دراسات سياسية

 إصلاح قانون الأحزاب السياسية الجزائري

ملخص: إصلاح قانون الأحزاب السياسية الجزائري
الجزائر من الدول التي عرف فيها المسار الحزبي تطورا مهما بعد مرحلة الأحادية الحزبية، حيث صدر أول قانون ينظمها 89/11 في 05/07/1989 كأبرز انعكاس للانفتاح السياسي، واضعا إياها تحت مسمى الجمعيات السياسية، تلاه في 06 مارس 1997 الأمر 97/09 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية.

إصلاح قانون الأحزاب السياسية الجزائري

                                                                            أ.د /  بوحنية  قوي
– أستاذ العلوم السياسية –
 جامعة قاصدي مرباح ورقلة 
                                                                         الباحثة : هبة لعوادي
– باحثة  دكتوراه في تحولات الدولة-
 جامعة قاصدي مرباح ورقلة

ملخص:
الجزائر من الدول التي عرف فيها المسار الحزبي تطورا مهما بعد مرحلة الأحادية الحزبية، حيث صدر أول قانون ينظمها 89/11 في 05/07/1989 كأبرز انعكاس للانفتاح السياسي، واضعا إياها تحت مسمى الجمعيات السياسية، تلاه في 06 مارس 1997 الأمر 97/09 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية. 
و بعد موجات الحراك التي عاشها العالم العربي و في خضم الإصلاحات السياسية التي صاحبت هذه الفترة صدر في 12 يناير 2012  القانون العضوي 12/04 المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي جاء متضمنا 84 مادة موزعة على سبع أبواب نظمت في مجملها حرية تكوين الأحزاب السياسية من حيث شروط التأسيس و إجراءات الاعتماد و ضبطت نشاطها في شقيه الأساسيين السيرورة و التمويل.
وكانت الانتخابات التشريعية 10 ماي 2012 و الانتخابات المحلية 29 نوفمبر 2012  فرصة مثلى لوضع القانون 12-04 محل تطبيق تقييمي، ليبين مدى قدرته على بناء مشهد حزبي سليم، الشيء الذي كان عامل إثراء في دراسة النظام القانوني للأحزاب السياسية على ضوء أحكام هذا القانون، و عاملا أساسيا في بلورة ما يجب إعادة صياغته في سبيل حياة حزبية صحية، يبدو أن هذا القانون في مجمله لم يتمكن من بلوغها.

مقدمة:    
                                                                                             
“تبينت الشعوب الغربية من وحي تجاربها أن الأفراد المبعثرين لا يستطيعون مقاومة الاتجاهات الاطلاقية في الحكم و انما تستطيع أن تقاومها التكتلات…” 1
        وجود الأحزاب السياسية ضرورة حتمية في أي نظام سياسي، بل أصبح وجودها اليوم الوجه الأبرز للديمقراطية، هذا المفهوم الذي يلاقي رواجا أكاديميا و علميا واسعا في العصر الحديث نظرا لما تكفله القيم الديمقراطية من تنافس حر و نزيه بين مختلف التيارات و الأطياف السياسية، ذلك ما جعل أغلب الدول تسعى إلى تكريس الحق في وجود الأحزاب السياسية في دساتيرها و تشريعاتها المختلفة، نظرا للدور الهام الذي تلعبه الأحزاب السياسية في بناء معالم الصرح الديمقراطي، بل و لاعتبار الأحزاب السياسية مؤشرا جيدا لدلالة على  منحى الديمقراطية و تطورها في الدولة. 
       و قد سعت الجزائر كإحدى الديمقراطيات الصاعدة إلى تبني و تكريس الحق في تأسيس الأحزاب السياسية منذ اسقلالها، ففي النظام القانوني الجزائري، ظهرت الأحزاب السياسية إلى الوجود في ظل دستور 1963، إلا أن هذا الأخير حصر العمل الحزبي تحت مظلة الحزب الواحد، نظرا للتوجهات السياسية و الإيديولوجية لتلك المرحلة و مثله فعل دستور سنة 1973 في مادته رقم 94, أما بعد الانفتاح السياسي الذي شهدته البلاد في أعقاب اقرار دستور 1989 و نظرا للمناخ التنافسي الذي كرسه، تم إصدار قانون الجمعيات ذات الطابع السياسي 89/11  في 05  يوليو 1989 . تلاه الأمر 97-09  المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية تطبيقا لنص المادة 42 من دستور سنة  1996 التي كرست هذا الحق.
      و بعد الحراك الذي شهدته أغلب الدول العربية، بادر النظام السياسي في الجزائر إلى القيام بحراك ذاتي أفضى إلى  جملة تغييرات أطلق عليها الإصلاحات السياسية ،  فصدر على إثرها قانون الأحزاب السياسية الجديد 12-04 في 12 يناير 2012، المنظم و المهيكل للنشاط الحزبي في الجزائر، قانون جاء بعد 15 سنة عن آخر قانون نظم الأحزاب في الجزائر ، في ظل  منظومة قانونية تعرف فيها بعض مجالات سن القوانين لا استقرارا تشريعيا،  مما يطرح تساؤلا حول فحوى هذه الإصلاحات و أهم الجوانب التي سعت الإرادة السياسية في الجزائر إلى التركيز عليها مواكبة للمتغيرات الدولية و الإقليمية؟ 
هذا الطرح الذي ستتم محاولة معالجته  من خلال استخراج جملة التغييرات التي جاء بها هذا القانون، ثم ضم المتشابه منها ضمن صنف واحد، يبرز من خلال المحورين الآتيين: 
المحور الأول : حرية تشكيل الأحزاب السياسية.
المحور الثاني: تنظيم النشاط الحزبي.
المحور الأول: حرية تشكيل الأحزاب السياسية
    كما تظل مناقشة موضوع الحرية في عمومه لا تخلو من التطرق الى القيود، لا يمكن الحديث عن حرية تشكيل الحزب السياسي دون تسليط الضوء أساسا على وجود و طبيعة الشروط المفروضة لميلادها، و كذا تلك المراحل التي يفرض القانون اجتيازها لتمام خروج هذا الكيان الى المعترك السياسي.
أولا: شروط تشكيل الأحزاب السياسية 
    القراءة المتأنية للقانون 12-04 فيما يتعلق بالشروط المفروض توفرها في مشروع حزب سياسي تبرز نوعين من الشروط، أولاها تحتل جل الباب الأول من القانون 12-04، متمركزة أساسا في المواد ابتداء من المادة 05 الخامسة إلى غاية المادة التاسعة 09، حيث تشكل المادة السابعة 07 القاعدة العامة لإنشاء الأحزاب السياسية وسبرها و عملها مخضعة إياها لأحكام كل من الدستور و القانون العضوي ساري المفعول.
احتراما للتدرج القانوني، نستهل الحديث عن الشروط بداية من المادة 42 من دستور الجزائر لسنة 1996 المعدل في 16 نوفمبر 2008، بغية مطابقة مضموني النصين، و قد جاء فيها أن ” حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون.
ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية، والقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية، والوحدة الوطنية، وأمن التراب الوطني وسلامته، واستقلال البلاد، وسيادة الشعب، وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة.
وفي ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي.
ولا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة.
يُحظَر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
تحدد التزامات وواجبات أخرى بموجب قانون.”
  و جاءت الموانع متخذة ترتيبا مغايرا لما جاء في الدستور، تصدرها عامل الدين سواء باستغلاله2 أو بمخالفة أخلاقه كما ورد في المادة الثامنة من القانون العضوي 12-04، أما عن استغلال الدين فهو تكييف قدمه المشرع الجزائري معتبرا إياه السبب المباشر في عشرية جعلت الجزائر تتأرجح بين الدم و الدم، فبعد صدور القانون 11-89 المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي أصيبت الجزائر بحمى حزبية اثر ميلاد حوالي 60 حزبا جديدا3، فاستغلت فترة الانفتاح هذه لحمل الجزائر إلى منزلق على إثره قد لا تقوم لها قائمة بعدها،  كما أصبغ المشرع على ذلك صفة المأساة و هو ما لم يفعله المشرع حتى في القانون السابق 97-09 و هو الأقرب زمنيا لهذه الأحداث، و كان الخوف من ممارسات مماثلة سيكون على أشده، غير أن الخشية من أن يُعصف بفترة الاستقرار المؤسساتية التي انتهت إليها الدولة في السنوات الأخيرة يعد دافعا لا يستهان به، و مبررا قويا لهذا الدفاع الشرس، رغم أن الإرهاب لم يكن وحده سبابا فيما وصلت إليه الدولة آنذاك.
ثم نجده في المادة الثامنة من القانون 12-04 يمنع كل حزب يؤسس على أهداف مناقضة للخلق الإسلامي مع حظر دستوري لقيام الأحزاب على أساسي ديني، يظهر في هذه التوليفة شيء من تعارض النصوص، فكيف لا يرخص للحزب دخول المعترك السياسي أن قام على أساسي ديني بل و اعتبر استغلال الدين مسببا للماسأة الوطنية ثم يحكم بعدم جوازية نشأة حزب تعارض أهدافه الخلق الإسلامي دون أي توضيح لمفهوم هذا الأخير أو بيان معايير تحدد ما يعتبر خلقا إسلاميا من سواه. 
و منع تأسيس حزب تناهض مبادئه الخلق الإسلامي حكم دستوري صرف، مرجعيته المادة الثانية من الدستور ” الإسلام دين الدولة”، يلقي بنا هذا في شرك مناقضة الدستور لنفسه، و لا ينقذنا منه إلا التفرقة بين مسألة الدين كعقيدة و الدين كسلوك وبرنامج يرى فيه مؤسسوا الحزب النهج الأصلح للمجتمع و الدولة، فاعتماد العقيدة  الإسلامية كأساس حزبي يمنع من انضمام أصحاب العقائد الأخرى رغم إيمانهم بفكر الحزب و برنامجه السياسي4 ، وهذا من قبيل التمييز العنصري، شأنه في ذلك تأسيس الأحزاب على أسس عرقية أو جهوية أو لغوية أو جنسية.
لا يمكن إنكار أن الجزائر فيما يتعلق بالتعامل بأنشطة الأحزاب الدينية تشكل حالة مدرسة5، غير أنه قد يكون السماح لأصحاب هذه التوجهات بالعمل السياسي على مرأى الدولة و ترك مسألة تقييمها  للناخبين أجدى من حظرها و الوقوع في جماعات تعمل في الخفاء6.
      أما تلك الشروط المتعلقة بالحفاظ على الوحدة و السيادة الوطنية، استقلال البلاد و سيادة الشعب و الطابع الديمقراطي الجمهوري للبلاد و أمن التراب الوطني و سلامته، فهي واجبات أساسية  يفرضها الانتماء إلى الوطن سواء كانت أحزابا أفضى الاختيار  الشعبي إلى وضعها في سدة الحكم أو على مقاعد المعارضة7،  و لطالما كان سعي الأحزاب لدعم هذه المقومات إيمانا راسخا و مصدر جذب شعبي، فكثيرا ما عرف التاريخ اكتساح الأحزاب التي تتبنى الوطنية عقيدة و برنامجا للمجالس الشعبية. 
أما  القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية، فقد أوردها المشرع في طليعة المادة 8  كأول ما لا يجب لأي حزب أيا كان المساس به،  و قد كز المشرع الجزائري على إرسائها منذ صدور القوانين المرتبطة بالأحزاب السياسية على اختلاف تسميته لها أو تكييفها، حتى لا يترك مجالا لأمثال Jaque SIMON –8 و هم كثر على قلتهم- ليمهد لاستمرار زحف أزمة هوية9 عمل المستعمر على طمسها منذ سنة 1830، خلقت فيما بعد تيارات وطنية قائمة على هذه العناصر مستميتة في الدفاع عنها إلى حد التطرف و التنازع و التصدع الاجتماعي، و مهما كانت الآراء تختلف حول مدى صواب هذه الاتجاهات من عدمها لكن سياسية التفتيت لم تكن يوما إلا مفتاحا للدمار.
    و  لا تنفصل الهوية الوطنية عن قيم و مبادئ ثورة أول نوفمبر، فالمشرع أوردها في مرتبة ثانية ضمن نفس السياق ( المادة 7)، يكفي هذه الثورة شرفا أنها حررت شعبا و استرجعت أرضا و كونت دولة10 أيا كانت تلك الآراء التي حامت حولها و مهما تعددت أساليب  تشويهها، فهي في نهاية المطاف عمل إنساني بعيد عن القداسة الربانية، تجربة بشرية تعاني الخطأ كما تتمتع بالصواب، نأخذ منها تلك الروح التي دفعت الجزائر قدما و لكن قد لا نستطيع الإبقاء على أهداف و قيم كانت وليدة فترة معينة و إلا عدت قيدا يضرب صميم هذه الثورة عينها11.    
    أما  المادة 09 من القانون 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية تشترط الوصول إلى السلطة و تنفيذ البرامج الحزبية بالوسائل السلمية، و تعدى المشرع الى فرض شروط على الأفراد، حيث منع من تأسيس حزب أو المشاركة في تأسيسه و حتى مجرد المساهمة في هيئاته المسيرة لكل من شارك في أعمال إرهابية و رفض الاعتراف بذلك، و قطع أية صلة يمكن أن تؤدي إلى ذلك بموجب المادة 06 من القانون 12-04 ناصا فيها على أنه ” لا يجوز لأي حزب سياسي أن يختار لنفسه اسما أو رمزا كاملا أو علامة كاملة أخرى مميزة يملكها حزب أو منظمة وجدا من قبله أو سبق أن ملكتها حركة مهما تكن طبيعتها و كان موقفها أو عملها مخالفين لمصالح الأمة و مبادئ ثورة أول نوفمبر 1954 و مثلها”، و في السياق ذاته جاءت الفقرة الثانية من المادة 10 التي بموجبها لا يمكن أن يستلهم الحزب السياسي برنامجه من برنامج  عمل حزب آخر حل قضائيا. 
جملة هذه النصوص تحديدا جعلت الكثيرين يستشفون النية الصريحة للمشرع و التي تستقصد طرفا بعينه ( الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، مانعة عودته بأي شكل كان، فحاصرت كل سبيل قد ينسل منه مجددا إلى المعترك السياسي. نية سياسية صرفة تجرنا إلى الحديث ثانية  – من زاية مختلفة – متسائلين عن طبيعة مسألة الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية، هل هي سياسية كتلك النية تهدف إلى طمأنة جهة ما، لنجد أنفسنا أمام قانون تحكمه السياسات أكثر من سلطان القانون أم أنها جنائية بحتة لنبحث عنها بين ثنايا قانون العقوبات12؟!!
هذا الحرص المبالغ فيه13 الذي أفضى إلى التعميم و التسييس يجد له البعض مبررات تاريخية في معظمها، جعلت الجزائر تتجه على استحياء نحو الانفتاح التام على حرية تكوين تنظيمات حزبية، لكن ذلك لا يمنع  – حسب الدكتور البدراوي – أن تتشكل أحزاب تضمر الأفكار عينها فيما تظهر غير ذلك، كما لا يمكن جعل فشل مجموعة معينة في تنفيذ برنامج ما حائلا دون ان تمنح فرصة لآخرين قد يملكون ما افتقر إليه غيرهم.14
 أما ثاني الشروط فتتعلق بعضوية الأفراد المؤسسين للحزب السياسي و التي نصت عليها المادة 17 من القانون العضوي 12-07، حيث نجد هذه الأخيرة عملت على اتساع فئة الأفراد الذين يمكنهم تأسيس أحزاب سياسية و ذلك من خلال التعديل الذي مس الشروط الآتية: 
–    التمتع بالجنسية الجزائرية، و ترك المشرع الأمر على إطلاقه دون قيد كما أسلف في المادة 13 من الأمر 97-09 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالاحزاب السياسية، حيث اشترط أن لا يحمل  العضو المؤسس جنسية غير الجنسية الجزائرية، بل انتقل إلى مسالة أخرى وسع من خلالها فرص الأفراد في تشكيل الأحزاب السياسية، حيث لم يقرن العضوية التأسيسية بالجنسية الجزائرية الأصلية خضوعا لنص المادة 30 من الدستور التي استند إليها المجلس الدستوري في رأيه15إزاء القيام بمراقبة مطابقة القانون المتعلق بالأحزاب السياسية للدستور.
–    رد الاعتبار لمن حكم عليه بجناية أو بجنحة سالبة للحرية، بالمقارنة مع نص المادة 13 من الأمر 97-09 نجد المشرع حصر الجرائم المانعة من حق الانتماء إلى الأعضاء المؤسسين للحزب السياسي اولئك الذين ارتكبوا جناية أو جنحة دون أن يرد اعتبارهم في حين كان كل من يرتكب جريمة مخلة بالشرف أيا كانت عقوبتها سواء رد اعتبارهم أم لم يرد يمنع من ممارسة هذا الحق، فالمشرع في هذا الإطار يسير نحو انفتاح على الأفراد بالنسبة لمشاركتهم في تكوين الأحزاب.
–    و احتفظ المشرع بشرط التمتع بالحقوق المدنية و السياسية بالإضافة إلى ممارسة أي سلوك مناف لمبادئ ثورة أول نوفمبر، و كذا سن (25) سنة رغم اتباعه سياسية مغايرة  في سنه لمجموع القوانين الإصلاحية، تقوم على تحفيز الطاقات الشابة للدخول الى المجالس الشعبية حيث خفض سن الترشح للمجالس الشعبية البلدية و الولائية  إلى 23 سنة16، أ و لم يكن الأولى خفض سن العضوية التأسيسية للأحزاب السياسية على اعتبار أن الانفتاح على الشباب يجب أن يبدأ من المدرسة الحزبية كون هؤلاء الشباب الخزان الرئيس للعمل الحزبي و الجمعوي17 ، و أن مسؤولية تمثيل مصالح المواطنين أثقل من تشكيل حزب سياسي تهذب شكله النهائي عديد الإجراءات. 
اتساع هذه الفئة لم يتوقف عند ذلك بل ركز فيه المشرع أيضا على الفئة النسوية، الأمر الذي فرضه إلى جانب عوامل أخرى وجود      919  جمعية  محلية مختصة بالمرأة على مستوى 48 ولاية18 و نسبة تجاوزت بداية السنة الماضية 2%  19 من عدد الجمعيات الوطنية، عدا عن الجمعيات ذات الطبوع الأخرى التي تقودها نساء أو على الأقل تمثل النساء النسبة الأكبر فيها، الأمر الذي يعد تعبيرا واضحا عن تنام لا يتسهان به للمجتمع المدني النسوي في الجزائر،  يوازيه انحسار لدور المرأة في الحياة الحزبية، و يبدو أن هذه الأخيرة حين لم تجد المجال متاحا حزبيا، استكانت إلى العمل الجمعوي تفعيلا لدورها المجتمعي، على الرغم من أن القليل من الجمعيات النسوية الحقوقية تتبنى الدفاع عن حقوق المرأة السياسية و ضرورة مساهمتها في صنع القرار.20
   في الجزائر، لم تعان المرأة نظريا من المساس بحقوقها منذ الاستقلال، لكن هذه الأخيرة لم تفعل إلا نسبيا بعد تبني التعددية21، و لم تجد سبيلها نحو تجسيد ميداني الا بصدور التعديل الدستوري لسنة 2008 في مادته 31 مكرر  المتعلقة بترقية الحقوق السياسية للمرأة22، لذا كان لابد أن يتضمن قانون الأحزاب السياسية الصادر سنة 2012 أحكاما تعزز هذه الارادة الدستورية، و في هذا السياق جاءت كل الفقرة الثامنة من المادة (11) و كذا الفقرة الثانية من المادة (17)، و لعل أهمية الموضوع – كما ذكر آنفا- تتجلى في اشتراط أن لا يقوم  الحزب السياسي إلا بعضوية نسوية. 
عضوية بدرجة امتياز، تضمن المساواة التامة فهي مطلقة لم تقترن بشرط ألا تلك التي حددت للأعضاء كافة، عضوية لا تحتاج إلا لكون المرأة امرأة، فيمكن أن يكون عدد النساء الأعضاء واحدة كما قد تكون كلهن نساء، حديث يقودنا بتلقائية شديدة إلى القانون 12-03 الصادر في 12 يناير 2012 المحدد لكيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، فقد يكون نص الفقرة الثانية لم يدرج في قانون الأحزاب السياسية إلا كجزئية من آلية انتاج تخرج النماذج الحزبية المطلوبة لتشكيل مجالس شعبية بالمواصفات الديمقراطية المطلوبة.
     القانون الآنف الذكر تعرض لنقد لاذع، ابتداءا من تسمية القانون و موقعه، انتقالا إلى الهدف منه وعدد مواده و صولا إلى مضامينه في لفظه و نسبه، غير أننا سنكتفي بالإشارة إلى تلك التي لها أثر مباشر على تكوين الأحزاب السياسية لان ظاهر الأمر ينبئنا بنية أحالت تفصيل التمثيل النسوي في الأحزاب السياسية إلى هذا القانون:
–    المادة الثانية من القانون 12-03 المتضمن توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة تشتمل على النسب التي لا يجب أن يقل عنها عدد النساء في القوائم الحزبية، و التي تراوحت بين 20 الى 50 % ، الاشكال يطرح من خلال تساؤلين: 
    هل توفر نسب مماثلة يرتبط بالضرورة بوجود تمثيل نسوي في قاعدة الحزب السياسي أم أنه يمكن تحقيقها من خلال نسب النساء الأعضاء و إن لم يكنَ من المؤسسات أو يكون دورهن في التأسيس لا يتعدى التواجد الشكلي لإتمام شروط ميلاد الحزب؟
    هل تتطلب هذه النسب نشاطا نسويا حزبيا يمتد زمنا لا بأس به، و بصمات جادة في المسار السياسي للحزب، أم أننا يمكن أن نحقق نسبا مماثلة بجمع شتات المرأة العضو كلما لاحت تباشير محفل انتخابي؟
–    هذه المادة عينها تفتح بابا آخر للتساؤل يتعلق الأمر فيه بتلك البلديات التي ليس لها مقر دائرة أو يقل عدد سكانها عن (20.000) نسمة، إذ لم تحدد فيها النسب المطلوب توفرها في قوائم الأحزاب، و قد أعزى المجلس الدستوري ذلك إلى قيود اجتماعية و ثقافية23.
فالمشرع يقر ضمنا في المسألة الثانية أنه يمكن أن تخرج إلى النور أحزاب لا تمثل النساء فيها حتى في القوائم الانتخابية ناهيك عن كونها عضوا مؤسسا فيها ، فهل يعقل بعد تكريس دستوري، و تخصيص قانوني، و نثر أحكام في كل نص ارتبط بمسالة الحقوق السياسية للمرأة أن يحتج المشرع بقيود ثقافية و اجتماعية، قيود يبدو أن المشرع راعاها حتى في المسالة الأولى المتعلقة بعدد النساء المفروض في كل قائمة حزبية مرشحة لغوض غمار الانتخابات، فهو يدرك أنه في مجتمعات كتلك لا يجب أن تقل فيها النسبة عن النصف. و نتيجة الأمر برمته انه مهما تعاضمت الآليات و كرست الوسائل لا يمكن تحقيق المبتغى في ظل الرضوخ لقيود اجتماعية أو ثقافية تحد من فاعلية المرأة كعضو في المجتمع سواء تعلق الأمر بدورها السياسي أو أدورها الحياتية الأخرى.
ثانيا: مراحل تشكيل الحزب السياسي
     لا تتوقف حدود تكوين حزب سياسي في النظام القانوني الجزائري عند استيفاء جملة من الشروط اتيانا و امتناعا، بل ينتظرها  اختبار ثان تجتازه على مرحلتين أمام السلطية التنفيذية، أولاهما ترتبط بالتصريح الذي يقدمه الأعضاء المؤسسون معلنين عن رغبتهم في تشكيل كيان سياسي جديد و الثانية تتمحور حول الاعتماد المقدم من طرف الجهة المختصة إيذانا بانضمام فرد جديد للعائلة الحزبية .
     التصريح بتأسيس حزب سياسي حسب نص المادة 18 من القانون العضوي 12-04، هو ببساطة تقديم وثائق أمام وزارة الداخلية و الحصول مقابلها على ترخيض لإتمام إجراءات تكوين الحزب.
    من خلال استقراء نص المادة 19 من القانون العضوي 12-04، يمكننا استخلاص نوعين من الوثائق، الأولى تتعلق بالحزب في حد ذاته و الثانية بالأعضاء المؤسسين.
     بالنسبة للوثائق المتعلقة بالحزب لم تختلف عن القانون السابق إلا في  الحد الأدنى الذي يتطلب توقيع 24 عضوا مؤسسا شريطة أن ينتمي كل عضويين إلى ولاية، خلافا لما كانت تشترطه المادة 14 من القانون السابق للأحزاب السياسية 97-09، حيث يشترط توقيع (25) عضوا موزعين على 16 ولاية دون تحديد عدد معين أو سقف أدنى لكل ولاية. 
     أما الوثائق الخاصة بالأعضاء المؤسسين، فلا تعدو عن كونها وثائق رسمية تثبت هويتهم و توفر الشروط المنصوص عليها في هذه المادة ذاتها ،و الحديث هنا يتعلق بشهادات الإقامة في إطار متطلبات التعهد المكتوب من حيث المقر الفعلي لسكنى الأعضاء المؤسسين، أما شهادة الجنسية و مستخرج صحيفة السوابق العدلية و مستخرجات شهادة الميلاد فخضوعا لشرط الجنسية و السن و التمتع بالحقوق المدنية و السياسية24.
يقدم هذا الملف أمام وزارة الداخلية و بعد التأكد من الوثائق بحضور صاحب الملف يتم تقديم وصل إيداع يثبت ذلك. لتتم بعد ذلك مطابقة التصريح. تنضوي هذه المرحلة على قيام الوزير المكلف الداخلية بمطابقة وثائق الملف المقدم مع ما يتطلبه القانون، فتسمح له هذه السلطة بطلب أي وثيقة ناقصة أو استبدال أي ضو لا تتوفر فيه الشروط، و يتم ذلك في مدة أقصاها ستون (60) يوما25.
      دراسة مطابقة التصريح التأسيسي للحزب السياسية تحتمل ثلاثة نتائج:
–    قبول التصريح: حيث يجد الوزير المكلف بالداخلية الملف مكتملا و مطابقا للشروط القانونية، فيقوم بمنح الترخيص بعقد المؤتمر التأسيسي للحزب مع تبليغ الأعضاء المؤسسين بذلك. 
يقوم الأعضاء المؤسسون بإشهار الترخيص في يوميتين إعلاميتين وطنيتين على الأقل، يتضمن هذا الإشهار اسم الحزب و مقره و أسماء و ألقاب و وظائف الأعضاء المؤسسين الذين وقعوا على التعهد المكتوب السالف ذكره، و ذلك على غرار ما كان يشترطه المشرع في الفقرة الثانية من المادة 15 من الأمر 97-09 المتعلق بالأحزاب السياسية، من نشر للترخيص بعقد المؤتمر التأسيسي في الجريدة الرسمية. يبدي هذا اتجاها نحو اضفاء نوع من السلاسة على إجراءات تكوين الأحزاب السياسية.
–    رفض التصريح:   يكون ذلك لدم مطابقته الشروط المطلوبة في هذا القانون، و يكون رفض الترخيص الصادر ن الوزير المكلف بالداخلية مرتكزا على مبررات قانونية، تدرج ضمن قرار الرفض الذي يبلغ للأعضاء المؤسسين قبل انقضاء أجل (60) يوما.
يمكن للأعضاء المؤسسين الطن قضائيا في قرار رفض التصريح التأسيسي أمام مجلس الدولة في اجل لا يتعدى (30) يوما من تاريخ التبليغ بقرار الرفض، كان المشرع في هذا القانون أكثر تحديدا اذ كان يجب على الأعضاء المؤسسين رفع الطعن إلى الجهة القضائية المختصة، دون أن تحدد هذه الجهة، ثم يتم الاستئناف أمام مجلس الدولة26كما جاء في نص المادة 17 من الأمر 97-09. غير أنه قد يكون هذا التحديد حدا من فرص الحزب السياسي ففرصة واحدة للطعن لا تعادل الفرصيتين أمام جهتين مختلفتين.
–    سكوت الإدارة: كيف المشرع الجزائري سكوت الوزير المكلف بالداخلية و عدم تقديمه ردا صريحا خلال الأجل المحدد بـ (60) يوما، لى أنه قبول ضمني  منتج لأثره القانوني المتمثل في الترخيص بقد المؤتمر التأسيسي للحزب. 
تحسب هذه النقطة أيضا للمشرع الجزائري في محاولة منه للتخفيف من وطأة الإجراءات الإدارية المفروضة على نشأة الأحزاب السياسية.
     و لا يكفي الحصول على الترخيص بعقد المؤتمر التأسيسي لنقول أنه تم ميلاد حزب جديد، الترخيص مجرد خطوة لبداية مرحلة جديدة من الإجراءات التي قد تصل في النهاية الى خروج هذا الكيان إلى الميدان السياسي، و يمكن إجمالها في مرحلتين بالاعتماد على ما جاء في نص القانون 12-04 . أولاها المؤتمر التأسيسي للحزب السياسين حيث ابتداءا من تاريخ نشر الترخيص في يوميتين وطنيتين إعلاميتين يحدد أجل سنة أمام الأعضاء المؤسسين للقيام بكل الأنشطة التي تمكنهم من قد المؤتمر التأسيسي للحزب قبل انقضاء هذا الأجل27.
     ترتبط صحة المؤتمر التأسيسي للحزب بتوفر جملة من الشروط حددتها المادتين 24 و 25 من القانون العضوي 12-04، حيث  لا يمكن للحزب أن يعقد مؤتمرا تأسيسيا إلا إذا كان عدد المنخرطين فيه (1600) منخرط كحد أدنى، على أن يكونوا موزعين على 16 ولاية على الأقل ينبثق عن كل ولاية على الأقل 100 منخرط. و من جملة المنخرطين، يجب أن يجتمع لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب ما بين (400) إلى (500) مؤتمر موزعين على 16 ولاية على الأقل، ينبثق عن كل ولاية 16 عضوا على الأقل. 
   تجدر الإشارة هنا إلى أنه بعملية حسابية بسيطة يمكن أن نكتشف خللا من الطبيعة ذاتها في هذه المادة، فاشتراط حد أدنى من المؤتمرين يصل الى (400) مؤتمر من 16 ولاية على الأقل يفرض أن ينبثق ن كل ولاية 25 مؤتمرا كأقل تقدير، لان اعتماد (16) مؤتمرا عن كل ولاية يحقق حدا أدنى مقدرا بـ 256.
  سواء كان الخلل حسابيا أو مطبعيا، الأمر الأهم هو هذا التشديد في عدد المؤتمرين و المنخرطين و كيفية توزيعهم، و هو الأمر عينه الذي انتهجه المشرع في الأمر 97-09، و الذي يعد معضلة أمام الأحزاب التي لا تملك قاعدة شعبية كبيرة نتيجة حداثتها بالإضافة إلى افتقارها لوسائل الدعاية و الإعلام الكافية لتحقيق هذه النسب، لكن القراءة الأجدى للموضوع هو ان شروط مماثلة ستضمن لنا الجدية في تأسيس الأحزاب و تقينا مغبات ظاهرة الأحزاب المناسباتية28، لكن كيف لنا أن نفتح باب الحرية الحزبية على مصراعيه ثم نطلب من حزب ناشئ أن يحصل على تمثيل يوازي ذلك الذي تملكه الأحزاب المتجذرة في العمل السياسي.
و  يثبت انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب بموجب محضر يحرره محضر قضائي، يتضمن كما جاء تفصيله في نص المادة 25 من القانون العضوي 12-04، لا ئحة اسمية تتضمن الأعضاء المؤسسين الحاضرين و الغائبين و عدد المؤتمرين و مقر مكتب المؤتمر و هيئات القيادة و إدارة الأحزب، بالإضافة إلى إثبات المصادقة على القانون الأساسي للحزب و تسجيل كل العمليات التي ترتبت عن المؤتمر.
   اذا لم يتمكن الأعضاء المؤسسون من عقد المؤتمر التأسيسي في الأجل المحدد، يمكنهم تقديم طلب أمام وزير الداخلية لتمديد الأجل إلى ما لا يتجاوز (6) أشهر، هذا الطلب إذا قوبل بالرفض أتاح المشرع الطعن فيه استعجاليا أمام مجلس الدولة في اجل (15) يوما من تبليغ الرفض.
  انقضاء الأجل دون انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب يلغي الترخيص بعقد المؤتمر و يوجب وقف أي نشاط للأعضاء المؤسسين تحت طائلة غرامة مالية تتراوح بين (300.000) و (600.000) دج.
 بعد عقد المؤتمر التأسيسي للحزب السياسي تظهر الحاجة الى ملف آخر مجددا، يقدم ملف طلب اعتماد الحزب السياسي أمام نفس الجهة التي قدم أمامها التصريح بالتأسيس، يكلف بتقديمه حسب نص المادة 24 من القانون العضوي 12-04 عضو من أعضاء الحزب يتم تفويضه خلال المؤتمر التأسيسي للحزب، و ذلك في أجل لا يتعدى 30 يوما الموالية لانعقاد المؤتمر التأسيسي، مع الإشارة الى أن المشرع لم ينظم حالة عدم تقديم طلب الاعتماد خلال المدة المحددة أو بعدها.
  تكمن وظيفة الوزير المكلف بالداخلية في هذه المرحلة بإجراء التدقيق اللازم لتأكد من توفر جميع الشروط التي يتطلبها القانون لاعتماد حزب سياسي و ذلك في أجل (60) يوما، حيث يمكنه طلب استكمال الوثائق أو استبدال الأعضاء غير مكتملي الشروط29، يستشف هنا أن الوزير المكلف بالداخلية لا يحق له رفض طلب الاعتماد مباشرة بل تمنح فرصة للحزب لتصحيح ما أمكن.
تقديم طلب الاعتماد تصاحبه نتيجتين أما قبوله و اعتماد الحزب السياسي، و يظهر أثره القانوني بعد نشر الاعتماد في الجريدة الرسمية من طرف الوزير الملف بالداخلية و الذي بموجبه يكتسب الحزب عناصره 30 الوارد ذكرها في المادة 4 من القانون العضوي 12-04، الشخصية المعنوية و الأهلية القانونية و استقلالية التسيير. و أما يتم رفض طلب الاعتماد و لا يتشكل الحزب السياسي، و يرفض اعتماد الحزب السياسي، و ذلك في حالة واحدة إذا ما رفض الوزير المكلف بالداخلية ملف الاعتماد مستندا على تعليل يرتكز على نص القانون، و تم الطعن في قرار الوزير إلا أنه لقي الرفض من طرف مجلس الدولة أيضا، فرفض الاعتماد لا يكون إلا باتفاق الجهة المسؤولة عن تطبيق القانون، نقصد بذلك الإدارة، و الجهة المسؤولة عن رقابة تطبيق القانون، و هذا ضمانا لحرية تشكيل الأحزاب و منح الحزب مجالا أوسع للعمل ضمن الساحة السياسية.
 السمة الأبرز في هذه الإجراءات ملازمتها للإدارة، فلا يبرح الحزب القيام بخطوة إلا تحت ناظريها، رغم ما تفتح من مجالات تقدم الفرص للحزب في التشكل كالطعن القضائي و مراجعة طلب التصريح التأسيسي و طلب الاعتماد و منح إمكانية التصحيح، غير أن بعض الشروط تقترب من المستحيل لأحزاب ناشئة.
المحور الثاني: تنظيم نشاط الأحزاب السياسية
     ما يلفت الانتباه في تنظيم المشرع الجزائري لهذه الجزئية في القانون 12-04 هو جملة العوارض التي يمكن ان تقف عقبة أمام نشاط الحزب، من حيث طبيعتها و الجهة المسؤولة عن تطبيقها، بالإضافة إلى الجانب المالي و كيفيات تمويل الحزب السياسي و التي يبدو أنها لازالت تطرح إشكالات عويصة.
أولا: عوارض النشاط الحزبي 
     نجد من ضمن هذه العوارض قيود دستورية تضمنها القانون 12-04 في المادة 46 من القانون 12-04 الأحزاب السياسية على انها أهداف يجب الالتزام بها، سنتجاوز الحديث عن الطابع الدستوري لهذه الأهداف و ما مدى صحة وضعها ضمن هذا القانون العضوي، إلى نتيجة ذلك، فالطابع الدستوري يتميز بنوع من العمومية و الاتساع في فهم المضمون، و لما توضع هذه المبادئ في إطار قانون عضوي نتساءل عن الجهة المختصة بتحديد أي الأفعال التي قد يرتكبها الحزب و تعتبر مخالفة لهذه المبادئ، هل تعد السلطة التنفيذية ممثلة في الوزير المكلف بالداخلية أهلا لتفسير نية المؤسس الدستوري و مقاصده؟ !! ألا يمنح ذلك للإدارة سلطة تطغى بها على حرية نشاط الحزب المكفولة دستوريا.
هناك ملاحظة أخرى تطرح نفسها، حول جدوى الحديث عن التعددية السياسية بعد مرور 24 سنة من هجران السلطة لنظام الحزب الواحد لدرجة أصبح فيها الأمر من بديهيات النظام السياسي في الجزائر، أم أن المشرع يقصد فعلا اننا للازلنا نعيش أحادية مقنعة.
      قيد أيضا المشرع الدستوري نشاط الحزب لغويا، حيث منع استعمال اللغات الأجنبية في جميع نشاطاته مع العلم أن الحزب السياسي بموجب المادة 47 من القانون 12-04 يمكنه إصدار نشريات إعلامية و مجلات، و بما أن التعديل الدستوري لسنة 2008، يضيف في المادة 3 مكرر منه تمازيغت على أنها لغة وطنية، فكيف نكيف خطاب حزبي سياسي على أنه وطني اذا تعامل في نشرياته و مجلاته بهذه اللغة، هل يمكن اعتباره خطابا يبني أحزابا قائمة على أسس لغوية، أنكر إتيانها المؤسس الدستوري في الفقرة الأولى من المادة 42.
     الضابط الثالث يتعلق بعلاقة الأحزاب السياسية بفواعل المجتمع المدني الوطني و الدولي، حيث يمنع أي ارتباط سواء كان عضويا أو تبعيا أو رقابيا لأي نقابة او جمعية أو منظمة أخرى ليست ذات طابع سياسي 31، فهل فعلا لا توجد أحزاب سياسية في ظل التعددية لها صلة بالنقابات و الجمعيات؟32
يبدو أن المشرع في تنظيمه للعلاقة بين الأحزاب السياسية و التنظيمات الأخرى يرتكز على مقاربة المقاطعة، التي تعود خلفيتها إلى نشأة فواعل المجتمع المدني التي كانت كرد فعل لاستخدام أنظمة الحكم الدكتاتورية الأحزاب السياسية كأدوات تحتفظ من خلالها بمقاليد الحكم في يديها، مما خلق ما يشبه عداوة بينهما، حيث كلما وجد مجتمع قوي يعني بالضرورة ضعف الأحزاب و كلما بسطت الأحزاب السياسية سيطرتها اضمحلت التشكيلات المقابلة33،  لكن العلاقة الأجدى في إطار مجتمع صحي هي التي تنبني على التفاعل و التقارب مع احتفاظ كل طرف بمقوماته فلا يسيس العمل المدني و لا يفقد النشاط الحزبي طابعه السلطوي الذي يعتبر محرك العمل السياسي34. 
و ليس أقرب من ذلك مثالا إلا ” تنظيم اللجان الوطنية” الذي يرتبط بحزب “جبهة القوى الاشتراكية و جمعية ” الإرشاد و الإصلاح” التي تنسب ” لحركة مجتمع السلم” و كذا التقارب الملموس بين تنظيم التنسيقية الوطنية” و حزب ” التحالف من أجل الديمقراطية”35، كما أن العديد من رجالات السياسية و قياديي الأحزاب الجزائريين كانوا خريجي جمعيات و تنظيمات قبل ارتيادهم المدارس الحزبية.
فانتقال الجزائر إلى التعددية الحزبية أفرغ هذه المادة من محتواها منذ سنة 1989، ذلك أن نشأة الأحزاب تبدأ من النقابات و الجمعيات36،  لذا وجب على المشرع قبول هذه العلاقة بل يجب اناطة مهمة تأسيس مجتمع مدني واع بالمهام الملقاة على عاتقه و العمل على دعمه و دفعه نحو خدمة فعالة للمواطنين بالأحزاب السياسية و إلا كانت مغبة ذلك الوقوع في أزمة انفصام حادة كتلك التي عرفتها دول شقيقة37 .
كما حدد علاقتها بالأحزاب السياسية الأجنبية، لى أن لا تكون علاقات تجعل منها تابعة لهذه الأحزاب بأي شكل من الأشكال، كما لا يجب أن تمس هذه العلاقات برموز الدولة و مؤسساتها و مصالحها و لا تخالف أحكام الدستور و القوانين المعمول بها، نجد المشرع في هذه الحالة يراعي مسألة هامة تعرفها الأحزاب المعاصرة التي تتبع ايديولوجية واحدة كلالأحزاب الاشتراكية مثلا أو الأحزاب الشيعية، فوجود نص مماثل يعتبر عائقا أماماها يقف في وجه المصدر الذي تستمد منه أفكارها. المستغرب في الأمر هذا الانفتاح على الصعيد الدولي الذي يقابله تشديد و تضييق داخلي.
أما العوارض ذات الطبعة القانونية الصرفة فقد خصص لها المشرع الجزائري في القانون العضوي 12-04 الباب الخامس، ليجمع فيه الأحكام المتعلقة بالحالات التي يخالف فيها الحزب السياسي أحكام هذا القانون، بعد أن كانت مدرجة ضمن الأحكام المالية. نتبين من خلال هذا الباب نوعين من العوارض التي قد تواجه نشاط الحزب السياسي، نستهل بأخفها وطأة، التوقيف الذي قد يكون إداريا بموجب قرار معلل، صادر عن الوزير المكلف بالداخلية، يقضي بوقف نشاط الأعضاء المؤسسين و غلق المقرات التي يمارس فيها هذا النشاط.
و لا يجوز للوزير المكلف بالداخلية أعمال سلطته هذه إلا في حالتين، أولاهما مخالفة الأعضاء المؤسسين لأحكام هذا القانون أو للالتزامات الملقاة على عاتقهم سواء كان ذلك قبل انعقاد المؤتمر التأسيسي أو بعده. و ثانيهما في حالات الاستجال أو تهديد نشاط الأعضاء المؤسسين للنظام العام، هذا الأخير الذي تبدو فيه السلطة التقديرية للوزير واسعة جدا، فرغم اشتراط تضمين القرار الاداري مبررات قانونية إلا أن تحديد الطابع الاستعجالي و تقدير مدى مساس النشاط بالنظام العام لا يتمد على معايير تشريعية مبينة إنما تخضع لسلطة الإدارة. لكن المشرع حاول الموازنة في هذا الأمر بامكانية الطعن القضائي أمام مجلس الدولة في قرار وزير الداخلية  دونما تحديد أجل معين، يجعلنا نعود الى القواعد العامة التي تحكم آجال الطعن في القرارات الإدارية و المحددة ب 04 أشهر.38
يفصل مجلس الدولة في الطعن المرفوع أمامه في أجل شهرين من تاريخ إيداع العريضة بحكم غير قابل للاستئناف كما كان عليه الحال في الأمر 97-09،39و الطعن المقدم أمام مجلس الدولة لا يوقف سريان القرار الصادر عن الوزير المكلف بالداخلية40
أما التوقيف القضائي فيعتمد على العمدية في مخالفة القانون41، و الذي يثبت بعدم استجابة الحزب للاعذار الموجه له من طرف الوزير المكلف بالداخلية. و بعد انقضاء المدة المحددة في الاعذار يخطر الوزير مجلس الدولة ليقوم هذا الأخير بالفصل في التوقيف المؤقت للحزب السياسي، و ذلك بإصدار حكم يقضي بوقف نشاطات الحزب و غلق مقراته مدة زمنية معينة يحددها القاضي.
و الحل فيتنوع أيضا أيضا بين قضائي و إداري، هذا الأخير محدد في القانون الأساسي و تتكفل بتحديد حالاته الهيئة العليا للحزب السياسي، تحت رقابة الوزير المكلف بالداخلية، إذ يتم إعلامه بتاريخ انعقاد الهيئة و الموضوع المطروح42.
و حددت المادة 70 حصرا حالات الحل، نظرا لخطورته التي تؤدي إلى إلغاء الحزب السياسي من الوجود تصل إلى درجة يصبح فيها مجرد الاستلهام من برنامجه مانعا من موانع تأسيس الحزب السياسي.
و بعد صدور الحكم القاضي بحل الحزب القضائي الذي جاء بناء على طلب الوزير المكلف بالداخلية، يتم توقيف نشاطات جميع هيئات الحزب، و توقيف نشرياته و غلق مقراته، و تجميد حساباته، و كذا مصادرة أملاكه و منحها للجهة المحددة بموجب قانونه الأساسي إلا إذا جاء في الحكم الفاصل في الدعوى ما يخالف ذلك.
الارتباط شديد الصلة بوزارة الداخلية متجل في هذه الجزئية أيضا، فتوقيف الحزب قبل اعتماده خاضع كليا لسلطة وزير الداخلية و حتى التوقيف بعد الاعتماد و الحل يحتكر حق اخطار مجلس الدولة للوزير الداخليةـ اخطار مبني على معيير تتسم بقابلية كبيرة للتأويل و تكييف يفتح مصراعيه لطغيان سلطوي على الأحزاب السياسية.
ثانيا: تمويل الأحزاب السياسية
تمويل الأحزاب السياسية لطالما كان موضوعا مهجورا من طرف للمشرع الجزائري، ليس بعدم إصدار أحكام فيه بل بعدم تفعيله فيما يصدره من أحكام تنظمه. غير أنه قبيل إصداره لقوانين الإصلاحات السياسية بادرت وزارة الداخلية بإقامة اتصالات مع الأحزاب السياسية بغية رصد مصادر دخلها، و التقارير السنوية المقدمة لمحافظ الحسابات وغيرها من المسائل المتعلقة بمالية الأحزاب السياسية بهدف سد الثغرات التي عانى منها الأمر 97-09 في هذا الشق منه.
 بالعودة الى نص المادة 52 من القانون العضوي 12-04، تتحدد مصادر تمويل الحزب السياسي حصرا بمايلي:
–    مصادر تمويل داخلية، تتمثل في اشتراكات الأعضاء و العائدات المرتبطة بنشطاته و ممتلكاته،
–    مصادر تمويل خارجية، تتضمن الهبات و الوصايا و مساعدات الدولة.
ينص القانون الأساسي للحزب السياسي أن أحد أهم شروط الانخراط في الحزب السياسي هي الاشتراك الذي يقدمه الفرد كواحد من أشكال الدعم للحزب، و يبدو أن هذا الشرط يعود الى خلفية اشتراكية، فــ  Maurice Duverger يعزي أهمية الاشتراكات إلى اعتماد الأحزاب اليسارية على الطبقة العمالية لتمويلها، في حين أن أحزاب اليمين يمكنها الاستعانة بتمويل أحد الأثرياء الداعمين لها او المنتسبين اليها ، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا يشترط للانخراط في الحزب دفع اشتراك معين ولا تعتمد الأحزاب أساسا على الاشتراكات كمصدر للتمويل43.
و قد حرر المشرع الجزائري هذا الاشتراك من أي قيد كان قد وضعه في القوانين السابقة،  كتحديد مبلغ الاشتراك بـ200 دج كما في القانون 89-11 أو وضع حد أقصى لا يمكن تجاوزه و الذي قدره المشرع في الأمر 97-09 بـ 10%  من الأجر الوطني الأدنى المضمون، هذا الشرط الأخير كان قيدا بكل ما للكلمة من معنى حيث الحالة الاقتصادية آنذاك لم تكن تسمح لأغلب المخرطين في الحزب بالوصول الى هذا الحد و كانت تمنع أصحاب المال من تجاوزها تعويضا عما لا يستطيع أصحاب الدخل المحدود دعم الحزب به44 و نقل هذه المهمة الى الهيئىة التنفيذية للحزب45 على أساس أن أهل مكة أدرى بشعابها.
أما المصدر الداخلي الثاني للتمويل فهو العائدات المرتبطة بنشاط الأحزاب و ممتلكاتها، حيث يمكن للحزب الحصول على مداخيل من استثمارات غير تجارية، هذا المصطلح الذي لا يشتمل عليه أي تشريع ينتمي للمنطومة القانونية الجزائرية، و الأمر ليس مستهجنا اذ نجد المشرع المصري حددها في القانون 40-77 بالاستثمار في إصدار الصحف و استغلال دور النشر أو الطباعة طالما أنها تهدف بالأساس إلى خدمة الحزب، بل و تعتبر مداخيل ممتلكات الحزب من المصادر الهامة كما هو الحال بالنسبة لحزب العمال البريطاني الذي تمثل ثلث مداخيله46. 
فعلى المشرع التأسي بهؤلاء وإلا وقعنا فيما لا تحمد عقباه، من خضوع الأحزاب السياسية في قرارتها و اختيار مرشحيها و تعديلات قانونها الداخلي إلى أطراف خارجة عن الحزب، بالإضافة إلى أن هذا الأمر يضرب مبدأ المساواة بين الأحزاب عرض الحائط، فدخول الأحزاب السوق التجارية نتيجة عدم ضبط المشرع للأنشطة المباحة و المعتبرة غير تجارية قد يصل حدا يصبح فيه بارونات التجارة غير الشرعية أصحاب القرارات السياسية، المعضلة التي وقعت فيها فرنسا و أدت بها تبني قانون جديد سنة 1995 يمنع التمويل الخاص47. 
     و قد جاء في وثيقة صادرة عن المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية بعض المقترحات لدعم الاشتراكات و العائدات، أهم خطوة تعتمد عليها هي التعرف من طرف منتسبي الحزب شخصيا على المنتخبين و المتعاطفين مع الحزب، و ربط علاقات معهم بكل وسائل الاتصال المتوفرة48، أشبه ما يكون ذلك بعمل دعوي حزبي أو تبشير حزبي يهدف إلى جمع أكبر عدد من المنخرطين الذين يضمنون مصدرا ماليا معتبرا و حملة لأفكار الحزب و أهداف و دعاة جدد. 
كما وجب على الحزب استغلال المناسبات الوطنية و الأحداث السنوية لإقامة رحلات أو حفلات أو ندوات، تدر تذاكر الدخول إليها و المشاركة فيها مساهمة فعالة في دعم دخل الحزب من أنشطته غير التجارية49.
كما  مكن المشرع بموجب نصي المادتين 54 و 55 من القانون العضوي 12-04  الأحزاب السياسية من تلقي الهبات و الوصايا و التبرعات محددا قيمتها و الجهات التي يجوز تقبل هباتها و تبرعاتها و هدياها.
فمن حيث القيمة تم رفعها إلى 300 مرة الأجر الوطني الأدنى كسقف أقصى، بعد أن كان هذا الأخير لا يتجاوز 100 مرة الأجر الوطني الأدنى50، الأشكال الوحيد الذي قد يعترضنا هنا يتعلق بالوصية ، اذ نجد احتمال حدوث تعارض بين أحكام القانون 12-04 و أحكام قانون الأسرة  وراد، فماذا إن تجاوز ثلث التركة القيمة القصوى المحددة في القانون 12-04، أي القانونين نطبق؟ بما أن الوصية احد التصرفات القانونية التي يقوم بها الأفراد بكل حرية فهي إذن خاضعة للقواعد العامة المتضمنة في قانون الأسرة 51خاصة أن المشرع قصر تقديم هذا النوع من المداخيل على جهة وطنية مكونة من الأفراد الطبيعيين. بهذا فالمشرع يغلي كل احتمال لإمكانية شراء الذمم، أو خروج الأحزاب من إطار العمل السياسي إلى أسواق السياسة.
تشدنا نقطة هامة في نص المواد المتعلقة بهذا النوع من مصادر التمويل، و هي أن المشرع ألغى ضرورة التصريح بها و تقديم معلومات تفيصيلية عنها52، و قد يكون هذا نوعا من الحوافز التي اعتمدها المشرع كأسلوب لتشجيع المواطنين على تقديم التبرعات و الهبات و الهدايا، من بين أساليب عديدة اعتمدتها دول أخرى كالخصم الضريبي أو الإعفاء من بعض الضرائب لكل من تبرع لحزب أو قدم له هدية أو وصية.53
      إما إذا انتقلنا إلى المساعدات التي تقدمها الدولة أو التمويل العام كما يحلو للبعض تسميته، المادة 52 من القانون 12-04 تصفها بالمساعدات المحتملة، هذا اللفظ الذي يبدو غريبا في تفسيره فهل قصد المشرع به أنه على الأحزاب السياسية أن لا تعتمد على هذا النوع من الإعانات كمصدر لتمويلها، أم أن المقصود به أن المساعدات قد تقدم لأحزاب دون أخرى نظرا لتوفر المعايير المعتمدة في تقديمها لدى أحزاب دون أخرى، و لعل ترجيح التفسير الثاني أٌرب إلى المنطق.
بالعودة إلى المعايير المعتمدة نجد المادة 58 تحدده بععد المقاعد المحصل عليها في البرلمان لكل حزب، بالإضافة إلى معيار عدد المنتخبات في المجالس الشعبية، غير أن المبالغ لم تحدد و أحيلت إلى التنظيم كما أسلفنا الذكر.
يبدو هنا أن المشرع الجزائري و في ظل الشروط المفروظة لتكوين الأحزاب السياسية و مشاركتها في الانتخابات فان هذه المبالغ التي تهدف إلى مساعدة الأحزاب ستقدم إلى أحزاب ذات صيت و باع في الساحة السياسية، و بالتالي لن تؤدي المساعدات الهدف منها نظرا لأنها تقدم إلى أحزاب تمتلك مأصلا صادر كافية للتمويل في حين تحرم منها الأحزاب التي هي بحاجة ماسة إلى التمويل، فما الجدوى من هذا التمويل إذا ؟
و الاعتقاد الغالب أنه في ظل عدم وضوح الأنشطة غير التجارية  التي يمكن للحزب السياسي الحصول على عائدات منها و مساعدات الدولة التي يفضل أن يطلق عليها مكافئات الدولة و التي لا تعد موردا ثابتا لدخل الأحزاب الصغير فان اللجوء إلى الطرق غير المشروعة يبدو مفتوحا حتى في ظل كل هذا التشديد.
 الحديث عن اللجوء إلى مصادر غير مشروعة لتمويل النشاط الحزبي يقودنا مباشرة إلى الحديث عن أساليب الرقابة التي اعتمدها المشرع الجزائري لضمان شفافية تمويل الأحزاب السياسية، نجد في هذا الإطار بداية رقابة ذاتية، حيث فرض المشرع على مسؤول الحزب السياسي تقديم تقرير مالي خلال الجمعية العامة أو المؤتمر على أن يكون هذا التقرير المالي مصادق عليه من طرف محافظ حسابات معتمد54. 
أما الرقابة الخارجية فنجد لها وجهين، الأول يتعلق بقيد المساعدات المحتملة في ميزانية الدولة55، الأمر الذي يمكن الأحزاب الأخرى من الرقابة فيما إذا توفرت الشروط من عدمها في الحزب المقدم له المساعدة الأشكال المطروح هنا هو عدم صدور هذا التنظيم الذي يحدد بدقة أي الأحزاب تتوفر على الشروط المفروضة للحصول على المساعدة التي تبقى بهذه الكيفية رهينة إرادة السلطة. كما يمكن القيد في ميزانية الدولة من دعم شفافية ذمة الأحزاب السياسية أمام المواطن الذي يمكنه الذي يحتاج الى بناء ثقته مجددا بالأحزاب و ذلك عن طريق الإيمان بموضوعيتها و نزاهتها.
و تتدعم الرقابة الخارجية عن طريق فرض استعمال أسلوب القيد المزدوج ( إيرادات نفقات) و جرد للأملاك العقارية للأحزاب السياسية، و قد أسندت مهمة رقابة مالية الأحزاب إلى الإدارة المختصة و المشرع يقصد بذلك وزارة الداخلية و ذلك على خلاف المشرع الفرنسي الذي أسند هذه الرقابة إلى البرلمان56،و رغم أن ذلك يبدو ضمانا حقيقيا لكن إسناد الأمر إلى القضاء أو إلى هيئة مستقلة أكثر ضمانا و شفافية.
بالإضافة إلى أن المشرع فرض بشكل صريح في المادة 62 أن يكون حسابه في الجزائر و تابع لمؤسسة مصرفية وطنية حتى يكون خاضعا لرقابة الدولة بشكل كامل.
خاتمة:
فالمشرع قام بعملية نشر و تبسيط لمواد الأمر 97-09 ليضعها في قالب جديد هو القانون العضوي 12-04، أعاد من خلاله بناء هيكلة القانون موزعا بعض المواد على أبواب جديدة و مركزا بعض الأحكام المشتتة في مواد أخرى، لكن الواقع و التطبيق يضعنا في مواجهة احتياجاتنا الفعلية،  فنحن – في الجزائر- نحتاج إلى قانون أحزاب سياسية يحمل ثوابت راسية تنظم أعراف الحياة الحزبية و تضبط ملامحها بدقة متناهية، و تحفظ في الآن ذاته مرونة سماتها التي تتأثر تمددا و تقلصا بموجات التغيير المجتمعية. ، نحن بحاجة إلى قانون  لا يتخذ المنع و عدم الجوازية عقيدة، بل إلى قانون يقدم مفاهيم ذوات بوصلة مضبوطة، و مبادئ تدعم بدل أن تبتر، و حرية تكوين أحزاب يحكمها الدستور دون سواه، و أحزاب لا تعدم إداريا، و نشاط حزبي تطبعه السلاسة، و استقلالية مالية بعيدة عن أي أجندة داخلية أو خارجية. و الأهم من هذا و ذاك ضرورة التغيير الجذري داخل البيت الحزبي إذ لا يعقل إقامة نظام ديمقراطي صلب على أحزاب مفرغة داخليا من كل معنى للديمقراطية.
لسنا بحاجة إلى قوانين مرحلية مهما طالت لا نعود بعد السير معها لسنوات إلا بخفي حنين، بل إلى قوانين تبني هندسة حزبية إستراتيجية، تقينا عند كل منعطف خطر التخبط في ديمقراطية مائعة، يتوه فيها المواطن بين الإفراط في التعدد الحزبي و التفريط في إثراء منظومة البرامج الحزبية و مشاريعها السياسية. 
     فالأمر لا محالة يتطلب نقاشا جديا حول إعادة صياغة القانون العضوي 12-04، خاصة في ظل الحديث عن دستور جديد يشارف على الميلاد.
الهوامش: 
 :حسن البدراوي، الأحزاب السياسية و الحريات العامة ( دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة في حق تكوين الأحزاب السياسية- حرية النشاط الحزبي-حق تداول السلطة)، دون طبعة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية مصر، 2009 ص، 49. 

2: الفقرة الأولى من المادة 5 من القانون العضوي 12-04 الصادر في 12 يناير سنة 2012 المتعلق بالأحزاب السياسية ” يمنع تأسيس حزب سياسي او المشاركة في تأسيسه أو في هيئاته المسيرة على كل شخص مسؤول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية.”
3: حنيفي هلايلي، الحركة الاسلامية في الجزائر ( قراءة في ثلاثية. الدعوة، العمل السياسي، العنف المسلح)،( 3/ 05/2013)، http://www.freemediawatch.org/majalah/document/docmajala3-270405/arabic/p%208%20-%2015%20islam.htm 
4: حسن البدراوي، المرجع السالف الذكر، ص 214. 
5 : Islamisme, violence et réformes en Algérie : tourner la page ( synthèses et recommandations), Rapport Moyen-Orient/Afrique du Nord, N°29 30 juillet 2004 p 3. (3/05/2013), http://www.crisisgroup.org/fr/regions/moyen-orient-afrique-du-nord/afrique-du-nord/algerie/029-islamism-violence-and-reform-in-algeria-turning-the-page.aspx
6:  حسن البدراوي، المرجع السالف الذكر، ص 214.
7: العلجة مناع ، المرجع السالف الذكر، ص ¬106.
8: Simon, Jaques, Histoire et identité : Les Nord-Africains sont-ils des Arabes. 08 janvier 2010,  p 1. (15 /05/2013), http://www.creac.org/phpsimon/hist.pdf
9 : العلجة مناع، المرجع السالف الذكر، ص 107.
10: Le Tourneau, Roger, La révolution algérienne. Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, N°5, 1968. p.154.
: حسن البدراوي، المرجع السالف الذكر، ص 204.11 
12 : « Réformes politiques » ou verrouillage supplémentaire de la société civile et du champ politique ? ( une analyse critique), Réseau Euro- Méditerrané des droits de l’homme ,p 45. ( 27 /04/2013). http://www.google.dz/url?sa=t&rct=j&q=reformes%20politiques%20au%20verrouillage%20supplementaire%20de%20la%20soci%C3%A9t%C3%A9%20civile&source=web&cd=1&cad=rja&ved=0CCkQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.algeria-watch.org%2Fpdf%2Fpdf_fr%2Fremdh_reformes_politiques_2012.pdf&ei=vN6lUZj0HOeO7QbxooGAAg&usg=AFQjCNH0XxLyvI37hBXaz8LXHzxoE8_S6g&bvm=bv.47008514,d.ZWU. 
13: العلجة مناع، المرجع السالف الذكر، ص 107.
14: حسن البدراوي، المرجع السالف الذكر، ص 205.
15: الرأي رقم 01 ر. أ. ق عض / م. د المؤرخ في 27 شوال عام 1417، الموافق ل 6 مارس سنة 2012 و المتعلق بمراقبة مطابقة الأمر المتضمن القانون العضوي المتعلق بالاحزاب السياسية للدستور، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 02 المؤرخة في 15 يناير سنة 2012 ص، 07. 
16: المادة 78 من القانون العضوي 12-01 الصادر في 12 يناير 2012 المتعلق بنظام الانتخابات.
17: خفض سن الاقتراع و الترشح. موقع الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية، الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات،  (31/04/2012)، http://www.elections-lebanon.org/elections/docs_6_G_3_a_3.aspx 
18 : site officiel du Ministère de l’Intérieur et des Collectivités Locales algérien, Typologie des associations locales agréées ( situation 31 décembre 2011). ( 20/05/2013). http://www.interieur.gov.dz/Dynamics/frmItem.aspx?html=2&s=29&lng=fr.
19 :  « 2,24% », ce taux est calculé sur la base des données issues du site officiel du Ministère de l’Intérieur et des Collectivités Locales algérien,  « typologie des associations nationales agrées », (20/05/2013). http://www.interieur.gov.dz/Dynamics/frmItem.aspx?html=1&s=29
20 : Adjamagbo- johnson, Kafui, le politique est aussi l’affaire des femmes, Centre de recherche d’information et de formation pour la femme ( CRIEF). Pp 70-71. ( 19 /05/2013), http://www.pdfdownload.org/pdf2html/view_online.php?url=http%3A%2F%2Fwww.politique-africaine.com%2Fnumeros%2Fpdf%2F065062.pdf
21 : Ibid.p 63.

22: المادة 31 مكرر من القانون رقم 08-19 المؤرخ في 15 نوفمبر 2008 المتضمن التعديل الدستوري ” تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.
يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة” 
23 : « Réformes politiques » ou verrouillage supplémentaire de la société civile et du champ politique ? ( une analyse critique), po.cit. p 34.
24: وفقا لما جاء في نص المادة 17 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالاحزاب السياسية.
25: المادة 20 من القانون السالف الذكر.
26: مولود منصور، بحوث في القانون الدستوري، دون طبعة، موفم للنشر، الجزائر، 2010  ص. 146.
27: المادة 24 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية.
28: محمد منار، تأثير قوانين الأحزاب في فعالية الأحزاب و ديمقراطيتها- حالة المغرب، المجلة العربية للعلوم السياسية، مركز دراسات الوحدة الوحدة العربية، عدد أبريل/ نيسان 2011، (20/04/2013)، http://www.arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/1499، ص 70-71.
29: المادة 29 من نفس القانون السالف الذكر.
30 : المادة 32 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالاحزاب السياسية.
31: المادة 50 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية.
32: العلجة مناع، المرجع السالف الذكر، ص 109. 
33: نجيم مزيان، المجتمع المدني و الأحزاب السياسية، أية علاقة؟، ( 20/04/2013)، http://www.nadorcity.com/المجتمع-المدني-والأحزاب-السياسية،-أية-علاقة؟_a13544
34: ساجد شرقي المشعان، العلاقة المتبادلة بين الأحزاب السياسية و النقابات و منظمات المجتمع المدني، الحوار المتمدن، عدد 1902، 01/05/2007، (23/04/2004)، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=95378
35: العلجة مناع، المرجع السالف الذكر، ص 109.
36: العلجة مناع، المرجع السالف الذكر، ص 108. 
37: نقلا عن حوار مع مصطفى الفيلالي، هناك أزمة عميقة بين المجتمع المدني و المجال السياسي، البرنامج التلفزي الأحد السسياسي، 
( 12/05/2013)، http://www.youtube.com/watch?v=6QhFyVcgX6M
38 : المادة 829 من القانون 08-09 الصادر في 25 فبراير 2008 المتضمن قانون الاجرارات المدنية و الادارية.
39 : بموجب نص المادة 36 من الأمر 97-09 يمكن الطعن في القرار الصادر عن وزير الداخلية أمام الجهة القضائية الادارية التي يتبعها مقر الحزب التي تفصل فيه في مدة شهر، و يمكن الاستئناف أمام مجلس الدولة الذس منح له شهر ايضا للفصل في الاستئناف.
40 : المادة 76 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية.
41 : المادة 65 من نفس القانون سالف الذكر.
42: المادتين 68 و 69 من نفس القانون السالف الذكر.
43: the Electoral Knowledge Network, Cotisations d’adhésion. (13/05/2013). http://aceproject.org/main/francais/pc/pcd02a.htm
44: بن يحي بشير، ” تمويل الأحزاب السياسية في الجزائر”، ( رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2003)، ص ¬13-14.

45: المادة 53 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالاحزاب السياسية.
46: بن يحي بشير، المرجع السالف الذكر، ص 19. 
47 : BENTALEB, Hassan, «  le projet de la loi sur les partis politiques au Maroc ». (mémoire de Master, Université de Montpellier I, département de sciences politiques, septembre 2005à). ( 15/05/2013). http://www.memoireonline.com/11/06/286/projet-de-loi-partis-politiques-maroc.html. 
48 : يحي بشير، المرجع السالف الذكر، ص19.
49: نفس المرجع السالف الذكر، ص 24-25.
50: المادة 30 من الأمر 97-09 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية.
51: يحي بشير، نفس المرجع السالف الذكر، ص 30. 
52: بن يحي بشير، المرجع السالف الذكر، ص 30-31. 
53: المادة 60 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالاحزاب السياسية. 
54: المادة 60 من القانون العضوي 12-04 المتعلق بالاحزاب السياسية.
55: بن يحي بشير، المرجع السالف الذكر، ص 57.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى