قضايا فلسفية

إسبانيا .. المدينة الفاضلة تتجسد على أرض الواقع

بقلم – عمرو سليم:

سمعنا جميعا عن “المدينة الفاضلة” أحد أحلام الفيلسوف المشهور “أفلاطون” فهي مدينة يجد فيها المواطن والمقيم والزائر أرقى وأكمل أنواع الخدمات وبأسلوب حضاري سهل بعيدا عن التعقيد، تري فيها الجمال البشري و المعماري و السلوكي يحيط بك بكل شبر ، فهي أسطورة تمنينا ان نراها على أرض الواقع ولو لساعات قليلة ولكنى … لم اكن لاتخيل إنى سأقضي بها 3 أيام كاملة، فلم اكن اتخيل خلال رحلتي لحضور أحد المؤتمرات بمدينة برشلونة الإسبانية أنني سأري جنة الله على الأرض.

فى البداية تلقيت دعوة من منتدي “أمواج”لحضور فعالياته المميزة عن المياه والتنمية المستدامة بمدينة برشلونة الإسبانية، الا ان اكبر ما سيطر على تفكيرى وقتها هو ضيق الوقت من 4 أسابيع تفصلني عن ميعاد المؤتمر ولم اكن قد جهزت اى ورقة من المستندات اللازمة للسفر ولكن إرادة الله التى ساقتنى لتلك الرحلة بصورة خفية ثم الزميلات والزملاء بإدارة المنتدي كانوا لهم دافع كبير فى تحفيزى للحضور لذلك الحدث الصحفي التنموي الكبير الذى يجمع بين طياته نخبة من الصحفيين و صناع القرار والمتخصصين بمجال التنمية، توكلت على الله وقررت البدء فى الاجراءات التى لم أصدق نفسي ان العديد من تلك الأوراق انتهيت منها بالفعل خلال 48 ساعة، ثم أتى الدور على تقديم الورق لمركز التقديم التابع للسفارة الإسانية بالقاهرة، وفعلا قمت بتقديم الورق كأنى أسابق الزمن وكل أملى ان تتفهم السفارة ظروف السفر السريعة لحضور المنتدي وبدأ العد التنازلى لحضور المؤتمر والإجراءات تسير في طريقها المعتاد الا انى بعد أيام قليلة لا تتجاوز 8 أيام من تقديم الأوراق للسفارة، فاذا بي أجد رسالة على التليفون المحمول من مركز التقديم للحضور لاستلامجوزا السفر الخاص بي من مكتبهم لأجد التأشيرة قد صدرت بالفعل لم اكن اصدق تلك السرعة العالية و الاهتمام و التعاون من جانب السفارة الإسبانية بالقاهرة وفريق منتدى “أمواج” الذى جعلنى أشعر بسعادة غامرة ليس بسبب الرحلة المميزة فقط بل الاهتمام الحافل و تقديرهم لدور العمل الصحفي المستقل المحايد في تقديم المعلومة الصادقة للقراء.

هنا أستطيع ان اقول ان الرحلة قد بدأت بالفعل فبعدها بايام قليلة توجهت  لصالة 2 بمطار القاهرة، ثم ركبت مع زميل لى من الأردن طائرة”مصر للطيران” التى قابلتنا المضيفة مع طاقم الرحلة على متن الطائرة بابتسامة خفيفة لترشدنا على مكان الجلوس لتبدأ بعدها رحلة الاقلاع متوجهة نحو برشلونة، ليقوم بعدها مضيف الطيران بتوزيع سماعات أذن  على الركاب ليتمكنوا من سماع الموسيقي  خلال الرحلة وتلك كانت أولى المأخذ هي عدم وجود شاشة عرض صغيرة الحجم امام كل مقعد يتيح للركاب رؤية برامجهم المفضلة خلال 4 ساعات ونصف مدة الرحلة، أما الوجبة التي قدمت على متن الطائرة فكانت عبارة عن مكرونة مسلوقة وحوالي 7 قطع صغيرة من الدجاج وقطعة حلوى صغيرة لم تكن تلك الوجبة فى رأيي الشخصي مميزة او تحمل مذاق خاص يجعلنى أتذكرها أو استمتع بها، وها هى بدأت سواحل برشلونة فى الظهور من شباك الطائرة ليبدأ الهبوط التدريجي بالمطار ، الذى عندما تدخله لأول مرة تجد صرح كبير يسير كل شىء فيه بشكل إلكتروني، فلم  أرى وجود للعنصر البشري سوى لضابط الجوازات وموظفة الاستعلامات.

وثم تجمعنا كمجموعة صغيرة من الصحفيين المصريين والعرب كان معظمنا يزور إسبانيا لاول مرة لنذهب لمكتب الاستعلامات السياحية ونسأل الموظفة بشوشة الوجه المرحة التى لم تمل أو تتعب من كثرة أسئلتنا أو عدم معرفتنا بالطرق ووسائل المواصلات بالعكس قامت بفتح حاسبها الآلى، ثم طلبت مننا أخبارها بوجهتنا ثم شرحت لنا أفضل وسائل المواصلات للذهاب لهناك، وحرصا علينا نصحتنا بعدم دفع اكثر من مبلغ معين في حال ركوبنا للتاكسي، كانت تلك الموظفة هى أول تعامل بشري مع موظفة إسبانية امتازت بسعة صدر وترحاب جعلنا نستبشر خير بتلك الرحلة.

قررنا ركوب تاكسي حتى الفندق مقر اقامتنا ببرشلونة وفى الطريق الى هناك الذى لم يستغرق أكثر من 15 دقيقة كانت الطبيعة و الشوراع النظيفة والأشجار الخضراء هى التى تميز ذلك الطريق، بالإضافة للهواء النقي الذى يجعلك تشعر إنه يخترق رئتيك ليأخذك ويطير بك فوق سطح الأرض، فضلا عن ان هناك عشق واحترام شديد من الشعب الاسباني لاشارة المرور بطريقة ابهرتني.

وصلنا للفندق لنجد موظف الاستقبال الاسباني الجنسية البشوش الوجه الهادىء الطباع المحب للحديث يعطي كل منا خريطة ويشرح لنا معالم المدينة و يرشدنا على المناطق التى يراها جديرة بالزيارة، ويعطينا نصائحة القيمة للاستمتاع بمدة إقامتنا هناك، لابدأ بعدها مباشرة مع الزملاء بالتوجه بجولة سريعة لقلب المدينة فتوجهنا لمحطة مترو “ماريا كريستينا” فلم نجد هناك موظف او شباك للتذاكر بل وجدنا ماكينة إلكترونية للتذاكر فكل ما عليك فعله هو اختيار نوع التذكرة ثم  تضع النقود بالفتحة المخصصة لذلك بالآلة ثم تخرج لك بعدها مباشرة التذكرة ، لتبدأ رحلتك بالمترو، فهناك مثلا تذكرة 10 يورو تستخدمها 10 مرات ولكن إذا استخدمتها خلال ساعة ونصف فلن تحسب لك مرة ضمن تلك المرات بل تكون مجانية، فهناك احترام للمواطينن وحفاظ على حقوقهم بطريقة تشعرك بطمأنينة على نفسك وعلى من معك.

وركبنا المترو الذى يتكون من عدة خطوط تربط المدينة ببعضها البعض من أقصي اليمين للشمال حتى هناك خط يصلك لصالات السفر بمطار برشونة مباشرة، به عدة أدوار مختلفة فضلا عن مصعد خاص لأصحاب الإعاقات وكبار السن والمرضى، كما ان هناك نظام فطري لدي الشعب الإسباني يجعلك تتعجب بذلك الشعب للغاية، ثم خرجنا من المترو لنتوجه مباشرة لكنيسة”ساجرادافاميليا” – أو كنيسة العائلة المقدسة، وهي كنيسة كاثوليكية رومانية، تعد من أضخم كنائس أوروبا، تقع في حي ساجرادا فاميليا بمدينة برشلونة– التى كان يحيط بها السائحين من مختلف الجنسيات وهم يلتقطون السلفي و الصور التذكارية وسط بهجة وحركة وأصوت ضحكات تحيط بالمكان المميز لتجد دوريات الشرطة تمر بتلك المنطقة باستمرار للحفاظ على راحة السائحين و المواطنين على حد سواء فى مشهد يشعرك بأمان وراحة، بعد ذلك توجهنا لقلب المدينة السياحية لنخرج الخريطة التى استلمناها من الفندق ونبدأ التنقل من شارع لشارع وبالطبع كنا نواجه صعوبة فى التنقل لنسأل المارة بالشوارع و لكن المثير هنا، والذى لم أكن اتخيله يحدث بتلك الصورة الرائعة وهو عند سؤالنا اى شخص بالشارع عن مكان ما نجده يقف ويتحدث معنا ويحاول الإشارة على الخريطة للمكان، حتي انه  فى أحد المرات استوقفنا أسرة لنسألها عن أحد الاماكن لنجد رب تلك الأسرة يخرج هاتفه المحمول ويشغل نظام تحديد المواقع “GPS” ليشرح لنا كيفية الذهاب لهناك ، أما شاب اخر كان يمارس رياضة الجري ونحن كنا بالفعل ضللنا طريقنا نحواستاد برشلونة، لنسأله عن كيفية الذهاب إلى هناك، فاذا به يتصل بصديقته ويفتح سماعة الموبيل لتشرح لنا الطريق لإنه لا يتحدث الانجليزية ويعتذر عن ذلك.

فى تلك اللحظة لم نهتم أنا وأصدقائي بوصولنا للاستاد الذى كنا نبحث عنعنوانه لساعة كاملة، بل كل ما شغل بالنا عظمة ذلك الشعب وكرمه وترحابه ومساعدته بصدر رحب بالضيوف بشكل لا يصدق، الذى جعلنا نشبه الشعب الإسباني بسكان المدينة الفاضلة.

ثمتوجهنا فى اليوم التالي لمقر منظمة الاتحاد من أجل المتوسط بقصربيدرالبيس لحضور فعاليات منتدي “أمواج” الذى دق جرس الانذار حول أزمة ندرةالمياه التى تهدد منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط و منطقة المتوسط.

وفي نهاية زيارتي لتلك المدينة التى أقل ما يقال عنها رائعة توجهت لقلب المدينة لأقوم بجولة سريعة داخل المركز التجاري الذى ضم مجموعة كبري من المراكز التسويقية فضلا عن ماركت كبير يضم جميع الأصناف التى  من الممكن ان تفكر فيها من المأكولات بأسعار تناسب الجميعبحيث انك تجد منتجات متعددة بمجموعة مختلفة من الأسعار فمن يمتلك مبلغ بسيط يستطيع ان يشتري ما يريد.

وهنا بدأت نهاية الرحلة، لنتوجه بالمترو لمطار برشلونة الذى يصلك الى داخل صالات المطار بكل سهولة ويسر.

زيارتي لبرشلونة أكدت لى أن دولة إسبانيا بجانب انها تمتاز بجمال طبيعتها وسحرها الخلاب، الا انها تمتلك ثروة لا تقدر بثمن وهى شعبها العظيم الكريم المُضيف الذى يجعلك تشعر كأنك فى بيتك وسط أبناء وطنك، فهي فعلا المدينة الفاضلة التى لم تراها عيني من قبل.

تحياتي

عمرو سليم

رئيس تحرير المستقبل

عضو التحالف العالمي لمحو الأمية الإعلامية الرقمية باليونسكو

عضو مشارك بالميثاق العالمي للامم المتحدة

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى