القاموس السياسيدراسات سياسية

أوتوقراطية – Autocracy

 مفهوم الأوتوقراطية

مصطلح يقصد به نظام الحكم الذي تكون فيه السلطة مركّزة في يد فرد واحد يمتلك وحدَه كل السلطة التي لا يحدّها شيء، وهذا لا يعني دائماً غياب القوانين والدساتير في هذا النظام، ولكن يعني بالأساس قدرة الحاكم الأوتوقراطي (الفرد) من الناحية الواقعية، على تخطي القوانين والدساتير في حالة وجودها استناداً إلى عدم وجود آلية مستقلة في النظام قادرة على أن تفرض القوانين فتجبره على احترامها. 

ويتمثل هذا الاستبداد في الحكم في إطلاق سلطات الفرد أو الحزب المترئس، وتوجد الأوتوقراطية في الأحزاب الفاشية أو الشبيهة بها، وتعني باللاتينية الحكم الإلهي أي أن وصول الشخص للحكم يتم بموافقة إلهية. وتختلف الأوتوقراطية عن الديكتاتورية من حيث إن السلطة في الأوتوقراطية تخضع لولاء الرعية، بينما في الديكتاتورية فإن المحكومين يخضعون للسلطة بدافع الخوف وحده.

فهي بذلك شكل من أشكال الحكم الاستبدادي يقوم على تفرّد شخص واحد بالسلطة وممارسته لها بمعزل عن القوانين ودون أن يكون محلّ مساءلة أو اعتراض أو محاسبة من طرف جمهور الشعب أو أيّة هيئة سياسيّة. وتتجلّى الأوتوقراطيّة في صور شتّى منها حكم الأقلّيّة (Oligarchy) والديكتاتوريّة. وقد أطلق هذا الاصطلاح على حكم أباطرة الرومان في العصر البيزنطي، وكان له صدى في المعتقدات القديمة التي تؤمن بالطبيعة الإلهيّة للحكّام أو نظريّة الملوك-الآلهة، أو فكرة الحقّ الإلهي والعناية الإلهيّة… ومن أشهر أمثلة الأوتوقراطيّة نجد ستالين وهتلر.

ويرى موريس دوفرجيه أنّ الأوتوقراطيّة نوعان؛ أولهما استثنائيّة، وهي الأوتوقراطيّة المعلنة ونجدها مع الأحزاب الفاشيّة التي تحلّ رغبة الحكّام محلّ الانتخاب أساسا للشرعيّة. والثانيّة تمثّل القاعدة، وهي الأوتوقراطيّة المقنّعة و”هي إخفاء تعيين أوتوقراطي تحت مظاهر مختلفة الدرجة من الديمقراطيّة” (الكيالي، 1985، ج1، ص3833).

كما ارتبط هذا المصطلح في ذهن البعض الآخر بالملكية وعبر عنه كمصطلح مرادف، وهذا أيضا غير صحيح فمصطلح الملكية أيضا يختلف عن الأوتوقراطية في أنه يعكس صفة توريث الحكم. وذلك على الرغم من أن بعض الأنظمة الملكية السلافية، وبالأخص الأباطرة الروس كانوا يحملون لقب “أوتوقراطي”.

والعديد من الملوك حكموا بشكل أوتوقراطي ولكن في نهاية الأمر ضعف نفوذهم وتلاشى بعد أن كتبت وأقرت الدساتير التي أعطت الشعوب القوة لصناعة القرارات بأنفسهم من خلال ممثليهم في الحكومة.

ونفهم أن الأوتوقراطية لا تعطي معنى مرادفاً لمصطلحات كالاستبداد والديكتاتورية والملكية، ولكن هذه الأنماط من الحكم تتشارك مع الأوتوقراطية في معنى “الحاكم الفرد”. و بذلك من الممكن القول أن كل نموذج ملكي أو استبدادي هو نوع من الممارسة الاوتوقراطية في الحكم و لكن ليست كل ممارسة أوتوقراطية في الحكم هي بالضرورة ملكية أو استبدادية كما هو الحال مع “الاوتوقراطيات الليبرالية”.

ومارست الأوتوقراطيات الحكم الشمولي الاستبدادي في الجانب السلبي، وإطلاق سلطات الفرد أو الحزب، دون تقيد بدستور أو قانون جاءت أحزاب كالفاشية والنازية وغيرها من الأحزاب المشابهة، والتي مارست سياساتها دون أي مساهمة من الجماعة. و بذلك مارست نموذجاً للديكتاتورية خضع فيه المحكومون للسلطة بدافع الخوف وحده. في حين أنه في الممارسة الأوتوقراطية الصرفة فإن المحكومين يخضعون للسلطة بدافع الولاء من قبل الرعية دون ضرورة لوجود خوف ما.

سمات النظام الأوتوقراطي

يتميز النظام الأوتوقراطي بمجموعة من السمات التي تميزه عن غيره من أشكال الحكم وهي كما يأتي:

1. التحكّمية في ممارسة السلطة وقصرها على ذاته أو أشخاص معينين يثق بهم ويساعدونه في سطوته وتحكّمه، وغياب أي توزيع للسلطة وإلغاء كل المؤسسات أو الجمعيات السياسية والاجتماعية التي قد تؤدي دوراً مؤثراً، فتشكل منافساً لمن هم في السلطة، وتركيز كل القوة السياسية في يد فرد واحد، وإقامة جهاز حكم يكرّس احتكار هذه السلطة.

2. إلغاء أو إهمال القاعدة التشريعية للسلطة السياسية، فعادة ما يلغى الدستور في مثل هذه النظم ليحل محله بناء قانوني جديد يخدم الطبقة الحاكمة ويضحى أداتها الأساسية في الحكم. ويرتبط بهذه السمة صعوبة إن لم يكن استحالة تنظيم عملية خلافة الحاكم الفرد المتسلّط.

3. إلغاء الحريات المدنية أو تقييدها بدرجة كبيرة، والقضاء على كل الأنشطة التي تقع خارج دائرة الحكم، وهذا يعني سيطرة فرد واحد على مقاليد الأمور وإحاطته بهالة من الصفات التي تجعله معصوماً، فهو دائماً على حق، وهو دائماً أقدر على معرفة الصواب، وهو دائماً أقدر على تحقيق آمال الجماهير، وهو دائماً الأقدر على تمثيل الإدارة العامة، وربما يصل الأمر إلى تأليه الحاكم.

4. سيطرة الانفعالية والاندفاعية على عملية صنع القرار، إذ إن عدم وجود فاصل يفصل بين الحاكم والدولة أدّى إلى تكريس درجة عالية من التدخل والتحكم وتسييس كافة المجالات، حتى وصل الأمر إلى التدخل في الحياة الشخصية للأفراد، ومن ثم إلغاء دور الفرد في الحياة وانتهى الأمر بإلغاء دور المجتمع في سبيل الحاكم، ومن ثم لا يتحقق طموح الفرد ولا طموح المجتمع ولا حتى الدولة ككيان سياسي اجتماعي وإنما فقط طموح الفرد الحاكم (السلطة السياسية).

5. استخدام وسائل استبدادية لتحقيق التحكم السياسي والاجتماعي تبدأ من الدعاية والسيطرة على وسائل الاتصال، وفرض واجب الطاعة والتخويف والاستخدام الفعلي لوسائل الإرهاب والقمع والقهر، ووجود جهاز بوليس سري يستخدم في القضاء على المعارضة، مع ادعاء ضرورة ذلك تحت ذريعة القضاء على الصراعات الداخلية للوصول إلى نوع من الوحدة السياسية والأيديولوجية للمجتمع تسمح بظهور النظام المثالي الذي تستهدفه الأيديولوجية.

خصائص النظام الأوتوقراطي

يتسم نظام الحكم الأوتوقراطي بمجموعة من الملامح والخصائص العامة، أبرزها:

1. هو نظام سياسي من حيث كونه يتعامل مع إشكالية تنظيم سلطة الدولة، وقيامه بأداء بعض الوظائف السياسية مثل المحافظة على الأمن والنظام وتحقيق الاستقرار، ومع ذلك فإنه ليس نظاماً للحكم الصالح فهو لا يستند إلى قاعدة شعبية عريضة، ولا يعتمد على مبدأ العقلانية في عملية صنع القرار، بمعنى أنه نظام حكم فردي (شخصي) لا يهتم بآمال وطموحات الجماهير، ولا يحرك ساكناً للاستجابة للمطالب الشعبية.

2. يعبر نظام الحكم الأوتوقراطي عن شبكة من العلاقات والتفاعلات التي تربط الحاكم ليس بجمهور المحكومين كما هو مفترض، وإنما بمجموعة من المنتفعين والقادة والأتباع والمؤيدين الذين يشكّلون النظام، وعلى ذلك فإن المدخل الصحيح لفهم ودراسة النظام السياسي في هذه الحالة إنما يكون عبر مدخل علاقات السيطرة والتبعية الشخصية، وإن السمة المميزة لمثل هذا النظام تتمثل في أن قاعدته ضيقة جداً بحيث تقتصر على مجموعة من المنتفعين والمؤيدين للنظام، وعلى الرغم من وجود شبكة تفاعلات وعلاقات وتنافس من أجل الوصول إلى أعلى المناصب، بيد أن ذلك يقتصر على نخبة محدودة سواء أكانت حاكمة أو غير حاكمة.

3. يمكن أن تتحول الممارسة السياسية في ظل النظام الأوتوقراطي إلى اقتتال وصراع عنيف قد يصل إلى حد الحرب الأهلية، والتنازع على وحدة الدولة ذاتها، ومن المنطقي أن تزداد معدلات العنف السياسي في حالات الحكم الفردي قياساً بالنظم الديمقراطية المستقرة، فالأخيرة تحظى بوجود قواعد عامة ومبادئ مستقرة تحكم العملية السياسية، وتحظى بالاتفاق العام سواء من جانب الفاعلين السياسيين أو من جانب المواطنين، أما في حالة الحكم الفردي فلا وجود لمثل هذه القواعد أو المبادئ.

4. تتسم الممارسة السياسية في هذه النظم بوجود ظواهر تعكس وضعية فردانية السلطة في المجتمع مثل المؤامرات وأعمال التطهير والاغتيالات السياسية والانقلابات العسكرية، ولا ينبغي النظر إلى هذه الممارسات والملامح على أنها بمثابة انحرافات أو خروج عن مألوف الحياة السياسية، كما هو الحال في النظم المؤسسية، ولكن عوضاً عن ذلك يمكن اعتبارها خصائص جوهرية وطبيعية ترتبط ارتباطاً عضوياً بنظام الحكم الفردي.

المصادر والمراجع:

إمام عبدالفتاح إمام، الطاغية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت 1994.

المالكي، فهد ومبارك، دار ابن الجوزي، مختصر الثقافة السياسية.

مجلة أبحاث كلية التربية الإسلامية (جامعة الموصل)، المجلد 11، العدد 2، بحث بعنوان النظام الفردي (الأوتوقراطي) دراسة نظرية السلطة المطلقة،2011.

انظر:

– أليستار، أ. – روبارتس، ج. (1999). المعجم الحديث للتحليل السياسي. (سمير عبد الرحيم الجلبي، مترجم). (ط.1). بيروت-لبنان: الدار العربيّة للموسوعات. ص 37.

– الكيالي، عبد الوهاب. (1985). موسوعة السياسة. (ط.2). بيروت-لبنان: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر.

المصدر: مؤسسة مؤمنون بلا حدود

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى