دراسات سياسية

استعادة برلين الثقل السياسي القاري في أوروبا

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
منذ صعود الإدارة الأمريكية الجديدة والتمدد الاستراتيجي الروسي في أوراسيا والشرق الأوسط، بدأت برلين في الانخراط النشط في الشؤون السياسية العالمية وفي مقدمتها أزمات الشرق الأوسط وأوراسيا؛ انعكست تلك الأنشطة في معارضة برلين الصريحة لواشطن في الكثير المواقف داخل الناتو، مجموعة السبعة، ومن المحتمل تتصاعد الخلافات الأمريكية-الألمانية في قمة مجموعة العشرين القادمة في ألمانيا.
كان يفترض لألمانيا أن تعود بقوة إلى السياسة الدولية بعد الوحدة عام 1990، لكنها انشغلت بالتعافي من أضرار الانقسام ومعالجة ملفات ألمانيا الشرقية الأمنية والعسكرية، مثل ملف تصفية القواعد العسكرية للجيش الأحمر، ومخازن الأسلحة والعتاد العسكري السوفياتي، والعاملين السابقين في القطاعات الأمنية بالإضافة إلى الاضطرابات الأمنية في البلقان؛ بالتوازي مع ذلك التركيز على بناء الاتحاد الأوربي بعد معاهدة ماستريخت عام 1992.
كان أول دور سياسي لألمانيا الموحدة في عام 2003 من خلال مناهضة الحرب الأمريكية على العراق، لكن هذا الموقف كان تحت ظل فرنسا جاك شيراك، وبالتالي ممارسة دور سياسي تحت العباءة الفرنسية.
حدثت تطورات كثيرة في عام 2016، أولها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ومشاكلها الاقتصادية؛ وتعثر الاقتصاد الفرنسي، بالإضافة إلى دور ترامب في إضعاف أوربا. في مقابل ذلك، استقبال ألمانيا لأكثر من مليون لاجئ سوري نالت بموجبه ميركل جائزة نوبل للسلام، وعرف الاقتصاد الألماني أكبر فائض مالي في عام 2016، ونشرت وسائل الإعلام العالمية أن الشركات الألمانية نالت درجة الثقة الأولى على مستوى العالمي، مما يعني بطريقة أخرى أن الاقتصاد الألماني يتقدم بسرعة؛ وهي العوامل التي ساعدت على بروز الثقل السياسي لبرلين.
مؤشرات استعادة برلين لثقلها السياسي القاري وما بين قاري محددة في تمدد الدبلوماسية الألمانية عبر الأزمات الأمنية الدولية باستقلالية كبيرة، الانخراط بإيجابية كبيرة في ملفات السياسة الدولية (المناخ، المهاجرين، الأمن الدولي، الديمقراطية)؛ في الوقت الذي طالب فيه باراك أوباما عام 2015 أنه لا يجب على أمريكا التمدد مع الأزمات الدولية، وهو نفس المسار المتبع من قبل الإدارة الجديدة. الملف المباشر الآن هو الأزمة الخليجية، التي تقف فيه ألمانيا إلى جانب قطر وتدعو إلى الحوار من أجل حل المشكلة، الحقيقة أن معارضة برلين لحزمة العقوبات على قطر هي في عمقها معارضة لسياسة واشنطن.
صحيح أن الثقل السياسي لبرلين مازال معطوبا بواسطة غياب العامل العسكري، لكنه معزز بواسطة القوة الاقتصادية.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى