دراسات سياسية

الأبارتيد ودبلوماسية الإدارة بالكوارث

بقلم: أحمد طه الغندور.

        يقولون ” رُب ضارةٍ نافعة ” فلو نظرنا إلى ما يُسمى ” قانون الدولة القومية للشعب اليهودي ” بنظرة أولية فقط، نُدرك أنه قانون عنصري يقوم على أساس تمييز من هو يهودي وحتى ” الإشكنازي ” أو اليهودي الغربي عن باقي فئات المجتمع، كما أنه يتنكر للحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين العرب ـ أصحاب البلاد الحقيقيين ـ في حقوقهم الأساسية، وتاريخهم ولغتهم الأصلية التي تعتبر لغة رسمية يجري استخدامها والعمل بها في كافة الأطر الرسمية.

لذلك أقول “” رُب ضارةٍ نافعة ” فلقد كشف هذا القانون كل الزيف الذي كانت “السلطات الإسرائيلية” تستتر خلفه طيلة سنوات، بل استمرت في عملية بيع الوهم للعالم بأنها “واحة الديمقراطية الوحيدة ” في منطقة الشرق الأوسط، فلقد أسقطت كلمة الديمقراطية من التعريف بها كدولة وأبقت على ” القومية اليهودية”؛ والتي هي بحد ذاتها كمصطلح لا يُستساغ ولا يُقبل، فاليهود شريعة سماوية لا تقوم على أساس أثني أو قومي، وهذا يُشكل تناقض عنصري!

كذلك “رُب ضارةٍ نافعة ” فهذا القانون وضع الفلسطينيين أمام حقيقة قد اختلت لدى البعض منهم، فكأنهم سحبوا الجنسية عن إخواننا الثابتون على أرضهم الأصلية منذ سنة 1948، وباتوا فرقاً وطوائف، فجاءت “الطامة” ليستيقظ الجميع على أن جرح 1948 لم يندمل، وأن القضية عادت إلى المربع الأول لأن الهدف العنصري المؤكد طرد العرب ـ الفلسطينيون أصحاب الأرض ـ جميعاً من فلسطين.

هذه العنصرية ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل هي متجذرة من اليوم الأول لفرض هذا الكيان على هذه الأرض، إذ ربما يمكن قراءة التحذير منها في كل الوثائق التي ساهمت على فرض الكيان، وقد أشار إليها بلفور في إعلانه، والرئيس الأمريكي ترومان عندما وافق على عضوية الكيان في الأمم المتحدة، وما جاء في قرارات الأمم المتحدة في ذلك الوقت كلها ركزت على؛ احترام حقوق السكان الأصلين ومن ثم أصبحت حقوق اللاجئين التي لم تحترم إلى يومنا هذا، والصهيونية كحركة عنصرية استمرت تتمدد وتزداد شراسة يوماً بعد يوم حتى تم الإعلان عنها كذلك من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1975 وبقي الوضع الدولي كذلك حتى العام 1991، وتم نقض القرار أملاً في السلام وللعمل على عقد مؤتمر مدريد للسلام.

علينا أن ندرك أنه بالرغم من الضرر الشامل لكل الفلسطينيين من إقرار هذا القانون إلا أن الجوانب والقيود القانونية اللازم تطبيقها عند التوجه إلى المؤسسات الدولية ضده تختلف في حالة إخواننا الثابتون على أرضهم الأصلية عام 1948، حيث يجب عليهم قانوناً استنفاد كافة الإجراءات القانونية الداخلية لدى مؤسسات الكيان قبل التوجه إلى المؤسسات الدولية، أما باقي الفلسطينيين فتمثلهم فلسطين الدولة المراقب في الأمم المتحدة.

كما لابد لنا أن ندرك من شجع “ناتنياهو” وزمرته الحاكمة على إقرار هذا التشريع في الفترة الحالية هي خطوة ترامب باعترافه بالقدس “عاصمة للاحتلال” وقيامه بنقل سفارة بلاده إليها مما فتح شهيته إلى مزيد من العنصرية والاستيطان حتى أصبح هذا الكيان نسخة أكثر قتامة عن نظام الفصل العنصري البائد ـ الأبارتيد ـ في جنوب أفريقيا.

ومما لا شك فيه أن الحكومة الفلسطينية تواجه الأن وستواجه في القريب العاجل بكمية هائلة ليس من الضغوط بل من “الكوارث” التي تهدف إلى تمكين الإسرائيليين من تحقيق غايتهم في تمزيق البقية الباقية من فلسطين.

ويمكن أن نلمس ذلك من خلال التحركات الدبلوماسية الأمريكية عبر مندوبيها أو عبر وسطاء أو وكلاء ينشطون في المنطقة، هذا النوع من الدبلوماسية يُسمى “الإدارة بالكوارث” وبالإنجليزية ” Management by Catastrophes” ويرمز لها اختصاراً (M B C)، حيث تتمحور هذه الدبلوماسية على ردة الفعل للتأثير في الأحداث بشكل سلبي دون الجانب الإيجابي؛ فهي لا تملك أو تقدم نظرة شمولية لحل مشكلة ما بل تبحث في الجزئيات وتتقوقع حول التفاصيل الدقيقة مما يعمل على نسيان الأهداف الرئيسية أو الكبرى فيؤدي ذلك إلى خلق كارثة جديدة ينقاد البحث إليها دون حل ما قبلها، وهكذا دواليك من كارثة إلى أخرى، وهذا ما نعاينه اليوم على الساحة الفلسطينية ـ ولو اقتصرنا فقط على الشهور الأخير ـ يمكن أن نعدد من هذه الكوارث، قضية القدس وإعلانها من قِبل الولايات المتحدة عاصمة للاحتلال، الاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات، سلسلة القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين، التوسع الاستيطاني، قرصنة أموال السلطة، جرائم العدوان والقتل على غزة، إغلاق المعابر، إنهاء خدمات الأونروا وحدث ولا حرج .

لكن فجأةً تصدر المبادرات المتعددة المتصفة بصفات لامتناهية؛ مبادرات إنسانية وأخرى اقتصادية، الاحتلال يريد إنجاز المصالحة ووعود بالعمل إضافة إلى المساعدات الأمريكية والدولية.

لكن كل ذلك على طريق الخداع، المقصود أن نغرق في الكوارث وألا نخرج من التفاصيل ونعود إلى الأهداف الرئيسية التي أوشكنا أن ننساها من شدة ما نحن فيه.

هلا كنا متيقظين لخطورة ما يحاك لنا في الفترة الأخيرة؟

لن أجازف فأقول إن الشعب ينتظر تحقيق المصالحة الوطنية قبل عيد الأضحى، فالشعب رغم شدة الغمامة السوداء على أعينكم قد أوصل رسالته بشكل واضح ومنذ أمد بعيد، فهلا رفعتم الغمامة عن عيونكم كي تبصرون الحقيقة؟

وحين أقول المصالحة الوطنية وانهاء الانقسام فذلك لأنها البوابة إلى كل ما هو خير للشعب الفلسطيني وقضيته، فهل هم حقاً يريدون وحدتنا؟

هل تعتقدون أن النشاط المحموم للوسطاء يحمل الخير لكم ـ وهنا أخص الفصائل والأحزاب التي تبحث عن أهدافها الخاصة دون الأهداف الوطنية؟

الأيام القريبة حُبلة بالكثير، والدنيا ما هي إلا محطات … وما نحن إلا غرباء.

فطوبى للغرباء.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى