إن النظام السياسي في محاولته امتلاك زمام الأمور والقدرة على مواجهة تحديات الحكم، تختلف قدرته وكفاءته اختلافا كبيرا بين حالة يكون فيها أفراده مؤيدين له أو ضده، سواء كانوا ضده بالاعتراض والرفض والمقاومة أو بالسلبية والإهمال، وتعكس هذه الوضعية طبيعة العلاقة السائدة بين النظام السياسي والمجتمع، كما تعبر عن مستوى التوافق الموجود بين مدخلات النظام من مطالب مجتمعية، وبين مخرجاته من قرارات سياسية.
تنبثق العلاقة المذكورة من طبيعة النظام السياسي وأساس بناء السلطة فيه وكيفية تداولهاء ومدى تأسيس الصراع عليها، وتظهر هذه الظاهرة بجلاء في أنظمة ما يعرف بالعالم الثالث الذي تعد معظم الدول المكونة له حديثة الاستقلال السياسي، أو الدخول في مراحل انتقالية تغيب فيها كل الممارسات الدستورية القانونية، لتعوض بقوانين استثنائية مؤقتة.
لقد مثلت مسالة الشرعية مشكلة الحكم المركزية في النظام السياسي الجزائري منذ الاستقلال، وعرفت مسالة تولي السلطة وكيفية انتقالها أهمية كبيرة، نظرا للظروف الغامضة والصعبة التي مر بها، وبذلك أصبحت مسألة السلطة أهم محور تدور حوله مختلف العمليات السياسية فيه، جعلت من هذه المسألة غاية ووسيلة في نفس الوقت لكل الفعاليات السياسية.
قد تتعدد القراءات لأسباب هذه الأزمة، وقد تصل إلى درجة الاختلاف الذي يبرر وجود تعددية سياسية، لكن يجمع الكثيرون على أن أزمة الشرعية هي أم الأزمات، وأنها تمثل مفصلا رئيسيا في الإشكالية الجزائرية التي تلحق بالمؤسسات السياسية، وبشاغلي الأدوار في هذه المؤسسات وبالسياسات التي يضعونها، غير أنها تبلغ ذروتها عندما يرفض الشعب باعتباره مصدرا لكل السلطات تقبل المؤسسات الرسمية، الأمر الذي يؤدي إلى أن تبلغ التناقضات مستوى يفوق قدرة مؤسسات النظام القائم على ضبطها ومعالجتها.
فالتعارض الأساسي الذي يميز الواقع السياسي الجزائري هو التعارض بين السلطة والمواطن، وبين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، أي ضعف العلاقة بين المجتمع وسلطته ونظامه السياسي، مما يترتب عليه توغل السلطة في ممارسة القوة والعنف من أجل ضمان استمرارها، وحفاظا على وجودها وبقائها في الحكم.