دراسات سياسية

من القسطنطينية الى اسطنبول تركيا توجه طعنة جديدة لروسيا الارثوذكسية

قبل أن نرى مشهد حضور الرئيس الاوكراني يوم 5 يناير 2019 الى مقر بطريركية القسطنطينية باسطنبول لاستلام وثيقة استقلال الكنيسة الاوكرانية من الروسية من بابا القطسطنطينية، كان التمهيد لذلك المشهد فى بداية نوفمبر الماضي، عندما أجتمع كلا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو لمدة ساعة وربع في قصر “مابين بمدينة إسطنبول بعيدًا عن وسائل الإعلام، بعد ان قام بوروشينكو بزيارة إلى بطريركية الروم الأرثوذكس في إسطنبول، وقع على أثرها اتفاقا يفيد بانفصال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وقد جددت بطريركية القسطنطينية للروم الأرثوذكس في إسطنبول يوم الخميس الموافق 11اكتوبر الماضي قرارها المتخذ سابقا والقاضي بمنح كنيسة اوكرانيا الاستقلالية عن الكنيسة الروسية، واعادة البطريرك “فيلاريت دينيسنكو” الى رتبته الكنسية بعد النظر في طعن تقدم به ضد قرار بحرمانه اصدرته الكنيسة الروسية.

فبعد استقلال اوكرانيا عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفياتي اسس فيلاريت (اسقف اوكراني سابق في بطريركية موسكو) كنيسة ارثوذكسية اوكرانية مستقلة عن موسكو واعلن نفسه بطريركا لها، الامر الذي دفع موسكو الى حرمانه من رتبته الكنسية.

وخلال المجمع الذي افتتح الاربعاء 10اكتوبر الماضي، عرض موفدان للقسطنطينية كان قد ارسلا الى اوكرانيا في سبتمبر الماضي نتائج مهمتهما والاتصالات التي اجروها مع الجانب الاوكراني، وكان احد الموفدين المطران الاميركي دانيال، والذى اكد من اوكرانيا في 17سبتمبر ان قرار تأسيس كنيسة ارثوذكسية اوكرانية مستقلة تسعى اليها كييف ويتم الاعتراف بها خارج اوكرانيا، قد اتخذ فعلا رغم المعارضة الشديدة من كنيسة موسكو.

ولم تمر الا دقائق قليلة على قرار القسطنطينية حتى رحب الرئيس الأوكراني أو بالادق رجل الاستخبارات المركزية الامريكية بكييف بترو بوروشنكو بالقرار في تصريح تلفزيوني مباشر، قائلا: “حصلنا على الاستقلال اليوم

فيبدو أن منذ عام 1991 ولم يشعر الاوكرانيين بالاستقلال سوى اليوم!

حتى أنه خرج بورشينكو أمس يطالب برحيل القساوسة والرهبان الروس من بلاده، قائلا: ” ليس لديكم ما تفعلونه هنا، ولا عمل لكنيستكم هنا وليس هناك ما تفعله قواتكم المسلحة، عودوا إلى بيوتكم في روسيا”.

فحقيقة الامر القسطنطينية التى كانت عاصمة الامبراطورية البيزنطية اليوم صارت فى نسختها الاسلامية (اسطنبول) سبب مشاكل روسيا السياسية والدينية أيضا، فلا يخفي على أحد أن قرار التركي برثلماوس الاول بطريرك القسطنطينة هو قرار سياسي بأمتياز.

ويا لمفارقات الزمن فبالامس أخترق الانجلوسكسون مؤسسة الفاتيكان عبر بولندا، ومن الاخيرة ايضا تحرك نحو الاتحاد السوفيتي، ومن خلال اسطنبول حاول اعادة الخلافة ولكن على الطراز الحديث (الاسلام السياسي الجديد المتمثل فى جماعة الاخوان المسلمون)، وهي نفس اسطنبول التى نجحت فى تنفيذ دورها بأخر أيام السوفيتي، واليوم اسطنبول تضرب موسكو بزلزال بعد أن شرعت للانشقاق داخل الكنيسة الارثوذكسية، وهى نفس اسطنبول التى سلمها الانتداب الفرنسي على سوريا عام1939 مدينة انطاكية (الواقعة تحت سيادة لواء الاسكندرونة، وأحد الكراسي الرسولية بجانب الاسكندرية والقسطنطينية وروما)، ومن حينها وهى تحت مسمى ولاية هاتاي التركية الذى تحول منذ عام 2011 لأحد أبرز نقاط التلاقي بين قيادات استخبارات الدول المتأمرة على سوريا، بعد أن كانت نفس تلك الجغرافية مصدر نشر ثقافة وتعاليم المحبة والسلام والعلم للعالم أجمع.

ونفس تلك الدولة التى بات اسمها تركيا حملت أول شقاق فى تاريخ الكنيسة عندما اقر مجمع خلقيدونية (الاناضول) 451م، بعدما ابتعدت الكنائس الشرقية (القبطية، السريانية، الارمينية) عن الشراكة مع الكنيستين البيزنطية والرومانية، فالتاريخ يعيد نفسه وتركيا لا تقوم بشئ على الصعيد الخارجي الا بالدور المرسوم لها، نعم دورها لم يتغير منذ أن جاء لهضبة الاناضول أبناء قبائل الخزر الاوائل، قبل أن يسكن بعضهم الاناضول والباقي يتحول للسبط الثالث عشر ويحتل فلسطين فيما بعد.

ولا يفوتنا أن اردوغان حتى اليوم فى كل مناسبة يؤكد على اوكرانية القرم، وهو من توسط لدى بوتين للافراج عن المعتقلين الاوكرانيين السياسيين وفى مقدمتهم أختم تشيغوز وعلمي عمروف (من قادة تتار القرم)، وينوي بورشينكو تقديم رد الجميل للباب العالي بمشاركة الجيش التركي فى قوة حفظ السلام الاممية في حال صدور قرار بنشرها شرقي أوكرانيا (معقل الانفصاليين الموالين لروسيا).

فادي عيد

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط

fady.world86@gmail.com

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى