دراسات شرق أوسطية

في إنتظار أسوأ الأسوأ

بقلم العميد: أحمد عيسى

المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

ترك إعلان البيت الأبيض عن خطة ترامب نتنياهو المعروفة بصفقة القرن، الشعب الفلسطيني في مواجهة خيارين إثنين، يدور الأول حول قبول القيادة الفلسطينية ما تعرضه عليهم الصفقة، اي الإستسلام لرؤية نتنياهو الصهيونية لحل الصراع، الأمر الذي يعني رفع الراية البيضاء والتنازل عن الحق التاريخي للفلسطينيين في وطنهم، ويدور الخيار الثاني حول رفض الصفقة ومقاومتها لغايات إسقاطها رغم ما ينطوي عليه الرفض من كلفة باهضة تفوق ربما قدرة الشعب على إحتمالها.

ولمّا كان الخيار الأول غير وارد ومستبعد، وكلفة الثاني مرتفعة جداً، طور الفلسطينيون خياراً ثالثاً، هو خيار (الفرصة الأخيرة)، الأمر الذي يجد تعبيراته في قرار القيادة الفلسطينية الذي أعلن عنه الرئيس عباس في التاسع عشر من مايو/ايار الماضي، والقاضي بتحلل الفلسطينيين من كل الإلتزامات التي رتبتها الإتفاقيات الموقعة مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بما في ذلك الإتفاقيات الأمنية، ويجد تعبيراته كذلك في إعلان إستمرار إلتزام الفلسطينيين بحل الدولتين ومعالجة الصراع من خلال المفاوضات على أساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية برعاية دولية.

وفي ذروة إنهماك الديبلوماسية الفلسطينية لتأمين إجماع عربي ودولي على رفض الصفقة، وعزل واشنطن وتل أبيب ديبلوماسياً وتحميلهم مسؤولية إفشال مساعي تسوية الصراع في المنطقة، جاء إسقاط جامعة الدول العربية يوم الأربعاء الموافق 9/9/2020 للمشروع الفلسطيني القاضي بإدانة أتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ثم جاء توقيع معاهدة أبراهام بين دولتي الإمارات والبحرين مع إسرائيل يوم الثلاثاء الموافق 15/9/2020، لا لتشويش و إضعاف مساعي الفلسطينيين وحسب، بل لهدم جدار الرفض العربي الرسمي للإعتراف بإسرائيل طالما ظلت القضية الفلسطينية بلا حل، وفقاً لنص معاهدة السلام العربية.

وفي ذات السياق جاء الإعلان عن البيان القطري الأمريكي المشترك يوم الجمعة الموافق 18/9/2020، ليهدم ما تبقى من جدار الرفض العربي الرسمي الإعتراف بإسرائيل، وينزع في نفس الوقت حق النقض الفيتو من يد الفلسطينيين على العلاقات الإسرائيلية مع بلدان العالم العربي والإسلامي قبل إستجابة الأولى لحقوقهم في الإستقلال وتقرير المصير، وبالمقابل يفتح الطريق على مصراعيها أمام نتنياهو لتطبيق إستراتيجيته القاضية بتجاوز الفلسطينيين وإقامة علاقات سلام مع الدول العربية والإسلامية، تأسيساً على معادلة إسرائيلية واضحة مفادها “كلما نجحت إسرائيل في إقامة علاقات تعاون وسلام مع الدول العربية والإسلامية، كلما زاد الضغط على الفلسطينيين، الأمر الذي يجبرهم في نهاية المطاف على مراجعة سياساتهم وحساباتهم”.

وعلى ضوء ذلك ترى هذه المقالة أن البيان المشترك قد أتي كخطوة غير منفصلة عن توقيع معاهدة السلام الإماراتية البحرانية مع إسرائيل على الرغم من حالة القطيعة والخلاف بين قطر وكل من الإمارات والبحرين والسعودية، أي أنها خطوة ضمن سلسلة خطوات تهدف إلى حسم صناعة إسرائيل في المنطقة وإنتاج مزيد من الضغط على الفلسطينيين وذلك من خلال تطبيق نظرية الإستراتيجي الفرنسي (أندريه بوفر) والتي عرضها في كتابه (مقدمة للإستراتيجية) العام 1964، القاضية بإبقاء المجتمع في دائرة القلق وعدم اليقين، فيُستنزف وتنهار قواه، ويتعفن من داخله، ويفقد حيويته وقدرته على التجدد، فيستسلم للأمر الواقع.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإدارة الأمريكية كانت قد بدأت بتنفيذ سلسلة الخطوات هذه منذ بداية عهد الرئيس ترامب، حيث كانت القمة الأمريكية العربية الإسلامية التي إنعقدت في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 20/5/2017، والتي دعى فيها الرئيس ترامب لتشكيل تحالف أمريكي عربي إسلامي (إسرائيلي) في المنطقة لمواجهة التهديد الإيراني لأمن وإستقرار الإقليم، ويساعد في نفس الوقت على تحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أول هذه الخطوات، الأمر الذي يعني أن البيان القطري الأمريكي لن يكون الخطوة الأخيرة فيما يخص تنفيذ رؤية ترامب نتنياهو، بل يقيناً سيكون هناك خطوات أخرى قادمة تهدف لدفع الفلسطينيين للزاوية وقبول العودة لطاولة المفاوضات على اساس خطة الرئيس ترامب وفقاً لنص البيان القطري الأمريكي الإستراتيجي.

وكان البيان المشترك قد تضمن ثلات محددات تخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يدور أولها حول معالجة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، الأمر الذي لا يخلُ من دلالة، ويحدد الثاني المفاوضات كوسيلة وحيدة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويضع الثالث رؤية الرئيس ترامب المعروفة بصفقة القرن مرجعية لهذه المفاوضات، الأمر الذي ينهي خيار الفرصة الأخيرة الذي راهن الفلسطينيون على نجاحه، ويضعهم مرة أخرى أمام خياري الإستسلام أو الرفض والمقاومة.

وفي هذا الشأن سارع البعض من الفلسطينيين للإستنتاج بالقول أن قيادة حركتي فتح وحماس كبرى مكونات النظام السياسي الفلسطيني راحا يبحثان عن رؤية تتقاطع مع خطة ترامب، أكثر من بحثهما في تطوير مخرجات لقاء رام الله بيروت التي أكدت على رفض الخطة و مقاومة الضم والتطبيع، وقد إستند هذا البعض في إستنتاجه هذا على إمتناع قيادة الحركتين عن مهاجمة البيان المشترك رغم ما تضمنه من محددات تهدم مخرجات لقاء الأمناء العامين، بل راح البعض لا سيما قيادة حركة حماس وبرر في خطابه ضمناً سلوك قطر، فضلاً عن تركيز خطاب الحركتين مؤخراً على مهاجمة التطبيع أكثر من مهاجمته لخطة ترامب.

من جهتها تجادل هذه المقالة أن ما ذهب إليه البعض من إستنتاج رغم مشروعيته ينطوي على تسرع وإستباق لتطور الأحداث، وترى بالمقابل أن الخيار الوحيد أمام القيادة الفلسطينية لتأكيد شرعيتها الوطنية سواء القيادة الحالية، أم تلك التي قد تأتي عبر صناديق الإقتراع إذا ما تمت الإنتخابات، هو رفض خطة ترامب ومقاومتها، الأمر الذي ترى هذه المقالة أن القيادة الفلسطينية راحت تعد وتهيئ الشعب الفلسطيني له، ما يعني أن الشعب الفلسطيني بإنتظار أسوأ الأسوأ حتى لو رحل ترامب عن البيت الأبيض وحل محله بايدن.

كما تجادل هذه المقالة أنه على الرغم مما تقوم به القيادة الفلسطينية في رفض ومواجهة خطة ترامب، إلا أنها لا زالت لم توفر إجابات بسيطة وسريعة ومقنعة على كثير من التساؤلات التي لا زالت تقلق الشعب وتؤرقه، لعل أهمها يدور حول القيادة نفسها، إذ يطمح الشعب أن يلتف في تقدمه نحو مستقبل أفضل حول قيادة يؤمن بإحساسه قبل وعيه أنها لن تخذله أو تقوده للمجهول، وأنها ستتقدم الصفوف للتضحية لا للتكسب والثراء.

يقوم التفكير الإستراتيجي الذي يسبق التخطيط الإستراتيجي على عدة ركائز، يقع في القلب منها إفتراض أسوأ الأسوء، الأمر الذي يتطلب إطلاق العنان للتفكر والتأمل أو ما يطلق عليه بقوة الخيال

(The Power of Illusion)،

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى