دراسات أسيويةنظرية العلاقات الدولية

هل يعمل ترامب على إخراج التنين الصيني من مرقده الأسطوري ؟

النزاع التجاري الدائر الآن على أشده بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ، ماهو إلا وجه من أوجه التنافس بين البلدين و مجالات التنافس في العلاقات الدولية عديدة ومتعددة . وغالبا ما يكون هذا النزاع غطاء لقضايا أخرى خلافية لا يستطيع الطرفان التصريح بها أو التصادم بشأنها مباشرة . فحسب صامويل هنتنجتون من خلال نظريته حول صراع الحضارات أن الغرب ستهدده حضارتي المسلمين والصين . وأعطت هجمات الحادي عشر سبتمبر 2001 المبرر لخطر الحضارة الإسلامية وتأكيد لصحة نظرية صراع الحضارات . وبقي الآن إثبات صحة الجزء الثاني من النظرية وهو خطر الحضارة الصينية . ويبدوا أن إدارة الرئيس الحالي لأمريكا هي العمل على هذا الإتجاه . فالصين بدهائها وفطنتها حاولت منذ نهاية الحرب الباردة دفع التهمة عن نفسها بأنها خطر يتهدد العالم الحر وأن نموها الإقتصادي إنما هو في مصلحة السلام العالمي لذلك عملت على ربط إقتصادها بجميع دول العالم ومنهم أمريكا الذي يصل حجم المبادلات التجارية بينها وبين أمريكا بأكثر من 500 مليار دولار ويميل الفارق لصالح الصين بمقدار حوالي 300 مليار دولار . حاولت الإدارات الأمريكية السابقة تعديل الميزان أو التقليل منه لكنها لم تستطع ذلك ، لذلك كانت حملة الرئيس الأمريكي الحالي الإنتخابية سنة 2016 مرتكزة على عداء الصين و إتهامها بأنها سبب إنهيار الإقتصاد الأمريكي فقد قال في إحدى خطاباته غاضبا أثناء حملته وسط تجمع انتخابي لأنصاره بولاية إنديانا (( لا يمكننا الاستمرار في السماح للصين بإغتصاب بلادنا، وهذا ما يفعلونه”، وذلك تعليقًا على ارتفاع صادرات الصين مقارنة بأمريكا .
والحقيقة أن دونالد ترامب لم يعلن فقط حربا إقتصادية على الصين بل ذهب أبعد من ذلك حين حاول تغيير عرف ديبلوماسي يستند إلى وثيقة شنغهاي التي تعترف بموجبه أمريكا بوحدة الأراضي الصينية . فقد صرح قائلا في مقابلة أجرتها معه قناة فوكس نيوز الاميركية، قال الرئيس الاميركي المنتخب ترامب رداً على سؤال عن اتصاله الهاتفي مع رئيسة تايوان تساي اينغ-وين، “لا اعلم لماذا علينا أن نتقيد بسياسة الصين الواحدة إلا في حال أبرمنا اتفاقاً مع الصين يتعلق بقضايا أخرى، بينها التجارة” يبدوا أن ارئيس الأمريكي الحالي مقتنع جدا إلى ماذهب إليه الخبراء العسكريون والاستراتيجيون الأمريكيون أن السياسية الخارجية التي تمارسها الصين حاليا، ليست سلمية، وتهدف إلى تحقيق الزعامة العالمية لكن بأساليب جديدة. كما أن الراحل دانق قزياوبنغ قال : (…. لا يجب علينا مهما كانت الذريعة أن لا نكون في الطليعة . هذه سياسة وطنية أساسية ، ومع ذلك من المستحيل أن لا نقوم بشيء في الشؤون الدولية ) في حين صرح قيادي صيني قائلا ( وما يضير الصين أن تنبطح قليلا بانتظار فرصتها ) .
إذا فالصراع الدائر حاليا صحيح أن له جوانب إقتصادية بحتة ، ولكن في نفس الوقت هو إستراتيجية أمريكية لتحقيق نبوءة صماويل هنتنجتون القائلة بخطر الحضارة الصينية ، كما لو أن ترامبب يريد إخراج التنين الصيني من المغارة ليعطي بذلك سببا وجيها لمحاربة الصين وكبح جماح تطورها كما حدث مع الحضارة الإسلامية بعد 11 سبتمبر 2001 و بروز مبدأ مكافحة الإرهاب الذي لم يكن إلا غطاء لإخضاع الدول العربية والإسلامية من أجل نهب ثرواتهم وتفتيت وحدتهم تمهيدا لزرع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط وتصبح أمرا واقعا كاتايوان بالنسبة للصين . غير أن الذي يتنساه ترامب هو أن الصين وقادتها إستوعبوا الدرس ثم إن إمكانيات الصين السياسية والعسكرية والثقافية والإقتصادية والمالية كبيرة جدا تفوق في بعض جوانبها أمريكا نفسها ، وحتى على مستوى الحلفاء الإستراتيجيين للصين فإنها تحظى بدعم قوي من جيرانها الأسيويين وروسيا ودول البريكس مما يعطيها فرصة ذهبية للبقاء منافسا قويا للولايات المتحدة وقد تلعب تلك العوامل دورا هاما في إبطاء حدة الهجوم الأمريكي على الصين ، لسنا هنا للتقليل من حجم وقدرات أمريكا التي تتربع على عرش النظام العالمي الحالي ، ولكن من يضمن لها الإستمرار في ريادة إن لم تجار الصين في معدلات نموها وتماسك حلفائها ؟

 

الطالب : نورالدين عفان
ماستر دراسات أمنية وإستراتيحية

جامعة قاصدي مرباح ولاية ورقلة

 

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى