دراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

أزمة اللاجئين السوريين تهدد الاستقرار في الشرق الأوسط

 بينما يتركز انتباه العالم على عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين المتدافعين إلى أوروبا، تتكشف أزمة ربما تكون أشد عمقاً في بلدان الشرق الأوسط التي تحملت العبء الأكبر في فشل العالم في حل الازمة السورية.

يمثل أولئك الذين وصلوا إلى أوروبا نسبة ضئيلة من الأربعة مليون سوري من الذين فروا إلى لبنان والأردن وتركيا والعراق، مما يجعل سوريا أكبر مصدر للاجئين في العالم، وواحداً من أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية منذ أكثر من أربعة عقود.

بينما يستمر القتال في عامه السابع ، تظهر الحقيقة لوكالات المعونة والدول المضيفة للاجئين وللسوريين أنفسهم أن معظمه لن يرجعوا للديار (لسوريا) في الوقت القريب، ومواجهة المجتمع الدولي لأزمة طويلة المدى، وأن المجتمع الدولي غير مهيأة لمعالجتها، والتي يمكن أن تزعزع الاستقرار بشكل عميق في المنطقة والعالم بأسره.مهات يحملن أطفالاً ينمنَ عند دوائر المرور، وتحت الجسور، في الحدائق والمداخل من المحلات التجارية.

تقطن الأسر في الأراضي الزراعية في أكواخ مصنوعة من الأغطية البلاستيكية وألواح من الخشب، وقد لا تحيون مظاهر الحياة المعاصرة ولوحات الإعلانات التي تعرض المطاعم ، والأفلام، والشقق وقد زاد خطر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط مع استمرار اللاجئين السوريين في الفرار إلى البلدان المجاورة من أجل الهروب من الحرب الأهلية في الداخل. وتعاني هذه البلدان من ضغوط اقتصادية و سياسية  بسبب تدفق اللاجئين الواسع النطاق الذي زاد بشكل كبير من حجم سكانها و ضغط على مواردها.إن الدول المجاورة لسوريا تصل إلى لحدودها. وقد لا يعود بمقدورهم أن يستوعبوا تدفق اللاجئين، بعد أن تعرضوا بالفعل لخطرالعنف السياسي والتدهور الاقتصادي. وهناك حاجة عاجلة للمساعدة الدولية – ليس فقط للاجئين الهاربين من العنف بل أيضا للبلدان المضيفة التي تحميهم.

في حين أن وجود تنظيم داعش ، وغيرها من الفواعل الاقليمية في الصراع السوري – بما في ذلك زيادة العنف الطائفي والتطرف – قد غيبت غملية الاستقرار في المنطقة، فإن أزمة اللاجئين ربما هي الحل الأكثر قابلية للتحقيق . وإذا كان المانحون الدوليون يساهمون بأموال في القضية، فسيتم التخفيف من حدة الكثير من الصراعات الاقتصادية والسياسية. وقد دعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تقديم مساعدة قدرها 3.74 بليون دولار هذا العام. غير أن المانحين لم يسهموا حتى الآن إلا بنسبة 30 في المائة من هذا الهدف. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن نقص الأموال سيؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك التهديدات الأمنية الإقليمية الخطيرةمأساة اللاجئين السوريين تتفاقم والمجتمع الدولي يخلف بوعوده إذَا مَا ضَاقَ صَدْرُكَ مِنْ بِلَادٍ. تَرَحَّلْ طَالِبًا أَرْضًا سِوَاهَا.

هذا هو حال السوريين في ظل الاوضاع المأسوية التي يعانيها بلدهم ما يضطرهم الى ترك اراضيهم وارزاقهم طلبا للامان في بلاد اخرى،بيد ان هذا الامر لا يخلو من مخاطر واهوال يتعرض لها هؤلاء اثناء اللجوء تنتهي احيانا بنتائج كارثية تودي بحياتهم وتكلف أزمة اللاجئين السوريين الاقتصاد الأردني المنهك أصلا نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا لا تغطي المساعدات الدولية المخصصة لهذا الشأن سوى ربعها فيما تشهد مختلف القطاعات التنموية والخدمية أزمة عاصفة بفعل وجود اللاجئين.

ضغط على المستشفيات والمراكز الصحية، اكتظاظ بالمدارس، فوضى في سوق العمل، اختلالات ثقافية واجتماعية، ضغط على الموارد كالماء والكهرباء وغيرها الكثير من الآثار والتبعات التي يتحملها الأردن دون أن يكون لكل ذلك أثر واضح في استجابة المجتمع الدولي.أزمة الهجرة الى أوروبا تكشف عن خلل جوهري، ونفاق شديد في التعاطي مع الأزمات الدولية، فالتنظير الأخلاقي كبير طالما أن الأزمة بعيدة عن حدود الدول الغنية لكن الانقلاب على المثل والأخلاق يصبح سريعا وكبيرا مع تتابع تدفق اللاجئين وتصبح مأساة السوريين أنهم جاؤوا إلى أوروبا، وليس أنهم يعيشون منذ خمس سنين حربا طاحنة تحت عين العالم وناظريه. وقد يكون المجتمع الدولي اليوم أكثر استعدادا لاتخاذ خطوات تقطع وتيرة السلبية التي غلفت تعامله مع الأزمة السورية، دفاعا عن أوروبا ومنعا لتسرب المزيد من اللاجئين إليها، وليس حبا في سوريا والسوريين الذين كانت سلبية المجتمع الدولي عاملاً أساسياً من العوامل التي أوصلتهم إلى ما هم فيه. الإنسان السوري بين نارين، والنزوح هو المخرج الاضطراري رغم تبعاته الكارثية لذلك يعيش اليوم نصف الشعب السوري خارج مساكنه وقراه ومدنه إما لاجئا في الخارج وإما نازحا الى مناطق أخرى من بلده. ومأساة السوريين لم تبدأ حينما وصلوا إلى شواطئ أوروبا بل عندما اضطر الملايين منهم لترك منازلهم ليجدوا أنفسهم مع أسرهم في خيم لا تمنع برداً و لا تقي من حر، ولا تتوفر فيها سوى أدنى متطلبات العيش الإنساني ولعل هذه الخيام على ما فيها من بؤس تبدو نعيما للعالقين في مناطق الاقتتال المتطلعين شوقا إلى بقعة أرض ينامون فوقها دون خوف ولا هلع الصراع في سورية ما زال مفتوحاً على مختلف الاحتمالات، وأعداد اللاجئين في تصاعد مستمر رغم سائر القيود والصعوبات التي تواجه من يُرغم على اتخاذ القرار بترك داره ولن يكون هناك حل نهائي من دون إحلال السلام، الأمر الذي يبدو بعيد المنال.

والسؤال الذي يطرح نفسه هذه اللحظة: هل المجتمع الدولي جاهز لمساعدة اللاجئين السوريين، وتخفيف الضغط عن دول الجوار، لأن سلبية المجتمع الدولي، ووحشية الحرب في سوريا ستدفعان بالمزيد من المهاجرين واللاجئين نحو أصقاع الأرض المختلفة.

ما تواجهه دول أوروبا لن يتوقف عندها وقريبا ستجد دول مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة نفسها أمام تحد إنساني في استيعاب حصتها من اللاجئين وهو ما يؤكد ما ذهب اليه الأردن منذ اندلاع الأزمة السورية عندما حذر مرارا بأن العولمة لم تشمل الرأسمال وحده، وأن ما يجري في سورية لن يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة وحدها، بل يهدد الأمن العالمي بأسره.

التشنج غير المسبوق في المجتمعات الغربية تجاه الإسلام والمسلمين، هو وجه آخر للنفاق الدولي الذي يفتح الباب واسعا للحركات اليمينية المتطرفة والعنصرية وهو ما يفسر الدعوات الى إغلاق الأبواب بوجه اللاجئين ويفسر ما حققته الأحزاب السياسية المناهضة للهجرة من نجاحات في بلدان مثل فرنسا والمملكة المتحدة

وبغض النظر عن الظروف التي تجابه اللاجئين في طريقهم نحو أوروبا أو عند وصولهم إليها فإن ملايين اليائسين الذين يعيشون في مناطق الحروب والدول الفاشلة لن يجدوا خيارا غير السعي إلى طلب اللجوء في البلدان الغنية، مهما كانت المخاطر.

ومن المؤكد أن وصول ركاب القوارب اليائسين إلى شواطئ أوروبا نتيجة طبيعية لفشل البلدان الغنية والمجتمع الدولي في توفير متطلبات العيش الكريم الآمن لأولئك اللاجئين في بلدان الجوار التي لجأوا اليها فقد باتت أزمة اللاجئين في الأساس تحدياً جهازياً، لأن التطورات في أي بلد من الممكن أن تؤثر على العديد من البلدان الأخرى. وعلى هذا، فإن الأزمة تتطلب استجابة على مستوى الدولي واستجابة عالمية في واقع الأمر.

الدكتور حكيم غريب

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى