دراسات سياسية

إيقاف العمل باتفاقيات أوسلو

بقلم: أحمد طه الغندور.

1/8/2019.

 لا شك أن من يمعن النظر إلى الرئيس الفلسطيني ” محمود عباس ” ـ وهو يتلُو قرار القيادة بإيقاف العمل بالاتفاقات الموقعة مع “الجانب الإسرائيلي” والبدء بوضع آليات تنفيذ ذلك، عملاً بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني ـ يدرك تماماً من خلال قراءة لغة الجسد الخاصة به، أنه غير آسف على اتخاذ ذلك القرار، وأنه سيمضي به إلى النهاية مهما كانت العقبات.

ومن المعروف على نطاق واسع بأن ” أبو مازن ” هو المهندس الرئيسي لاتفاق أوسلو، وهو من مثل القيادة الفلسطينية في التوقيع على إعلان المبادئ “اتفاق أوسلو” في واشنطن بتاريخ 31/9/1993، بالإضافة إلى الاتفاقية الانتقالية في واشنطن في 23/9/1995، فكيف أصبح ” الرئيس ” غير آسفاً على هذا الاتفاق وبهذا الإصرار؟!

أثبتت الأيام أن “سلطات الاحتلال” لم تكن صادقة في أي لحظة منذ التوقيع الأول على الاتفاقيات في واشنطن في العام 1993 بشأن السلام مع الفلسطينيين، وأنها بدأت في التنكر للحقوق الفلسطينية التي تحديدها كقضايا الوضع النهائي والذي حُدد بخمس سنوات، وتحول الإنكار إلى عدوان مستمر، ومن تهديد للرئيس ” عرفات ” إلى اغتيال، وبدلاً من بسط يد ” السلطة ” في المنطقة “ج” إلى تدميرها في المنطقة “أ”، وحصار وحروب جائرة لم تتوقف لحظة إلى الأن، وليصبح ” الشريك في السلام ” “إرهابي” يجب الخلاص منه!

والأغرب؛ أن الدولة الأولى “الراعية للسلام” باتت توفر الدعم اللامحدود لكل الجرائم والخروقات الإسرائيلية، على الأرض وفي الساحة الدولية، فهل أخطأ الرئيس الفلسطيني في اتخاذ هذا القرار لإيقاف العمل بالاتفاقيات، أو قل إن شئت لتصويب الفكرة؛ اتخاذ الرد القانوني الأنسب للرد على جرائم الاحتلال المدعوم بالغطرسة الأمريكية!

إن “إيقاف العمل بالاتفاقيات” هو إجراء قانوني يجري عليه العمل في القانون الدولي، فالقانون الدولي العام وتحديداً في نص المادة “60” من اتفاقية فينا للمعاهدات للعام 1969 قد نصت: ” الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يخول الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً”.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن “اتفاقيات أوسلو” تعتبر في نظر القانون الدولي من الاتفاقيات “الغير متكافئة” حين جرى التوقيع عليها إذ تمت بين ” منظمة التحرير الفلسطينية ” وهي “كيان سياسي” وليس دولة وبين “الجانب الإسرائيلي” أي “الاحتلال”، وفلسطين الأن ” دولة ” وإن كانت غير عضو في الأمم المتحدة بسبب لا يُذكر ألا وهو “الفيتو الأمريكي الجائر” والذي لا يستطيع أن يمحو صفة الدولة عنها، وتشهد على ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة وسائر المؤسسات الأممية.

هذه الدولة هي أيضا عضواً في اتفاقية “فينا للمعاهدات الدولية” منذ الخامس من فبراير / شباط 2018، لذلك يعتبر التغيير في مكانة فلسطين سبباً مستقلاً لإيقاف العمل بهذه “الاتفاقيات غير المتكافئة” حتى يُعاد النظر فيها ورفع الإجحاف الواقع على الشعب الفلسطيني، أو إنهائها بشكل نهائي.

فإذا أضفنا إلى ذلك “الجرائم الإسرائيلية” التي صاحبت “فترة أوسلو” مثل؛ الاستيطان والضم، الحصار الاقتصادي، استنزاف الموارد الطبيعية، الجرائم ضد حقوق الإنسان، الجرائم في القدس وغيرها، يكون من الجنون التغاضي عن هذه الجرائم والاستمرار في التعلق في وهم “الحفاظ على المسيرة السلمية”!

إذاً، وماذا بعد؟!

ما هو المطلوب منا عمله لتصويب الوضع القائم؟

أولاً، من الواجب أن نُركز على أن “الاحتلال” يسعى لتدمير كافة الإنجازات الفلسطينية، وأن الهدف النهائي له “لا دولة فلسطينية” بل وطرد الفلسطينيين عن هذه الأرض، ومن ينكر ذلك فهو “واهم”!

وعليه يمكن تلخيص المطلوب منا في أمرين اثنين لا ثالث لهما!

الأول: الاستمرار في كل الجهود الممكنة والمخلصة لتجسيد دولة فلسطين ” على الأرض “.

الثاني: مقاومة الاحتلال بكل الصور الممكنة، وتعرية جرائمه، ومحاكمته عليها دون يأس أو كلال وعلى كافة المستويات.

هذان العنصران يُشكلان الاستراتيجية الفلسطينية للمرحلة القادمة؛ التي تتطلب منا وضع الخطط التفصيلية لها كي نعبر هذه المرحلة الحرجة إلى بر الأمان، ونفخر بدولتنا الحرة المستقلة.

ليس هناك مجالاً للشك، بأن الخطط المحدودة، والمدروسة والتي تبدأ في مخاطبة الأمم المتحدة والدول الراعية للاتفاقيات ـ هنا لا بد من الإشارة بمخاطبة “الكونجرس الأمريكي” بدلاً من “إدارة البيت الأبيض” لوقف التعامل معها ـ ضرورة لإشراكها في المسؤولية على مواجهة الاحتلال، فهم شركاء لنا في نيل حقوقنا ومحاسبة الاحتلال، بموجب الاتفاقيات والقانون الدولي.

ولعل من الخطط المطلوبة، تحقيق الوحدة الوطنية ومشاركة الكل الفلسطيني في هذه الخطط، لأن “الخارج عنها، خارج عن الصف الوطني”، فلا “تفاهمات مع الاحتلال” ولا “وساطات إقليمية”، ولا “انفراد في اغتصاب السلطة في جزء من الوطن”، فقد انتهى الوقت بالنسبة “لعبادة الأحزاب” و”الشعارات الكذابّة”.

إذ لم يبقَ لنا إلا شعار صادق واحد.

الله.  الوطن. الشعب.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى