النظم السياسية المقارنةدراسات سياسية

أهم المقاربات في تصنيف الأنظمة السياسية

انواع الانــظـــمــة الســــياسيـــة

جــــدي أحــــسن.                                         تودرت عبد الكريم

خـطــة  البـحــث :

الاطار نظري :أهم المقاربات في تصنيف الأنظمة السياسية

الفصل الاول : النظام الديمقراطي

  المبحث الأول : ماهية النظام الديمقراطي

المبحث الثاني : الخصائص و المبادئ الرئيسية للنظام الحكم الديمقراطي

المبحث الثالث :  صور الحكم الديمقراطي .

الفصل الثاني: النظام الشمولي

المبحث الأول: ماهية الشمولية

المبحث الثاني: تقنيات السيطرة و آليات الهيمنة و الخضوع في النظام الشمولي

المبحث الثالث : النظام الشمولي ينهي نفسه بنفسه

الفصل الثالث :النظام التسلطي

المبحث الأول: مفهوم السلطة التسلط وبعض المفاهيم ذات العلاقة

المبحث الثاني: أنماط النظم التسلطية

المبحث الثالث: الدولة التسلطية في الوطن العربي

خاتمة.

مــقــدمــة

تصطدم  دراسات السياسية  المقارنة  وعمليات التحليل السياسي اليوم  في تفسيرها لمختلف المظاهر الصادرة عن الوحدات السياسية  بالتنوع  في طبيعة  النظم السياسية  وهي التي تحدد بالأساس سلوكيات  الدول. وتطورت الأنظمة السياسية  المحددة لأطر التفاعلات  بين الحاكم والمحكومين وتعددت تصنيفاتها  نتيجة التحولات  في الظروف  السياسية من جهة ومن جهة أخرى  نتيجة تطور الفكر السياسي  والاهتمام بإيجاد النظام الأمثل  الذي يخدم مصلحة النظام نفسه او انه يخدم مصلحة الدولة  فشهدت طبيعة الممارسة السياسية  ثلاث أنواع من الحكم  في تسيير المصالح  السياسية لمختلف ما يمس المحكومين والدول بشكل عام  وهي :النظام الديمقراطي ،والنظام الشمولي ،والنظام التسلطي .

وعليه ماهية الأنظمة الثلاثة  وما هو  جوهر الممارسة السياسية لكل شكل من أشكال التفاعل  بين الحاكم  والمحكوم  فيها؟

الاطار نظري :أهم المقاربات في تصنيف الأنظمة السياسية
تعريف المقاربة : هي أطروحات نظرية لا ترقى إلى درجة النظرية أي هي مرحلة من مراحل النظرية .

تعريف النظرية : أصل الكلمة يوناني theoria ويقصد بها فعل النظر إلى العالم أو المشاهدة . و يقصد بها حاليا بناء فكري يهدف إلى الربط بين العدد الكبير من الظواهر و القوانين فالنظرية تقوم على التحليل و التركيب ( تثبت بالحجة و الدليل ) فهي إذن تصورات تهدف إلى الربط بين المقدمة و النتائج .

إن تعريف النظرية لغة يكتنفه بعض الغموض و غياب الإجماع حول تعريف واحد و هذه الإشكالية موجودة في علم الإجتماع و
السياسة .

أما إصطلاحا فهناك عدة تعريفات منها :

تعريف كينت ولتز : ” النظرية مجموعة من القوانين تعطي سلوكا خاطئا للظاهرة حيث تختلف الطريقة
التي تكتشف بها القوانين و الطريقة التي تبنى بها النظرية “

تعريف فريدرك سوب : ” النظرية تقوم على المميزات التالية : – التحليل و التركيب – شمولها على
ملاحظة مباشرة أو غير مباشرة – تقوم على استعمال مصطلحات لتوسيع المعنى .

و بصفة عامة فإن النظرية هي الإطار الذي يجعل الظواهر ذات أهمية أخرى , كذلك فإن النظرية تساعد في الفصل بين الأمور
المهمة و غير المهمة .

المبحث الثاني :مفهوم المدخل :

هو طريق الإقتراب من الظاهرة المدروسة من خلال دراسة ظاهرة ما أو هو بمثابة مفتاح للوصول إلى خلايا ظاهرة معينة ( ربط الظاهرة بمتغيرات المختلفة , إقتصادية , إجتماعية , ثقافية ) برزت فكرة المداخل في أواخر الستينات و أوائل السبعينات و كانت بمثابة رد فعل لحالات الإحباط و عدم الرضا لمداخل المنظور التنموي لدى العديد من علماء السياسة . و في نفس الوقت برزت مجموعة أخرى من المداخل و تم إحياء بعض المداخل القديمة مثل التركيز على الدولة كمتغير رئيسي في تحديد السياسات العامة و هناك أيضا مدخل الإقتصاد السياسي الدولي و الذي برز في ثمانينيات و تسعينات القرن الماضي , لتأتي بعدها المدخل النظامي و المدخل الوظيفي ومدخل الإتصالات

المبحث الثالث : أنواع المقاربات :

المقاربة السلوكية المقاربة المعتمدة علىالسلوكية Behaviourism لمنشئه جون برودوس واتسون John Broadus Watson. ومن أهم متبني هذا التيار العالم بورهوس فريديريك سكينر Burrhus Frederic Skinner. تعتمد هذه المقاربة في تلخيص عملية التعليم إلى شكل من التدريب الأوتوماتيكي يعتمد على الفعل و الفعل المضاد. حيث يعتقد متبعو هذا المسلك أن السلوك لا يتغير عن طريق تفاعلات داخلية أي تحدث داخل الإنسان بل تحدث كإجابة على تغير العوامل الخارجية أي المحيط أي ردة فعل المحيط أو الخارج على سلوك المتعلم. من أهم الحدسيات التي تقوم عليها هذه المقاربة:
إذا كانت ردة الفعل على سلوك معين إيجابية فإن ظهور هذا السلوك سيتكثف.
إذ كانت ردة الفعل على السلوك سلبية (عقاب مثلا) فإن ذلك يفضي إلى تناقص ظهور هذا السلوك في المستقبل القريب و لكن في المستقبل البعيد يصبح ذلك غير ذا تأثير على السلوك إذا تم تجاهل سلوك معين من قبل المحيط فإن ذلك السلوك ينقرض. و بناء على هذه الحدسيات (و بعضها ملاحظات من علم البيولوجيا) قام سكينر بتقديم تصور لطريقة التدريس معروفة تحت اسم programmierte Instruktion. حيث إقترح تقسيم المادة المدرسية إلى ذرات أو كوانتات
معرفية أي كميات معينة من المعرفة يتم تقديمها للمتعلم بطريقة تتابعية (lineare Lernablauf) أي أنك لا يمكنك أن تقفز للباب الثاني مثلا قبل تخطيك الباب الأول.

بعد كل ذرة معرفية يتم إمتحان المتعلم في حالة تجاوزه يتم مكافئةالمتعلم و يمر للذرة التي بعدها و في حالة العكس
يتم تجاهل إجابته و إعادة الذرة المعرفية. و كان سكينر في الخمسينات و من الستينات من الأوائل الذين إستعملوا الكمبيوتر في التدريس حيث كان أستاذا في علم التربية و السلوك في جامعة هارفرد. و قد كان سكينر من المعارضين لطريقة الأسئلة المتعددة الإجابات (Multiple-Choice) حيث رأى أن الإجابة الخاطئة قد تعلق بالذهن في حين لم يعارض نورمان كراودر Norman Crowder ذلك.

المقاربة السيبرنيتكية
تختلف هذه المقاربة للتدريس عن المقاربة السلوكية بأنها تعتبر المعلم و المتعلم كنظامين أو منظومتين و تعتبر التدريس
تبادلا للمعلومات بين هذين المنظومتين. و تحتل بعض المفاهيم السيبرنيتيكية دورا محوريا في هذه المقاربة كمفهوم التوصيل الدائري ورد الفعل و القياس و الإستشعار. تعود هذه المقاربة إلى نظرة تبني على أعمال و بحوث كلود شانون في مجال نظرية المعلومات و النجاحات التي حققتها, إلا أن بعض النتائج التجريبية و نتائج من العلوم البيولوجية و العصبية تشير إلى حدود هذه المقاربة. إجمالا تبقى المقاربة السيبرنيتكية مقاربة تأخذ ديناميكية التدريس و كون النظام مفتوح بعين الإعتبار. كما أنه هناك بعض الحدسيات التي تقوم عليها هذه المقاربة ترجع جلها إلى العلم الأصل السيبرنيتك كحدسية التقوية و الإضعاف الذاتي و العكسي و حدسية الإنفتاح وحدسية الإقتصاد.

المقاربة الإدراكية
تقوم على نظرة إدراكية Kognitiv للتدريس. تولي داخلية المتعلم أهمية و لا تهمشها وتعتبر قدرة الإنسان الإدراكية فعلا
موجبا active و ليس فعلا سالبا passive. ترى هذه المقاربة الدرس مقسما إلى ثلاثة أجزاء: جزء deklarativ جزء طرائقي prozedural وجزء متعلق بالمعلومة نفسها منذ السبعينات إنتشرت هذه الرؤية و فرضت نفسها و تم في الثمانينات إدخالها في نماذج تعليمية.

مقاربة حالية : ظلت المقاربة الإدراكية الباراديغم الأكثر إنتشارا حتى نهاية الثمانينات. ثم جاءت المقاربة الحالية لتعيب عليها عدم مراعاتها لمشاعر المتعلم و الحالة التي يتم فيها التعلم. لعل أهم الفروق بينهما هي ما يلي:في المقاربة الإدراكية يكون التدريس خارج عن سياق في الإدراكية يكون في وسط سياق معين..المعرفة في المقاربة الإدراكية يقابلها الإمكانية أو القدرة في المقاربة الحالية مفهوم المشكلة أو المسألة يقابله مفهوم الأنشطة,, مفهوم التعريف يقابله مفهوم الحدود مفهوم حل المسألة يقابله مفهوم تخطي تعارضات ظاهرية إلخ …

  المبحث الأول : ماهية النظام الديمقراطي:

 في مفهوم الديمقراطية  أنها حكم الشعب بالشعب ومن اجل الشعب وعليه فان الحكومة الديمقراطية  هي الأداة التي يحكم بها الشعب نفسه  والوسيلة التي يعبر بها عن إرادته وسيادته  وعن طريقها يمارس السلطة في دولته .

والصورة الأولى للديمقراطية  ظهرت في المدن الإغريقية  القديمة ومارست طبقة المواطنين الأحرار  السلطة بطريقة مباشرة .وظهرت الديمقراطية الحديثة  وطبقت  في الدول الاروبية  الغربية ولهذا  أصبحت تعرف  بالديمقراطية  التقليدية او الديمقراطية  الغربية[1]

وللديمقراطية أسانيد تقوم عليها ومبررات  أولها الأسس الفلسفي  والنظري والمتمثل في :

نظرية العقد الاجتماعي ومبدأ سيادة الأمة:

اذ يذهب الكثير من المفكرين  والفلاسفة إلى أن الديمقراطية  تستند او تتأسس على نظرية  »العقد الاجتماعي  » لجان جاك روسو ،وما انبثق  عن هذه النظرية  من نظرية سيادة الأمة الأساس  الفلسفي للديمقراطية .

وجان جاك روسو يعتبر  أبو الديمقٍراطية  التقليدية  فهو يتكلم عن الجماعة  التي تكون  الأمة  أبرمت فيما بينها عقدا  لإقامة  دولة منظمة  تسودها حياة  الاستقرار  والنظام  المدني  بدلا من الاضطراب  وعدم الاستقرار  والأنانية التي كانت تسود حياة الإنسان البدائية ،وهكذا تكون الدولة قد نشأت بالتراضي  والتعاقد ،أي بأسلوب ديمقراطي.

الأساس  النظري :الرأي العام : تكمن أهمية الرأي العام  في بناء المسار الديمقراطي وديمقراطية النظام السياسي  من خلال ما عبر عنه خطيب الثورة الفرنسية  »ميرابو » بقوله : »إن الرأي العام  هو سيد المشرعين والمستبد الذي لايدانيه في السلطة المطلقة أي مستبد آخر   » والرأي العام  يعني اتجاه أغلبية  آراء المواطنين  إلى موقف معين إزاء إحدى القضايا أو المسائل الهامة التي تهم المجتمع.

ومن أسس ديمقراطية نظام الحكم هو رضا الرأي العام للمواطنين عن الحكومة القائمة ورئيس الدولة رأس الحكم .وبالتالي  يكون انزعاج رئيس الدولة  أو رئيس الحكومة  من انهيار شعبيته ونزول نسبة رضاء الرأي العام عنه  لأن هذا الانهيار في شعبيته إذا ما استمر فهو يعني أفول نجم الحاكم ،وانه إن لم يغير سياسته وأسلوبه  في اتجاه قضايا شعبه  وحل مشاكله فتكون نهاية بقائه  في السلطة  أمر حتميا  فإما إن يستقيل  أو انه يخسر أول انتخابات مقبلة .[2] :

و من أهم  آليات الممارسة الديمقراطية  للنظم التي تتبنى الحرية السياسية والمشاركة  هي :

الأحزاب السياسية :

نبتت بذور  الأحزاب  السياسية  المعاصرة  في النوادي السياسة والتكتلات  البرلمانية  ،واللجان الانتخابية  و التنظيمات الشعبية المختلفة ولقد  ساهم  في إبراز الأحزاب السياسية  في صورتها الحالية  عدد من الهيئات والمؤسسات  كان من أبرزها  النقابات المهنية ،والتنظيمات الطلابية الجامعية  والتنظيمات الماسونية  والكنائس والفرق الدينية  والجمعيات السرية .

والحزب السياسي في النظم الديمقراطية هي تلك الجماعة المنظمة من الأفراد ،تسعى إلى الوصول إلى الحكم  وممارسة السلطة بالطرق المشروعة  لتحقيق مبادئها  المتفق عليها .

وانطلاقا من زاوية التصنيف  الحزبي  لديمقراطية النظام السياسي تقوم الأنظمة الديمقراطية على صنفين وهما :نظام الثنائي الحزبية .وكذلك نظام الثنائية الحزبية .و في الأنظمة الحزبية المعاصرة ارتبط  نظام الحزب الواحد ارتباطا وثيقا بالأنظمة الديكتاتورية [3] .

 المبحث الثاني : الخصائص و المبادئ الرئيسية للنظام الحكم الديمقراطي  :

احترام مبدأ الفصل بين السلطات :les séparation des pouvoirs :

ويعتبر احد أهم المبادئ التي ترتكز عليها النظم الديمقراطية الغربية أو هو مبدأ  رئيسي للديمقراطية  في جوهرها  تماما على نحو  يماثل في ذات الأهمية مبدأ سيادة الأمة أو الشعب.

ويرجع هذا المبدأ إلى المفكر الفرنسي  »مونتيسكيو »و المتمثل في الفصل بين السلطات الثلاثة :التشريعية ،والتنفيذية  والقضائية  في مؤلفه روح القوانين  esprit des lois’ l .والذي  كان تأثيره على النظام الديمقراطي للثورة الفرنسية كبيرا مثلما كان تأثير المفكر الفرنسي الكبير جان جاك روسو  في كتابه  »العقد الاجتماعي  » الذي ابرز فيه نظرية  أو مبدأ سيادة الأمة.

ويدعو هذا المبدأ إلى :

حماية الحريات ومنع الاستبداد .

ضمان احترام مبدأ سيادة القانون .

حسن واتقانا داء وظائف الدولة .

احترام الحقوق  والحريات الفردية : تتأسس  الديمقراطية  الغربية  على فكرة  الحرية ولذلك تسمى الديمقراطية   بالديمقراطية  الحرة . والمقصود بهذا المبدأ   هو انه لكل فرد  من أفراد الشعب له حقوق وعلى قدم المساواة  .والحريات الفردية  منذ القرن الثامن عشر  تسمى بالحريات  التقليدية  لكي  تتميز  عن تلك  الحريات والحقوق  الأخرى  الاجتماعية  والاقتصادية  التي  ظهرت خلال القرن العشرين .

وأضاف إعلان حقوق الإنسان للثورة الفرنسية وأعطى أهم الأمثلة  على الحقوق  والحريات الفردية  فنصت إحدى مواده الهامة  على ان  غاية كل نظام سياسي  هو محافظة  على الحقوق الطبيعية  أي الفردية للإنسان  وهي :الحرية والملكية وحق الأمن وحق مقاومة الظلم .ومن الأساسيات التي ينبغي على النظام الليبرالي إن يتبعها  في احترامه للحريات الفردية هو ان  يسعى الى ضمان حماية الحريات التالية لإفراد الشعب :

الحريات الشخصية:وتحوي  الحق في  الوجود  الإنساني  ،حرية وحق الأمن ،حرية التنقل  ،حرمة المسكن …الخ.

الحريات الفردية :وتحوي حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية ،حرية الرأي  والتعبير ،حرية التعليم ،حرية الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام،حرية التجمع في المحافل  والتنظيمات الحرة  في ظل ما يسمى بمؤسسات  المجتمع المدني ..

الحريات الاقتصادية:أي الحق في التملك للأموال والعقار وواجب الدولة في حماية ملكه  وتأمين حقه  القانوني في استعمال  واستغلال  هذا المال  والتصرف  فيه فيما يحقق الصالح الخاص ومن ناحية ثانية  حق كل فرد في مباشرة  كافة الأنشطة  الاقتصادية  الحرة  والمشروعة كالتجارة  ومشروعات  التجارية  والصناعية  والزراعية .

الحريات أو الحقوق السياسية :وهذه  الحريات السياسية تتجمع حول فكرة  أساسية  هي حق المواطنين  في المشاركة  في الحكم  والشؤون العامة للدولة  والحريات السياسية  التي  تتضمن حق المشاركة  الشعبية  في الحكم  أو السلطة  وتشمل أيضا حق الانتخاب والترشح .[4]

خصائص النظام الديمقراطي :

تتميز الديمقراطية  التقليدية  بعدة  خصائص يتجلى  أهمها  في انها  مذهب سياسي  من ناحية  وأنها فردية من ناحية  ثانية  كما أن الديمقراطية  التقليدية  تتميز  بأنها  تقرر مبدأ المساواة أمام القانون  .

1-الديمقراطية مذهب سياسي :تقوم الديمقراطية  على أساس  تمكين الشعب  من ممارسة  السلطة السياسية  في الدولة  وذلك  إما  مباشرة  أو بواسطة  ما ينتخبهم  من نواب  أو بإشراك  الشعب  مع هؤلاء أي النواب.

2-فردية  الديمقراطية  التقليدية :بمعنى  إن الديمقراطية  التقليدية  تستند على  المذهب الفردي  الذي يقدس  الفرد  ويسعى  إلى حماية حقوقه  وحرياته والى تحقيق سعادته.[5]

3-الحرية : إذ أن الديمقراطية الغربية  ارتبطت دائما بحريات الأفراد  والشعوب  ولهذا  فهي تسمى  بالديمقراطية  الحرة لتمييزها عن ما يسمى  بالديمقراطية  الماركسية  التي تسود  في ارويا الشرقية والصين الشعبية .ومن ناحية  فان حرية شعب بوصفه  الجماعة صاحب السيادة  ويمكن  أن نسميها  الحرية السياسية  ومن ناحية ثانية  حرية الأفراد بوصفهم  أفرادا وهذا يعني  ضرورة الاعتراف للفرد  بحرياته  وحقوقه الفردية  التي يجب حمايتها إزاء سلطة الجماعة .

4-المساواة :هي أيضا من أسس الديمقراطية التي ارتبطت  الحرية والمساواة بين الأفراد من حيث ظروف الحياة المادية والمعيشية  وأيضا المساواة القانونية égalité de roit  التي تعني  عدم التفرقة  أو التمييز  بين الأفراد في تمتعهم بالحقوق والحريات  التي يكفلها لهم  الدستور والقانون .

5-التعددية السياسية :الديمقراطية باعتبارها تكرس حكم الشعب وسيادة الشعب  تتطلب التعددية السياسية و الاديولوجية  وعليه لابد من وجود  إطار  من الحرية الفكرية والإيديولوجية  وليس مجرد رأي واحد وإيديولوجية واحدة  مفروضة مسبقا  وتتضمن هذه التعددية السياسية  ضرورة تعدد الأحزاب السياسية  التي يشنؤها الأفراد لتعبر  وتدافع عن اتجاه  او فكر  سياسي معين  ومتميز فالديمقراطية  ضد الحزب الواحد .[6]

المبحث الثالث :  صور الحكم الديمقراطي :

يأتي غالبا النظام الديمقراطي في ثلاث صور هي :

الديمقراطية المباشرة .

الديمقراطية  النيابية .

الديمقراطية شبه المباشرة .

1– الديمقراطية المباشرة : وتعني  هذه الصورة من صور الحكم الديمقراطي  أن  كل الشعب  مجتمعين في جمعية  شعبية  يقومون  بأهم  شؤون  العامة  دون وساطة  نواب عنهم  فيصوتون  على القوانين  ويعينون القضاة والموظفين .

وهذه الصورة  في ممارسة  الحكم  هي الصورة التي أتى بها جان جاك روسو  حينما قال  بأن الشعب  يتولى مباشرة السلطة  التشريعية  (السيدة) كما يعين أفراد  السلطة التنفيذية (الخادمة)  بما فيها السلطة القضائية  وهاجم روسو  الديمقراطية  في انجلترا  قائلا : »أن الشعب  الانجليزي ظن أنه حر ولكنه واهم  ».

ولم تظهر في الوقت الحاضر  إلا في  سويسرا وحتى هذه الدولة فهي  لم تطبقها إلا في كنتونات  صغيرة جداٌ  ذات الكثافة السكانية القليلة ،وبالتالي يصعب الأخذ بها  في الدول الكبيرة  وخاصة الموحدة[7].

الديمقراطية النيابية :

على عكس الديمقراطية المباشرة حيث يمارس الشعب السلطة مباشرة وبنفسه ،أما في الديمقراطية النيابية  تكون ممارسة الحكم بطريقة غير مباشرة  بواسطة  نوابه  الذين ينتخبون  في البرلمان .ففي منطق النظام النيابي يقوم البرلمان بالوكالة عن الشعب بممارسة مظاهر الحكم  والسيادة  كنائب عن الشعب الأصيل  فالبرلمان  يعبر إذن  عن الإرادة العامة للشعب صاحب السيادة ،فكل ما يصدر  عن النواب من قوانين  أو قرارات يستند إلى قرينة عامة  هي أن القانون  أو القرار  الصادر يعتبر وكأنه صادر عن إرادة الشعب .

وقد نشأ النظام الديمقراطي  النيابي  في انجلترا أولا وهي بلد التقاليد  النيابية البرلمانية  وقد مرت عدة قرون  من التطور  قبل أن  يتكامل  وتستقر أركانه  وخصائصه وجاءت نشأة النظام النيابي  تحت تأثير  وضغط الظروف  السياسية والاجتماعية  والمالية

    أركان النظام النيابي :

يقوم النظام الديمقراطي  النيابي  على أربعة أركان أساسية  وهي :

-وجود برلمان منتخب  من الشعب  يمارس سلطات فعلية في الحكم .

-تقييد مدة الانتخاب  البرلمان :أي من الضروري أن يكون  للبرلمان  مدة زمنية محددة.

-عضو البرلمان يمثل الأمة كلها .

-استقلال البرلمان عن الناخبين  طوال مدة نيابته.[8]

الديمقراطية شبه مباشرة :

تعود أهمية النظام الديمقراطي شبه المباشر  إلى توسطه بين النظامين (النظام الديمقراطية المباشرة ونظام الديمقراطية النيابية ) وهذا يعني إن نظام الديمقراطية شبه المباشرة او نصف المباشر يقوم على أساس :

وجود برلمان منتخب ولكن مع الرجوع إلى  الشعب  نفسه  باعتباره  صاحب السيادة  ومصدر السلطات  للفصل  في بعض  الأمور الهامة  ويترتب على ذلك  إن تصبح هيئة الناخبين  سلطة الرابعة  في  الدولة   إلى جانب السلطات التشريعية  والتنفيذية  والقضائية  وبذلك  تزداد أهمية  الناخبين  على حساب البرلمان  وذلك  لان الديمقراطية شبه المباشرة  تشرك الشعب في  ممارسة  السلطة  بجوار البرلمان وتجعله رقيبا عليها وعلى السلطة التنفيذية  عن طريق الوسائل المتاحة .

مظاهر  الديمقراطية   شبه مباشرة:

-هناك 3مظاهر  للديمقراطية شبه المباشرة :

1-الاستفتاء الشعبي : يقصد به أخذ برأي  الشعب  في أمر من الأمور.

2-الاعتراض  الشعبي : :يقصد به  حق الاعتراض  الشعبي حق عدد معين من الناخبين في الاعتراض على قانون  صادر من البرلمان  من خلال مدة  معينة  من تاريخ نشره .

3-الاقتراح الشعبي : مفاده إن يقترح  عدد معين  من الناخبين  مشروع  قانون او فكرة  معينة  إلى البرلمان  ويلتزم  الأخير بمناقشة هذا المقترح  فان وافق عليه صدر  و بالتالي يحال الى الشعب  للاستفتاء حوله .[9]

وهناك مظاهر أخرى  لم يتفق  عليها الفقهاء  حول تعارضها مع النظام النيابي:

-إقالة  الناخبين لنائبهم .و الحل الشعبي.

المبحث الأول: ماهية الشمولية

التعاريف:

–       كلمة الشمولية ظهرت أولا في ايطاليا « Totalitario » عام 1925م, و انتشر استعمالها بمعنى سلبي, قبل أن يعطيها منظرو الفاشية معناها الايجابي.

كتب « جيوفاني جانتيل » أحد منظري الفاشية:

« الليبرالية تضع الدولة في خدمة الفرد, الفاشية تقيم الدولة كالحقيقة بالنسبة للفرد. إذا كان من الواجب أن تكون الحرية خاصية الإنسان الفعلي, وليس الشكلي المجرد كما تراها الليبرالية الفردية, فان الفاشية مع تلك الحرية. هي فقط مع حرية يمكنها أن تصبح جدية, مع حرية الدولة وحرية الفرد في الدولة. وهذا لأن بالنسبة للفاشي كل شيء في الدولة, ولا يوجد شيء إنساني أو روحاني, أي شيء ذو قيمة, موجود خارج الدولة. بهذا المعنى يكون الفاشي شمولي. والدولة الفاشية تلخص وتوحد كل القيم التي تفسر و تطور وتعطي قوة الحياة بكاملها للشعب « [10]

–       الشمولية طريقة حكم, نظام سياسي يمسك فيه حزب واحد السلطة بكاملها, و لا يسمح بأية معارضة, فارضا جمع المواطنين وتكتيلهم في كتلة واحدة في الدولة وخلفها.

الشمولية طريقة عمل الدولة, التي تقوم, زيادة على إدارة الحياة السياسية, بإدارة الحياة الخاصة للأفراد.

الشمولية صيغة استبداد ظهرت في القرن العشرين. وهي منحدرة من الفاشية. ففي الدولة الشمولية لا يوجد الفرد ولا يعرف إلا من خلال علاقته بالمجموع  » الشعب » أو  » الأمة ». وتصبح الدولة مطلقة وموضوع عبادة حقيقية. ويتم عسكرتها لتأمين الإرهاب والتمكن من الهيمنة على الأفراد.

–       و حسب « سغموند نيومان« :

«  »فالطابع الرئيسي للأنظمة الشمولية هو مأسسة الثورة تنظيمها بمؤسسات (Institutionnaliser la révolution )   في محاولة لتأمين إدامة هذه الأنظمة.[11]

–        و عند « حانه آراندة » :

« الشمولية عندها تعني نوع من أنواع الأنظمة السياسية التي ظهرت في التاريخ المعاصر بهدف تنظيم الحياة الجماهيرية. و تعتبره حدث من النوع الجديد, الذي يمثل القطيعة مع الأحداث الأخرى و مع التاريخ أيضا كتسلسل الأحداث الأكثر أو الأقل تخليدا. و في هذا الصدد تعرف « الشمولية » أنها أزمة الحضارة الغربية شاملة, إذا هو بمثابة فجوة في التاريخ بصفة عامة و في التاريخ السياسي بصفة خاصة.

و ما يمكن استنتاج من هذا: هو أن الشمولية قطيعة جذرية مع جميع الأنظمة الممكنة و التي وجدت, و خاصة الأنظمة القريبة للنظام الشمولي إذ كانوا استبدادية, غاشمة أو ديكتاتورية.[12]

–       وحسب « كلود بولين » تسمح الإيديولوجيات الشمولية  » بوضع العقول في حالة عبودية, وتعيقها في منبعها الحي عن كل تمرد, ملغية فيها حتى إمكانية تبلور النية في ذلك ».

–       أما « اميليو جنتيل »  فيرى أن  » من عبارة الشمولية يُفهم: تجربة هيمنة سياسية تقودها حركة ثورية مكونة في حزب عسكري التنظيم, يستجيب لمفهوم سياسي أصولي. يهدف لاحتكار السلطة, ويعمل بعد استلامها, بطرق غير شرعية, لهدم النظام السابق عليه أو إعادة صياغته, ويقيم دولة جديدة, مؤسسة على الحزب الواحد. وتقوم هذه الدولة الجديدة بالسطو على المجتمع, لإخضاعه أو إدماجه أو مجانسة ».

صفات النظام الشمولي:

–       حسب « كارل فريديريخ » أن هناك 5 صفات أساسية تميز النظام الشمولي :

  1. حزب وحيد يراقب جهاز الدولة, يديره رئيس ذو كاريزما خاصة.
  2.  إيديولوجية دولة تحتوي على أبعاد خارج حدودية وأممية.
  3.  جهاز بوليسي يعمد للإرهاب.
  4.  إدارة مركزية للاقتصاد.
  5.  احتكار وسائل الاتصال الجماهيرية.

عناصر الشمولية:

–       عناصر الشمولية تأتي بعد التعريف الذي قدمه « ريمون آرون » حيث يقول :

« إنها كما يبدو لي ظاهرة كبقية الظواهر الاجتماعية, تقع تحت تعاريف عديدة, حسب الزاوية التي ينظر منها الملاحظ « . وعناصرها الأساسية خمسة هي:
1. الظاهرة الشمولية تأتي في نظام يعطي حزبا واحدا احتكار النشاط السياسي بكامله .

2.يقوم الحزب المحتكر على إيديولوجية يتسلح بها, وتقود فعالياته. ويمنحها سلطة مطلقة. وتصبح بالتالي الحقيقة الرسمية للدولة.

3.لنشر هذه الحقيقة الرسمية تقوم الدولة بنفسها باحتكار مزدوج لوسائل القوة, ووسائل القمع. و تضع تحت إدارتها وتوجيهها مجموعة وسائل الاتصالات, من صحافة, وإذاعة وتلفيزيون, وغيرها من الوسائل.

4.تخضع النشاطات الاقتصادية والمهنية للدولة, وتصبح جزءا منها, وبما أن الدولة غير قابلة للفصل عن إيديولوجيتها, فان غالبية النشاطات الاقتصادية والمهنية تطبع بالطابع الرسمي.

5.وعندها تصبح الدولة منظمة الأنشطة وخالقها. ويصبح كل نشاط خاضع للإيديولوجية الرسمية. وكل خطيئة ترتكب في نشاط اقتصادي, أو مهني, يعتبر خطا إيديولوجيا.

المبحث الثاني: تقنيات السيطرة و آليات الهيمنة و الخضوع في النظام الشمولي

تقنيات السيطرة:

  1. التركيز الأقصى على السلطة.
  2. الحكم بالقوة و التهديد و بالتخويف.
  3. إفساد العلاقات الإنسانية و العامة.
  4. الدعوة إلى التعبئة ضد مؤامرة العدو. العدو سيئ يعمل في الظلام, يخرب و يتآمر.[13]

آليات الهيمنة و الخضوع:

  1. التخلي عن استقلال الذات الفردية ودمجها في شخص آخر أو في حزب شمولي أو حركة توتاليتارية، أي في سلطة ما، وخضوعها خضوعاً مطلقاً لهذه السلطة، حتى لتبدو هذه السلطة قوام الذات وكيانها وماهيتها. وأساس هذه النزعة هو الهروب من العجز الفعلي إلى القوة الوهمية، ومحاولة فرض الأوهام الذاتية على الواقع الموضوعي. ووجها هذه العملية المتناقضان والمتكاملان هما الرغبة في الهيمنة والرغبة في الخضوع.
  2. الرغبة في الهيمنة والرغبة في الخضوع تسمان العلاقات الاجتماعية والسياسية في النظام الشمولي، الهيمنة على الأضعف والخضوع للأقوى؛ الهيمنة على الأضعف تتخذ صيغة ممارسة سادية إزاء الآخر، كثيراً ما تكون عارية، (كالتعذيب الجسدي والنفسي في السجون والمعتقلات، وضرب الأولاد والزوجات … إلخ)؛ ترافقها وتبطنها في الوقت ذاته ممارسة مازوخية صريحة حيناً وضمنية أحياناً إزاء الذات القلقة الباحثة عن ملجأ وملاذ.
  3. الملجأ والملاذ قوة وهمية: قوة الروابط الأولية التي يحاول الفرد استعادتها والانغماس فيها من جهة، وقوة الزعيم أو الحزب أو الحركة التوتاليتارية التي يتباهى بها، ويضفي عليها صفات العصمة والقداسة والكمال، من جهة أخرى. وكلما بدا له أن استعادة الروابط الأولية مستحيلة، يحاول إعادة إنتاجها في صيغة «روابط ثانوية» بديلة، في الحزب الشمولي وفي الحركة التوتاليتارية وفي صورة الزعيم التي تكثف السلطة والقوة الرمزيتين.
  4. عمليات التطهير والتأطير المتواصلة وضعت الأفراد الذين تحرروا للتو من الروابط الأولية أمام أحد خيارين: أولهما، أن يتخلى كل منهم عن حريته واستقلاله وفرديته، فينضوي، ويضوي، في أحد تنظيمات السلطة التي لا توفر له الأمن والحماية فقط، بل تمنحه بعض الامتيازات أيضاً، بصفته مناضلاً باع نفسه، في سبيل الأهداف النبيلة. وتتناسب الامتيازات طرداً، لا مع الولاء الشخصي فحسب، بل مع درجة الضراوة في محاربة أعداء الحركة الفعليين والمحتملين.[14]

المبحث الثالث : النظام الشمولي ينهي نفسه بنفسه

قسّم الاقتصادي الأميركي والت وايتمان روستو حياة النظام الشمولي إلى ثلاثة مراحل, في كتاب شهير أصدره عام 1954 بعنوان: « مراحل النمو الاقتصادي » :

  1. يتشكل في أولها.
  2. يحاول إصلاح نفسه.
  3. الانهيار.

إن المرحلة الأولى من عمر النظام الشمولي تكون إيديولوجية، بمعنى إن النظام ينبني فيها انطلاقاً من « ترسيمة مغلقة » تحدد ماهيته وطابعه ونمط إنتاجه المادي والمعنوي وإشكال اشتغاله وآليات عمله ومصالحه وحتى نمط زعامته. في هذه المرحلة، التي تكون الايدولوجيا فيها المنطلق والمعيار، ينفرد حزب أو تنظيم سري بمطابقة الواقع الجديد مع ما فيها من رؤى وخطط يجب أن يتشكل على صورتها ومثالها، الأمر الذي يجعل النظام الإيديولوجي منبع النظام الشمولي ومصدره الوحيد، ويضفي القدسية على حملتها وخاصة القياديين منهم، الذين يتحولون إلى كائنات فوق بشرية، معصومة وطهورة، لا يجوز المسّ بها أو انتقادها في أي ظرف أو حال، بما أنها تنفرد بمعرفة مفاتيح هذه الايدولوجيا وإسرارها، حيث تكمن صورة الواقع المسبقة والنقية، ويتجسد نظامه المنشود في حملتها وما يصدر عنها من أقوال وأفعال.

هذه المرحلة تنتهي إلى أزمة شاملة تتظاهر في أمرين خطيرين: عجز الايدولوجيا عن إيجاد علاج من داخلها وبأدواتها للمشكلات التي ينتجها تحققها في النظام الجديد، الذي يكون شمولياً بالضرورة، من جهة، وتحول الشمولية من وعد إلى كابوس، نتيجة غياب الدولة والمجتمع المتعاظم عن نظامها وانقلابها إلى بنية فوقية تعمل وفق معايير اوامرية  واحدية الاتجاه، تنزل من فوق إلى تحت، حيث البشر أدوات يتم تحريكهم في المنحى المطلوب، يكون التحكم فيها أكثر سهولة وتلبية لمصالح « النظام العام »، بقدر ما تتلاشى إرادتها وتموت حريتها، من جهة أخرى. بكلام آخر: تقوض الشمولية الدولة والمجتمع، فلا يبقى من حامل لمشروعها غير سلطة يزداد طابعها الإكراهي إلى أن يصير هويتها الوحيدة ومركز إعادة إنتاجها واستمرارها. ولأن هذه السلطة تلغي بصورة متعمدة ومتعاظمة أساسها المجتمعي: فإنها تتحول إلى بناء معلق في الفراغ، لا يستند إلى أي أساس، يعيد إنتاج نفسه من فوق، من القيادة ممثلة في شخص الرئيس أو الأمين العام، فيشل الجمود حركته ويحول أجهزته الأمنية والإدارية والحزبية… الخ الضخمة: المكلفة بإدارته أو حمايته، إلى عبء يتصدع تحت ثقله.

ببلوغ النظام الإيديولوجي هذا الوضع، تبدأ مرحلة تفككه الأولى، التي تأخذ شكلاً محدداً يكمن في استعارة آليات وتقنيات إدارة وحكم من خارجه. آليات وتقنيات غير إيديولوجية، تستخدم من أجل علاج أزماته وإرساء قواعد نواظم جديدة لوجوده تضمن تحديثه وتطويره وجعله قادراً على الحياة في زمن تغير، وسط عالم لا يشبهه ويمارس عليه ضغوطاً مصيرية. في هذه المرحلة، يحل جيل جديد من القادة محل الجيل الأول، الايديولوجي، الخارج من النضال السري والتنظيم الحديدي، على صلة بالايديولوجيا لكنه لا يعتبرها مصدر معارفه ومواقفه والفيصل الذي يقيس به كل شيء ويعيد انطلاقاً منه إنتاج كل شيء. [15]

انه جيل تكنوقراطي مؤدلج ولد في فترة ازدهار الايدولوجيا ونجاحات نظامها الأولية الكبيرة وترعرع في حقبة مآزقها التالية، لذلك تراه يعيش الأزمة التي أنجبتها الشمولية والتي تبدأ الآن بالتظاهر في كافة مناحي عملها. في هذا الواقع، يرفض هذا الجيل مقايسة الواقع بالأيديولوجيات، ويعزف عن الاستمرار في إنتاجه انطلاقاً منها. ويحصر جهوده في تخطّي نقاط ضعفها، بفصل بعض جوانب الواقع والنظام عنها، والتعامل معهما كموضوعين يتمتعان باستقلالية نسبية عن أجهزتها وأفكارها ووعودها. مع هذا الجيل. ينتقل مركز ثقل الايدولوجيا أكثر فأكثر إلى مجال الضبط والربط، تحار الايدولوجيا المعصومة في تبرير الخطوات الإصلاحية، التي تجافي طابعها الأصلي وأمرها السائد.

تنتهي هذه المرحلة إلى الفشل، عندما يتأكد عجز تقنيات الإدارة والسلطة المأخوذة من خارج النظام الأيديولوجي عن تخليصه من أمراضه ومشكلاته الكثيرة، التي لا تني تتفاقم بلا توقف. عندئذ، تبرز عقلية مقطوعة الصلة بالايدولوجيا، تغلب عليها نزعة تقنية محضة، ليس لقضية النظام وطابعه أهمية أولى بالنسبة إليها، فهي تريد « قطاً يصطاد الفئران ولا يهمها لونه »، كما قال ذات مرة الصيني دينغ سياو بينغ. بسيطرة هذه العقلية – التي يمثلها جيل النظام الشمولي الثالث – على مقاليد السلطة، يسقط هذا النظام، لأن استمراره يصير ببساطة ضرباً من الاستحالة. [16]

المبحث الأول: مفهوم السلطة التسلط وبعض المفاهيم ذات العلاقة

1- السلطة:
يشير هذا المفهوم إلى الحق في ممارسة عمل ما، بما في ذلك الحق في صنع القوانين أو السياسة العامة. وبالخصوص يجب التمييز بين السلطة والقوة أو القدرة، فالأخير يقصد به القدرة على جعل الغير منقادين أو مطيعين لمن يمارس عليهم النفوذ والقوة المادية أو المعنوية. فمفهوم السلطة يتصل بمشكلة الطاعة أو الإذعان السياسي من جهة، وحقوق واستقلالية الأفراد من جهة أخرى. ويضع الدكتور مصطفى خشيم مدخلان رئيسيان يمكن من خلالهما فهم واستيعاب مصطلح السلطة والتي يجب أن يتم التمييز بينهما:-
أولاً- المدخل المرن، يستخدم مفهوم السلطة وفق هذا المدخل ليشير إلى أي نظام للنفوذ أو السيطرة الاجتماعية بحيث يحضى بالتأييد والشرعية من قبل أطراف محددة، وبذلك فإن محور التركيز في هذا السياق ينصب على وجود نمط معين من الاتجاهات بين الأفراد الذين يؤيدون النظام السلطوي القائم تحث أي ظرف من الظروف. وترتبط السلطة وفق هذا الاتجاه بوجود الجماعة السياسية المنظمة ونعكس وجود أنماط مختلفة من العلاقات في المجتمع. ومن أبرز مؤيدي هذا الاتجاه العالم المشهور ماكس فيبر.
ثانياً- المدخل البؤري، محور تركيز هذا المدخل هو تحديد طبيعة العلاقة الخاصة بين الحاكم والمحكومين، بقصد التمييز بين هذا النمط من العلاقة الخاصة وغيره من أنماط العلاقة الأخرى، فمعرفة مفهوم السلطة يستوجب استيعاب مفهومي الإجبار عن طريق القوة والإقناع عن طريق الجدال.

2- التسلط:
التسلط هو نمط من أنماط ممارسة السلطة يصف الوضع الذي يستحوذ فيه فرد أو مجموعة من الأفراد على الحكم دون الخضوع لأي قاعدة أو قانون، ودون أي اعتبار لجانب المحكومين, وما يميز هذا النمط من العلاقات بين أداة الحكم والرعية هو تدني درجة المشاركة السياسية، وتقييد الحرية الفردية, وحضر كافة المؤسسات التشريعية. ويتجسد التسلط في الممارسات القسرية للحكومات التي تختلف باختلاف أهدافها وأساليبها المختلفة التي تتباين باختلاف الأهداف والأساليب؛ ففي حين يحاول بعضها تغيير الواقع وفقا لجملة من المبادئ التي يقررها من بيدهم السلطة، فإن البعض الآخر يهتم أساساً بتركيز السلطة وممارستها بصورة بهيمية وقاسية.
وعلى أية حال فإن التسلط أساسه رفض الحوار والنقاش الموضوعي، وعدم تقبل الرأي المعارض، وسيادة علاقات أساسها الرضوخ وتقبل الأوامر العلوية، والرغبة المتأصلة في ممارسة التسلط والسيطرة على من هم أدنى في المرتبة. فالفرد الذي هو ذاته موضوعاً للتسلط ما أن يصبح في موقع المسؤولية حتى يتحول وبشكل غير مبرر إلى مشروع لمتسلط صغير، ولن يتواني أبداً في استخدام كل ما أوتي من وسائل القهر والإكراه[17].

3- الاستبداد:
يستخدم الاستبداد عادة كمرادف للتسلط، ولغة يعني التفرد بالشيء والاستئثار به، وهو غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال المفرط في الرأي والحقوق المشتركة، وهو تصرف فرد أو جمع في حقوق الجموع بالمشيئة وبلا خوف تبعه.  والمستبدَ هو ذلك الشخص الذي يتفرد برأيه دون غيره فيما ينبغي المشورة فيه، إلا أن تعبير الاستبداد انصرف مع مألوف الاستعمال إلى نعت من نعوت الحكم المطلق المشوب بالجور والظلم الذي لا يأبه القائمون فيه بأية قيود أخلاقية أو قانونية، ويتبع المستبد أهوائه الخاصة بدلاً من تحكيم مقتضيات المصلحة العامة. وبذلك يخلو حكم المستبد من أية ضوابط رقابة على الحكم ومحاسبته أو أن تكون هذه الأجهزة معطلة. إن نظام الاستبداد هو حكم أو نظام مستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة أفراد دون الخضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر لرأي المحكومين.
وفي أصول اللغة اليونانية فإن اصطلاح الاستبداد despotes يتضمن معاني الظلم والجور والتفرد الأرعن بالرأي، بل أن هذه الكلمة تعني سيد البيت أو رئيس الجماعة، وأطلق أباطرة بيزنطة هذا الاسم على من كانوا يولّونهم من أبنائهم وأصهارهم حكّاماً لمقاطعات الإمبراطورية، ويعزى في هذا الصدد إلى اليكسيوس الثالث انجلوس البيزنطي الذي حكم من سنة 1195 إلى 1205م، إدخال هذا اللقب في مفردات تسلسل السلطة، وإضفاء رتبة عليا تأتي مباشرة بعد رتبة الإمبراطور مباشرة.
ثم تطور مصطلح الاستبداد فلازمته صفة الافتقار إلى الشرعية، فأصبح يشير إلى نظام لا يستند إلى أي تقليد أو عرف أو دستور، ويميل فيه القائمون إلى الظلم والانفلات من القيود, فوصفه أرسطو بأسوأ أنماط الحكم وأكثرها فساداً يدور فيه اهتمام الحاكم حول تأمين رفاهيته الشخصية من دون المصلحة العامة. ويصف أفلاطون المستبد, وطريقة حكمه بأنه الحاكم الذي يستولي على السلطة بالقوة، ويمارسها بوسائل قمعية وإكراهية ليتخلص من خصومه ومعارضيه، فهو يكثر الوعود ويلجأ لإثارة الحروب لإضعاف المواطنين ليسهل عليه الاستئثار بالسلطة.
الاستبداد السياسي كما يرى الكواكبي هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة دون خوف أو تبعة ». الاستبداد بشكل عام إفراز ذاتي للتخلف، فالفرد حين يفقد عزّته الحقيقية يبحث عنها بشتى الوسائل، فعندما لا يجد الظمآن الماء يتجه إلى السراب الذي « يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً »، ومن هنا ينشأ الاستبداد، فالمستبد إنسان فقد مثله الأعلى الذي يجد فيه ذاته وعزته، فراح يبحث عنها بشتى الوسائل, ومنها محاولته أن يفرض رأيه على من دونه، ويدفعه ذلك للتعصّب لرأيه دون سواه بل ويتشبث به, فالفرد موضوع الاستبداد هو في واقع الأمر مستبد في نفسه، ولو تمكن لجعل البشر جميعهم خاضعين لأمره.
أما عن كيفية مقاومة الاستبداد أمر الله عز وجل في القرآن الكريم المسلمين بضرورة حراسة دستورهم الأبدي القرآن الكريم، والدفاع عنه ضد استبداد الحاكمين، ولو باستخدام القوة إذا لزم الأمر، وحملهم مسئولية ما يصيبهم من استبداد وحرم التوكل ورجاء الإنقاذ لقوله تعالى ﴿لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ﴿وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون)، كما أمرهم بالتصدي للاستبداد والمستبدين لقوله تعالى ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وينهون عن المنكر)، وحرم عليهم قبول الظلم والاستبداد والسكوت عليه وأندر أولئك الذين يقبلونه لله تعالى ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك لهم جهنم وبئس المصير﴾,وأمرهم باستخدام كافة الوسائل لدفع الظلم ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسائ ولدان الذين يقولون ربتا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً وأجعل لنا من لدنك نصيراً).

4- الطغيان:
أما الطغيان فإنه يعني تجاوز الحد من الظلم والجور والتعدي على حرية وخصوصية الآخرين، كما ورد في قوله تعالى « اذهب إلى فرعون إنه طغى »، كما يفيد هذا المفهوم أيضاً الارتفاع كأن نقول طغى الماء، وهاج البحر وهذا يعني العلو، كما ورد في الآية الكريمة « إن فرعون علا في الأرض »، وقوله تعالى « إنه كان عالياً من المسرفين ». ويصل الطغيان في ذروته حد أدعاء الإلوهية كما فعل فرعون، لقوله تعالى « فقال أنا ربكم الأعلى ». وهذا مثال للطغيان والتجبر, وما دون ذلك فهي صفات الإلوهية ومحاولة لتبرير التسلط وقهر الرعية.[18]
عادة ما تتحول أنماط الحكم الشخصي في حالة انهيارها إلي حكم الطغيان، ومن منظور تاريخي مقارن يتسم الطغيان بوجود درجة عالية من الغموض وعدم الاستقرار وغياب الأمن, وحكم الطغيان لا يتفق مع مبدأ حكم القانون بل الأدهى أنه لا يخضع لأية ضوابط في ممارسة السلطة. ويعتمد الطاغية على مجموعة الاتباع من المنتفعين والمرتزقة يحيطون بالحاكم الطاغية الذي لا يملك رؤية أيديولوجية أو دينية أو قيمة أخلاقية عليا ليبرر بها نظام حكمه، ووسيلته في ذلك الترغيب والترهيب، بمنح المكافآت للمرتزقة المتعاونة معه، وإرهاب المعارضة بما في ذلك اللجوء للتصفيات والاغتيالات السياسية التي تعتبر من الملامح البارزة لهذا النمط الحكم.
ويصف أفلاطون الطاغية بأنه الحاكم الذي ينفق على حاشيته دون قيود، ويشدد الحراسة من حوله، ويعيش في تعتيم إعلامي، ويحيط نفسه بالوشايات والدسائس والمؤامرات، فلا مكان للأخلاق أو الشرف، ولا الصدق ولا الوفاء بالعهد، فكل الناس أعداءه، ويحيط نفسه بالمنافقين والمتملقين، ولا يهتم الطاغية بوضع رعاياه إن أثقلوا بالضرائب، فهذا يفيد بحيث يصبحوا منشغلين بالبحث عن قوت يومهم، ولا يحب الطاغية أصحاب الكرامة لذلك تجده يطارد الأخيار من الناس، كما يعمل على تدمير روح المواطنة ليصبحوا عاجزين.
والطغيان هو شكل من أَشكال الحكم يتمتع فيه الحاكم بسلطة غير محددة، فالطاغية لا يأبه لأحد، وقد يلجأ أحيانًا لاستخدام أقصى درجات القوة للحفاظ على سلطته. وقد أطلق على أواخر القرن الثامن عشر في أوروبا عصر الحكَّام الطغاة المستنيرين أمثال فريدريك الكبير ملك بروسيا وكاتْرينا العظمى قيصرة روسيا، وجوزيف الثاني إمبراطور النمسا، الذين بدلوا جهوداً حثيثة في سبيل إصلاح القوانين، وتشجيع التعليم والفنون، ويعتقد بعض هؤلاء الحكام بأن الحرية والتعليم يصنعان رعايا متمردين، ولذا فقد تخلوا عن فكرة الاستنارة, وخلفهم حكَّام هدموا ما أنجزه من سبقهم من الحكام المستنيرين.
ويصف أرسطو أساليب الطغاة والمستبدين في احتكار السلطة والاستفراد بها لضمان عدم خروجها من قبضتهم فيقول: لكي يتمكن الطغاة من الاحتفاظ بعروشهم يلجئون إلى تدمير روح المواطنين لجعلهم عاجزين عن فعل أي شيء إيجابي، وفي سبيل ذلك يعملون على القضاء – وبشتى الوسائل – على المثقفين الذين قد يشكلون خطراً على الحكم، كما يلجئون إلى منع الاجتماعات ويعملون ما في وسعهم لعزل كل من يساهم في تعليم الناس وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، كما يعملون على تنمية روح الاغتراب لدى المواطنين العادين ومحاولة قطع الصلة بينهم وبين الوطن، كما أنه كثيراً ما يلجئون إلى تقييد حرية المواطنين وعدم السماح لهم بتجاوز أبواب مدينتهم، ويعمل على بث الجواسيس في كل مكان ليكونوا على اطلاع دائم ومستمر بكل ما يقوله الرعية.

في ظل النظام التسلطي تقمع المعارضة المنظمة و يحد من حركة و نشاط مؤسسات المجتمع,لكنه لا يحاول السيطرة عليها أما فيما يخص صور الصراع بين مكونات البناء الاجتماعي فانه يحاول حصرها دون ان يلغيها.

أما فيما يخص السلطة السياسية فنلاحظ أن من يمتلكونها قد لا يعترفون باية حدود لدستورية سلطة الدولة غير انهم في التطبيق يعترفون ببعض الحدودو في نفس السياق تحاول تعبئة المواطنين لتحقيق أهدافها السياسية لكنها لا تلغي التفرقة بين المجال العام و الخاص و غالبا ما لا تمس بالمجال الخاص بمعنى ان الفرد قد يكون محاصر من قبل ممثلي النظام السياسي لكنه مع ذلك يستطيع ان يهرب من المجال العام الى الاستقلالية النسبية.

وهذه الانظمة التسلطية ليس فيها الصلابة المتجمدة التي تميز الشمولية لكنها تفتقر ايضا الى مرونة النظام الليبرالي بحكم السيطرة الثقيلة للنظام السياسي,و بالتالي فهي تميل الى ان تكون ذات طابع قلق و غير مستقر[19].

على العموم فان هذه الانظمة تجابه خطريين هما:

1-صحوة ليبيرالية من خلال احياء سلطة الجماعات التي تم قهرها لفترة ما.

2-ظهور نظام شمولي من خلال تحالف عديد من الجماعات و المصالح.

في الاخير يلاحظ ان هذه الانظمة التسلطية تتسم بميلها الى الاستقلال الايديولوجي من خلال محاولة صياغة ايديولوجية وسطية لتصاغ بطريقة توفيقية او تلقيفية-حسب الاحوال-بحيث تقتبس بعض عناصر الماركسية و بعض عناصر الليبيرالية.

المبحث الثاني: أنماط النظم التسلطية

لفهم و حصر أنماط النظم التسلطية تم اللجوء إلى ذكر النماذج التسلطية الافريقية التي تلت فترة ما بعد الاستقلال للدول التي تميزت أنظمة حكمها بالتسلطية. و تميزت الفترة التي تلت استقلال معظم الدول الإفريقية، بظهور نظم الحزب الواحد في الحكم في غالبية دول القارة، فأقل من خمس دور من بين تسع وأربعين دولة مستقلة في القارة هي التي يمكن وصفها فقط بأنها دول متعددة الأحزاب، وهذا يعني أن اغلب الدولة قد أتبعت نظام الحزب الواحد الذي مكن القيادات الإفريقية من ترسيخ علاقات التسلط والاستبداد, بل أضافت إليها جاهدة أنماط جديدة في سبيل المحافظة على السلطة التي أنتجت في نهاية المطاف أوضاع استبدادية وتسلطية على كافة المستويات, ساد الاعتقاد بأن الدول الإفريقية المستقلة سوف تسير على ذات النهج الذي سارت فيه النظم السياسية الغربية من حيث شكل نظام الحكم، وطبيعة المؤسسات السياسية القائمة التي تتميز بأن مركز الثقل في النظام السياسي يميل لصالح السلطة التشريعية إلى جانب التعددية والتنافس الحزبي. هذا ربما يعود إلى أن الدول الاستعمارية السابقة قد حاولت نقل نظمها السياسية والاقتصادية للمستعمرات السابقة عند الاستقلال, بهدف خلق دويلات تابعة تدور في فلك الدول الاستعمارية السابقة.

1- هيمنة نمط الحزب الواحد:

ارتبطت الظاهرة الحزبية في إفريقيا جنوب الصحراء بنظام الحزب الواحد أي أنها تدخل في إطار النظم اللاتنافسية،  ويعود وجودها إلى أواخر الحقبة الاستعمارية، والسيطرة الأجنبية، ومحاولات التخلص من هذا الوضع، وبناء كيانات جديدة مستقلة، فالنظم الاستعمارية على اختلاف انواعها تركت أثاراً واضحة على سياسات ما بعد الاستقلال في إفريقيا، وبذلك فقد ساهمت على انتشار نمط الحزب الواحد بشكل أو بآخر. ويرى البعض أن نظام الحزب الواحد هو وريث النظام الاستعماري التسلطي، وربما الاختلاف الوحيد هو أن الأول نظام وطني وليس أجنبي مفروض من جانب المستعمر فالإدارة الاستعمارية عودت شعوب المستعمرات على الطاعة والخضوع لإرادة مفروضة من الخارج مصدرها الحاكم، واستمرت هذه العادة في الفترة ما بعد الاستقلال، وإن كان الإداريون الأوروبيون قد حل محلهم إداريون سود، ويستدل البعض على ذلك بأن إتباع فرنسا للمركزية الشديدة، والسلطة الهيراركية في ظل نظام الحكم المباشر كان وراء انتشار نمط الحزب الواحد, وخاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي، كما أن التنظيم الداخلي للحزب الواحد قد بني على نفس التقسيمات الإدارية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، وفي ظل الاستعمار البريطاني، فإن وجود حزب قوي تحت رئاسة زعيم مسيطر قوي كان شرطاً أساسياً لمنح الاستقلال للوطنيين. وهو ما شجع أحزاب « الصفوة » تعتمد عليها الإدارة الاستعمارية في تنفيذ سياساتها، بحيث يستمر الولاء لها حتى ما الاستقلال, بحيث نجد أن النخبة أو الصفوة الجديدة من المثقفين الأفارقة في ظل النظم الاستعمارية كانوا أكثر الفئات تعبئة من الناحية الاجتماعية، ويلاحظ أن الكثير من هؤلاء المثقفين أصبحوا فيما بعد قادة لدولهم، وتأثروا بنمط الحزب الواحد الذي يتناسب مع النزعة التسلطية التي جبلوا عليها إبان الحقبة الاستعمارية.[20]
كما تأثرت الأحزاب السياسية الناشئة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت الحقبة الاستعمارية حيث ظهرت قوى اجتماعية ونخب قوية مرتبطة بالحكم الأجنبي، إلى جانب بروز حركات قومية تحاول تغيير الأوضاع القائمة وتأسيس حكومات وطنية في الدول القطرية حديثة الاستقلال على أنقاض الحكم الاستعماري، فأغلب الأحزاب السياسية التي عرفتها الدول الأفريقية قد نشأت في ظل تدابير دستورية تبلورت إبان الحقبة الاستعمارية، وهذا يعنى أن عمر الأحزاب السياسية الناشئة يعتبر قصير نسبياً بمعنى أنها ظهرت للوجود بعد الحرب العالمية الثانية، وتبلورت مطالبها أساساًُ في المشاركة في الحكم.[21]
كما ساهم الوجود الأجنبي في تعزيز الحركات القومية التي واجهته، بمعنى أن الاستعمار كان بمثابة عامل موحد ساعد على تكوين جبهة معارضة في شكل حركات تحرر وطنية تعمل على مقاومته التي انتشرت في اغلب الدول الأفريقية، ويعتبر ذلك بمثابة مناخ ملائم لنشأة نظام الحزب الواحد الجماهيري، إلى جانب ذلك ظهرت بعض الأحزاب ذات التوجهات الإقليمية والقبلية في مواجهة الحركات الوطنية واعتمادها على الولاءات الأولية في تنفيذ سياساتها بدلاً من الولاء للوطن. ورغم محاولات السلطات الاستعمارية بزرع نظم سياسية على غرار نظم الدولة الأم تقوم على أساس التمثيل النيابي والتنافس الحزبي، فقد تحولت معظم الدول الأفريقية إلى نظام الحزب الواحد المسيطر الذي لا يحتكر الحياة السياسية ولكنه يسيطر عليها سيطرة تامة، ويترك لغيره فرصة للتواجد ولكن لا يسمح لها بأن تتحداه، ومنه إلى نظام الحزب الوحيد أو الأوحد الذي يحتكر الحياة السياسية ولا يترك لغيره فرصة التعايش معه, وبذلك فقد أصبح نظام الحزب الواحد هو القاعدة العامة في إفريقيا بعد أن كان موجوداً في بادئ الأمر في الدول التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
تتفق النظم الحزبية في إفريقيا في الفترة ما بعد الاستقلال في أنها أحزاب جماهيرية ولو من حيث المبدأ، وبذلك فهي ليست أحزاب بالمعنى التقليدي حيث أن الحزب يمثل الجزء للكل وليس الكل، وبذلك درجت العادة على وصف أغلب الأحزاب السياسية في إفريقيا بالأحزاب الجماهيرية التي نشأت نتيجة إقرار نظم الانتخاب العام وصعود الأنظمة البرلمانية، وكانت في البداية مقتصرة على القوى اليسارية الصاعدة التي كانت تهدف إلى توعية الطبقة العاملة وتنظيمها سياسياً ونقابياً، ولكن بعض الأحزاب اليمينية أو البرجوازية التي كانت مقتصرة في البداية على النخب والوجهاء، أدركت أهمية الانفتاح على الجماهير، وبذلك عمدت على تبني الهياكل التنظيمية التي كانت تتبعها الأحزاب الجماهيرية. وتستمد هذه الأحزاب قوتها من الجماهير بمعنى آخر من الأعضاء المنتسبين إليها الذين يعول عليهم في تمويل النشاط السياسي، وذلك من خلال دفع للاشتراكات بصورة دائمة لإن الأحزاب الجماهيرية تفتح أبواب العضوية فيها لكافة طوائف الشعب بدون تمييز, كما أنها تدعي تمثيل مصالح الجماهير، وبذلك فهي تضم في صفوفها اكبر عدد من الأفراد، وتتميز بأنها تقوم على المركزية في علاقة أعضاء الحزب مع بعضهم البعض ومع القيادة. وتندرج تحت هذا النوع من الأحزاب الشمولية، والأحزاب ذات المضامين الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
يتميز نظام الحزب الواحد في إفريقيا بالتنظيم الهرمي والمركزية والسلطة الهيراركية، ويتكون التنظيم الهرمي للحزب في الغالب من عدة مستويات تنظيمية تتراوح من 3-5 مستويات، يكثر وحداتها الأساسية في المستوى القاعدي، ويقل في المستويات العليا، ومن أهم خصائص التنظيم الداخلي للحزب الواحد في إفريقيا هو اتساع قاعدته لتبنى على التنظيم الإداري للدولة. كما أن دعامة التنظيم الهرمي للحزب وأساسه المركزية الإدارية التي تضمن التناسق بين مستويات التنظيم الحزبي المختلفة وسير عملها.
يخضع الحزب الواحد في إفريقيا لسلطة الزعيم القومي، وهو ذاته رئيس الحزب ورئيس الدولة، وهذا يعني أن الحزب مرتبط مباشرة بسلطة شخص هذا الزعيم وأداته في الحكم يده بدلاً من أن يصبح وسيلة في إيجاد مؤسسات سياسية قوية، تعكس إرادة جموع الشعب، كما أن قرارات الحزب هي قرارات الرئيس، وهذا يخلق فراغ تنظيمي على المستوى الحزبي، وأن القضاء على الزعيم يؤدي إلى انهيار المؤسسات القائمة، ولهذا الأساس نجد أن أغلب الانقلابات العسكرية خطط لها عندما كان الرئيس خارج البلاد. ومن أبرز الأمثلة على ذلك
انقلاب العسكري الذي قاده عيدي أمين عام 1971 على الرئيس ميلتون أوبوتي عندما كان الأخير خارج البلاد في مؤتمر للكومنولث، وكذا الحال مع الرئيس نكروما عندما كان في زيارة لبكين.
إن الضعف التنظيمي لنظام الحزب الواحد وعجزه عن تحريك الجماهير وتعبئتها، واتجاهها بدلاًمن ذلك للاعتماد على القوة والقمع بصورة متزايدة لتحقيق الطاعة والولاء، والقضاء على المعارضة السياسية أدى إلى ضعف الأحزاب السياسية المسيطرة لتفسح المجال لتنامي سلطة العسكريون والاتجاه نحو عسكرة السلطة.

2- العسكريون وعسكرة السلطة:
شهدت إفريقيا جنوب الصحراء خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية وسيطرة العسكريون على السلطة بحيث تلعب المؤسسة العسكرية دوراً سياسياً بارزاً في الحياة السياسية، ويتجلى في أحدى الصور التالية:

– النفوذ العسكري الذي يمارسه العسكريون في شكل جماعة مصالح, ويوجد هذا النمط في الدول التي تتميز باستقرار ورسوخ التقليد الخاص بالسيطرة المدنية على القوات المسلحة.

 – المشاركة العسكرية حيث يشارك العسكريون في عملية صنع القرار, وإدارة الهيئات والمؤسسات الهامة في الدولة.

– سيطرة العسكريون المباشرة على مقاليد العملية السياسية بحيث يتحكمون في عملية توزيع القيم والموارد داخل المجتمع.

ويرجع تنامي ظاهرة تدخل العسكريين في السياسة إلى الخبرة التاريخية التي تعتبر من أهم عوامل التنشئة المهنية والسياسية والاجتماعية للعسكريين. ويرى روستو بأهمية دور المواريث التاريخية في إفريقيا من زاوية الدور المعاصر للعسكريين في المجتمع والسياسة.
إن سيطرة العسكريون على زمام الأمور يصبح مطلباً ملحاً في الدول التي يسودها هذا النمط من أنماط الحكم. فالنظم البرلمانية التي وجدت في بعض الدول عند الاستقلال تحولت بعد سنوات قليلة إلى نظام الحزب الواحد ثم النظم العسكرية فيما بعد، ويرجع ذلك إلى ضعف المؤسسات المدنية، والمشاركة المفرطة والافتقار إلى الشرعية السياسية، وفضلاً عن عدم الاستقرار الاقتصادي، وقد ساهمت هذه العوامل في تسهيل استيلاء الجيش على السلطة في إفريقيا خلال الستينيات. كما أن النزعة التسلطية الكامنة دفعت البعض لاستغلال المؤسسات العسكرية وذلك لاحتكارها شبه الكامل لمصادر القوة في المجتمع مما يجعلها القوة الوحيدة القادرة للسيطرة على الدولة. ويوصف النظام السياسي بأنه عسكري عندما يسيطر العسكريون على مقاليد العملية السياسية فيتحكمون في عملية القيم والموارد داخل المجتمع. ويشير الجدول التالي إلى كيفية تولي الرئاسة في أغلب الدول الأفريقية جنوب الصحراء إذ يلاحظ أنه من بين 24 دولة التي خضعت للدراسة ست دول فقط كان التغيير فيها سلمياً سواءً بالاستقالة أو الوفاة، أما الباقي فتم من خلال الانقلابات العسكرية بما يؤكد تأصل نزعة التسلط عند أغلب القيادات السياسية.[22]

المبحث الثالث: الدولة التسلطية في الوطن العربي

مايمكن  تفسير به الأنظمة العربية  هو نفسه نادى به عدد كبير من الفقــهاء والباحــثين وهو أقصى ما يطمح إليــه الإنسان العربي أن يتمتع بالأمن والاستــقرار في ظل حــاكم مستبد يتصدى لجشع الأقوياء، ويشــعر الجــميع بواجب الطــاعة إليه خوفا من عقابه.
استمر موروث «المستبد العادل» طويلا في الفـكر العربي الحديث، وما زال حاضرا بقوة في دراسات تصف بنية النظــام الســياسي العربي بأنها تسلطية وتجدد نفسها بأشكال مختلفة على امتــداد الوطن العربي. فــباتت الأنظــمة السياســية العربية متشــابهة إلى حد بعيــد، رغم توصيــفها بين نـــظم ملــكية أو جمهــورية. وذلــك يطرح تساؤلات منهجية حول مستـقبل هذا النـظام في عصر العولمة منها:
1ـ أن البنى الاقتصادية والاجتمـاعية القــبلية والــطائفية ساهمت في توليد النظم السياسية التســلطية العربية. مما يعطي أهمية استثنائية لمقــولات ابن خلدون عن العصــبية، والــبداوة، وأطوار الدولة، والعمران الحضري، وتحول العصبية القبلية المتحالفة مع العصبية الدينية إلى ملك. وبرز تشابه لدرجة التطابق في البنى السياسية العربيــة التي تولدت عنها أنظمة تسلطية تمارس الحكم على طريقة زعيم القبلية المســتبد لا الــعادل. وما زالت الشعوب العربية تعيش حالة مزرية من الفقر، والأمية، والبطالة كما دلت جميع تقارير التنمية العربية الصادرة عن الأمم المتـحدة خلال السنوات الماضية.
2ـ ليس من شك بأن شرعية الدولة العربيــة ليــست نتاج علاقة سليمة مع مواطنيها، لأنهم لا يعاملون كمواطــنين بل كرعايا لدولة تسلطية تجيد كل أشكال القمع، ولا تقدم الحد الأدنى من العدالة والمساواة والرعاية الاجتماعية. وبرزت فــوارق هائلة بين القوى التسلطية والجماهير الشعبية التي تشكو غياب الخدمــات على أنواعهــا، وفرص الــعمل، وتدني الدخل الفردي ومستوى التعليم وغيرها. بالمقابل، تكدست ثروات طائلة من الأمــوال النفــطية وغيرها، لكنها لم توظف في عملية التــنمية البشرية والاقتــصادية المستدامة داخــل الوطن العربي بل نُقلت إلى الخارج، واستــخدم قسم كبير منها في البورصة، وشراء الأسلحة التي لم تســتخدم في المعـارك القومــية، وفي شراء الســلع الاستهلاكية الغالية الثمن والقصور الفاخرة. فانتــهى مفـعول الطفرة النفــطية الأولى والثــانية إلى هــدر للإمكانات الاقتصادية المتوافرة في بلاد العـرب دون تطــوير ملحوظ للبنى الاقتصادية والاجتــماعية. وارتفع حجم الأموال العــربية الهالكة بعد انفجــار الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية إلى أكثر من ثــلاثة آلاف ملـيار دولار كان بإمكانها إحــداث قفـزة نوعيـة في الوطن العربي.
3ـ فصيغة المستبد لا العــادل هي التي سادت في الوطن العربي. وقد بدأت فردية عــبر زعماء الأسر الحاكمة وشيوخ القــبائل، ثم تطــورت إلى حكم عسكري عبر الانــقلابات المتلاحـقة في أكثر من بلد عربي. ورفعت في البداية راية الإصلاح السياسي والاقتصادي والتحديث الاجتماعي، لكنها سرعان ما تحولت إلى معوق أساسي للحداثة السليمة، والديموقراطية، وبناء الحــكم الصالح. واتجه بعضها إلى بنـاء الحــزب الواحــد، وأوكـــل إدارة الــحكم إلى أجــهزة الاستخــبارات التي باتــت الحاكم الــفعلي في الوطــن العــربــي. وقطــعت الطريق أمــام أي تغــيير ديــموقراطــي، وأقــامت شــبكة من العلاقات الممــتازة في ما بيــنها، وحدّثت أجهزة القمع حتى باتت أفضل مما هي عليه في الدولــة المتطورة. [23]
4ـ أصبح شعار «تحــديث النظام التسلطي»، الهاجس الرئيسي لكل مـن تسلــم السلــطة في أي بلد عربي. فالنــظام لا يحــمي نفــسه عبر ضمان الحقــوق الفـردية والجــماعية، ونشر العدالة والمســاواة، وروح المواطــنة، والتنمية المستدامة بل بالقمــع وحــده. فالحاكم العــربي القــوي هو الذي يضمن لنــفسه الاستــمرارية في الســلطة أطول فــترة ممكنة، ويمارس كل أشكال التسلط لضمان الاستقرار الداخلــي، وتأمــين الوراثة من الآباء إلى الأحــفاد. ويُغيّب الفرد المســتقل أو المواطن الحــر بــصورة شــبه تامــة بحيث بات عاجـزا عن القــيام بأي دور فاعــل في عمـلية التــغيير الســياسي والاجتماعي. وما زال النظام التســلطي العربي يخوض معركة مفتوحة ضد ثقافــة التغــيير والمثقــفين المتــنورين، وإجبــارهم عــلى السكوت تحت طائلة السجن، والتهــجير، ومصـادرة أعــمالهم الإبداعية. فيما فتحت أبواب الوظائف العــليا وجمــع الثروة أمام أعداد كبيرة من المثقفين الذين ساندوا السلطة، وتســلموا وزارات الدولة، وباتوا أعضاء في مجالسها البرلمانـــية بعدما أعلــنوا ولاءهم التام للنظام التسلطي، وكالوا المديــح لقادة مـستبدين دون أن يكـونوا عادلين.
5ـ نـــجح النظــام التسلــطي في السيــطرة عــلى مؤسسات المجتمع الأهلي ومؤسـسات المجتــمع المدني، عبر مختــلف وسائل الترغيب والترهيب، وإلحاقها قسريا بأجـهزة الدولة التســلطية. كما نجح أحيانا في تهدئة العصبيات القبــلية والطائفية الموروثة إبان مرحلة الاستقرار، ثم استفاد من تناقضاتها الكثيرة في زمن الأزمات الحادة.
فلم يسع الزعيم التسلطي أبدا إلى ضرب العصبيات التقليدية السابقة على ولادة الدولة العربية الحديثة، واعتبرها، إلى جانب الأجهزة الأمنية، خط الدفاع الثاني عنه.
ويواجه الآن معركة مصـيرية في زمــن العــولمة والتــكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تسعى إلى نشــر ديموقراطية تتلاءم مع طبيعة النظام العالمي الجديد. ومع إســقاط النــظام العراقي، والبدء بمحاكمة نظام البشير في السودان أمام محكمة دولية، شعرت بعض الأنظمة العربية بمصير مشابه، وكأن هــناك مخططا لتفكيك المنطقة العربية بهدف إدماجها قسريا بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
نخلص إلى القول إن النظام التسلطي، فردا كان أم حزبا، أو جماعة انقلابية، ساهم في تغييب المواطن العربي الحر الذي يشكل القاعدة الأساسية للتغير العقلاني الشامل.
فيــما المرحلــة الراهنة تضــج باحــتمالات كثــيرة للتغــيير الجــذري علــى غــرار ما يجــري في دول أميــركا اللاتيــنية. ونــجاح عملــية التغــيير رهن بــضمان الحــريات العــامة والخاصة، وبناء الديموقراطية، وتشجــيع المجتمــع المدني، ونشر العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، والانفتاح على جميع الثقافات، والعمل على كسر التبعية مع الغرب وإقامة التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
لذلك تخشى الدولة التسلطية العربية من مسار الديموقراطية الحقيقية وتستعيض عنها بديمــوقراطــية شكلية هدفها إحكام سيطرة الدولة على المجتمع بطرق مرنة من خلال جذب الأفراد، والجماعات، والنقــابات، والأحــزاب الســياسية، والمهن الحرة وإلحاقهــا بالدولة. وقد نجــحت في تــحديث أجــهزة الدولة التسلطــية بوضـوح في الـدول التي تــسيطر عــلى الاقتــصاد الريعي، وتتحكم بمــراكز الإنتاج الأساسية وطرق توزيعه على المناصرين لها وحــرمان المعارضــة منــها. ولم تنجح تلك السياسة إلى حد ما في الدول التي يتمــتع فــيها القـطاع الخاص بنــوع من الحــرية التنافســية الـتي تجــعله عصيا على الخضوع، ولديه شبكات أمان مع الخارج.[24]

خاتمة

وفي الختام فإنه  يمكن القول  أن الوحدات السياسية و الأنظمة   السياسية التي تحويها  هي بمثابة الروح في الجسد وعلى هذا الأساس فالدول  تحدد مكانتها على مختلف الدوائر الإقليمية  و الدولية وحتى  التحت الإقليمية  وهذا محدد لتفاعلها  مع مختلف الكاياتات  الأخرى  والاتجاه الدولي اليوم في الناحية السياسية  العملية وكذا من الناحية الفكرية والاجتهادات  المتعلقة بأنجع الأنظمة  المناسبة للدول خاصة بالمراعاة للجوانب ليس فقط السياسية  بل حتى الطبيعة المجتمعية  والتاريخية للمجتمعات  على غرار بريطانيا  وتفضيلها للنظام البرلماني باعتباره أنجع نظام قادر على الحفاظ على المكانة التاريخية  للعائلة الملكة  كنقطة مهمة محافظة ليس فقط على  تاريخية  النظام السياسي بل حتى  في جانب القدرة على الحفاظ على الوحدة بين مختلف  المكونات للمجتمع البرلماني .

وعليه فالدول  اليوم تنحى إلى  نظام  الديمقراطي  من اجل  الحفاظ   على مختلف  الخصوصيات  القادرة على رسم تعامل سياسي داخل الدولة  يفضي إلى الحد  من التهمي  وبالتالي  عقلانية في التعامل السياسي  وهذا قد ينسحب  على مختلف الإشكال الأخرى من  الأنظمة السياسية  وعليه  تبقى الإشكالية ليس في نوع النظام بل في الممارسة السياسية لهذا النظام ؟

قائمة المراجع :

الكـتـب:

  • ·       أسامة الغزالي حرب ،الأحزاب السياسية في العالم الثالث ،عالم المعرفة ،1987
  • عبد الغني بسيوني عبد الله ،النظم السياسة، دار الجامعة الجديدة ،الإسكندرية ،2006..
  • عبد الله عبد الوهاب ،نظم سياسية والقانون الدستور ي،عمان ،الاردن،
  • 2006
  • محمد رفعت عبد الوهاب ،الأنظمة السياسية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت :لبنان ،2005
  • ،

،المواقع الالكترونية :

http://forum.univbiskra.net/index.php?topic=2165.0

Hannah Arendt, le système totalitaire, 1ère édition, 1951

Joris Vitani, Les régimes politiques. http://sceco.paris.iufm.fr/pagepdf/regimespo.pdf.

  جاد الكريم الجباعي, آليات الخضوع و الهيمنة في النظام الشمولي. http://www.mafhoum.com/press6/163C33.htm

ميشال كيلو, النظام الشمولي ينهي نفسه بنفسه.  http://hem.bredband.net/b155908/m152.htm

http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=479819&page=8.

http://www.achr.nu/art623.htm.26-05-2011.10:56

http://kamoos.reefnet.gov.sy/?page=entry&id=286798 المعجم الوسيط.


[1] عبد الغني بسيوني عبد الله ،النظم السياسة، دار الجامعة الجديدة ،الاسكندرة ،2006،ص203.

محمد رفعت عبد الوهاب ،الانظمة السياسية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت :لبنان ،2005.ص ص،156،159.[2]

عبد الغني بسيوني عبد الله ،النظم السياسة،مرجع سابق،ص 298. [3]

محمد رفعت عبد الوهاب ،الانظمة السياسية،مرجع سابق ،ص،ص 193،216. [4]

عبد الغني بسيوني عبد الله ،النظم السياسة،مرجع سابق،ص205. [5]

محمد رفعت عبد الوهاب،نفس المرجع .ص ص،170،172. [6]

[7] عبد الله عبد الوهاب ،نظم سياسية والقانون الدستور ي،عمان ،الاردن،2006،ص155.

[8] محمد رفعت ،الانظمة السياسية ،ص ص257،261.

[9] عبد الله عبد الوهاب ،نظم سياسية والقانون الدستور ي،ص ص 160،164.

[11] المرجع نفسه

[12] Hannah Arendt, le système totalitaire, 1ère édition, 1951. http://forum.univbiskra.net/index.php?topic=2165.0

[13] Joris Vitani, Les régimes politiques. http://sceco.paris.iufm.fr/pagepdf/regimespo.pdf.

[14]  جاد الكريم الجباعي, آليات الخضوع و الهيمنة في النظام الشمولي. http://www.mafhoum.com/press6/163C33.htm

 ميشال كيلو, النظام الشمولي ينهي نفسه بنفسه.  http://hem.bredband.net/b155908/m152.htm   [15]

[16]  المرجع سابق الذكر.

[17] makcdn.com/userFiles/s/a/samir06egy .

أسامة الغزالي حرب ،الأحزاب السياسية في العالم الثالث ،عالم المعرفة ،1987،ص 57.-[21]

-مرجع سابق .[24]

 

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى