إيران والولايات المتحدة الأمريكية: استراتيجيات الهيمنة أو لعبة النار والنفط

يشهد الخليج العربي اليوم حالة شبيهة بالحرب التي دارت في بداية الثمانينات بين العراق وإيران والتي كانت وراءها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج الداعمة لنظام صدام لوقف تصدير الثورة الإيرانية. على أن الأمر الآن يختلف إذ اختارت الإدارة الأمريكية عدم اللجوء إلى سياسة الحرب بالوكالة حيث نقلت آلياتها الحربية وشكلت قواعدها العسكرية في شكل طوق على الخليج العربي بهدف حصار إيران عسكريا واقتصاديا وذلك بمنعها من تصدير نفطها. السؤال الذي يواجه اليوم الرأي العام العالمي هو ما هي الدوافع لهذه الحرب؟ وما هي حظوظ قيامها؟ وما هي الأبعاد الإستراتيجية لمثل هذه الخطوة الأمريكية التي تشكل خطرا على الاستقرار الدولي؟

مقدمة:

قررت الإدارة الأمريكية في الأشهر الأخيرة بمعزل عن الإجماع الدولي، منع إيران من تصدير نفطها إلى العالم وقد أمهلت ثمانية دول من كبار زبائن إيران مهلة الإعفاء من استيراد النفط من إيران لحين توفير البديل عنها. وقد كان يوم الرابع من شهر ماي الحالي يوم انتهاء مهلة الإعفاءات للدول الثمانية في استيراد النفط من إيران وهي الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية.

ومن الواضح أن الرئيس ترامب فعّل وعوده بعد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران في الثامن من ماي العام الماضي حيث وعد آنذاك بفرض أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية. وكان الاتفاق السابق الممضى سنة 2015 مع الولايات المتحدة زمن الرئيس أوباما ودول أوروبية وبمراقبة الأمم المتحدة يقضي برفع العقوبات المالية والاقتصادية عن إيران مقابل التوقف عن برنامجها النووي. وقد بقيت الدول الأخرى ملتزمة بالاتفاقية وهي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وذلك للحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع إيران.

لكن لماذا العودة إلى العقوبات في هذا الظرف بالذات؟ وماهي هذه العقوبات؟ وما هو موقف الدول من هذه العقوبات التي يرى المحللون أنها تمس بأمن المنطقة؟ وما هو رد الفعل الإيراني إزاء هذه العقوبات؟ وما هو تأثيرها عليها اقتصاديا؟

العقوبات الجديدة أو حصار الأرزاق:

 تمثلت العقوبات في حرمان إيران من الأرباح التي يمكن أن تحققها من مداخيل النفط باعتباره المصدر الأساسي للعملة الصعبة وشملت أيضا الأرباح المتأتية من مجالات أخرى مثل الاقتصاد والمال والصناعة.ولبيان طبيعة هذه العقوبات يكفي النظر إلى أنالعقوبات تشمل خمسين مصرفا ومؤسسات تابعة لها وأكثر من مائتي شخص،وكذلك شملت قطاع النقل من سفن وشحن، كما تستهدف الخطوط الجوية الإيرانية (إيران آير) وأكثر من 65 من طائراتها. ومن بين العقوبات المطروحة أيضا إدراج نحو 25 مصرفا إيرانيا فرضت عليها عقوبات سابقة في قائمة سوداء، ويمكن إجمال مجالات العقوبات في القائمة التالية:      

تجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى

مشتريات الحكومة الإيرانية من الدولار الأمريكي

معادن الغرافيت والألمنيوم والحديد والفحم فضلا عن برامج كمبيوتر تستخدم في الصناعة

التحويلات المالية بالريال الإيراني

نشاطات تتعلق بأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني.

قطاع السيارات في إيران

مشغلي الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحري وبناء السفن.

التحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني.

التحويلات والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني.

على أن العقوبات الأمريكية تسمح فقط بالتبادلات في البضائع والسلع الإنسانية مثل الأدوية والأغذية ولكن هذا لا يمنع من ارتفاع أسعار هذه السلع بسبب الإجراءات والقيود المفروضة على شركات النقل الإيرانية والشحن الكبرى.   وقد حذر الرئيس ترامب جميع الدول والمؤسسات من انتهاك هذه العقوبات وهددها بمواجهة “عواقب وخيمة “وقال في ذات السياق:” نحض الدول أن تقلل أو تنهي استيرادها للنفط الإيراني، لعل النظام الإيراني يغير من سلوكه الخطير والمثير لعدم الاستقرار ويعاود الاندماج بالاقتصاد العالمي”.

المطالب الأمريكية وأهدافها من العقوبات

يختزل مايكبمبيو وزير الخارجية الأمريكية الهدف القريب من هذه العقوبات إزاء إيران في هذه المعادلة حيث يقول: “نحن نتجه نحو سياسة صفر صادرات”.ومعلوم أن حوالي 80 بالمائة من عائدات إيران تأتي من مبيعات النفط. ومع تدفق حوالي 60٪ من الميزانية الإيرانية على تمويل الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة، تعتمد إيران بشكل كبير على عائدات تصدير النفط.

  أما الهدف الاستراتيجي لهذه الحملة الجديدة من العقوبات حسب قوله فهي:حرمان النظام الإيراني من الأموال التي يستخدمها لزعزعة الاستقرار في المنطقة. فهي باختصار سياسة تجويع للشعب الإيراني. واعتبر ترامب أن هذه “العقوبات على إيران هي الأشد على الإطلاق، وأضاف: ” لن يكونوا بخير، يمكنني أن أخبركم بذلك. والسؤال هنا: هل أن الولايات المتحدة تريد تغيير سلوك النظام الإيراني أم إسقاطه بهذه العقوبات القاسية؟

تعيب الولايات المتحدة على إيران تهديدها لحلفائها في الشرق الأوسط من خلال دعمها لجماعات مسلحة مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في سوريا ولبنان كما تعيب عليها مواصلة تطوير الصواريخ والأسلحة البالستية. ولا يخفى على أحد من هم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.ومن بين أهداف الإجراءات العقابية الأخرى، أن الولايات المتحدة تريد من إيران أن تتخلى عن برنامجها الصاروخي، وإيقاف دعمها “الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط” على حد قولها، بما في ذلك حزب الله اللبناني وحماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني. كما يجب على إيران أيضاً سحب جميع القوات التي تعمل تحت قيادتها من سوريا وتسريح الميليشيات الشيعية في العراق.وتعتمد الولايات المتحدة لبلوغ غاياتها سياسة الحصار الاقتصادي من أجل شل القدرات الاقتصادية لإيران وخلق حالة تذمر يحدث انفجارا شعبيا بسبب الأوضاع الاجتماعية الخانقة والمتدهورة مثل الذي حصل في فنزويلا. فالإدارة الأمريكية تعمل على سياسة التجويع للحد من الأنشطة الإيرانية في المنطقة. وقد أصبح ظاهرا للعيان حالة غلاء الأسعار في إيران وصعوبة استيراد الأدوية.وقد أوضح أيضا وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوتشين في بيانأن «فرض الخزانة لضغوط مالية غير مسبوقة على إيران ينبغي أن يوضح للنظام الإيراني مواجهته عزلة مالية متزايدة وركودا اقتصاديا حتى يغير أنشطته المزعزعة للاستقرار بشكل جذري”.

موقف الدول الغربية من العقوبات

-عارضت الممثلة العليا للعلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فريدريكا موغريني ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، قرار الولايات المتحدة بعدم تمديد الإعفاءات التجارية لإيران.ودعا الاتحاد الأوروبي الدول الأخرى، بما في ذلك روسيا والصين، إلى بذل كل الجهود لمواصلة التجارة المشروعة مع إيران، المنصوص عليها في الاتفاق. أما الصين فقد ذكرت إنه يجب احترام تعاونها التجاري المشروع مع إيران وأعربت عن أسفها لإعادة فرض العقوبات الأمريكية على الجمهورية الإسلامية.

وجاء نفس الموقف من ألمانيا   حيث نص البيان الصادر عن وزارة الخارجية الألمانية: “نحن آسفون وقلقون بسبب قرار الولايات المتحدة بعدم تمديد الإعفاءات التجارية لإيران عدم تمديد إعفاءات تصدير النفط الإيراني.”وأضاف البيانإن: “رفع العقوبات هو جزء لا يتجزأ من خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني والذي يهدف إلى أن يكون له تأثير إيجابي على العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران وحياة الشعب الإيراني”.

وجاء في تصريحات القيادة الروسية استنكارها على الولايات المتحدة قيامها بدور الشرطي العالمي بدون وكالة من أحد، تهدد وتتوعد وتعاقب دون مراعاة مصالح بلدان المنطقة ولا استشارة الدول الصديقة وبمعزل عن الإجماع الدولي المتمثل في قرارات الأمم المتحدة.

موقف دول الشرق الأوسط

 أكيد أن دول الخليج وكذلك الدول المنتجة للنفط هي المستفيدة من هذه العقوبات فهي ستستفيد من زيادة الإنتاج والمداخيل تعويضا لنفط إيران.وتحاول الدول المصدرة للنفط، تعويض النقص حتى لا تتأثر أسعار النفط، لذا تعمل السعودية وروسيا والولايات المتحدة على ضخ كميات كبيرة لتعويض النقص المتوقع. والمتتبع لمستويات إنتاج النفط في هذه المدة الوجيزة الأخيرة يلاحظ أن إنتاج منظمة أوبك بقيادة السعودية  ارتفع لمستويات لم يشهدها في عامين. وسجل انتاج الولايات المتحدة مستوى قياسيا عند 11.3 مليون برميل يوميا في شهر أوت الماضي وزاد إنتاج روسيا إلى 11.4 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى لحقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي.أما ما يخصّ الموقف السياسي فقد ذكر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش يوم السبت 4 ماي إن “السياسات العدوانية” الإيرانية هي “المسؤولة إلى حد كبير” عن إعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران.أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد أشاد بما وصفه بالقرار الشجاع بإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران. كما قال في كلمة أمام أعضاء في الكنيست ينتمون لحزب ليكود اليميني الذي يتزعمه “هذا اليوم يوم تاريخي… أود مجددا أن أشكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على القرار الشجاع والحازم والمهم. أعتقد أن هذا يسهم في الاستقرار والأمن والسلام”.

رد الفعل الإيراني: إمكانات المناورة

تؤمِّن صادرات النفط الإيرانية عائدات مالية ضخمة وصلت إلى 52 مليار دولار خلال 2018، ويمثل هذا العائد نصف العائدات الإجمالية من الصادرات الإيرانية، يعتمد فالاقتصاد الإيراني يعتمد على 60% من عائدات قطاع الطاقة. وللحقيقة فإن إيران تستحوذ على 27% من الاحتياطيات العالمية من النفط والغاز، بواقع 9% من الاحتياطي النفطي و18% من احتياطي الغاز الطبيعي. وتبلغ الاحتياطيات الرسمية من نفط إيران 155 مليار برميل، واستطاعت أن ترفع إنتاجها من النفط إلى 3.8 ملايين برميل يوميًّا. ووفقًا لمنظمة أوبك فقد وصلت صادرات إيران مؤخرًا مليونين ومائة ألف برميل يوميًّا،وتبلغ نسبة الدول الآسيوية تقريبًا 70% من مستوردي النفط الإيراني، ثم تأتي دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 20%. وتعد الصين في مقدمة مستوردي النفط الإيراني حيث استوردت 26% من صادرات النفط الإيراني خلال العام الماضي، وتأتي الهند بالمرتبة الثانية بنسبة 23% .لذلك لن يكون الأمر هينا على الاقتصاد الإيراني ويتوقع رد فعل قوي من السلطات الإيرانية فالمسألة عندهم هي حياة أو موت وصلت بوزير خارجية الإيرانية إلى التهديد بمواجهة عسكرية في المنطقة وأشار إلى أن دول المنطقة لن تكون في مأمن منها. وجاء على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني “اليوم يستهدف العدو (الولايات المتحدة) الاقتصاد… الهدف الأساسي للعقوبات هو شعبنا”.وأكد أن طهران ستبيع النفط وستخرق العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على قطاعي الطاقة والمصارف الإيرانيين.وقال الرئيس روحاني في اجتماع مع مجموعة من الاقتصاديين “أرادت أمريكا أن تخفض مبيعات النفط الإيرانية إلى الصفر… لكننا سنواصل بيع نفطنا… وخرق العقوبات”.ومن بين الخيارات أمام السلطات الإيرانية اللجوء إلى السوق السوداء والسوق الموازية أي اللجوء إلى المهربين في سوق النفط. وفي ذات الحين مواصلة تصدير النفط وتعزيز الصادرات غير النفطية كما لوحت إيران بخيار الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة تشغيل برنامج التسلح النووي الذي جاء الآن في صورة تهديد فقط إلى حين تطور الأوضاع في المنطقة.ولكن الخيار الأكثر واقعية الذي تعمل عليه إيران الآن هو إقناع حرفائها الكبار في مواصلة اقتناء النفط منها خاصة أنها تراهن على عدم قدرة البلدان المنتجة للنفط تغطية حاجيات السوق من النفط وتغطية النقص الذي سيحدثه منع صادرات نفط إيران من التدفق في الأسواق العالمية علما أن آخر الأرقام تفيد بعدم قدرة السعودية على تغطية أكثر من 500 ألف برميل نفط يوميا. وفيهذا الصدد قال بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في مؤتمر صحفي أسبوعي في طهران “نحن على اتصال دائم مع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي… إنشاء آلية لمواصلة التجارة مع الاتحاد الأوروبي رغم العقوبات سيستغرق وقتا”.

احتمالات لعبة الوقود والنفط في الشرق الأوسط

تعتبر إيران أن دعم إيران لحلفائها في الشرق الأوسط ليس من شأن أمريكا وتهيئ نفسها لمواجهة محتملة عسكريا مع الولايات المتحدة. وقد اعتبر مايك بولتن المستشار الأمن القومي الأمريكي أن هذه التهديدات غير مقبولة وأكد عزم الولايات المتحدة على انتهاج الجدية والحزم في تنفيذ عقوباتها،فقامت الولايات الأمريكية المتحدة بنشر حاملة الطائرات وقاذفات القنابل في الشرق الأوسط كرسالة واضحة لطهران لا لبس فيها.وأصبح جليا الآن من خلال تسارع الأحداث وتراكم الآليات العسكرية وتزاحمها في المنطقة وعلى أعتاب الخليج العربي وبالتحديد مضيق هرمز أن الوضع متجه إلى إمكانية مواجهة كبيرة بين الفريقين،ويعتبر الوضع في أعلى درجات التأهب فطبول الحرب أصبحت مدوية من خلال تصريحات المسؤولين في كلا البلدين. ومن أهم هذه المخاطر التي تستهدف المنطقة والعالم بأسره المخاطرة بأسعار النفط وتعريض أهم الممرات النفطية إلى الخطر وخاصة مضيق هرمز الذي تهدد إيران بإغلاقه وهو الذي يعتبر شريان الحياة الاقتصادية في العالم وهو القلب النابض لاقتصاد دول الخليج. وربما التلويح بإغلاقه يعني إغلاق بلدان الخليج على ذاتها وخاصة خنق الاقتصاد الإيراني. للعلم يقع مضيق هرمز في جنوب الخليج يحده من الشمال إيران ومن الجنوب سلطنة عمان ويفصله عن مياه خليج عمان وبحر العرب.يبلغ عرض المضيق 50 كيلومترا، وعمق المياه فيه 60 مترا.عرض ممري الدخول والخروج فيه 10.5 كيلومتر، ويستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا.السعودية تصدر 88 بالمائة من إنتاجها النفطي عبر هذا المضيق، والعراق 98 بالمائة، والإمارات 99 المائة، وكل نفط إيران والكويت وقطر.وتعتبر اليابان أكبر مستورد للنفط عبر مضيق هرمز.يمثل النفط المتدفق عبر مضيق هرمز حوالي 40 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط.كل هذه الخصوصيات الجيوستراتيجية لمضيق هرمز تجعل من أي صدام فيه، علاوة على زعزعة منطقة الخليج يسفر عن تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة على العالم بأسره لأن أغلب الدول تعدل ميزانياتها على سعر النفط وأي تقلبات في سعر النفط جراء صراعات عسكرية تمس النشاط الملاحي لمضيق هرمز سيسفر عن تقلبات اجتماعية وربما سياسية في غير ما منطقة في العالم. لكن الخطر الأكثر على المنطقة هو التداعيات العسكرية حيث لو تنشب حربا لن تكون إلا ضروسا لا تبقي ولا تذر. السؤال المباشر اليوم ما هي احتمالات اندلاع الحرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؟ الأغلب للظن بحسب المؤشرات والمعطيات الميدانية وتاريخ الصراع الأمريكي في المنطقة وخاصة الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية ما بعد الحرب الباردة في الفيتنام أو في العراق أو في أفغانستان فإن التقدير الأقرب إلى الواقعية يؤدي إلى صعوبة نشوب الحرب لأسباب عديدة أولها عدم قدرة الولايات الأمريكية على الحسم النهائي في مثل هذه الحروب والتاريخ والأمثلة السابقة شاهدة على ذلك ثانيا :الرأي العام الأمريكي الآن غير مهيأ للدخول لمثل هذه المغامرات المكلفة للجيش الأمريكي وأبناء الشعب الأمريكي ولا يوجد إجماع حول جدوى هذه الحرب ثالثا:  استفادة روسيا من نقص تدفق النفط الإيراني إذ أنها أصبحت تنتج بكثافة بداعي تدارك النقص الحاصل في السوق العالمية للنفط وهو ما يقوي الاقتصاد الروسي، الشيء الذي لا يريح الولايات المتحدة الأمريكية.  السبب الرابع: الخشية من رد الفعل الإيراني من خلال تحريك ميليشياتها أو حلفائها في محاور تهدد إسرائيل وتهدد دول الخليج الموالية لصفقة القرن.السبب الخامس: عدم اندراج الدول الأوروبية في الخيار العسكري عدم تحمسها وحماسها للحرب ضد إيران وذلك لتضارب مصالحها مع هذا الخيار وحاجتها إلى نفط إيران وخشية الدول المستهلكة أو المنتجة للنفط من تداعيات إغلاق ممر مضيق هرمز على اقتصادها وكذلك رغبة الدول الأوروبية ودل الجوار في استقرار المنطقة لقربها الجغرافي والمصلحي من الشرق الأوسط. السبب الأخير هو أن الإدارة الأمريكية عودت المجتمع الدولي بالمناورات الدبلوماسية في مثل هذه الأوضاع فهي تستعمل عادة التهديد بالحرب من أجل تحقيق مكاسب في المفاوضات وفي إعادة صياغة اتفاقيات دولية ونحن هنا بصدد محاولة صياغة جديدة لاتفاقية نووية بشروط أمريكية تخدم مصالحها ومصالح حلفائها.

الحرب وإستراتيجية الضغط لفائدة صفقة القرن

الحقيقة لا يمكن فهم المستجدات الأخيرة على ساحة الشرق الأوسط دون ربطها بمجريات المحادثات والترتيبات لإنجاز مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أخذ عنوانا جديدا في المرحلة الأخيرة وهو صفقة القرن. ولا يمكن أيضا القفز على المعطى الإيراني وثقل وزنه الميداني وطول أذرعه في المعادلة الإسرائيلية الفلسطينية. كما لا يمكن إنكار الدعم القوي التي تتلقاه المقاومة الفلسطينية في غزة بكل فصائلها على مستوى التسليح واللوجستي أو الغطاء السياسي والدبلوماسي،كما يعلم الجميع أن القيادة السياسية لحماس عاشت لمدة طويلة في تناغم مع نظام بشر المدعوم إيرانيا وهذا التناغم لم يختف بل تواصل خاصة في فترة الحصار على قطر وشعور حماس بخشية استنزاف عمقها الداعم لها المالي والسياسي.ولا ننسى الوجود الإيراني بالوكالة في خاصرة إسرائيل في جنوب لبنان على حدود شمالها المتمثل في حزب الله.

على هذا المعنى تعتبر إيران في المنظور الأمريكي والإسرائيلي الحجرة العثرة لمشروع صفقة القرن، خاصة بعد انصهار عدد من دول الخليج وانخراطها في مشروع صفقة القرن. إذا تتنزل هذه الخطوة الأمريكية في التصعيد العسكري وفي المقاطعة والحصار الاقتصادي على إيران بوجه من الوجوه في سياق الترتيبات لتصفية خصوم صفقة القرن أو الضغط عليهم لتركعيهم والقبول بشروط جديدة لهندسة مشهد جديد في الشروق الأوسط يزيد إسرائيل في علو كعبها على جيرانها وتنهي القضية الفلسطينية بتشريد شعبها وإنهاء حلم العودة وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته التاريخية. أظن أن هذا الرهان الحقيقي لهذه المناورات الأمريكية الأخيرة خاصة في ظل توجه الرئيس الأمريكي ترامب المعروف بدعمه اللامشروط لحكومة الكيان الإسرائيلي.

الخاتمة

من المهم في قضية الحال أي الصراع الأمريكي الإيراني الانتباه إلى المعطى التاريخي لطبيعة هذا الصراع الذي غلق الأربعين عاما هذه السنة من العداء المشترك، وكذلك المعطى الجغرافي والموقع الاستراتيجي لحلبة الصراع وهي الخليج العربي ومضيق هرمز بالتحديد وخطورة تداعيات أي صراع على مصالح الدول في العالم على المستوى الاقتصادي باعتباره المضخة الكبرى العالمية لمادة النفط الغالية على الجميع والتي تمثل الرئة الاقتصادية للعالم. أضف إلى ذلك تقاطع الصراع الأمريكي الإيراني مع القضية المركزية لدول الجوار لمنطقة الخليج العربي وهي القضية الفلسطينية. لذلك لا استبعد بقاء الصراع مستمرا ولو بأشكال مختلفة مادامت القضية الفلسطينية لم تلق الحل الذي يرضي أصحاب الحق وما دامت أمريكا حلفا للكيان الإسرائيلي.

مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية

الدكتور كمال الصيد (باحث تونسي)

هي مؤسسة بحثية تغطي مجالا إقليميا واسع النطاق ، يشمل دول المغرب العربي والفضاء الإفريقي والمجال المتوسطي، مع الاهتمام بالشأن التونسي، وللمركز مقران رئيسيان بلندن وتونس… ويعمل المركز على تقديم مساهمات جادة في مجال البحوث الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button