دراسات شرق أوسطية

أين نحن في خارطة العالم الجديد؟

بقلم: أحمد طه الغندور.

15/3/2020.

من الواضح أن الصراع مع “الاحتلال الإسرائيلي” في هذه الأيام قد بلغ أوجهِ، فمن المعارك الدبلوماسية الشرسة التي تشهدها ساحات المنظمات الدولية؛ وخاصة الأمم المتحدة، إلى حلبة النزال القانوني أمام ” المحكمة الجنائية الدولية ” والتي تناقش اليوم مسألة ” الدولة الفلسطينية ” والتي تُعبر عن ” السيادة الفلسطينية ” ومدى مقدرة فلسطين ـ كشخص من أشخاص القانون الدولي ـ على الالتزام بقواعد “المسؤولية الدولية” التي صاغها هذا القانون، إلى صراع البقاء على الأرض أمام “العدوان الاحتلالي المستمر” وأداته البشعة المتمثلة في “الغول الاستيطاني الإحلالي” المُغرق في الإجرام، والمندفع في غيه بتعليمات واضحة من رموز “التطرف الصهيوني اليميني” في كلٍ من “واشنطن” و “تل أبيب”.

وبالرغم من هذه المعارك الكبرى التي نخوضها “منفردين” أمام “الاحتلال الصهيوني” و “الغطرسة الأمريكية”، نقف اليوم إلى جانب دول العالم لمواجهة المزيد من المخاطر المتمثلة في ثلاثة أمور رئيسية، أولها تفشي “فيروس الكورونا” والذي وصفته ” منظمة الصحة العالمية ” بـ “الوباء أو الجائحة” والذي يحصد الآف الأرواح من البشر في كافة بقاع المعمورة.

أما الأمر الثاني فيتمثل في الحروب الاقتصادية المتصاعدة، والتي خرجت عن صمتها، وبدأت بالاتساع لتشمل دولاً أخرى غير الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تستعر الحرب الاقتصادية بينهما منذ وصول “ترامب” إلى السلطة، ولعل أخر مشهد لها يتمثل في الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول “فيروس الكورونا” ومن المتسبب به، وأثاره الاقتصادية.

كما يشهد العالم موجة جديدة مما يُعرف باسم “حرب أسعار النفط” بين “روسيا” و “السعودية” التي انضمت اليها “الإمارات”، والتي لا يمكن التخمين إلى متى ستستمر وما هي نتائجها!

ولم تسلم دول “الاتحاد الأوروبي” من النيران المرتدة لهذه الحرب، والتي كانت أول صورها تأييد “ترامب” لـ “بريطانيا” للخروج من منظمة الاتحاد، والغريب ما نشهده اليوم من مظاهر “مقلقة” مست قطاعات كبيرة من الاقتصاد الأوروبي نتيجة لتفشي “فيروس الكورونا” في القارة الأوروبية، والتي تعتبر اليوم أنها “البؤرة الرئيسية” للوباء.

وللأسف نجد اليوم أن الدول الكبرى تضع ميزانيات طارئة بمليارات الدولارات لمواجهة “الفيروس”، دون أن يبدو في الأفق أية بوادر لوجود “اللقاح” المناسب لهذا الوباء، الذي لا يمكن معرفة دورة استمراره، وأسرار بقائه في شكله الحالي أو تطوره!

لا شك أن هذه الفرضيات تضع مراكز الأبحاث، ومراكز القرار حائرة عن شكل “الأزمة الاقتصادية المركبة” التي سيواجهها العالم هذا العام وكم ستستمر، وما هي الخطط العاجلة والممتدة التي سيلجؤون اليها للنجاة من الأزمة، ويظل السؤال الأهم ما هو التأثير السياسي لهذه الأزمة؟

هل ستقود هذه الأزمة المنطلقة من الحروب الاقتصادية، وتفشي “فيروس الكورونا” إلى الحروب والمعارك العسكرية، وهل ستكون مجرد حرب محدودة محصورة بين دول بعينها، أم أنها ستطور إلى حرب إقليمية أو عالمية؟

أم أن العالم بلغ من النضج الأن، ليواجه هذه الخلافات المستعصية عبر ” الحلول الدبلوماسية ” ومن خلال المنظمات الدولية؟!

وهذا السؤال يقودنا إلى المواجهة الثالثة بعد “فيروس الكورونا” و “الحروب الاقتصادية” وهي “النظام العالمي الجديد”!

لا شك أن كل المشاهد السابقة تؤكد على الاستنتاج بأن هناك “حرب خفية وشرسة” لفرض “نظام عالمي جديد” متعدد الأقطاب بـ “أدوات أو منظمات دولية” جديدة خلافاً للمنظمات الدولية الموجودة اليوم والتي أفرزتها “الحرب العالمية الثانية”، وهناك دول هامة في العالم ترفض الوضع الحالي للنظام الدولي آحادي القطب، باتت تنازع الولايات المتحدة في البقاء على سدة العالم، ممعنةً في استخدام “المنظمات الدولية” لصالحها فقط!

هذا الوضع بات مرفوضاً للعديد من الدول، ولعل من أهمها الصين، وروسيا، وعدة دول أوروبية، والهند والبرازيل، فماذا يحمل المستقبل من “سيناريوهات” لمواجهة هذه المعضلة؟

هل تنجح الولايات المتحدة في الاستمرار في فرض هيمنتها الدولية، واستفرادها بقمة العالم؟

وهل ستلجأ إلى القوة العسكرية لتنفيذ ذلك، أم ستميل إلى سياسات الاحتواء؟

وما هي ردود فعل تلك الدول تجاه هذه السياسات الأمريكية؟

الرأي الأرجح أن التغيير قادم لحاجة العالم اليه، ولكن عبر الدبلوماسية ووسائل التفاوض، مع العلم أن الفرضيات السابقة ستعلي من شأن “الدبلوماسية البيئية” لما نشهده اليوم من كوراث بيئية وانتشار للأوبئة!

ويبقى السؤال الأهم لنا كفلسطينيين، أين نرى أنفسنا في هذا السيناريو القادم؟

مع العلم أن هذا “السيناريو” حقيقي وواقعي وليس ضرباً من الخيال!

الصراع اليوم هو صراع وجود ـ بكل معنى الكلمة ـ ولا يحتمل التأجيل للتعاطي معه!

يجب أن ندرك تماماً أن دولاً كبرى وذات تاريخ ممتد ستعاني في المرحلة القريبة القادمة وما يليها!

فماذا أعددنا للمستقبل؟

ماذا نستطيع العمل إذا ما تحول مرض “الكورونا” إلى وباء في أي من المدن الفلسطينية ـ لا سمح الله ـ وخاصة في قطاع غزة؟!

ما هي مقومات الاقتصاد الفلسطيني الذي نعتمد عليه لعبور الأزمة الاقتصادية العالمية القادمة؟!

ما هي استراتيجية الدفاع عن فلسطين في حال نشوب حرب إقليمية لسنا طرفاً فيها؟!

والسؤال الأخير الذي أرجو أن يجيب عنه الجميع بصراحة هو !!

ما هي الفائدة الحزبية التي تجنيها أو ستجنيها بعض الأحزاب والفئات الفلسطينية من استمرار الانقسام ضمن إطار هذا السيناريو؟!

ختاماً، فإن لسان حال الشعب يقول: ” إن الله بصيرٌ بالعباد “.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى