلحة على أجزاء أخرى. لكن كيف وصلنا إلى هذا؟ للإجابة عن ذلك سيكون أمرا جيدا أن نلقي نظرة على خريطة المنطقة أثناء الإمبراطورية العثمانية. فللحفاظ على السلم والتنوع الرائع في المناطق التي تتبعها، لجأ السلاطين العثمانيون إلى نظام ذكي جدا اسمه النظام “الملي” الذي يلزم تلك المناطق بالولاء للباب العالي ودفع الضرائب مقابل أن تحافظ تلك المناطق على حكم بنفسها وهي التي تمتاز بتنوع أعراقها وطوائفها.ولكن ما انعكاس ذلك على ما نشاهده اليوم؟ أعتقد أن الجواب يجد نفسه مستندا إلى إرث سيكولوجي تجاه “النظام” الذي فرضته القوى الأوروبية على المنطقة قبل قرن. فمنذ تلك “الخيانة الكبرى” تبدو رغبة العالم العربي واضحة في تعريف نفسه بما يعارضه: مثل الصهيونية والاستعمار والسياسة الغربية والامبريالية الثقافية، أكثر منه بما يطمح إليه. وحتى مع استغلال القادة العرب لثقافة التآمر وهذه العقلية في التعامل مع أزماتهم الداخلية وتطويق المعارضين لهم، إلا أنّ الأمر تحول إلى ذهنية داخلية.

الدكتور حكيم غريب

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button