دراسات سياسية

إشکالية مفهوم المواطنة في الثقافة السياسية العربية

 من اعداد سماح ابو الليل مدرس العلوم السياسية والقانون، مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 9، المجلد 2، ملحق العدد (1) ینایر 2019 (اصدار خاص)، الشتاء 2019، الصفحة 177-211 .

ملخص الدراسة:
إن المتغيرات العالمية المعاصرة، کان لها تأثيرا واضحاً على منظومة المفاهيم العالمية. ومن ضمن هذه المفاهيم “مفهوم المواطنة”. فعلى الرغم مما وصل إليه المفهوم من وضوح في الفکر الغربي المعاصر، إلا أنه ما زال يشهد -على مدى القرن الفائت- الکثير من الاشکاليات في الفکر العربي. فمن ناحية التداخلات بين المفاهيم المختلفة کمفهوم الانتماء والهوية. ومن ناحية أخرى، التعدد الذي يصل إلى حد التناقض بين رؤى وتيارات الفکر السياسي والاجتماعي حيال هذا المفهوم. والتي أخذت شکل الإقصاء أو التنکر من جهة والتهميش والتغييب من جهة أخرى. وبروز عدة اتجاهات واختزال الممارسات في رفع الشعارات دون تأصيل للمفاهيم، وإيجاد آليات تحققه على أرض الواقع. فالکثير من الأزمات والتوترات في المنطقة العربية هي من جراء تغييب مفهوم المواطنة والإعلاء من شأن ولاءات ومصالح خاصة (الانتماء الديني –  الإثني …. إلخ).  سواء على المستوى التحت أو الفوق قومي على حساب الإطار الوطني العام. والتي أدت إلى مزيد الاحتقان السياسي وأدت إلى هشاشة الاستقرار الاجتماعي في کثير من دول المنطقة. هذا الواقع، يستوجب البحث في الأسباب التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقف وراء هذا المشهد العربي. في محاولة وضع تصور وتوصيات لتأصيل مفهوم المواطنة في الثقافة العربية.

محاور الدراسة:
أولاً: الإطار المفاهيمي (الإطار النظري): الثقافة السياسية- مفهوم المواطنة- مفهوم الهوية- مفهوم الانتماء.
ثانياً: تطور إشکالية “مفهوم المواطنة” في الثقافة السياسية العربية.
ثالثاً: الأسباب التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تقف وراء هشاشة مفهوم المواطنة في الثقافة السياسية العربية
رابعاً: کيف يمکن التأصيل لمفهوم المواطنة في الثقافة السياسية العربية، مع الأخذ بالاعتبار الخصوصية الثقافية العربية.

مقدمة الدراسة:

تلعب منظومة المفاهیم دورًا مهمًا فی فهمنا للعالم والأحداث والأفکار، ومن ثم فإن تلک المنظومة فی حقل العلوم السیاسیة، شأنها فی ذلک شأن العلوم الاجتماعیة بصفة عامة، تتمیز بمجموعة من الخصائص، أهمها أن تلک المفاهیم تتداخل وتتقاطع بشکل کبیر مما یجعل مساحات التباین بین هذه المفاهیم أکبر من مساحات التمایز، ومن ثم فإن هناک حاجة لتحریر مضامین المصطلحات خاصة تلک المفاهیم الأکثر شیوعاً وأکثر إشارة للجدل.

والمفاهیم السیاسیة لیست مطلقة، ولکنها تتشکل بحسب قیم الحضارات وعقائد المجتمعات وتجارب الدول. مما یعنی مرونة المفاهیم شریطة ألا تنزلق إلى حد الإخلال بالشروط الأساسیة لکل مفهوم.

ویعتبر مفهوم “المواطنة” من المفاهیم القدیمة المتجددة التی ما تلبث أن تفرض نفسها عند معالجة أی بعد من أبعاد التنمیة بالمفهوم الإنسانی الشامل بصفة خاصة، ومشروعات الإصلاح والتطویر بصفة عامة، وهی من القضایا التی شغلت وما زالت تشغل بال علماء الاجتماع والنفس والسیاسة وغیرهم فی مختلف المجتمعات، على اختلاف نظمها وتوجهاتها السیاسیة.

وقد شهد مفهوم المواطنة تطورًا کبیرًا منذ النصف الثانی من عقد التسعینیات فی القرن العشرین بعد أن تعرضت دعائم مفهوم الدولة القومیة للاختراق. ولعل دراسة مفهوم المواطنة یتم فی واقع شدید الالتباس، تتقاطع فیه الخطوط بین الأکادیمی الدراسی والسیاسی البرجماتی، مما یجعل من مفهوم المواطنة محورًا للنضال السیاسی([1]).

وتشکّل الثقافة السیاسیة حجر الأساس فی بناء المجتمع وفی توحده وتماسکه لأنها مستمدة من قیمه وعاداته وتقالیده، والتی بدورها تحافظ على مفهوم وقیم المواطنة فی ظل تنشئة المجتمع وثقافته. وقد أنتجت أطروحات الفکر العربی والغربی العدید من الرؤى حول مفهوم المواطنة ومبادئها وحقوقها وواجباتها، وتنوعت بتنوع مبادئ الفکر ونظریات السیاسة.

مشکلة الدراسة:

وتسعى هذه الورقة إلى الاقتراب من مفهوم المواطنة Citizenship  کأحد المفاهیم المثیرة للجدل والتی تتداخل وتتشابک مع شبکة واسعة من المفاهیم الأخرى، کما تحاول الورقة فهم إشکالیة أبعاد هذا المفهوم وآثار الهوة بین الفکر الغربی والفکر العربی فی مقاربة فکرة المواطنة.

ومن هنا یثور عدة تساؤلات:

_  ما هو مفهوم المواطنة

_ ما هی ابعاد هذا المفهوم

_  وآثار الهوة بین الفکر الغربی والفکر العربی فی مقاربة فکرة المواطنة.

_  کیف یمکن التأصیل لمفهوم المواطنة فی الثقافة السیاسیة العربیة، مع الأخذ بالاعتبار الخصوصیة الثقافیة العربیة.

أهمیة الدراسة:

تسعی هذه الدراسة حول مفهوم المواطنة فی  الثقافة السیاسیة العربیة حیث ترد أهمیة موضوع المواطنة فی المجتمع العربی الی عدید من العوامل‏، أهمها أن هذا المجتمع یتشکل من مجموعات متنوعة من الأعراق والأقلیات وتسوده ثقافات فرعیة متعددة بالإضافة الی ثقافته العامة‏.‏فلدینا البربر فی المغرب العربی ولهم لغتهم الخاصة وهی الأمازیغیة التی اعترف بها أخیرا فی المغرب والجزائر لتکون لغة للتعلم بالإضافة الی اللغة العربیة‏.‏ ولدینا الأکراد فی المشرق العربی‏،‏ وهم أیضا لهم لغتهم الخاصة وثقافتهم المتمیزة ولدینا المارونیون فی لبنان ولدینا فی السودان جماعات سلالیة متنوعة بالإضافة الی الجنس العربی‏.‏ ومعنی ذلک أن قضیة المواطنة لابد أن تشغل الباحثین العرب وصناع القرار العرب علی السواء‏.‏ وعلى الرغم من أن مفهوم المواطنة فی الفکر السیاسی العربی قد بأت إرهاصاته فی خضم النضال الوطنی لنیل الاستقلال، مما أوجد مساحة عریضة من المدرکات والقیم المشترکة، إلا أن رصید ثقافة المواطنة فی الفکر السیاسی العربی قد أصابه الکثیر من التآکل والإضراب والتشویش بسبب مجموعة من العوامل, لذلک تسعی هذه الدراسة الی التعرف علی هذه العوامل.

تقسیمات الدراسة:

تأسیساً على ما سبق سیتم تقسیم الدراسة الی ثلاثة محاور، وخاتمة شاملة اهم النتائج والتوصیات وذلک على النحو التالی:

أولاً: الإطار المفاهیمی (الإطار النظری): الثقافة السیاسیة- مفهوم المواطنة- مفهوم الهویة- مفهوم الانتماء.

ثانیاً: تطور إشکالیة “مفهوم المواطنة” فی الثقافة السیاسیة العربیة.

ثالثاً: الأسباب التاریخیة والسیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والاجتماعیة التی تقف وراء هشاشة مفهوم المواطنة فی الثقافة السیاسیة العربیة، وکیف یمکن التأصیل لمفهوم المواطنة فی الثقافة السیاسیة العربیة، مع الأخذ بالاعتبار الخصوصیة الثقافیة العربیة.

رابعاً: الخاتمة

المحور الأول: الإطار المفاهیمی (الإطار النظری): الثقافة السیاسیة- مفهوم المواطنة- مفهوم الهویة- مفهوم الانتماء.

مفهوم المواطنة (الماهیة والأبعاد والتطور والإشکالیات):

تعد المواطنة من أهم المفاهیم السیاسیة، التی عرفت تحولات جوهریة متتابعة عبر التاریخ، بدءً بالتراث الیونانی الرومانی القدیم، مرورًا بعصر النهضة والتنویر، ووصولاً إلى الفکر السیاسی اللیبرالی الحدیث. والمواطنة کما تناولتها معظم الکتابات التاریخیة والأدبیات السیاسیة والاجتماعیة المعاصرة، هی علاقة بین الفرد والدولة والمجتمع، وما تتضمنه تلک العلاقة من حقوق وواجبات، وشعور بالانتماء. وتندرج ضمن هذا المفهوم المساواة القانونیة المجردة، والمشارکة السیاسیة، بالإضافة إلى الحریة وما یصاحبها من مسؤولیات والتزامات. ولذا لا یمکن استیعاب مفهوم المواطنة، إلا إذا وضع فی سیاقه التاریخی، فالمفاهیم لا تنشأ من فراغ ولا تنتشر إلا بعد ممارسات وتراکمات فکریة([2]).

مفهوم المواطنة کغیره من المفاهیم الحدیثة ارتبط بشکل مباشر بالخبرة التاریخیة الغربیة وتطور الفکر السیاسی فی الغرب. یمکن إرجاع النموذج التاریخی الأول لمفهوم المواطنة فی شکلها الکلاسیکی القدیم والمتصل بحیاة المدن والجماعات الصغرى،  وتمتع المواطن بحزمة من الحقوق السیاسیة، مثل المواطنة فی أثینا وروما، وذلک رغم اختلاف النموذجین، ولکن ترجع أهمیتهما فی تأثیرهما فی بناء المواطنة الغربیة الحدیثة.([3])

أما المواطنة بمفهومها الحدیث، فکانت الثورة الفرنسیة هی التجلی السیاسی والایدیولوجی الذی برز من خلاله مفهوم “المواطنة”. فالثورة الفرنسیة زعمت أنها تؤسس أمة جدیدة لا علاقة لها بالمرجعیة البیولوجیة (دم الأسلاف) أو الدینیة، بل مرجعیتها الوحیدة هی قرار حر من المواطنین الذین یریدون العیش متضامنین فی ظل قوانین یسنونها دون قید.([4])

فالمواطنة من هذا المنظور هو فعل عقد اجتماعی، والدولة القومیة هی القالب الذی تتکون المواطنة القومیة داخله، ولا وجود لها فی غیاب هذا العقد، أن دون القرار الواعی من قبل المواطنین.([5])

ویتجسد هذا المعنى فی إعلان حقوق الإنسان المواطن The declaration of the rights of man and of the citizen  ، إذ یقرر أن أی إنسان – بغض النظر عن أصوله ولونه وآرائه – إذا أراد أن یعیش فی ظل قوانین الجمهوریة، وأن یشترک فی سنها فله حق المواطنة.([6])

تتعدد تعریفات المواطنة بتعدد زوایا التداول، إن کانت قانونیة أو مدنیة أو اجتماعیة، کذلک تتحدد دلالة المفهوم بارتباطه بالزمان والمکان، بمعنى أن هذه الدلالة تتولد عبر صیرورة تاریخیة، تعبیراً عن مصالح مجتمعیة معینة.([7])

من التعریفات الکلاسیکیة للمواطنة تعریف هوبز Thomas Hobess  بأنها “الحمایة التی تکفلها سلطة الدولة للفرد” .ویعرف روسو ٌRousseau  المواطن کعضو فی مدینة تمثل الجسد الاجتماعی المشترک، تفقد خلاله الشخصیة الفردیة کنتاج لهذه الکینونة السیاسیة المشترکة.([8])

ولقد قامت النظریة الکلاسیکیة کثیراً من المبررات لمحاولة التوفیق بین سلطة الدولة وحریة المواطن، مثال نظریة العقد الاجتماعی لهوبز، ومفهوم روسو للإدارة العامة، وقد تأسس النقد الذی وجه لهذه النظریة على استحالة التوفیق بین الحریة الفردیة ومتطلبات النظام والاستقرار الاجتماعی.([9])

وتعتبر “المواطنة” أحد المفاهیم الرئیسیة فی الفکر اللیبرالی منذ تبلوره فی القرن السابع عشر کنسق للأفکار والقیم، تم تطبیقه فی الواقع الغربی فی المجالین الاقتصادی والسیاسی فی القرنین التالیین، وما ترتب على ذلک من آثار على الترتیبات الاجتماعیة والعلاقات الإنسانیة فی القرن العشرین ثم مطلع القرن الحالی.

وإذا کانت اللیبرالیة عند نشأتها قد دارت بشأن فکرة الحریة الفردیة والعقلانیة وتقویة مرکز الفرد فی مجتمع سیاسی قام على قواعد عصر النهضة على أبنیة اجتماعیة حاضنة وقویة، فإن مفهوم المواطنة قد تطور وتحوّر عبر مسیرة اللیبرالیة لیترکز حول خیارات الفرد المطلقة وهواه کمرجع للخیارات الحیاتیة والسیاسة الیومیة فی دوائر العمل، والمجتمع المدنی، والمجال العام، ووقت الفراغ، ولیصبح “المفهوم المفتاح” الذی لا یمکن فهم اللیبرالیة وجوهرها من دون الإحاطة بأبعاده المختلفة وتطوراته الحادثة المستجدة، إذ یستبطن تصورات الفرد، والجماعة، والرابطة السیاسیة، ووظیفة الدولة، والعلاقات الإنسانیة، والقیم والأخلاق .

والمواطنة فی أبسط معانیها تشیع عدة معان: المساواة القانونیة بین المواطنین بصرف النظر عن الاختلاف فی اللون أو الجنس أو الدین أو العرق، والمشارکة السیاسیة دون قیود قانونیة أو عرفیة تفرض علی حرکة المواطنین، وحیاة کریمة تتمثل فی وجود برامج عامة کفء تطور- دائمًا- من جودة الحیاة التی یعیشها المواطنون. وسارت الخبرة الغربیة- فی مجملها- علی هذا التسلسل، بحیث حصل المواطن أولاً علی المساواة القانونیة، ثم ثانیًا الحق فی المشارکة السیاسیة، وأخیرًا الحق فی رفاهة اجتماعیة، وأصبحت تلبیة الحکومة لمطالب المواطن فی الرفاهة الاجتماعیة “دلیل” علی الانجاز([10]).

ومفهوم المواطنة یتطلب وجوده إقرار مبادئ، والتزامًا بمؤسسات، وتوظیف أدوات وآلیات تضمن تطبیقه علی أرض الواقع. المواطنة- وفق هذا التصور- بنیة من المستلزمات والمقومات، وبنیة فکریة وقیم، وبنیة حقوقیة ودستوریة وقانونیة، وبنیة مؤسسیة، وکذا بنیة تتعلق بالسیاسات والممارسات. وهی من المفاهیم الشاملة، والتی تستدعی غیرها من مفاهیم حقوقیة وسیاسیة. المفهوم بهذا الاعتبار “مفهوم منظومة” یشیر إلى الحقوق الإنسانیة الأساسیة، والحقوق المدنیة والسیاسیة، فضلاً عن الحقوق الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة، وکذا الحقوق الجماعیة، وهی تتعلق بکافة مجالات النشاط الإنسانی (الشخصی والخاص والعام والسیاسی)([11]).

وقد شهد مفهوم المواطنة تغیرات کثیرة فی مضمونه واستخدامه ودلالته، فلم یعد فقط یصف العلاقة بین الفرد والدولة فی شقها السیاسی القانونی کما ساد سابقًا، بل تدل القراءة فی الأدبیات والدراسات السیاسیة الحدیثة على عودة الاهتمام بمفهوم “المواطنة” فی حقل النظریة السیاسیة بعد أن طغى الاهتمام بدراسة مفهوم “الدولة” مع نهایة الثمانینات، ویرجع ذلک لعدة عوامل، أبرزها الأزمة التی تتعرض لها فکرة الدولة القومیة التی مثلت رکیزة الفکر اللیبرالی لفترة طویلة؛ وذلک نتیجة عدة تحولات شهدتها نهایة القرن العشرین، منها([12]:(

  1. تزاید المشکلات العرقیة والدینیة فی أقطار کثیرة من العالم، وتفجر العنف بل والإبادة، لیس فقط فی بلدان لم تنتشر فیها عقیدة الحداثة من بلدان العالم الثالث بل أیضًا فی قلب العالم الغربی أو على ید قواه الکبرى، بدءً من الإبادة النازیة لجماعات من الیهود، ومرورًا بالإبادة النوویة فی هیروشیما، والإبادة الصربیة للمسلمین، والإبادة الأمیرکیة للعراقیین وللأفغان، والإبادة الجاریة للفلسطینیین.
  2. بروز فکرة “العولمة” التی تأسست على التوسع الرأسمالی العابر للحدود وثورة الاتصالات والتکنولوجیا من ناحیة أخرى، والحاجة لمراجعة المفهوم الذی قام على تصور الحدود الإقلیمیة للوطن والجماعة السیاسیة وسیادة الدولة القومیة، وکلها مستویات شهدت تحولاً نوعیًا .

وعلى صعید آخر فإن نمو الاتجاهات الأصولیة المسیحیة والیمینیة المتطرفة فی البلدان التی مثلت مهد التجربة اللیبرالیة قد أدى إلى مراجعة المفهوم والتأکید على محوریته لمواجهة هذه الأفکار وآثارها فی الواقع السیاسی والاجتماعی الغربی المعقد مع وجود أقلیات عرقیة ودینیة منها العرب والمسلمون، فضلاً عن وصول الفردیة کفکرة مثالیة لتحقیق حریة وکرامة الفرد إلى منعطف خطیر فی الواقع اللیبرالی، بعد أن أدى التطرف فی ممارستها وعکوف الأفراد على ذواتهم ومصالحهم الضیقة إلى تهدید التضامن الاجتماعی الذی یمثل أساس وقاعدة أی مجتمع سیاسی، وتراجع الاهتمام بالشأن العام لصالح الشأن الخاص، وتنامى ما یسمیه البعض “موت السیاسة” وبروز “سیاسات الحیاة الیومیة”.

والإشکالیة التی تهم العقل العربی والمسلم فی هذا الصدد هی أن الفکر اللیبرالی لم یؤدِّ إلى تأسیس تجارب دیمقراطیة فی العالم الغربی فقط، بل یطرح نفسه الآن وبشکل شبه منفرد کبدیل للواقع السیاسی والفکری فی دول العالم الثالث التی تشهد تحولا نحو الدیمقراطیة، کما فی أطروحة “نهایة التاریخ” وإعلان انتصار اللیبرالیة النهائی لباحث مثل فوکو یاما، أو کطرف متماسک ومتجانس ومتقدم فی مقابل حضارات أخرى (أو أدنى) فی أطروحة مثل “صراع الحضارات” لهنتنجتون. فخیار المواطنة صار مثالیة تروج لها الرأسمالیة اللیبرالیة فی الدول غیر الغربیة، ویتم تقدیمها کحل لمشکلات الجنوب “على طریق التقدم” یرتهن بتحول الرابطة السیاسیة داخل مجتمعاتها من رابطة تراحمیة عضویة أو قرابیة- ریفیة أو قَبَلیة- إلى رابطة تعاقدیة علمانیة ومدنیة للمواطنة؛ لذا فإن فهم دلالات “المواطنة” کرابطة تزعم أنها تجبّ روابط الدین والعرقیة والأیدلوجیة لَهُو أمر یحتاج مزید تأمل وتقص، وتحریرًا وتقویمًا، واختبارًا فی الواقع التاریخی بین النجاح والإخفاق.

وقد أدت التطورات سالفة الذکر التی شهدتها الساحة الدولیة فی العقود الأخیرة إلى ترکیز بعض الدراسات على ظواهر وحوادث کان لها أکبر الأثر فی تغییر مفهوم المواطنة لیشمل أبعادًا جدیدة. فکتابات النظریة السیاسیة اللیبرالیة الأولى التی کان مفهوم العقلانیة والرشد فیها مرتبطًا بالقیم المثالیة والفلسفیة ما لبثت أن تناولت مفهوم المنفعة بمعنى ذاتی/ نفسی ثم بمعنى اقتصادی/ مادی، وربطت فی مجملها بین المفاهیم النظریة السیاسیة والرؤى الاقتصادیة وهو ما أسماه البعض بالتحول من الدیمقراطیة اللیبرالیة إلى اللیبرالیة الدیمقراطیة بتقدیم الاقتصادی على السیاسی وغلبة المادیة على الفکر اللیبرالی. وما لبث الاقتصاد اللیبرالی أن تحول من لیبرالیة کلاسیکیة تتحفظ على تدخل الدولة للیبرالیة جدیدة تؤکد على تدخل الدولة من أجل تحقیق الرفاهیة فی مجالات الأمن الاجتماعی.

وصارت رابطة “المواطنة” منافع وحقوق مادیة محددة یطالب بها المواطن فی مجالات الصحة والتعلیم تهبط بالحقوق العامة السیاسیة لتفاصیل منافع مادیة مباشرة، أی تم الترکیز على الحقوق ولیس الواجبات. ومن ناحیة أخرى کان هذا یعنی مزیدا من سلطة الدولة فی الوقت الذی کانت تحولات الاتصال والعولمة ترشحها فیه للتآکل والذبول، فاستردت دورها فی التوزیع السلطوی للقیم– المادیة والمعنویة- وما لبثت أن بدلت هذا الدور شکلا فی ظل تنامی الحدیث عن الإدارة السیاسیة (Governance)عبر الحدیث عن الشراکة بین الدولة والمجتمع المدنی ورجال الأعمال، على رغم أن سلطتها لا تقارن بالطرفین الآخرین، ونفوذها یخترقهما على شتى المستویات.

وعبر تفاعل هذه المعطیات تحول مفهوم المواطنة لدلالات نفعیة وذاتیة فردانیة أعمق، کما صار مؤسسًا على واقع معقد لا یثمر نتائجه المثالیة الأصلیة المنشودة بسبب وجود الدولة الطاغی، على رغم تحول هذا الوجود نوعیًا وتغیر وجهه وتجلیاته بما أوحى للبعض بضعفها أو تراجع دورها لصالح آلیات السوق العالمیة، وهو ظن غیر دقیق. هذا التناقض توازى أیضًا مع بروز تیارین متعارضین:

  • أولهما: واقعی، یرتبط بالتأکید المتنامی على المصلحة المباشرة (الآن وهنا) ویهمش المثالیات الکبرى والمنافع الجماعیة والمؤجلة (التی إنبنت علیها نهضة الرأسمالیة الأولى).
  • ثانیهما: تنویری، یتمثل فی مناداة بعض الکتابات بإدخال البعد الأخلاقی فی النظریة الاقتصادیة، أی تجاوز الاقتراب الاقتصادی المادی النفعی لفهم السلوک الإنسانی وتفسیره والتنبؤ به، واستعادة الأبعاد الإنسانیة/الاجتماعیة/ الأخلاقیة فی النظریة والتحلیل الاقتصادی، وهو ما یستلزم ربط مفهوم المواطنة عند تحلیله بالأسئلة الکلیة فی الفکر اللیبرالی، وأبرزها تصورات الفرد وتعریف السیاسة وما یترتب على ذلک من تصور لطبیعة المجتمع السیاسی.

ومع تنامی عولمة الرأسمالیة وهیمنة الرؤى اللیبرالیة الجدیدة لم یعد ما نحن بصدده عند الحدیث عن المواطَنَة هو المفهوم البسیط، ولا بقی السؤال هو: مواطنة أم لا مواطنة؟ على غرار: نهضة أم تخلف؟ حضارة أم ضد الحضارة؟ (أسئلة اللحظة التاریخیة الأمیرکیة الراهنة). الواقع أکثر تعقیدًا من ذلک وهذه التصورات مضللة ومضلّة .أی مواطنة؟ هذا هو سؤال اللحظة الوجودیة الإنسانیة الحقیقی: مواطنة تنویریة تحترم الفرد وتؤسس مجتمعًا یکتسب وجوده الجمعی من تجاوزه لقوى الطبیعة وتصوره الإنسانی للإنسان، أم مواطنة رأسمالیة مدینیة ما بعد حداثیة؟. مواطنة قانونیة شکلیة متساویة ذات بعد واحد، أم مواطنة مرکبة عادلة اجتماعیة دیمقراطیة ثقافیة فی ظل مشروع حضاری إنسانی؟.

مواطنة تتحدث عن الحریة والمساواة والجسد السیاسی والعدل والشورى، أم مواطنة تتحدث عن اختزال القیم السیاسیة فی حریة الجسد وتفکیک المجتمع لصالح نوع ضد نوع أو ثقافة ضد ثقافة ونفی التجاوز فی الإنسان والتاریخ، وإعلاء سیاسات الجسد واللذة على الجسد السیاسی والخیر العام والقیمة الإنسانیة. مواطنة فی أی سیاق مکانی؟ مواطنة التنویر واللیبرالیة فی المدن الاجتماعیة ذات الطابع الثقافی والمسافات الإنسانیة، أم مواطنة المدن الرأسمالیة العالمیة السرطانیة المعادیة للمجتمع والقائمة على “التجمع” الذی یحسب حسابات الاقتصاد وتدویله قبل حسابات الهویة والجماعة والثقافة؟. مواطنة التدافع من أجل الغایات الإنسانیة والنفع العام والسعی فی دروب التطور الاجتماعی التاریخی، أم مواطنة اللحظة المتخیلة فی تفاعل الشبکة الاتصالیة الفردی التی تعید تشکیل الوعی بالذات والهویات والأنا والآخر والـ “نحن”، وتعید تشکیل مفاهیم الزمن والمکان من دون محتوى اجتماعی تفاعلی کما عرفته البشریة، وتعید تشکیل حدود الخاص والعام وتهدد مفهوم المواطنة فی کل تصوراته السابقة؟،هذه هی الأسئلة وتلک مساحات الاجتهاد والجهاد.

وهی مساحات للنقد ومسافات للمقارنة المنهجیة الواجبة، مفهوم المواطنة وفق أصول النقد والمقارنة فی حاجة لإعادة تشکیل ومداخل تعدیل وتأویل ومقتضیات تفعیل ـتجعل هذا المفهوم ضمن مفاهیم الموقف حالة نموذجیة لإعادة بناء المفهوم ضمن دواعٍ کثیرة، تفرضها عناصر اللیاقة المنهجیة والضرورات الواقعیة والذاکرة الحضاریة والاستنادات المرجعیة وعناصر المفهوم فی تحقیق مسالک الدافعیة والشرعیة والجامعیة والتجدیدیة والفاعلیة.

حاصل القول، المواطنة کلمة تتسع للعدید من التعریفات، فمن حیث مدلولها السیاسی، فهی شعور بالانتماء وولاء للدولة ومنظومة حقوق وواجبات کاملة یفرضها هذا الانتماء. ومن ثمة فإن أی مقاربة لهذا الموضوع فی الفکر العربی الإسلامی أو الفکر الغربی مسألة دقیقة ومعقدة. ومنذ نهایة القرن العشرین، ومع المتغیرات التی شهدها العالم برز مفهوم المواطنة متعددة الثقافات، وظهرت العدید من المقاربات لهذا المفهوم، الذی أضحى بعیدًا عن المفهوم الکلاسیکی، وأصبح آلیة فاعلة للحد من الصراعات الاجتماعیة والدینیة والعرقیة، على أساس قاعدة مبدأی عدم التمییز، والمساواة القانونیة بین المواطنین.

المحور الثانی: تطور إشکالیة “مفهوم المواطنة” فی الثقافة السیاسیة العربیة.

مفهوم المواطنة فی الفکر السیاسی العربی والغربی (مقاربة فکریة مقارنة):

تشیر بعض الدراسات أنه بعد أن أثبت النموذج الغربی للاجتماع المدنی القائم على مبدأ المواطنة فعالیته على المستوى الواقعی، وصارت المواطنة نموذجًا یفرض على الآخرین الاقتداء بقیمه، اختلف تفاعل الفکر العربی مع هذا الوضع، وذهب محمد عابد الجابری أنه لیس فی مخزون العرب اللغوی وبالتالی الفکری والوجدانی، ما یفید ما نُعنونه الیوم باللفظین “المواطنة” و”المواطن”. وشارکه فی هذا الرأی عدد من المفکرین التقوا مع ما ذهب إلیه برنار لویس من أن مفهوم المواطنة فی الفکر العربی مفهوم غیر أصیل إن لم یکن غریبًا مؤکدًا أن سبب غیاب کلمة مواطن فی اللغة العربیة واللغات الأخرى الفارسیة والترکیة “یرجع إلى غیاب فکرة المواطن کشریک وفکرة المواطنة کعملیة مشارکة”([13]).

فی حین خالف آخرون هذا الرأی وذهبوا إلى القول بأن جذور استعمال المفهوم ومعانیه تعود إلى فترة الإصلاح الإسلامی الحدیث حیث غلبت الإشکالیة السیاسیة على غیرها من الإشکالیات، وبالتحدید مع “تخلیص الإبریز فی تلخیص بارز” للطهطاوی فی مطلع الربع الثانی من القرن التاسع عشر إلى “الخلافة أو الإمامة العظمى” لرشید رضا فی نهایة الربع الأول من القرن العشرین. ویذهب أصحاب هذا الرأی إلى أن الباحث فی إنتاجات مفکری الإصلاح الإسلامی لا یعدم الوقوف على جملة من المبادئ والإشارات الفکریة ذات الدلالة السیاسیة الدائرة فی حقل المصطلح المقصود رغم أنه یعسر علیه العثور على مصطلح المواطنة بلفظه المتداول فی الزمن المعاصر أو بمعناه. وبهذا المعنى، کان طغیان المسألة السیاسیة فی وعی الإصلاحیین استجابة تلقائیة لتحدَّ هو فی جوهره سیاسی فهم إذ عزوا تقدم أوروبا وتفوقها إلى قوة نظامها السیاسی عزوا تخلف مجتمعاتهم- بالمقابل- إلى تخلف النظام السیاسی التقلیدی([14]).

فهناک أولاً موقف الطهطاوی الذی یعطی الأولویة للسیاسة اللیبرالیة ویؤکد ضرورة إصلاح النظام السیاسی، ولیس أدل على ذلک من ترجمته لمواد الدستور الفرنسی کاملة فی کتابه تلخیص الإبریز متوقفًا أمام المواد الخمس عشرة الأولى منها بالشرح والتفسیر مطابقاً فی الوقت ذاته بین مفهوم الحریة عند الغرب ومفهوم العدل الإسلامی، “وما یسمونه الحریة ویرغبون فیه هو عین ما یطلق علیه عندنا العدل والإنصاف، وذلک لأن معنى الحکم بالحریة هو إقامة التساوی فی الأحکام والقوانین بحیث لا یجور الحاکم على إنسان بل القوانین هی المحکمة والمعتبرة”. والدعوة إلى المساواة أمام القانون معناها إعادة النظر فی علاقة الحاکم بالمحکومین “على نحو یجری فیه الحد من سلطات الأولین وإجراء أحکام التقیید الضروریة علیها وتمتیع الآخرین بسلطات کانت فی النظام القدیم من مشمولات أملاک الحاکم. وهو ما أثار انتباه الطهطاوی حین کتب “أن ملک فرنسا لیس مطلق التصرف، وأن السیاسة الفرنسیة هی قانون مقید([15]).

أما خیر الدین التونسی، فقد دفع بالمسألة إلى أبعد من ذلک من منطلق أن “التمدن الأوروبی تدفق سیله فی الأرض فلا یعارضه شیء إلا استأصلته قوة تیاره المتتابع، لذلک على العالم الإسلامی أن یدرک سر هذا التقدم ویتبعه وهو فی المجال السیاسی راجع إلى “التنظیمات المؤسسة على العدل السیاسی”. ولهذا السبب “لا یسوغ أبداً أن یسلم أمر المملکة لإنسان واحد بحیث تکون سعادتها وشقاؤها بیده ولو کان أکمل الناس وأرجحهم عقلاً وأوسعهم علماً، وهذا هو جوهر فکرة العقد الاجتماعی”([16]).

ولم یر “التونسی” حرجًا فی التأکید علیها وتجاوز مسألة مقارنتها بالشریعة لأن “الشریعة لا تنافی تأسیس التنظیمات السیاسیة المقویة لأسباب التمدن والعمران”. لکن ما یثیره المعترضون على هذا الرأی لا یخلو من وجاهة تستدعی الوقوف عندها والبحث فی إشکالاتها، إذ یرى المعترضون أن اشتراک مفکری الإصلاح الإسلامی جمیعًا فی النهل من التجربة الأوروبیة والاقتباس من الأدوات والآلیات التی تخص هذه التجربة لم یحد بهم قطعًا عن اعتبار “دعوتهم للإصلاح والتنظیمات والعدل والدولة الحدیثة هی من صمیم الإسلام ومن تفاصیل أحکامه بل هی من مقتضیات العمل بقاعدة أصولیة فیه هی الاجتهاد. وهو ما یفتح المجال لتعمیق البحث أکثر فی سؤال المواطنة فی المدونة الإسلامیة فکرًا وفقهًا وسؤال ما إذا کان من الممکن أن یتطور المجتمع الإسلامی نحو نموذج المواطنة؟.

وتبدو هذه الإشارات مهمة من جهة تأکیدها أهمیة مبحث المواطنة فی الفکر العربی الإسلامی برغم أن هذا الفکر ما یزال یعانی نقصًا کبیرًا فیما یتعلق بثقافة المواطنة وأن الموضوع جدید بالنسبة إلیه. کما تزداد الحاجة إلى إثارة حوار حول المفهوم وأبعاده وغایاته وسیاقاته بعد التقدم الذی حصل فی هذا المیدان فی الفکر الأوروبی موطن ظهور المفهوم وتطوره، خاصة أن هذا التطور أوقفنا على حقیقة هامة هی أن المشکلة لا تکمن فی حصریة المواطنة وإنما فی دلالتها المختلفة من مرحلة إلى أخرى مع احتفاظ المفهوم ببعض هذه المعانی القدیمة([17]).

وفی هذا الإطار، تذهب دومنیک شنابر Dominique Schnapper إلى أن النجاح الذی عرفه تصنیف توماس مارشال (1893-1983) لمراحل تطور المواطنة (القرن 18 کان قرن الحقوق المدنیة والقرن 19 قرن المشارکة السیاسیة، أما القرن العشرون فهو قرن النضال من أجل الحقوق الاجتماعیة) ینطبق خاصة على التاریخ الإنجلیزی، فبیسمارک مثلاً نظّم مؤسسات المواطنة الاجتماعیة قبل أن تُقام المواطنة السیاسیة فی الرایخ الألمانی. وهو موقف یحیل إلى المرونة الفکریة التی تسم تعامل مفکری الغرب مع منجزاتهم الفکریة والواقعیة بحثًا عن الأفضل، وهی مرونة نلمسها أکثر عند یورجن هابرماس– فیما یتعلق بمفهوم المواطنة- الذی یدعو إلى إعادة دراسة الإشکالیات التی تطرحها المواطنة الیوم على الفکر السیاسی فی أوروبا بعد ظهور مفهوم “الاتحاد الأوروبی” الذی یقوم بدیلاً عن مفهوم المواطن والمواطنة کمنجز من منجزات الدولة/ الأمة، التی ضعف دورها مقارنة بتاریخها وهو ما أثار سؤال المحافظة على الحقوق الثقافیة لمجموعة ما دون وضع قیم الحریة والمساواة، التی هی أصل المواطنة، موضع سؤال، أی اختبار قدرة المواطنة السیاسیة مع وجود المجتمعات الأکثر انفتاحًا وتعددًا من المجتمعات القدیمة.

کما أن التفاعلات السیاسیة الطارئة حالیًا مع وجود أقلیات مسلمة فی العالم الغربی، أخذت تظهر مطالب جدیدة تکتسی طابعًا حقوقیًا ودینیًا فی الوقت ذاته، تتمحور أساسًا حول قضیة اندماج الأقلیات الثقافیة والدینیة ضمن المجتمعات المؤسسة على أساس المواطنة دون انتقاص من حقوقهم الثقافیة. وهو ما یطرح أمام الفکر السیاسی المعاصر سؤال إمکانیة الارتکاز على مفهوم المواطنة کنظام للعلاقات الإنسانیة؛ إذ إن غیاب المرجعیة المتجانسة یؤدی بالتأکید إلى الرجوع إلى الخصوصیات، مما یعنی بدوره عدم شمول کلمة “المواطنة” مجموع البشر فی ظلال کیان دولانی محدد ([18]).

ویبدو من خلال متابعة ما یکتب حول هذا الموضوع أن هذه المرونة الفکریة تحتاج إلى مزید من التطویر، فلا یخلو مجتمع من المجتمعات مهما بلغت درجة حداثته من قوى محافظة تتمسک بالمنجز وترفض إخضاعه للنقد. أما ما یخص الفکر العربی والإسلامی فیبدو أن ریح هذه المرونة أصابت بعض مفکریها وکتابها فطرحوا ما یمکن أن یعد خطوة هامة فی مسار الخروج من حالة “المحافظة الممیتة للفعل والإبداع” بصرف النظر عما قد تفرزه الطروحات الجدیدة. ولعل أبرز ما یستدعی الوقوف عنده فی هذا الإطار تبنی بعض مفکری التیار الإسلامی من المتحزبین وخاصة من غیر المتحزبین لمقولات المواطنة وقیمها، مع اختلاف فی درجة الانفتاح، وکان لافتًا ما أثارته الفتوى الشهیرة الصادرة عن مجلس الإفتاء الأوروبی من جدل فی الساحة الفکریة الإسلامیة فقد أعطت الفتوى الأولیة للمواطنة على حساب العقیدة حین جوزت للجندی الأمریکی المسلم المشارکة فی الحروب التی یخوضها الجیش الأمریکی حتى وإن کانت ضد المسلمین.

ولا بد من التنبیه هنا إلى أن الجدل المثار حول هذه الفتوى یحیل إلى أن کثیراً من القضایا المتعلقة بمبدأ المواطنة لم تحسم بعد داخل الفکر الإسلامی، وما زال هناک من یقف منها موقف المحترز لمبررات نتفهمها فی هذا الإطار باعتبار أنه لیس من الهیّن حسم الإشکالات الجوهریة والمعقدة التی یفرضها هذا الموضوع کقضیة المرجعیة التی تجعلها المواطنة للدولة بینما یمثل النص المرجعیة العلیا فی الفکر الإسلامی، لذلک فإن القبول الجزئی للمواطنة من لدن المفکرین المتحمسین لنشر قیمها مثیر للسؤال أکثر مما هو مدعاة “للفرح”: هل نحن فعلاً إزاء مراجعات جوهریة استطاعت أن تحسم القضایا الخلافیة على أسس فکریة متماسکة؟ لماذا لا یکون المحترزون أقوى حجة وأکثر تماسکًا فی موقفهم بناءً على أن لکل مجتمع نموذجه الخاص فی الاجتماع المدنی وهو ما تثبته المراجعات المستمرة لمفهوم المواطنة.

المحور الثالث:

الأسباب التاریخیة والسیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والاجتماعیة التی تقف وراء هشاشة مفهوم المواطنة فی الثقافة السیاسیة العربیة

إشکالیات المواطنة فی السیاق العربی المعاصر:

ما إن یتم طرح هذا المفهوم فی التداول السیاسی العربی إلا وتطرح مجموعة من الإشکالات والقضایا، یمکن تقسیمها إلى إشکالیات خاصة على مستوى المفهوم وإشکالیات فی سیاق الثقافة السیاسیة العربیة وإشکالیات على مستوى التطبیق.

فعلى مستوى المصطلح، فلفظ المواطنة فی اللغة العربیة مأخوذة من کلمة الوطن، أی المنزل أو المکان الذی یقیم فیه الفرد. وإذا کان بعض أهل اللغة دلالة للفظ المواطنة على مفهومها الحدیث؛ إذ إن (واطن) فی اللغة تعنی مجرد الموافقة وواطنت فلانًا یعنی وافقت مراده، فإن آخرین من المعاصرین رأوا إمکانیة بناء دلالة مقاربة للمفهوم المعاصر بمعنى المعایشة فی وطن واحد من لفظة (المواطنة) المشتقة من الفعل (واطن) لا من الفعل (وطن) فواطن فلان فلانًا یعنی عاش معه فی وطن واحد کما هو الشأن فی ساکنه یعنی سکن معه فی مکان واحد. والمواطنة بصفتها مصطلحًا معاصرًا تعریب للفظة (Citizenship) التی تعنی کما تقول دائرة المعارف البریطانیة (علاقة بین فرد ودولة کما یحددها قانون تلک الدولة وبما تتضمنه تلک العلاقة من واجبات وحقوق متبادلة فی تلک الدولة، متضمنة هذه المواطنة مرتبة من الحریة مع ما یصاحبها من مسؤولیات([19]).

وتمثّل مصطلحات (الوطن، المواطن، المواطنة، الوطنیة) تعبیرات شائعة یختلط فی معناها الوصف بالقیمة، لکنها تنطوی على إشکالیات اساسیة، مصدرها التطور خارج الإطار المعرفی العربی، وتطبیقها على نحو متغایر مع حاجات الناس فی العصر الجدید.

وعلى جانب المدلول، یعد مفهوم “المواطنة” کغیره من المفاهیم السیاسیة، مفهوم غربی المنشأ والمدلول، بمعنى ان هناک ترابط وثیق ما بین المفهوم وبین الوسط الحضاری الذی انبثق منه، ومن ثم فإن منظومة المفاهیم لا یمکن أن تقوم بوظائفها على الوجه الأکمل إلا إذا توافقت مع طبیعة المجتمعات التی تتواجد فیها. ومن هنا تنبع أهمیة الخصوصیة الثقافیة للمفاهیم، عن طریق تحریر مضامین المصطلحات واکتشاف مناطق التمییز فی معانی ومفاهیم هذه المصطلحات وخصوصا تلک المصطلحات الأکثر شیوعا والأکثر إثارة للجدل بین تیارات الفکر المعاصر. والبعد عن القوالب النمطیة واستیراد المفاهیم بدون محاولة تطویعها  بما یتناسب مع طبیعة المجتمعات العربیة لتتلاءم مع مکوناتها الثقافیة والاجتماعیة([20]).

یرتبط مفهوم المواطنة مع شبکة کبیرة من المفاهیم الأخرى، ولعل أبرز المفاهیم ذات الصلة الوطیدة مع مفهوم المواطنة هو کل من مفهوم الدیمقراطیة ومفهوم بناء الدولة، والجدیر بالذکر أن هذه المفاهیم تحمل من مساحات التمایز أکثر من مساحات التباین. وأن کل من هذه المفاهیم حجر زاویة وأحد شرط وجود الأخر.

ویثیر مفهوم المواطنة إشکالیة کبیرة فی سیاق الثقافة السیاسیة العربیة، إذ إن لکل مجتمع خصوصیة تعکسها ثقافته السائدة بین أبنائه، تلک الثقافة التی تطورها مجموعة القیم والمفاهیم والمعارف التی اکتسبها عبر میراثه التاریخی والحضاری وواقعه الجغرافی والترکیب الاجتماعی وطبیعة النظام السیاسی والاقتصادی، فضلاً عن المؤثرات الخارجیة التی شکلت خبراته وانتماءاته المختلفة، فالثقافة السیاسیة هی جزء من الثقافة العامة للمجتمع وهی تختلف من بلد لآخر. فکل نظام سیاسى، عند ألموند.§ (( یترسخ حول أنماط محدده من التوجهات التی تضبط التفاعلات التی یتضمنها النظام الاجتماعی، وبالمثل تعتبر الثقافة السیاسیة بمثابة التنظیم غیر المقنن  للتفاعلات السیاسیة))[21]

وفی هذه الإطار تثار قضیتان مهمتان، هما الانتماء والهویة من جانب والمشارکة السیاسة من جانب آخر. ویقصد بالانتماء علاقة نفسیة فی المقام الأول، وهی الشعور بمفهوم “النحن”، وتنبثق من ذلک العلاقة بین “النحن” و”الهم”. فالانتماء هو شعور الإنسان بالانخراط فی جماعة بشریة ما واعتناقه لرموزها وتقالیدها. هذا الشعور هو الذى یعطیه ذاتیة ثقافیة وخصوصیة ما، کما أنه هو الذى یضع الحدود بین الجماعات الإنسانیة([22]).

وللانتماء مستویات متعددة منها مستوى الأسرة الممتدة، ومستوى العشیرة والقبیلة، ومستوى الجماعة الدینیة أو الطائفیة، ومستوى الأمة والوطن. وفى المجتمعات النامیة، ومنها العربیة، نجد أن قیمة الولاءات التحتیة (دون الدولة) تکون أحیانا من القوة بحیث تتنافس مع الولاء للدولة. یبرز هذا بوضوح فی المجتمعات التعددیة مثل المجتمع اللبنانی، حیث یعرف المواطن نفسه من منطلق الطائفة التی ینتمى إلیها کشیعى،أو کسنى([23]).

فلا تزال الأسرة النوویة هی الکیان الأساسی الذی یستمد منه المواطن العربی معظم قیمة وتعالیمه، لکن ضعف علاقة انتماء المواطن بالدولة، لیس هو المظهر الوحید لأزمة الهویة، فهناک بعد أخر یتمثل فی أن بعض الجماعات ترفض حدود الدولة وتتجه بانتمائها إلى نطاق أوسع، سواء کان قومیا (عربیاً) أو أممیاً (إسلامیا).

والملاحظة المهمة فی هذا الخصوص، هو أن عدم التناسق بین تلک الدوائر أو الانتماءات (دون الدولة والقومیة والأممیة) مع الولاء للدولة ذاتها، وغیاب وضوح الرؤیة لترتیبها قد یؤدى إلى رفع السلاح فی وجه الدولة.

وعلیه، فإن التأصیل النظری لمفهوم المواطنة والانتماء یبین أن المواطنة هی الدائرة الأوسع التی تستوعب مختلف الانتماءات فی المجتمع، کما أنها تضع المعاییر التی تلزم الأفراد بواجبات والتزامات معینة تحقق الاندماج والمشارکة فی تحقیق مصالح الأفراد والوطن، ومن ثم تعد المواطنة البوتقة التی تضمن انصهار جمیع الانتماءات لصالح الوطن ضمن أطر نظامیة، ومن خلال الالتقاء على أرضیة المصلحة الوطنیة العامة.([24])

ومع الاقتراب من قضیة المشارکة السیاسیة، والتی یقصد بها تحدیدا الأنشطة الإداریة التی یقوم بها أفراد المجتمع بهدف التأثیر فی العملیة السیاسیة. کالتصویت، وحضور المؤتمرات والندوات، ومطالعة الصحف وبیانات الأحزاب وبرامجها، والاتصال بالجهات الرسمیة، والانخراط فى المؤسسات الوسیطة مثل الأحزاب والنقابات، والترشیح للمناصب العامة، وتقلد المناصب السیاسیة. وقد یلجأ الفرد إلى نوع من المشارکة غیر المشروعة کالتظاهر، والاعتصام، وأعمال الشغب عندما یشعر أن الوسائل القانونیة غیر ذات فعالیة([25]).

وتصنف الثقافة العربیة على أنها ثقافة ضیقة وفقا للتصنیف الذی وضعه ألموند وفیربا. فالمشارکة السیاسیة فی غالبیة البلدان العربیة تتصف بالشکلیة، والموسمیة، وعدم الفعالیة، إذ إن القرارات السیاسیة عادة ما تتخذ من قبل النخب الحاکمة وتترک للجماهیر العربیة مهمة إضفاء الشرعیة الصوریة علیها من خلال انتخابات معلومة النتائج سلفا. کما أن ظاهرة المرشح الواحد مسألة واسعة الانتشار فی الواقع العربی حتى فی إطار النظم التی تأخذ بالتعددیة الحزبیة، ویشار أیضا إلى أن المشارکة السیاسیة فی البلدان العربیة هی مشارکة متقطعة لا تتخذ شکلا منتظما، بمعنى أنها ترتبط أکثر بعملیة التعبئة الاجتماعیة أثناء الأزمات منها بالمبادرة الفردیة، بحیث یعود المواطن بعدها إلى سلبیته، وبخاصة مع تواضع دور المعارضة الفعالة.

لکن الفارقة أن السلوک الفعلی للجماهیر العربیة شیء ومشاعرها غیر المعلنة شیء أخر، بمعنى أن الجماهیر قد تحجم عن المشارکة شعورا منها بعدم جدواها، وهی قد تشارک لا تعبیرا عن نوع من الوعی السیاسی إنما مقابل تلقیها خدمات معینة من المرشحین بحیث تصبح المشارکة فی هذه الحال بمثابة تزییف للوعی السیاسی.

یرى المنظرون أن العالم العربی قد بقی خارج دائرة الحداثة والعقلانیة ولم تتوفر فیه الشروط الأساسیة لبناء الدولة، ولعل أهم مظاهر تعثر تجربة بناء الدولة مشکلة الشرعیة ومشکلة الهویة والمساواة.

سعی الدول إلى ترکیز علاقة تربویة مع المواطن أساساها الاحتواء السیاسی عوضاً عن المشارکة وحق الاختلاف ولم یتولد عن ذلک مواطنة فاعلة بقدر ما اتسمت العلاقة بین المواطن والدولة بالحذر([26]).

لم تتشکل الأوطان فی المنطقة العربیة نتیجة تفاعل عناصر ثقافیة وسیاسیة واجتماعیة کما حدث فی الغرب بل تشکلت نتیجة قرارات سیاسیة أو بالأحرى مقایضات سیاسیة من قوى خارجیة وهی الدول الکبرى بعد الحرب العالمیة الاولى، فمن المعروف أن دولاً مثل العراق وسوریا ولبنان وفلسطین والأردن، قد تشکلت بعد محادثات سایکس وبیکو  وزیری خارجیة إنجلترا وفرنسا بعد الحرب العالمیة الأولى، واتفاقهمها على تقسیم المنطقة وفق مصالحهما من جهة، ووفق ترتیبات إقلیمیة کیهود فلسطین من جانب آخر.

وترد أهمیة موضوع المواطنة فی المجتمع العربی الی عدید من العوامل‏، أهمها أن هذا المجتمع یتشکل من مجموعات متنوعة من الأعراق والأقلیات وتسوده ثقافات فرعیة متعددة بالإضافة الی ثقافته العامة‏.‏

فلدینا البربر فی المغرب العربی ولهم لغتهم الخاصة وهی الأمازیغیة التی اعترف بها أخیرا فی المغرب والجزائر لتکون لغة للتعلم بالإضافة الی اللغة العربیة‏.‏ ولدینا الأکراد فی المشرق العربی‏،‏ وهم أیضا لهم لغتهم الخاصة وثقافتهم المتمیزة ولدینا المارونیون فی لبنان ولدینا فی السودان جماعات سلالیة متنوعة بالإضافة الی الجنس العربی‏.‏ ومعنی ذلک أن قضیة المواطنة لابد أن تشغل الباحثین العرب وصناع القرار العرب علی السواء‏.‏

وعلى الرغم من أن مفهوم المواطنة فی الفکر السیاسی العربی قد بأت إرهاصاته فی خضم النضال الوطنی لنیل الاستقلال، مما أوجد مساحة عریضة من المدرکات والقیم المشترکة، إلا أن رصید ثقافة المواطنة فی الفکر السیاسی العربی قد أصابه الکثیر من التآکل والإضراب والتشویش بسبب مجموعة من العوامل، هی: 

ومن ثم فیمکن القول، أن مفهوم “المواطنة” هو مفهوم ذو مضمون ثقافی وسیاسی واجتماعی واقتصادی ودینی. ولا یعنی فقط فکرة الولاء وحب الوطن…فهی مجموعة من العوامل التی تتضافر وتتفاعل فی فترات زمانیة متوالیة. ویمکن القول أن الفکر القومی العربی الذی قاد المنطقة العربیة فی المائة السنة الماضیة قد أعاق ترسیخ مفهوم المواطنة لدى شعوب المنطقة، وذلک لعدة أسباب:

1)  عدم القدرة على تحدید عوامل بناء الأمة واللجوء إلى الروابط التحت قومیة من طائفیة وقبلیة والاعتماد علیها من أجل إحکام سیطرته على شعوب المنطقة.

2)  فشل القیادات القومیة العربیة فی إنشاء روابط جدیدة لبناء الأمة، لتتغلب على التقسیم السیاسی للدول العربیة والذی تم دون اعتبار لأی قیم ودون مراعاة للمعاییر الموضوعیة عند تقسیم هذه الدول..

3)  عملت القیادات العربیة على تدمیر الکثیر من الروابط القدیمة، حینما ألغت دور الدین فی بناء الأمة،  والاعتماد على عنصری اللغة والتاریخ المشترک، على الرغم من أهمیة الدین کمکون أساسی فی ترسیخ مفهوم المواطنة.([27])

4)  تجاهل للخصوصیات الثقافیة الفرعیة العربیة لإضفاء سمة التشابه بین کل المجتمعات العربیة وإغفال الفروق المتمیزة لبعض الجماعات الفرعیة دفعتهم الی عدم المناقشة الصریحة لوضع أبناء هذه الجماعات باعتبارهم مواطنین لهم جمیع الحقوق مثلهم فی ذلک مثل المواطنین الذین ینتمون الی الأغلبیة وبغض النظر عن الاختلاف فی العرق أو الدین‏.‏

5)  الخطابات الرادیکالیة والأفکار المتطرفة والتی عملت على خلق أقطاب متنافرة داخل الأمة ما بین مفهوم “التخوین” و”التکفیر”، والمتتبع للتاریخ العربی یستطیع أن یمیز بین مرحلتین من الفوضى تنقلت بینهما المنطقة بعد حرب فلسطین، الأولى فوضى الخمسینات والستینات من القرن الماضی بما شهدته من الاختراق على الشعارات القومیة، وشعار هذه الفترة هو “التخوین”، والثانیة فوضى المشروع الدینی أو الإسلام السیاسی، والتی تشهد المنطقة الآن فاصل منها وشعارها التکفیر. وظلت المنطقة تتأرجح ما بین الشعارین، على أن الأزمة الحقیقة تتجلى فی المنطقة العربیة خاصة فی مرحلة ما بعد الثورات العربیة، وقد تحدث عن هذا المفهوم الدکتور وحید عبد المجید فی کتابه “أزمة العقل العربی: التخوین والتکفیر” وتحدث عبد المجید «عن أنه إذا اجتمعت الحالتان (احتکار الوطنیة واحتکار الدین) فی لحظة تاریخیة واحدة، یصبح العقل فی أزمة خطیرة.  والحقیقة أن مفهوم التخوین ومفهوم التکفیر بین هما وجهان للعملة نفسها بکل ما تنطوی علیه من إرهاب وما تؤدى إلیه من تسمیم المجتمع وتدمیر العقل،  فالاتجاه الذى یحترف تخوین المختلفین فی الرأی، وتشویههم لعجزه عن مناقشتهم، فالتخوین القائم على ادعاء احتکار الوطنیة لا یقل ضحالة وخطرا عن التکفیر القائم على زعم احتکار الدین([28]).

یثیر مفهوم المواطنة العدید من الإشکالیات فی السیاق العربی المعاصر خاصة بعد ثورات الربیع العربی، ومنها:

1)  المواطنة والدین والشریعة والأقلیات:

تعتبر قضیة العلاقة بین الشریعة والمواطنة من المسائل المرکبة لا باعتبار الجمع بینهما على صعید واحد، ولکن بالاعتبار الذی حملت فیه قضیة الشریعة ومسألة المواطنة بما لا تحتمل، وأدى ذلک إلى تصور حقیقیة هذه العلاقة ضمن رؤى تفترض تناقضًا فی العلاقة بین الشریعة والمواطنة، على الرغم من أن قضیة الشریعة تنتمی إلى دائرة المرجعیة والقواعد المتعلقة بالنظام العام، بینما قضیة المواطنة ترتبط بأسس المرجعیة (المعاش الواقعی) التی تتعلق بالواقع الذی یجمع المواطنین ضمن وطن واحد وحالة من المواطنة؛ ترتب أصول التعامل ضمن قاعدة المساواة العامة فی الحقوق والواجبات.

ومن الضروری أن نحدد منهج النظر للعلاقة بین المواطنة والشریعة، ضمن دوائر عدة تتراوح بین التراحم والتزاحم والتصادم، فقد یرى البعض أن الشریعة والمواطنة صنوان، وقد یرى البعض الآخر أن العملیة السیاسیة لا تتسع لکلاهما ولکل مجاله، بینما یرى فریق ثالث أن الشریعة والمواطنة مفترقان/ متمایزان، ویتبنى رابع أن الشریعة والمواطنة متصادمان متنافیان، وذلک ضمن ضغوط تتعلق بواقع یعیش فیه النظام الاستبدادی على تولید الاختلافات بین طوائف الأمة واستغلال ذلک الخلاف لمصالحة الاستبدادیة، صناعة الخلاف والاختلاف عملیة یقوم بها النظام السیاسی الاستبدادی ضمن عملیات متراکمة، فتفتعل خلافًا، وتختلق اختلافًا، وتؤجج تناقضًا، بحیث تصرف النظر عن جملة القضایا الحقیقیة التی ترتبط بکیان المواطن والإنسان، وتتعلق بحقوقه المهدرة، وکیانه المهدور.

ولا یمکن التعارف على المبادئ التأسیسیة التی تتعلق بالشریعة إلا فی إطار منظور عام وکلی یرتبط أول ما یرتبط بالمقاصد الکلیة العامة للشریعة، وبما یحدد العلاقة بین الدینی (الشریعة) والسیاسی (المواطنة)، والشریعة فی مبادئها (مرجعیة النظام العام)، والمواطنة فی جماعتها السیاسیة (جماعة المواطنین عبر الوطن)، هذه الرؤیة هی التی تکشف مسار ووسط العلاقة بین حقائق التأصیل ومداخل التزییف، والذی یتخذ مسارات عدة، وتوجهات تحمل فی طیاتها أحکام وتعمیمات تحتاج فی حقیقتها إلى مراجعة وتأمل، من مثل أن الدینی لا علاقة له بالسیاسی، الخلط بین تأثیر الدینی الجوهری والحقیقی فی الاجتماع الإنسانی وعملیات تسییس الدین وتوظیف قدراته، الشریعة بین الفرض والرفض، الشریعة ومداخل الأقلیة والطائفیة، الدستور بین الوحدة الکیانیة وصراع الموارد وفکرة التوازنات.

وقد تکون هذه القضایا جمیعًا خاصة فی حال تشوشها وتشوهها، تعانی ضمن سیاق عام من التضمینات السلبیة والتی تولد کثیرًا من تلک الهواجس، هذا السیاق قد یؤثر تأثیرًا سلبیًا أو إیجابیًا فی سیاق تراکمات معینة على النظر للجماعة الوطنیة والسنن التی تؤدی إلى تماسکها والنظر فی تلک الأمور التی تؤدی إلى تفککها، وهو یشکل سیاقًا تاریخیًا یجب النظر فیه، والتعامل معه بدقة وحساسیة ورویة، کذلک یجب أن یؤخذ فی الاعتبار ذلک السیاق الإعلامی ولغة الخطاب السائدة التی تحتوی على مفجرات ومفخخات، وکذلک البحث فی السیاق عن تلک المداخل التربویة والتثقیفیة التی تحیط بهذه العملیة التی تشکل شروطًا لتأسیس الجماعة الوطنیة وتشکیل وعیها.

کما أن هناک من بعض المهتمین بهذا الأمر من أضاف إلى ملف الطائفیة معالجة جدیدة لا تقل خطرا عن المعالجة الأمنیة السائدة فی التعاطی مع هذا الملف، فبعد أن کانت المعالجة الأمنیة هی فقط التی تسیطر على معالجة ملف الفتنة الطائفیة أضاف البعض المعالجة الفتنویة والتی قد تزید الأمور اشتعالاً، ومن هنا وجب علینا أن نضع الأمور فی أحجامها الحقیقیة من دون إقحام الدین من غیر میدان واللجوء إلى خطاب الاستنجاد والاستغاثة وکأننا نولول على انتهاک حق هنا أو حق هناک بسبب الدیانة أو ما شابه ذلک، أصبح هناک ما یمکن تسمیته معالجة فتنویة لکثیر من الأحداث والتی یمکن أن تنتمی إلى دائرة العلائق الاجتماعیة والاقتصادیة یقحم الدین فیها ومن أقرب طریق([29]).

2)    المواطنة والحریة والمسئولیة:

تحتاج الحریة، ضمن ما تحتاج إلیه بالضرورة، إلی إطار دستوری یقرها نصًا، ویصون احترامها تطبیقًا. وحیث أن الدستور موسوم بطبیعته بالسمو والعلویة، فقد نیطت به فی کل التجارب الدیمقراطیة، وظیفة إخضاع الجمیع، أفرادًا وجماعات ومؤسسات، لأحکامه ومقتضیاته، کما أن الحریة تتحقق حین یضمن مبدأ فصل السلطات ویحترم علی صعید الممارسة، علمًا أن دیمقراطیة الدساتیر لا تُقاس بمدی إقرارها للحقوق والحریات فحسب، بل تتحدد أیضا بدرجة حرصها علی تأکید الشرعیة الدستوریة، أی جعل ما هو مدرج فی باب الحقوق والحریات، محترمًا علی صعید التطبیق والممارسة.([30])

وتتعلق المواطنة فی علاقتها بالحریة بالمسئولیة الاجتماعیة، وتتضمن المسئولیة الاجتماعیة العدید من الواجبات علی الفرد مثل: احترام القانون، واحترم حریة وخصوصیة الآخرین، وغیرها من الواجبات. وتعد المسئولیة الاجتماعیة بنیة من الواجبات والحقوق تحدد السلوک الذی ینبغی أن یطرقه الفرد تجاه المجتمع. فالمجتمع یشکل الإطار الشامل الذی تسعی کافة الأطراف الأداء مسئولیاتها الاجتماعیة بهدف تأکید بقائه واستقراره. وبالتالی فإطلاق الحریات دون قیود یؤدی بشکل حتمی إلی الفوضی من خلال الاستخدام العشوائی لهذه الحریة. فهناک قیم معنویة تعتبر أساسًا لمشروعیة حریة الرأی والتعبیر، وبسبب مخالفة هذه القیم ظهر تجریم الانحرافات الناتجة عن هذه الحریة، فالفرد حر ولکن لیس له حریة إلحاق الضرر بالآخرین، والحریة فی ظل المجتمع السیاسی هی حریة فی ظل القانون، وهی بالتالی مقیدة بالقانون.([31])

3)    المواطنة والمساواة والعدالة:

مما لا شک فیه أن جوهر المواطنة هو المساواة أمام القانون، واعتبار المواطن تحت حمایة الدولة بشکل متساو مع الجمیع طبقًا للقانون، فمضمون هذه المواطنة یدور حول کیفیة اکتساب الحقوق وکیفیة ممارستها. لذا، المفهوم الأوسع للمواطنة هو المرتبط بفکرة المساواة وعدم التمییز وقبول التنوع والاختلاف وانعکاسها فی حزمة الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والمدنیة التی یجب أن یتمتع بها المواطن، وتجاوز النظر إلیه من زاویة ضیقة تحصره فی حل الصراعات أو المشکلات بین المختلفین.

فمن البدیهی أن یترتب على المواطنة إقرار قیمة المساواة القانونیة بین جمیع المواطنین، وانتماء المختلفین دینیًا أو عرقیًا وإثنیًا إلى وطن واحد یدینون له بالولاء ویتضح الارتباط العضوی بین فاعلیة المواطنة على مستوی الممارسة وبین شرعیة النظام السیاسی القائم، فکلما کانت قدرة النظام کبیرة علی مواجهة مشکلات المواطنة وإیجاد حلول لها، وکفالة تمتع أکبر عدد ممکن من المواطنین بها، زادت قدرته علی الاستمرار، وتداعمت شرعیته السیاسیة، واتسع نطاق الرضا الاجتماعی عنه، والعکس صحیح. وکما هو واضح، فإن المواطنة تنتقل من مجرد کونها توافقًا اجتماعیًا سیاسیًا تجسده نصوص قانونیة لتصبح قضیة المساواة بین المواطنین فی الحقوق والواجبات هی القیمة العلیا فی المجتمع([32] .(

وبالتالی، فوجود فجوة بین النصوص التشریعیة والقانونیة، والواقع أو التطبیق الفعلی، یؤدی إلی الإحساس بالتهمیش وغیاب الدور الذی یمکن أن یقوم به الأفراد ویتمتعون به داخل مجتمعاتهم، وذلک لأن القیمة المحوریة التی تقوم علیها المواطنة هی “قیمة المساواة “، ولذلک فمن المهم التأکید علی عدم وجود فجوة بین ما هو موجود فی الدساتیر والنصوص والمبادئ التشریعیة وبین الممارسة العملیة والفعلیة فی واقع الحیاة وخاصة بالنسبة لتطبیق العدالة والمساواة فی توزیع الثروة وخطط التنمیة وعوائدها سواء بین الفئات الاجتماعیة أو بین النطاقات الجغرافیة فی البلد الواحد. وبناء على ذلک، لا تکتمل المواطنة إلا إذا تحقق شرط المساواة فی الحقوق والواجبات بین المواطنین دون تمییز لأی سبب کان ; فإن واقع الممارسة العملیة یشیر دائمًا إلى وجود فجوة بین ما یجب أن یکون وما هو کائن، الأمر الذی تشهده کل المجتمعات وإن کان بنسب متباینة فی درجة اتساع هذه الفجوة. وقد تکمن جذور اللامساواة فی نظم التعلیم، أو فی بعض النصوص القانونیة، أو فی نمط الثقافة السائدة[33]

وتعتبر القوانین مهمة لإدارة العدالة حتى یکون هناک إمکانیة لحمایة حقوق الأفراد، فهی مهمة لا کغایة فی حد ذاتها، ولکن لأن تطبیقها قید على المجتمع یمکن عن طریق تحقیقه أن یکون لکل فرد دوره فی المجتمع. فإذا کفت القوانین عن عملها یصبح الأفراد فی حالة فوضی مع عدم وجود نظام أو رابطة أو وضوح رؤیة، وبالتالی لا تصبح هناک إدارة للعدالة لحمایة حقوق الأفراد، ولا توجد هناک إمکانیة لحمایة الأفراد والمحافظة على حریاتهم.

حاصل القول، المواطنة باعتبارها الرابط الاجتماعی والقانونی بین الأفراد والمجتمع السیاسی الدیمقراطی تستلزم- إلی جانب الحقوق والحریات – مسئولیات والتزامات أساسیة، لا تقوم للدیمقراطیة قائمة دونها، وهذه المسئولیات تنقسم إلی نوعین: مسئولیات تفرضها الدولة علی مواطنیها مثل دفع الضرائب، والخدمة فی القوات المسلحة، وطاعة القوانین، ومسئولیات یقوم بها المواطنون طوعًا مثل ممارسة النقد البناء للحیاة السیاسیة والمدنیة، والمشارکة فی تحسین نوعیة الحیاة والدفاع عن الصالح العام والخیر المشترک([34])إن ترسیخ المواطنة وتکریسها لا یرتکز فقط بالدستور والقوانین والتشریعات المختلفة ، ولکن فضلاً عن ذلک، فهو یعتمد بشکل کبیر علی وجود نوع من أنواع التسامح فی المجتمع والحوار والمشارکة وتقبل الرأی والرأی الآخر وقبول وتقبل التنوع والاختلاف والتعامل التعایش مع هذا الاختلاف، سواء اختلاف ثقافی أو دینی أو مذهبی أو قومی أو طبقی، وغیرها من الاختلافات، فالمواطنة تهدف إلی تحقیق الاندماج بین جمیع المواطنین علی اختلافهم . هذا بالإضافة إلى العمل علی نشر الوعی الفردی والجماعی فی المجتمع، وهذا الوعی یجب أن یرتبط بالحقوق والواجبات، والتأکید على أن الحریة لیست مطلقة، فالحقوق تتوقف عندما تبدأ حقوق الآخرین، وتتفاعل مع حقوق المجتمع. 

الخاتمة:

یمکن أن نسلط الضوء فی ختام هذا البحث على مجموعة من النقاط هی:

أن مبدأ المواطنة مفهوم تاریخی شامل ومعقد له أبعاد عدیدة ومتنوعة یتأثر بالتطور السیاسی والاجتماعی وبعقائد المجتمعات وبقیم الحضارات، ومن هنا یصعب وجود تعریف جامع مانع له. ولکن بالرغم من صعوبة تعریف مبدأ المواطنة، إلا أن ذلک لا یعنی بأی حال من الأحوال أن مصطلح المواطنة یمکن استخدامه من دون دلالة ملزمة. فمثله مثل مفهوم الدیمقراطیة مفهوم یتطلب وجوده إقرار مبادئ والتزام بمؤسسات وتوظیف أدوات وآلیات، تضمن تطبیقه على أرض الواقع.

یمکن رصد ثلاثة تحولات کبرى متداخلة ومتکاملة مرت بها التغیرات السیاسیة التی أرست مبادئ المواطنة فی الدول القومیة الدیمقراطیة المعاصرة،

 أولها تکوین الدولة القومیة،

 ثانیها: المشارکة السیاسیة وتداول السلطة رسمیاً،

ثالثها: إرساء حکم القانون وإقامة دولة القانون والمؤسسات.([35])

إن المواطنة هی استحقاقات تنال والتزامات تؤدى، فمن حیث هی استحقاقات: احترام التعدد والتنوع والاختلاف، الفرص المتکافئة، سیادة حکم القانون، المساواة ما بین المواطنین. وهی لیست فقط إقرار الحقوق بل هناک التزامات تقع على عاتق المواطن، فهی على سبیل المثال السعی لمعرفة الحقوق، والمثابرة فی طلب الحصول علبها، والأهم هی ممارسة هذه الحقوق فی إطار الصالح العام.

فی ظل الأوضاع فی المنطقة العربیة، تبقى التربیة على المواطنة وترسیخ مبدأ المواطنة فی صفوف الأفراد والشباب وتأهیل مؤسساتنا التعلیمة من أهم الوسائل البیداغوجیة، فالمؤسسات التعلیمیة تأتی فی مقدمة الوسائط التربویة – لاسیما فی مراحل التنشئة الأولى – من خلال المقررات الدراسیة والأنشطة المدرسیة…الخ، التی یمکن من خلالها إکساب الأفراد قیم المواطنة (قیم الحوار، التسامح، العقلانیة، الحقوق، الواجبات….) . إضافة إلی دور الإعلام ومختلف الوسائط المعلوماتیة فی ترسیخ مبدأ المواطنة([36]) .

ولا یمکن حصر التربیة على المواطنة فی شکل مادة دراسیة فحسب، بل هی أکثر من ذلک، فهی نهج ینبغی تطبیقه على صعید کل المواد الدراسیة، وذلک من خلال تعلیم الناشئة القدرة على التعلیل والمناقشة والحوار واحترام الآخر، وتمکینها من معرفة المبادئ الأساسیة للقانون، ومعرفة ثقافة المجتمع ونظامه ومؤسساته، وکذا تدریبها على التفکیر فی حل مشاکل المجتمع والبحث عن السبل الناجعة لتنمیته وتطویره عبر المشارکة فی مختلف أبعادها الاجتماعیة والسیاسیة.

لا یوجد بالضرورة ما یحتم التصادم فیما بین الانتماءات والولاءات فی المنطقة العربیة، بعضها مع بعض، فلیس هناک ما یمنع أن یعزز المواطن انتماءه إلى جماعته اللغویة، أو المذهبیة، أو القبلیة بشرط ألا یکون انتماؤه لدولته محل خیار أو مفاضلة، فالمجتمع الأمریکی رغم تعدد ثقافاته إلا ان ولاءه الأول للدولة، کما أن تبنى فکرة الوحدة العربیة لا ینبغی أن یکون مسوغا للاستخفاف بالولاء للدولة.

1)     § تعد الدراسة التى قام بها ألموند وفیربا فى کتابهما “الثقافة المدنیة” من أهم الدراسات التى تناولت مفهوم “الثقافة السیاسیة” بالتحلیل من الناحیة النظریة. فقد استخدما التحلیل النفسى لتحدید توجهات الأفراد الأساسیة حیال أربعة محکات أوموضوعات هى: النظام السیاسى بصفة عامة، والنشاط السیاسى للمواطنین مثل الترشیح والانتخاب (جانب المدخلات) ، والنشاط الحکومى مثل تقدیم المساعدات الاقتصادیة، وتنظیم شؤون الأفراد ورعایة مصالحهم (جانب المخرجات)، وأخیرا تصور الأفراد عن ذواتهم کمشارکین فى العملیة السیاسیة.ومن خلال المزج بین هذه المتغیرات الثلاثة یمکن رصد ثلاثة أنواع من الثقافات السیاسیة هى: ثقافة سیاسیة ضیقة (parochial)، وتابعة (subject)، ومشارکة (participant).

مراجع الدراسة:

1)     وسام محمد جمیل صقر، الثقافة السیاسیة وانعکاسها على مفهوم المواطنة لدى الشباب الجامعی فی قطاع غزة، (رسالة ماجستیر، جامعة الأزهر، کلیة الاقتصاد والعلوم الإداریة، 2010)، ص ص2-3.

2)     المزید من التحلیل، انظر: عبد الجلیل أبو المجد، مفهوم المواطنة فی الفکر العربی الإسلامی، (الدار البیضاء: دار إفریقیا الشرق، 2010).، سمیر أمین، فی مواجهة ازمة عصرنا، سینا للنشر، مؤسسة الانتشار العربی، القاهرة، بیروت، 1997ص 197

3)        شکری المامنی، فی مفهوم المواطنة فی السیاق العربی الإسلامی، المجلة العربیة لحقوق الإنسان، العدد 7- المعهد العربی لحقوق الإنسان، تونس، 2000 ص 46

4)     الانتشار العربی، القاهرة، بیروت، 1997، سمیر أمین، فی مواجهة ازمة عصرنا، سینا للنشر، مؤسسة ص 197

5)     المرجع السابق، ص 98

6)     المرجع السابق ص 99

7)     ماجدة رفاعة، الخطاب الیساری، المواطنة المصریة، ومستقبل الدیمقراطیة، أعمال المؤتمر السنوی السابع عشر للبحوث السیاسیة 21-23 دیسمبر، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة 2003.ص 111

8)       Turner، bruan، S.، Citizenship and capitalism: The debate over reformism، pb. London. Boston، Allen and unwin 1986، p. 107

9)        ماجدة رفاعة، الخطاب الیساری، المواطنة المصریة، ومستقبل الدیمقراطیة، أعمال المؤتمر السنوی السابع عشر للبحوث السیاسیة 21-23 دیسمبر، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة 2003.

10)     علا أبوزید، وهبة رؤوف (تحریر)، المواطنة المصریة ومستقبل الدیمقراطیة، (القاهرة: مکتبة الشروق الدولیة، 2005).

11)   سیف عبد الفتاح، الزحف غیر المقدس: تأمیم الدولة للدین، (القاهرة: مکتیة الشروق الدولیة، 2005)، ص ص92-94.

12) سیف الدین عبدالفتاح، الشریعة الإسلامیة والمواطنة نحو تأسیس الجماعة الوطنیة، فی: عمرو الشوبکی (محرر)، المواطنة فی مواجهة الطائفیة، (القاهرة: مرکز الدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، 2009)، ص65.

13) عبد الوهاب الأفندی، إعادة النظر فی المفهوم التقلیدی للجماعة السیاسیة فی الإسلام مسلم أم مواطن، فی: المواطنة والدیمقراطیة فی البلدان العربیة، (بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت، 2001)، ص55.

14) عبد الإله بلقزیز، الدولة فی الفکر الإسلامی المعاصر، (بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة، 2002)، ص25.

15) رفاعة رافع الطهطاوی، تخلیص الإبریز فی تلخیص باریز: الأعمال الکاملة لرفاعة الطهطاوی، دراسة وتحقیق محمد عمارة، (بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، ج2، 1977)، ص ص95-102.

16)     خیر الدین التونسی، أقوم المسالک فی معرفة أحوال الممالک، مطبعة الدولة لحاضرة تونس المحمیة 1284هـ، ص50

17) عزمی بشارة، فی المسألة العربیة مقدمة لبیان دیمقراطی عربی، (بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة، د.ت)، ص154.

18) سمیر ساسی، المواطنة فی الفکر الإسلامی المعاصر بین الضرورة والإمکان، مرکز آفاق للدراسات والبحوث، مایو 2011.

19) سیف الدین عبد الفتاح، المواطنة فی دولة مسلمة: الإشکالات والتحدیات، المعهد المصری للدراسات، فبرایر 2018.

20) عبد القادر الرن، التحیزات المعرفیة فی مفاعیم العلوم الاجتماعیة: مفهوم المواطنة نموذجاً، مجلة دفتر البحوث العلمیة، المرکز الجامعی عبدالله بتیبازة – الجوائر، ص 163-165

21) Almond، Gabriel A.، Verba، Sidney The Civic Culture. Boston، MA: Little، Brown and Company، 1965 .

22) علی الدین هلال، نفین مسعد،  علی الدین هلال، نیفین مسعد، النظم السیاسیة العربیة، مرکز دراسات الوحدة العربیة، 2002، ، ص 284

23) المرجع السابق ص 285

24) رویدة دالی خیلیة، مرجع سابق، ص 93-94

25) علی الدین هلال، نیفین مسعد، مرجع سابق، ص 286

26) للمزید:  شکری المامنی، مرجع سابق ، ص 51-52

27) عبد القادر الرن، مرجع سابق، ص 161-162

28) للمزید أنظر وحید عبدالمجید، أزمة العقل العربی: التخوین والتکفیر ، مرکز المحروسة، القاهرة ، 2005. وکذلک، تاج الدین عبدالحق، للخلف در، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة، 2017

29) طارق البشری، المسلمون والأقباط فی إطار الجماعة الوطنیة، (القاهرة : دار الشروق، ط2، 1988)، ص5.

30) محمد مالکی، العلاقة بین الدولة والمجتمع فی البلاد العربیة: المجال العام والمواطنة، المجلة العربیة للعلوم السیاسیة، مرکز دراسات الوحدة العربیة، العدد 13، شتاء 2007، ص ص149-157.

31) علی لیلة، المسئولیة الإجتماعیة: تعریف المفهوم وتعیین بنیة المتغیر، ورقة مقدمة الی المؤتمر السنوی الذی نظمه المرکز القومی للبحوث الإجتماعیة والجنائیة عام 2009، ص3.

32) علی خلیفة الکواری، مفهوم المواطنة فی الدولة الدیمقراطیة، فی: علی خلیفة الکواری (محرر)، المواطنة والدیمقراطیة فی البلدان العربیة، (بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة، 2001)، ص28.

33) الشیماء عبد السلام، المواطنة والقیم الأساسیة التی ترتبها فی المجتمع، مجلة الدیمقراطیة، مرکز الأهرام للدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، العدد 45، فبرایر 2012.

34) إبراهیم غانم، الإطار النظری لعلاقة المواطنة بالتحول الدیمقراطی، فی: إبراهیم غانم (محرر)، المواطنة والدیمقراطیة فی مصر، (القاهرة: المرکز القومی للبحوث الاجتماعیة والجنائیة، 2009(، ص5.

35) علی خلیفة الکواری، مرجع سابق، ص 7

36) یوسف الکلاخی، مفهوم المواطنة بین النظریة والممارسة، الحوار المتمدن، العدد 3599، 2012

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى