أخبار ومعلومات

“أطفال القمر” مرضى يحلمون بمعانقة الشمس

إيمان فراوسي

أطفال القمر، أبناء القمر، جيران القمر، القمريون، كلها ألقاب تطلق على الأشخاص المصابين بمرض جفاف الجلد المصطبغ، وهو مرض جلدي وراثي غير معد يُلزم المصاب به تجنب أشعة الشمس والاكتفاء بضوء القمر، وتعاني هذه الفئة في الجزائر الأمرين بسبب غياب التكفل سواء من حيث العلاج أو معدات الحماية.

يحتاج القمريون في يومياتهم مجموعة من الكريمات والمراهم، بالإضافة إلى ألبسة واقية وأقنعة تقيهم ضوء الشمس وتوفر لهم الحماية، كل هذا في الحقيقة أمور بسيطة ومن السهل توفيرها، خصوصا وأن عددهم في الجزائر قليل، لكن انعدام التكفل من قبل الحكومة والجهات الرسمية عمق معاناتهم، فعدا تحركات بعض الجمعيات وحملات الإغاثة التي تنظم هنا وهناك، يجد أطفال القمر صعوبة حقيقية في التعايش مع المرض ووقاية أنفسهم من خطر الضوء الذي ينهش جلدهم ويسبب لهم مضاعفات يمكن أن تتحول من مجرد تمزقات وحروق إلى سرطان للجلد.

مطالب بتصنيف الكازينوديرما ضمن الأمراض المزمنة

يواجه المصابون بهذا الداء مشكل ارتفاع سعر الكريمات والمراهم الجلدية التي يستعملونها يوميا لترطيب بشرتهم وحمايتها من التسلخات والتمزقات، حيث يتراوح سعر الأنبوب ما بين 3 آلاف إلى 6 آلاف دينار جزائري، وهو مبلغ يحرم محدودي الدخل من اقتنائها، خاصة وأنها غير مصنفة مع الأدوية القابلة للتعويض من الضمان الاجتماعي، بل تعتبر كمواد تجميل، نظرا لعدم إدراج هذا الداء ضمن قائمة الأمراض المزمنة، وهو ما عمق معاناة المصابين به ودفعهم للجوء إلى الجمعيات من أجل الحصول على الأدوية والألبسة والنظارات وغيرها من المستلزمات.

ذات الشأن اشتكى منه بلعمري محمد والد الطفل “إسلام” وهو من أطفال القمر قائلا: “سعر المراهم غال جدا وهو غير قابل للتعويض من الضمان الاجتماعي، دخلي محدود وبالكاد أستطيع تلبية متطلبات مرض إسلام الغالية، أحاول توفير بعض الأمور البسيطة حتى لا أحسسه بثقل الحمل، الله غالب الدولة لا توفر أي دعم أو تكفل لهذه الفئة، الجمعيات وحدها تحاول توفير الأدوية والألبسة الخاصة، لكن ذلك يبقى غير كاف مع التزايد المستمر لعدد المصابين بالداء، لذلك نطلب من الوزارة الصحة التكفل بهم وإدراجهم ضمن الأمراض المزمنة وتعويض مستلزماتهم 100 بالمائة.

حلم التمدرس…هل هو مستحيل؟

يعيش أطفال القمر على حلم الجلوس في مقعد الدراسة وتعلم الكتابة والقراءة كأقرانهم، إلا أن ذلك مستحيل بالنظر إلى انعدام أقسام خاصة بهم تخضع لشروط ومعايير تحميهم من ضوء الشمس وحتى الضوء الاصطناعي والحرارة والبرودة. فطبيعة مرضهم تجعلهم حساسين لكافة العوامل الخارجية، وبالتالي، فإن تعرضهم لأي ضوء يمكن أن يتسبب لهم في كارثة، يواصل السيد بلعمري حديثه عن معاناة ابنه قائلا: “عندما بلغ ابني سن التمدرس قدمت ملفا من أجل الحصول على ترخيص لإلحاقه بالمدرسة مثله مثل أترابه، قضيت ثلاثة أشهر متتالية وأنا أركض بين المصالح حتى تم قبوله.

يومه الأول كان صعبا جدا خاصة بالبدلة الفضائية كما يسميها، تحركاته كانت ثقيلة جدا وصعبة حتى أنه لم يستطع التنفس جيدا، في اليوم الثاني قمت بإلصاق أوراق خاصة مضادة للأشعة فوق البنفسجية على جميع نوافذ القسم، كما ترجيت الأستاذة بأن تتحمل ذلك وتعتني بإسلام، في بداية الأمر وافقتني لكن سرعان ما أبدت انزعاجها من الظلام الذي يعم القاعة طيلة اليوم، هذا دون الحديث عن كمية التنمر التي يتعرض لها يوميا من قبل زملائه، ما دفعه لترك الدراسة والانعزال في المنزل.

“صانعو السعادة” مشروع جمع أغطية البلاستيك لرسم السعادة

في سنة 2019 قام منير بوديسة، مؤسس مجموعة جامعي السعادة، بإطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع الأغطية البلاستيكية لصالح أطفال القمر، بعد اطلاعه على حجم المعاناة التي تتكبدها هذه الشريحة مع انعدام التغطية الاجتماعية والتكفل الصحي والنفسي بهم.

ويقول محدثنا أن الجمعية تسهر على جمع الأغطية البلاستيكية عبر مختلف ولايات الوطن، لبيعها إلى مؤسسة الرسكلة لتقتني بعائداتها احتياجات أطفال القمر من ألبسة ونظارات ومراهم وغيرها، هذه المبادرة التي لاقت رواجا وقبولا من طرف كل شرائح المجتمع، وكللت بهبة تضامنية واسعة لمساعدة هذه الفئة التي كانت إلى وقت قريب مجهولة وتعاني في صمت.

وأضاف بوديسة أنه تم جمع ما يقارب 65 طنا من الأغطية البلاستيكية بمجهودات المتطوعين الخاصة دون أي دعم من أي جهة كانت، وبعد مدة من إطلاق المبادرة والعمل الميداني، تحولت حملة جمع الأغطية البلاستيكية إلى مشروع بأهداف مسطرة تحت اسم جامعي السعادة، فبالإضافة إلى جمع الأغطية البلاستيكية لمساعدة أطفال القمر، يقوم جامعو السعادة بحملات تحسيسية وقوافل إنسانية وخرجات إلى المستشفيات لمساعدة الأطفال المرضى وتقديم مساعدات طبية وتوفير الأدوية وأعمال أخرى.

مشروع جامعي السعادة هدفه الأساسي مساعدة الأطفال المرضى بصفة عامة والمصابين بأمراض نادرة وأطفال القمر بصفة خاصة، بالإضافة إلى أهداف أخرى، والجميل في هذا المشروع ليس كمية الأغطية البلاستيكية المجموعة ولا عائداتها، فالغطاء البلاستيكي ما هو إلا وسيلة للوصول إلى غاية، أهم شيء في هذا المشروع هو تلك البصمة التي تتركها خلفك بعد حملة توعية وتحسيس وتعريف بمرض نادر ومعاناة فئة معينة، وما تتركه أيضا من أثر إيجابي في قلب وعقل الطفل الذي تربي فيه حب عمل الخير والتطوع، ثم تذكره بنعمة الصحة وتعلمه الحفاظ على بيئته وتجعل منه جامعا للسعادة.

“المهق ليس له علاج والتعايش معه هو الحل”

يقول الدكتور عبد الرحمان محمدي، المختص في الأمراض الجلدية، أن أطفال القمر تسمية تُطلق على الأطفال المصابين بما يسمى بالـمهق (L’albinisme) وهو مجموعة من الاضطرابات الوراثية “النادرة” التي تخص الخلايا الصباغية  الموجودة، وتؤدي إلى عدم إنتاج الميلانين أو ما يعرف بالمادة الصبغية البروتينية التي تُفرزها الخلايا الصبغية، وتكون في جلد الإنسان وكذلك في بصيلات الشعر وغيرها وانخفاض نسبة إنتاجها ​​بشكل كبير. ويصيب المهق الأشخاص من جميع الأجناس وفي جميع أنحاء العالم، في الجزائر هناك عدد معتبر من المصابين، غير أن للمهق شكلان مختلفان:

نقص جزئي في صبغة الميلانين معروف بانخفاض التلون، والغياب التام للميلانين ويعرف باسم انعدام التلون، أين تكون للأطفال المصابين به حساسية بشكل خاص للضوء (رهاب الضوء) ولضوء الشمس خاصة (خطر مرتفع للإصابة بحروق الشمس)، كما يمكن أن تكون الأعراض العينية والجلدية شديدة جدا، وغالبا ما يكون لون البشرة أبيض شمعي أو وردي قليلاً، أما شعر الجسم والحواجب والرموش فيكون لونها أبيض، ويعود ذلك إلى إنتاج وتوزيع الميلانين الذي يخضع لسيطرة العديد من الجينات المختلفة، فهناك العديد من الأشكال السريرية للمهق.

وأضاف الدكتور محمدي أنه لا ينبغي الخلط بين المهق وبين مرض الـ leucistisme الذي يؤثر على جميع الأصباغ في الجسم وليس فقط الميلانين، كما أن أطفال القمر أو المصابين بالمهق الكلي يتميزون بشعر أبيض وعينين بلون أزرق وجلد أبيض شاحب، مما يميز شكلهم عن باقي الأطفال، كما نجد في بعض الحالات الشعر أصهبا فاتحا أو متوسطا بدلا من الأبيض.

وتحدث الدكتور محمدي عن معلومة خاطئة منتشرة، مفادها أن كل مصاب بالمهق لديه شعر أبيض وعينان حمراوان، إذ أن القزحية عديمة الصبغة في الإنسان تكون زرقاء وليست وردية كما في أنواع أخرى من الحيوانات، كما أن العين البشرية بسبب حجمها، أعمق من أن يظهر بؤبؤها أحمر بدلا من الأسود، بفعل الشعيرات الدموية في باطنها، ومع هذا، فإن نمو المصابين بالمهق يكون طبيعيا مثل أقرانهم، كما لا تتأثر حالتهم الصحية العامة ولا متوسط أعمارهم ولا ذكاءهم، ولا تتأثر قدرتهم على الإنجاب، كما أن فرصة ميلاد أطفال قمر عند زواج شخص مصاب بشخص غير مصاب ضعيفة جدا..

 علاج المهق لا يوجد، لكن التعايش معه بأمان يكون من خلال إدماج أطفال القمر في المجتمع مع مرافقة نفسية لهم، والحرص على حماية أجسادهم حماية صارمة من أشعة الشمس وارتداء نظارات وأقنعة واقية، خاصة من أشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية، لأن هؤلاء الأطفال معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بحروق الشمس وسرطان الجلد، وبالتالي يجب عليهم تجنب أشعة الشمس المباشرة واستخدام النظارات الشمسية مع مرشحات الأشعة فوق البنفسجية، وارتداء ملابس واقية من الشمس واستخدام واقي من الشمس مع عامل حماية واسع النطاق من أشعة الشمس، بقدر الإمكان الذي يقي من الأشعة فوق البنفسجية الطويلة والمتوسطة، يمكن أن تقلل بعض العمليات الجراحية من الحوَل لدى هؤلاء الأطفال.

” لا توجد في الجزائر إحصائيات عن عدد المصابين بجفاف الجلد المصطبغ”

أكدت السيدة سلطاني سعاد، الأمينة العامة للمرصد الوطني لحماية الطفولة، أن اللجنة الوطنية لمتابعة أطفال القمر التي نصبت في جويلية 2021 تحت وصاية المرصد، تتكفل بجميع قضايا هذه الفئة صحية كانت أو اجتماعية، كتأمين الدواء واللباس المخصص للحماية من الأشعة البنفسجية والمواعيد الاستشفائية والتكفل بتحاليل المرضى من خارج الولايات من مبيت وأكل.

وأضافت أنه لا توجد إحصائيات في الجزائر حول عدد المصابين بهذا المرض ولا حتى تكفل من طرف الدولة، وكل ما تقوم به اللجنة هو جهد خاص مع بعض التبرعات التي تجمعها من عند المحسنين، إلا أن اللجنة تعمل على استحداث سجل وطني خاص بهذه الفئة، كما تتواصل دائما مع وزارة الصحة، وزارة التربية ووزارة النقل لإيصال انشغالات هذه الفئة للتكفل بها.

أما فيما يخص تمدرس هذه الفئة، أضافت السيدة سلطاني أن المدارس الجزائرية ليست مجهزة لاستقبال هذه الفئة، كما نأمل أن تأخذ وزارة النقل بعين الاعتبار تجهيز الحافلات بغطاء الزجاج الواقي لتمكين الأطفال من الالتحاق بالمدارس، خاصة إذا علمنا أن مجمل الأطفال ينقطعون عن الدراسة لأنهم لا يملكون الملابس الواقية والحافلات التي توصلهم إلى مدارسهم، كما أن فترة الحجر الصحي التي مررنا بها جراء انتشار فيروس كورونا تعتبر في الحقيقة الحياة العادية لأطفال القمر لأنهم في حجر دائم.

أطفال القمر ليس لديهم وضع قانوني في الجزائر وهم مهمشون، لذا نرجو من هذا المنبر أن نلقى آذانا صاغية من أجل مدنا بيد العون بغرض التكفل بأطفال القمر النهوض بهذه الفئة والتحسيس والتعريف بهذا المرض الصامت .

نشكر جريدتكم الموقرة التي فسحت لنا المجال لإيصال انشغالات أطفال القمر الذين يعانون الأمرين، جراء ارتفاع سعر الأدوية والتحاليل وعدم توفر الملابس الخاصة بهم، كما أن أطفال القمر لهم الحق في العيش والتمتع بحياة تسهل عليهم عناء المرض .

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى