دراسات سياسية

استفتاء الأكراد: الآثار الإستراتيجية ومقاربة الاحتواء

لا يبدو أن الضغوط الوطنية والإقليمية والدولية ذات جدوى في التأثير على إصرار مسعود البرزاني في المضي قدما نحو تنظيم الاستفتاء حول استقلال الإقليم في أواخر الشهر الجاري، وتمهيد الطريق نحو إعلان الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق. الحقيقة أن الطموحات الكردية في الانفصال تتغذى من مصادر متعددة، أولاها ضعف أو بالأحرى هشاشة الدولة العراقية بفعل الاحتلال الأمريكي عام 2003 وتفكيك مؤسسات الدولة، ثم جاء تنظيم داعش على حين غرة ليقضي على ما تبقى منها؛ بواسطة ما يسمى بالحرب بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وداعش؛ الذي أحال ثلثي المدن العراقية إلى دمار وغير قابلة للإقامة الآدمية فيها. وهذا يعني أن حتى في الحالة الراهنة، الحكومة العراقية غير قادرة على إسقاط السيطرة الإستراتيجية على كل إقليم الدولة والمحافظة على تماسك الوحدة الترابية للبلاد. استغل الأكراد هذه الوضعية المزرية للقوات المسلحة العراقية، وقاموا بتحدي شديد الخطورة لبغداد والتهديد حتى بعدم دخول القوات العراقية لبعض الأقاليم من أجل ملاحقة فلول داعش (الحويجة مثلا).
المصدر الثاني، قيام الدول الغربية (الولايات المتحدة وألمانيا على وجه الخصوص) بتسليح وتدريب قوات البيشمرجة، التي أصبحت لديها قدرات الاشتباك التقليدي مع القوات النظامية. المصدر الثالث، والأكثر الأهمية أن مناطق الأكراد كانت بعيدة عن العمليات القتالية ضد داعش، مما أبقاها آمنة وقوية ومن وراء ذلك محافظة اقتصاد الإقليم على قوته بفعل واردات النفط عبر الأراضي التركية. ويعود الفضل في عدم سيطرة داعش في عام 2014 على إربيل إلى الدور الإيراني في وقف زحف المليشيات، وفق تصريح أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في نفس العام. المصدر الرابع والأخير، هو الحرب على الإرهاب التي أنهكت حكومات المنطقة وأوجدت ثغرات كبيرة في الأمن القومي لدول المنطقة خاصة سوريا والعراق، التي تسللت عبرها معظم المخابرات العالمية (الأمريكية والإسرائيلية على وجه الخصوص) في دعم وتسليح الأكراد مقابل فتح مناطقهم لانتشار قواعد متقدمة للعمل الاستخباري، ثم تبعت بانتشار وحدات القوات الخاصة.
على المستوى الإقليمي، إن عملية الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق لا يهم فقط العراق وحده وإنما منطقة الشرق الأوسط ككل في الدرجة الأولى وأروبا ومناطق أخرى في الدرجة الثانية، على افتراض أنه سوف يكون بمثابة إطلاق شرارة مطالبة الأقليات بالاستقلال وتغذية الميول الانفصالية عبر إقليمي، خاصة بالنسبة لتلك الأقليات التي تقطن فوق الأراضي الغنية بمصادر الطاقة أو المفتوحة على البحر؛ ومن ثم سوف يكون الأمن القومي في مهب ريح العنف والحروب الأهلية القاسية.
المشكلة الأكثر عمقا بالنسبة لدول الشرق الأوسط، أنها منطقة غير ديمقراطية، ولازالت مجتمعات غير منسجمة مع ثقافة التعددية والتكامل ضمن الإطار العام لاستقلال الكيانات والانتماءات العرقية والاثنية والدينية؛ وبالتالي سوف تكون هناك حروب ومذابح حول رسم الحدود خاصة حول مناطق النفط.
طالما أن مجموعات الأكراد منخرطة في شبكة العلاقات الأمنية والعسكرية والاستخبارية على المستوى الإقليمي والدولي، فإن المقاربة الأكثر الفعالية للتعامل مع شرارة تفكيك سوسيولوجيا المجتمعات، هي العمل الإقليمي الموجه نحو المستوى المحلي والدولي على حد سواء. يمكن تحديد عناصر هذه المقاربة في مجموعة النقاط التالية:
1) قيام الدول الأربع (العراق، سوريا، تركيا، وإيران) بوضع القوى الغربية في موقف الاختيار بينها وبين الأكراد في المحافظة على مصالحها الوطنية في تلك الدول، وذلك من أجل وقف تدفق الأسلحة إلى البيشمركة وأكراد سوريا.
2) تداول الأطراف الأربعة حول مقاربة مشتركة للتعامل الفعال مع تهديد البرزاني لأمن المنطقة، بما فيها تهديد اخذ إربيل.
3) تبني حكومة بغداد موقفا متشددا (بدعم من الأطراف الإقليمية الأخرى) مع البيشمرجة من أجل إخراجهم من المناطق التي سيطروا عليها خلال فترة الحرب ضد داعش.
حقوق الهوية وحق الاستقلال لا تعني تهديد الأمن المجتمعي للمجتمعات الأخرى، التي هي أصلا تعاني من هشاشة كبيرة.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى