دراسات اقتصادية

أسباب وتداعيات الخلاف التجاري بين الصين وأستراليا

اشتعل الخلاف بين الصين وأستراليا خلال الأيام القليلة الماضية إلى الحد الذي وصل إلى تقديم شكاوى أمام منظمة التجارة العالمية، حيث تبادل الجانبان الاتهامات بشأن تأثير الرسوم الجمركية وإجراءات مكافحة الإغراق المُتَّخذة من قبل الدولتين على المنتجين والصناعات المحلية.

وتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين تدهورًا حادًا منذ حوالي عام بسبب تصريحات أسترالية حول أهمية إجراء تحقيقات بشأن مصدر وباء كورونا الذي ظهر في الصين بحلول أواخر عام 2019، وهو ما اعتبرته بكين هجومًا مباشرًا عليها، لتبدأ بعدها سلسلة من الخلافات تراوحت بين الانسحاب من بعض الاتفاقيات والمحادثات الثنائية، وفرض رسوم جمركية على صادرات حيوية وهامة للاقتصاد الوطني.

جذور الخلاف التجاري

بدأت الخلافات بين الدولتين قبل انتشار فيروس كورونا بسبب إقصاء أستراليا مجموعة “هواوي” الصينية من مشروع مد شبكة إنترنت الجيل الخامس “5G” في ظل المخاوف المتعلقة بالأمن القومي، كما انتقدت سياسة القمع التي تتبعها الصين ضد المعارضة المطالبة بالديمقراطية في هونج كونج.

ولكن تصاعدت التوترات عقب تأييد أستراليا فتح تحقيق عالمي في منشأ فيروس كورونا، مما أثار غضب بكين التي نددت بالدوافع السياسية خلف هذا الطلب، ولذا طالبت مواطنيها بمقاطعة المنتجات والخدمات الأسترالية، خاصة تلك السياحية والتعليمية.

وفور إطلاق التصريحات الأسترالية، قررت الصين في مايو 2020 التوقف عن استقبال لحوم البقر من أربعة مسالخ أسترالية كبيرة لتسببها في حدوث مشاكل صحية، لتفرض بعدها بعدة أيام رسوم مكافحة إغراق تبلغ حوالي 80.5% على واردات الشعير الأسترالي لمدة خمس سنوات. وبحلول أغسطس من العام نفسه، أطلقت بكين تحقيقات لمكافحة الإغراق ومكافحة الإعانات المالية لبعض أنواع النبيذ الأسترالي أسفرت عن فرض رسوم تتراوح بين حوالي 107% إلى 212% على واردات النبيذ المعبأة، في حين أنها أمرت مصانع القطن في أكتوبر الماضي بالتوقف عن شراء الإمدادات الأسترالية، مهددة بفرض تعريفات جمركية بنسبة 40% في حال عدم الالتزام بهذا القرار. وفي الوقت نفسه، خفّضت الصين وارداتها من النحاس الأسترالي إلى أكثر من النصف، كما أنها حظرت الأخشاب الأسترالية بعد اكتشاف آفات في الواردات من ولاية فيكتوريا. وعلاوة على ذلك، أمر مسؤولو الحكومة الصينية مصانع الصلب ومحطات بوقف استيراد الفحم الأسترالي. وبعد فترة وجيزة من تلك التعليمات، أعلنت شركة التعدين الأسترالية “بي إتش بي” أن العديد من عملائها الصينيين قاموا بتأجيل طلبياتهم.

وبناء على جميع الإجراءات السابقة، اتخذت أستراليا في نوفمبر 2020 قرارًا بتعليق محادثات تقودها شركة “وود سايد بتروليوم” الأسترالية لبيع حصص في حقل غاز ومشروع غاز طبيعي مسال لشركات صينية، كما أنها أوقفت شحنات سرطان البحر الصخري إلى أكبر سوق في الصين.

كما أعلنت البلاد في أوائل مايو أنها تعيد النظر في اتفاقية مثيرة للجدل مع شركة صينية لاستئجار ميناء “داروين” لمدة 99 عامًا، كما كشفت النقاب عن فسخ عقد وقّعته ولاية فيكتوريا بجنوب شرق البلاد للانضمام إلى مشروع “طرق الحرير الجديدة”، ولهذا علقت بكين محادثاتها الاقتصادية مع كانبرا، واصفة خطواتها الأخيرة بـ”الاستفزازية”.

وقد استمرت الخلافات في التصاعد حتى وصلت إلى منظمة التجارة العالمية؛ إذ تقدمت الحكومة الأسترالية في التاسع عشر من يونيو بشكوى رسمية ضد الصين إلى المنظمة بشأن الرسوم الجمركية التي فرضتها بكين على النبيذ الأسترالي، لترد عليها الصين في الخامس والعشرين من يونيو مُعلنة أنها تباشر إجراءات في منظمة التجارة العالمية ضد تدابير مكافحة إغراق الأسواق التي اتخذتها أستراليا بحق صادراتها من توربينات الرياح وإطارات القطارات والأحواض المعدنية.

تطوّر العلاقات الثنائية بين الصين وأستراليا

تمثل الصين وجهة مهمة للصادرات الأسترالية؛ إذ تُعتبر كانبرا من الدول القليلة التي تحقق فائضًا تجاريًا مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتُقدر وزارة الزراعة الأسترالية أن 65% من الصادرات الزراعية تتجه إلى الأسواق الصينية، كما تذهب نصف صادرات المنتجات البحرية الأسترالية (البالغ قيمتها 1.4 مليار دولار) إلى الأسواق الصينية.

كما تمثل الصادرات الأسترالية إلى الصين نحو 34.21% من إجمالي الصادرات خلال عام 2019، في حين تبلغ نسبة الواردات الأسترالية من الصين نسبة 19.49% من إجمالي الواردات خلال العام نفسه. ويشكل خام الحديد والغاز والفحم الجزء الأكبر من صادرات السلع الأسترالية للصين، بالإضافة إلى الخدمات السياحية والتعليمية. وفيما يلي عرض للعلاقات التجارية بين البلدين:

الشكل (1): صادرات السلع الأسترالية للصين 2000-2020
(مليار دولار أسترالي)

Source: Department of foreign affairs and trade.

يتبين من الشكل السابق ارتفاع صادرات أستراليا إلى الصين بوتيرة سريعة ومستمرة؛ إذ قفزت لنحو 25.77% خلال عام 2019 مسجلة 149.23 مليار دولار أسترالي مقارنة مع 118.65 مليار دولار أسترالي خلال 2018، ولكنها انخفضت بحلول العام الماضي بحوالي 1.95% إلى 146.31 مليار دولار أسترالي. أما عن الواردات الأسترالية:

الشكل (2): واردات السلع الأسترالية من الصين 2000-2020 (مليار دولار أسترالي)

Source: Department of foreign affairs and trade.

وعلى عكس الصادرات، شهدت الواردات الأسترالية ارتفاعًا خلال 2020 بنحو 6.39% على أساس سنوي إلى 84.57 مليار دولار أسترالي مقارنة مع 79.49 مليار دولار أسترالي خلال 2019.

تداعيات النزاع التجاري

تضرّرت بعض القطاعات والصناعات الأسترالية المستهدفة من قبل الحكومة الصينية، كالنحاس والفحم والنبيذ، وقد اضطر المصدرون إلى التخلي عن أكبر أسواقهم والبحث عن عملاء في دول أخرى، وفيما يلي عرضٌ للصادرات الأسترالية المتضررة خلال 2020:

Source: global administration of customs people’s republic of China (GACC).

يتضح من الشكل السابق انخفاض الصادرات الأسترالية إلى الصين من منتجات الفحم بنحو 15.6% على أساس سنوي، وكذلك صادرات الشعير بحوالي 45.16%، وصادرات النبيذ بنسبة 17.11%، والأخشاب بنحو 20.7%. وأخيرًا، هبطت صادرات القطن بحوالي 72.4% بين عامي 2019 و2020.

وعلاوة على ذلك، تُقدر خسائر قطاع الحبوب الأسترالية بعد فرض رسوم تُقدر بنحو 80.5% على الشعير بحوالي 500 مليون دولار سنويًا، كما عانى القطن الأسترالي من تشديد الإجراءات الجمركية في الصين، حيث أصبحت الشركات الصينية حذرة بشأن استيراد القطن الأسترالي بسبب توتر العلاقات وارتفاع الطلب على القطن المنتج محليًا.

وأخيرًا، أظهرت البيانات الصادرة عن جمعية القطن الصينية أن واردات البلاد من أستراليا تتراجع منذ عام 2019، لتبلغ أسرع وتيرة انخفاض خلال عام 2020، حيث استوردت الصين 40.170 ألف طن من القطن الأسترالي خلال العام الماضي بنسبة انخفاض تبلغ 68% على أساس سنوي. واستمر هذا الوضع خلال عام 2021، حيث انخفضت واردات بكين من القطن الأسترالي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام بنحو 68.4% مسجلة 12.706 ألف طن.

وفي الختام، ينبغي القول إن العلاقات الثنائية بين الصين وأستراليا تقف أمام سيناريوهين؛ الأول: تصاعد التوترات وفرض المزيد من الرسوم الجمركية على واردات كلٍّ منهما، الثاني: تهدئة وتيرة النزاع حتى لا تخسر الصين جميع شركائها التجاريين، ولا سيما في ظل إيقاف الاتفاق الاستثماري مع الاتحاد الأوروبي.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى