الأبعاد الأمنية الحديثة والأمن القومي للدول :دراسة حالة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب 2017

اعداد : محمود مدحت مختار عبد الحميد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.

  • المركز الديمقراطي العربي

مقدمة:

كلمة الأمن هى مضادة للخوف و الفزع، فهى تعني الاطمئنان من توقع شىء مكروه. والأمن كمصطلح مثله كمثل أغلب مصطلحات العلوم الاجتماعية التي لا يتم الاتفاق على تعريف واحد لها. فترى دائرة المعارف البريطانية أن الأمن يعني “حماية الدولة و الأمة من خطر القهر على يد دولة أجنبية”. وربط وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي هنري كيسينجر مفهوم الأمن بالحق في البقاء فرأى أن الأمن هو “تصرف المجتمع لتحقيق حقه في البقاء”. أما بطرس غالي فرأى أن الاْمن لا يقتصر فقط على الدولة ووحداتها الإقليمية وإنما يمتد ليشمل استقرارها السياسي و الاقتصادي[1]. وهذا يدل على عدم وجود تعريف شامل للأمن. ويقع أمن الدولة على ثلاثة مستويات وهم: المستوى القومي (وهو محل الدراسة)، المستوى الإقليمي، المستوى الدولي أو العالمي. ويعتبر مصطلح الأمن القومي هو مصطلح أمريكي بالأساس ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1947 عن طريق وكالة الأمن القومي، ويشير اصطلاحاً إلى مجموعة الاْخطار الداخلية و الخارجية التي تمس الكيان الداخلي للدولة[2]. وتعتبر الولايات المتحدة الاْمريكية هى من دول العالم الفريدة التي يضع رؤساؤها استراتيجية واضحة المعالم للاْمن القومي مع بداية كل فترة جديدة للحكم، حيث تعتبر هذه الاستراتيجية هى بمثابة الإطار العام الحاكم لسياستها الخارجية وتكون متضمنة –مع ترتيب الأولويات- كافة الاْبعاد الأمنية سواء تلك التقليدية أو غير التقليدية.

وسوف يقتصر هذا البحث على استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، الصادرة عام 2017 في عهد الرئيس ترامب، باعتبارها هى آخر ما صدر عن الإدارة الأمريكية، من حيث تبيان الأبعاد غير التقليدية للأمن المتضمنة فيها. مع البدء اْولاً بتمهيد عن أهم النظريات المتعلقة بكيفية تحقيق الأمن القومي، و توضيح اْهم التهديدات الحديثة التي تواجه الاْمن القومي للدول.

أولاً: نظريات تحقيق الأمن القومي:

مع ظهور مصطلح الاْمن القومي للدول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ التساؤل حول كيفية ضمان هذا الأمن للدولة، فظهرعدد من النظريات التي قدمت آليات مختلفة رأت أنها هى الضامنة لتحقيق الاْمن القومي، وتقع هذه النظريات على اتجاهين:

الاتجاه الاول: يمكن تسميته بالاتجاه التقليدي، الذي ظهر خلال فترة الحرب الباردة، وهو عبارة عن النظريات الوضعية للاْمن القومي التي حافظت على النظام الوستفالي القائم على مركزية الدولة باعتبارها الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية و أنها هى الوحدة الأساسية المرجعية لتحقيق الأمن، ومن هذه النظريات النظرية الواقعية والليبرالية. ومن ثم وفقاً لهذا الاتجاه فإن سلامة الدولة وبقائها يساوي تحقيق الأمن[3].

الاتجاه الثاني: ويطلق عليه اتجاه الموسعون أو الاتجاه المعارض للاتجاه التقليدي الذي ظهر في الثمانينيات مع بداية ظهور الانفراج الدولي و الانفتاح في العلاقات الأمريكية السوفيتية وبناء الثقة في النظام الدولي، وهو عبارة عن النظريات ما بعد الوضعية التي انتقدت النظريات الوضعية، من حيث اقتصرها على مركزية دور الدولة، وطالبت بتوسيع الأجندة الأمنية[4]. ومن اْهم هذه النظريات:

  • مدرسة كوبنهاجن: والتي ساهمت في تعميق و توسيع مضامين الأمن، ومن أهم مفكريها باري بوزان وأولي ويفر، فقد رأى بوزان في كتابه People, states, and fear”” الذي نُشر عام 1983 وجوب توسيع مجال البحث في دراسات الاْمن إلى قطاعات أخرى غير العسكرية التي ركزت عليها النظريات الوضعية كالقطاع السياسي والاقتصادي والمجتمعي والبيئي[5]. وقدمت هذه المدرسة ثلاثة إسهامات أساسية وهما: مفهوم الاْمن المجتمعي فهذه المدرسة هي اْول من تحدث عن هذا المفهوم من خلال بوزان و وفير، اللذان رأى أنه يعني قدرة المجتمع للحفاظ على شخصيته الجوهرية في ظل الظروف المتغيرة والتهديدات المحتملة والحالية، ومن ثم فالمهدد ليس أمن الدولة فقط وإنما أيضاً أمن المجتمع. أما الإسهام الثاني فهو نظرية الأمننة securitization التي طورها ويفر و رأى أنها نوع من أنواع الفشل في إدارة الأزمات، فهي تعني إسباغ الصيغة الأمنية على قضايا معينة –قد تكون عادية- من أجل شرعنة اللجوء إلى ترتيبات معينة من قِبل القادة مما يأتي على حساب آليات الديمقراطية (كالنقاش والحوار والاستفتاء)، لذلك قدم ويفر مصطلح اللا أمننة Desecuritization والذى رأى فيه أن تحويل قضايا معينة إلى أمنية يتطلب إجراءات معنية وبالتالي التقليل من حدة الأمننة. وأخيراً مركب الأمن الإقليمي حيث تعتبر هذه المدرسة هى من أوائل من قدم مفهوم الأمن الإقليمي[6].
  • اتجاه النقديون: وهو اتجاه معارض كذلك للنظريات الوضعية في الأمن، ويتضمن تيارين: الأول: هو ما يعرف بمدرسة ويلز، ومن روادها كين بوث وريتشارد وين جونز، ويركز مضمونها على فكرة التحرر أو الانعتاق الانساني، فالأمن يتحقق عندما يتم تحرير الناس من القيود البشرية و المادية التي تمنعهم من القيام بما يختارونه بحرية للقيام به. أما التيار الثاني: فهو تيار كيت كراوس وميشال ويلليامز ويرى ضرورة الانتقال من التركيز على البعد العسكري لسلوك الدولة في ظل الفوضى إلى التركيز على الأفراد والمجتمع والهوية[7].
  • اتجاه النسوية: والذي يركز على أهمية دور المراة ونصيبها من دراسات الأمن[8].

 

ثانياً: التهديدات الحديثة للأمن القومي للدول وجذورها:

حددت التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة مجموعة من التهديدات الحديثة التي تواجه الأمن القومي لدول العالم في الوقت الحالي، وحتى في العقود القادمة، ومن أهم هذه التهديدات: التهديدات الاقتصادية والاجتماعية، الصراع الدولي، الصراعات الداخلية، الأسلحة النووية والإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، الإرهاب، والجريمة المنظمة عبر الوطنية[9]. ويمكن أن نضيف إليهم كذلك حرب الفضاء والحرب السيبرانية وحروب الجيل الرابع والحروب المهجنة.

وفي حقيقة الأمر فإن هذه التهديدات لم تكن وليدة القرن الحادي والعشرين فقط، وإنما الجديد في الأمر هو ظهور مصطلحات هذه التهديدات بهذا الشكل المباشر، حيث ترجع جذور هذه التهديدات إلى مئات بل آلاف السنين. فقد ذكر القرآن الكريم ” مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ”[10]، وهو ما يعني بمصطلحاتنا المعاصرة أن الحرب النفسية كانت تستخدم ضد الرسول ﷺ و الرسل من قبله عليهم السلام – كالاتهام بالسحر أو الجنون -لإجبارهم على التنازل عن الدعوة المكلفين بها. وقد نجح الرسول ﷺ في استخدام الحرب النفسية لبث الرهبة في نفوس أعداء الإسلام وتحقيق الانتصار عليهم، فعلى سبيل المثال في فتح مكة 8 ه نجح المسلمون في دخول مكة دون قتال، حيث فضل الرسول ﷺ حينها شن الحرب النفسية على أعدائه أثناء سيره لفتح مكة، فقد أمر المسلمين بإيقاد النيران أثناء الإقامة في معسكرهم، فأوقدوا عشرة آلاف نارٍ في ليلة واحدة مما جعل لمعسكرهم منظراً مهيباً ألقى الرعب في قلوب الأعداء وحقق للرسول ﷺ ما أراد دون صراع عسكري مباشر[11].

وظلت الحروب النفسية والثقافية يتم استخدامهم لتحقيق أغراض مختلفة، وقد اتضح ذلك بشكل سافر القرن الماضي، فمثلاً قد استخدمت الحرب النفسية حينما تم تعيين جوزيف جوبلز وزريراً للدعاية من قبل الدكتاتور الألماني هتلر، والذي صور هتلر للألمانيين على أنه المنقذ الوحيد لألمانيا مما أسهم في الحشد الكبير للشعب الألماني[12]. أما الحرب الثقافية فقد برزت حينما نجحت الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية في استخدام الترويج للقيم الثقافية الخاصة بهم كالحرية والديمقراطية ونمط الحياة الخاص بهم، مما كان له أثره في تحطيم الاتحاد السوفيتي[13]. ومن ناحية أخرى تعتبر الحرب البيولوجية هى الأخرى قديمة قدم التاريخ، حتى أنه يُقال أن أول من استخدم هذا السلاح هو القائد اليوناني سولون عام 600 ق.م من خلال تلويثه لمياه النهر الذي يشرب منه أعداؤه مما أدى لإصابتهم وسهل عليه إلحاق الهزيمة بهم[14]. ومن ثم فإن أغلب هذه الأبعاد الأمنية غير التقليدية التي لا تتمثل فقط في الصراع العسكري المباشر، ترجع جذورها إلى قديم الزمان، اللهم إلا مصطلحاتها التي أصبحت تستخدم بشكل منتشر في عصرنا الحالي. وهذا الأمر لا شك يحتم على الدول إدراك مصادر التهديد المختلفة، وهو ما يعزز من قوة الدولة وتماسكها.

ثالثاً: الأبعاد غير التقليدية للأمن في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية 2017:

شملت استراتيجية الأمن القومي2017 للولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب العديد من الأبعاد الأمنية غير التقليدية، فنجد أنها منحت أهمية كبرى لأبعاد أمنية كثيرة غير عسكرية كالفضاء، الأمن البيولوجي، الأمن السيبراني، الأمن الاقتصادي، أمن الطاقة، تعزيز الدبلوماسية، الأمن المجتمعي. لكن هذا لا يعني أنها تجاهلت البعد العسكري- والذي لا يمكن الاستغناء عنه، وإنما شملت معظم الاستراتيجية أبعاد أمنية غير تقليدية أكثر منها تقليدية. وإذا نظرنا نظرة مقارنة لاستراتيجيات الأمن القومي لدى الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن هناك تحولاً بدأ في هذه الاستراتيجيات منذ وصول أوباما إلى الحكم والذي صدرت في عهده استراتيجيتان للأمن القومي(2015،2010)، فمع استراتيجية 2010 بالأساس بدأت استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي تتجه إلى قضايا وأبعاد أخرى غير تقليدية أهمها الاقتصاد، البيئة، أمن الفضاء، الأمن الالكتروني، مواجهة الأوبئة، التغير المناخي، الدبلوماسية، العلم، أمن الطاقة[15].

ويعتبر أهم ما تضمنته استراتيجية الأمن القومي2017  في عهد الرئيس ترامب من أبعاد أمنية  غير تقليدية هو كالآتي[16]:

  1. الأمن البيولوجي ومواجهة الأوبئة:

رأت الاستراتيجية الأمريكية أن الحوادث البيولوجية، سواء كانت بشكل متعمد كما حدث في أكتوبر  عام 2001 حيث هجمات الجمرة الخبيثة anthrax في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، أو بشكل طبيعي غير متعمد كفيروس السارس أو الإيبولا، من شأنها أن تؤدي إلى كوارث عديدة منها الخسائر البشرية، وتدمير الاقتصاد، وفقدان الثقة في المؤسسات الحكومية. كما رأت الاستراتيجية أنه بالرغم من أن تطور العلوم الحياتية له العديد من الآثار الإيجابية على مجالات كالصحة و الاقتصاد والمجتمع، إلا أنه يتيح العديد من المثالب التي من شأنها أن تؤدي إلى كوارث في مثل هذه المجالات، بالإضافة إلى أن هذا التطور قد يصل إلى أطراف دولية أخرى، وبالتالي قد يتاح إلى بعض المنظمات الإرهابية. ومن ثم يتحتم على الدولة التعامل مع مثل هذه التهديدات بحسم من خلال محاربة واحتواء التهديدات البيولوجية في مرحلة مبكرة، وتعزيز الابتكار البيولوجي لديها، وتطوير خدمات الطوارىء الصحية لمنع انتشار هذه الاوبئة المعدية بأقصى حد.

  1. الأمن السيبراني:

تعرف الموسوعة السياسية الأمن السيبراني على أنه “مجموعة الآليات والإجراءات والوسائل والأطر التي تهدف إلى حماية البرمجيات وأجهزة الكمبيوتر (الفضاء السيبراني بصفة عامة) من مختلف الهجمات والاختراقات (التهديدات السيبرانية) التي قد تهدد الأمن القومي للدول”[17]. فقد اعتبرت إدارة الرئيس ترامب أن الهجمات السيبرانية أصبحت من السمات المميزة للصراع الحديث، وأن المليشيات والفواعل من غير الدول أصبح بإمكانهم استخدام الهجمات السيبرانية بغرض تشويه وتدمير الأمن المعلوماتي لدى الدول، كما أن من شأنهم تهديد سلامة الأنظمة والمنظمات الديمقراطية والنظام الاقتصادي العالمي. ومن ثم رأت الإدارة الأمريكية وجوب محاربة وردع التهديدات السيبرانية ومستخدميها بقوة من خلال: تطوير القدرة على الاستجابة السريعة للهجمات السيبرانية، تطوير الأدوات السيبرانية وامتلاك الخبراء في المجال السيبراني وتعزيز قدراتهم، تنمية وتطوير التكامل بين مؤسسات الحكومة- بالتعاون مع الكونغرس- حتى تكون العمليات السيبرانية الموجهة ضد أعداء الولايات المتحدة الأمريكية قوية وعلى أفضل مستوى.

  1. الأمن الاقتصادي:

اعتبرت الإدارة الأمريكية أن الازدهار الاقتصادي هو قطب رئيسي للأمن القومي، وبالتالي على الدولة أن تطور من مستواها الاقتصادي، الذي كان قد تأثر- من وجهة النظر النقدية لإدارة ترامب- سلبياً في السنوات القليلة الماضية (خلال إدارة الرئيس الأسبق أوباما خصوصاً نتيجة أزمة الكساد العالمي التي وقعت عام 2008) نتيجة لتدخل نسبي من الحكومة أدى إلى انخفاض نسبي في النمو الاقتصادي وفرص العمل. وقد ورد في ثلاثة أجزاء باستراتيجية الأمن القومي آليات إنعاش الاقتصاد الأمريكي، وهى:

  • تقليل العوائق على الاستثمارات، إصلاح النظام الضريبي، تطوير البنية التحتية، تقليل الدين الخارجي من خلال إجراءات مالية، تعزيز البرامج التعليمية والتدريبية لتأهيل العاملين الامريكيين.
  • تعزيز العلاقات الاقتصادية التبادلية الحرة و العادلة مع الدول الأخرى: وذلك بهدف زيادة الصادرات الأمريكية إلى الخارج وتوسيع المجال أمامها وإزالة العوائق التي تواجهها.
  • جذب العديد من الشركاء من الدول النامية: فقد اعتبرت الإدارة الأمريكية أن جذب الدول النامية يعتبر من أعظم الانتصارات؛ لأن من شأنه خلق أسواق ربحية للاستثمارات الأمريكية، مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر ثراءً وتنافسية.
  1. القيادة في البحث العلمي، التكنولوجيا، الاختراع، الابتكار:

تبنت إدراة الرئيس ترامب هذه المجالات الأربعة في سبيل تعزيز التنافسية الامريكية، فقد رأت بوجوب أن تعطي الدولة أولوية للمجال التكنولوجي من خلال تطوير المجالات التكنولوجية الحديثة كالنانو تكنولوجي والذكاء الاصطناعي، و أن هذا من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي وأمن الدولة. بالإضافة إلى أهمية جذب المبتكرين والمخترعين من خلال المحفزات و إزالة كل ما يعوق الاستفادة الكاملة من المهارات المختلفة داخل جميع الولايات الأمريكية، مما يخدم المجال العام و الاقتصاد. ومن ناحية أخرى أكدت الاستراتيجية أن الاستثمار لابد وأن يكون بشكل مبكر في مجالات الأبحاث العلمية والتنمية.

  1. أمن الطاقة:

أُعطي هذا البعد قدر كبير من الأهمية، فقد وعدت إدارة الرئيس ترامب بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى في التاريخ دولة قائدة لمجال الطاقة في العالم، وعددت العديد من العوائد الإيجابية التي ستكون جراء ذلك على الدولة منها إنتاج اقتصاد قوي مزدهر ذو أسواق حرة وآمنة، وضمان وحماية الأمن البيئي من خلال تقليل حدة التلوث التقليدي وغازات الاحتباس الحراري. وقد رأت الإدارة كذلك أن هذا لن يتم إلا من خلال مجموعة من الوسائل منها: تقليل الحواجز المفروضة على إنتاج الطاقة دون الإضرار بأمن البيئة، حماية أمن الطاقة العالمي من خلال العمل مع الحلفاء لمواجهة التهديدات السيبرانية والمادية وتدعيم وجود تنوع في إنتاج مصادر الطاقة.

  1. أمن الفضاء:

أكدت إدراة الرئيس ترامب على ضرورة حفاظ الدولة على حرية فعلها وقيادتها في مجال أمن الفضاء، وذلك من خلال وكالة ناسا التي رأت أنه يتحتم عليها تطوير استراتيجية تضمن القيادة الأمريكية في مجال الفضاء. كما نصت الاستراتيجية كذلك على أن الإدراة الأمريكية ستحقق للبلاد القيادة في مجال الاستكشافات والاستطلاعات الإنسانية من خلال الشراكة بين القطاع العام والخاص. كما أقرت الاستراتيجية بأن أمن الفضاء يساعد بدرجة كبيرة في العمليات الاستراتيجية العسكرية، ويتيح القدرة للقوات الأمريكية بأن يكون لها الهيمنة في حالة وجود صراعات.

  1. القوة الدبلوماسية:

شددت استراتيجية الأمن القومي على أهمية اللجوء إلى الدبلوماسية كوسيلة لحل الصراعات خصوصاً في المناطق غير المستقرة بالعالم، وأنه لا بد من تطوير القدرات الدبلوماسية من خلال الحفاظ على الحضور الدبلوماسي في الخارج مع تقديم المصالح الأمريكية أولاً، و تحديد الفرص المتعلقة بالتجارة والتعاون، وتسهيل فرص التبادل الثقافي والتعليمي.

ومن ناحية أخرى، أكدت الاستراتيجية على ضرورة تعزيز الأدوات الاقتصادية للدبلوماسية، من خلال تطوير وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الحلفاء، وفرض الضغوطات الاقتصادية على من يهدد السلم والأمن مما يقلل من المواجهات العسكرية، وعدم قبول أي دعم يكون موجهاً  للإرهابيين، أو من يساعد على نشر أسلحة الدمار الشامل، من أجل دحض قوتهم لاستخدام هذا الدعم في القيام بالأعمال والعمليات العدائية.

  1. الأمن المعلوماتي:

رأت الاستراتيجية أن حروب المعلومات على الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق اختراق أعدائها للمعلومات، أصبح يشكل  تهديداً رئيسياً للأمن القومي، مما يحتم على الولايات المتحدة أن تطور قدراتها في هذا المجال كي تواجه بفعالية هذا النوع من التهديدات.

  1. الأمن المجتمعي:

حرصت الاستراتيجية كذلك على تضمين بعض العوامل المهددة لضمان حماية وأمن المجتمع الأمريكي، وآليات التعامل معها من أجل توفير الغطاء الواقي للمجتمع الأمريكي والحفاظ على جوهريته، وهذه الآليات بالأساس هى كالآتي:

  • محاربة المنظمات الإرهابية عبر الوطنية: فقد رأت الإدراة الأمريكية أن هذه المنظمات من شأنها تهديد سلامة وصحة المجتمع الأمريكي، حيث تساهم في إدخال المخدرات للمواطنين، ونشر عصابات العنف في المجتمع، ولها دور في الجرائم السيبرانية.
  • أمننة قضية الهجرة غير المشروعة: فقد جعلت الاستراتيجية من قضية الهجرة غير المشروعة قضية أمنية تهدد الأمن القومي، وأنه لابد من التعامل معها بكل حزم وشدة من خلال فرض القوانين اللازمة والرادعة.
  • حماية القيم الأمريكية: مما يحافظ على جوهرية المجتمع الأمريكي، وذلك من خلال العمل على نشر قيم الحرية و المساواة في أكبر قدر ممكن من مناطق العالم.

خاتمة: 

نستنتج مما سبق الأهمية المتزايدة التي أصبحت تحظى بها الأبعاد غير التقليدية و الحديثة للأمن، كالأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والحروب النفسية والبيولوجية والكيميائية، فلم تعد الأبعاد العسكرية –رغم عدم الاستغناء عنها- محدداً رئيسياً لقوة الدولة أو ضعفها، وذلك في ظل انتشار الأسلحة النووية وتعقد شبكة العلاقات بين الدول، وإنما لابد من تكامل الأبعاد المختلفة. ومن ناحية أخرى يمكن القول بأن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي منذ أن وضعت لم تنجح في تحقيق كافة أهدافها، فوجدنا مثلاً أنه رغم تأكيدها الشديد على ضرورة محاربة ومواجهة الأمراض سريعة العدوى ومنع انتشارها بكل حزم في إطار تأكيدها على محاربة التهديدات البيولوجية، إلا أنها فشلت فشلاً زريعاً في احتواء أزمة كورونا الراهنة بل أنها أصبحت أكثر دول العالم خسائر بشرية جراء الأزمة.

ومن المتوقع أنه بعد انتهاء جائحة كورونا أن تزداد أهمية هذه الأبعاد الأمنية الحديثة في استراتيجيات الأمن القومي للدول، سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة، خصوصاً بعد أن ظهرت اتجاهات تؤمن بنظريات المؤامرة بين الدول والحروب البيولوجية ذات الأغراض السياسية المحددة كتدمير اقتصاد دولة ما.

قائمة المراجع:

أمينة دير، “أثر التهديدات البيئية على واقع الأمن الإنساني في إفريقيا: دراسة حالة دول القرن الإفريقي”، (رسالة ماجستير، ، جامعة محمد خيضر، كلية الحقوق و العلوم السياسية،  2013/2014).

إنجي مهدي، “اتجاه الموسعون Wideners، (محاضرتان بتاريخ 1/3/2020و3/3/2020 ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة).

إنجي مهدي، “قضية الأمن في العلاقات الدولية”،(محاضرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 11/2/2020).

إنجي مهدي، “مستويات الأمن”، (محاضرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 16/2/2020).

أيمن النحراوي، مقال بعنوان: “مدخل إلى الحرب البيولوجية”، جريدة الشروق،نشر بتاريخ 22 مارس 2020، متاح على الرابط التالي: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=22032020&id=ae9f0e58-9ac3-4946-8876-3a9c366acecf

جراية الصادق، “تحولات مفهوم الامن في ظل التهديدات الدولية الجديدة”، (مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد8، 2014).

عبد الفتاح عبد المنعم، مقال بعنوان: “وثيقة سرية لحماية الأمن القومي الأمريكي”، اليوم السابع، نشر بتاريخ18 سبتمبر 2017، متاح على الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2017/9/18/وثيقة-سرية-لحماية-الأمن-القومى-الأمريكى/3418021

علي عبد الرحمن، تقرير بعنوان: “اكذب حتى يصدقك الناس”.. ذكرى ميلاد وزير الدعاية النازية جوزيف جوبلز، اليوم السابع، نشر بتاريخ 29/10/2019، متاح على الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2019/10/29/اكذب-حتى-يصدقك-الناس-ذكرى-ميلاد-وزير-الدعاية-النازية-جوزيف/4479495

علي محمد الصلابي، “غزوات الرسول  دروس وعبر و فوائد”، (القاهرة، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع و الترجمة، الطبعة الأولى 2007).

Kingsbury, Damien, et al, ” INTERNATIONAL DEVELOPMENT: ISSUES AND CHALLENGES”, (Shanghai, Palgrave Macmillan, second edition 2012).

Trump, Donald J., National Security Strategy (NSS) (Washington, DC: White House, 2017), available on:

https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2017/12/NSS-Final-12-18-2017-0905.pdf

https://political-encyclopedia.org/dictionary/الأمن%20السيبراني

[1] إنجي مهدي، “قضية الأمن في العلاقات الدولية”،(محاضرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 11/2/2020)

[2] إنجي مهدي، “مستويات الأمن”، (محاضرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 16/2/2020)

[3] أمينة دير، “أثر التهديدات البيئية على واقع الأمن الإنساني في إفريقيا: دراسة حالة دول القرن الإفريقي”، (رسالة ماجستير، ، جامعة محمد خيضر، كلية الحقوق و العلوم السياسية،  2013/2014) ص 15-17

[4] المرجع السابق، ص18

[5] المرجع السابق، ص18

[6] إنجي مهدي، “اتجاه الموسعون Wideners، (محاضرتان بتاريخ 1/3/2020و3/3/2020، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة)

[7] أمنية دير، مرجع سابق، ص19-20

[8] المرجع السابق، ص21

[9] جراية الصادق، “تحولات مفهوم الامن في ظل التهديدات الدولية الجديدة”، (مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد8، 2014)، ص23

[10] سورة فصلت الآية 43

[11] علي محمد الصلابي، “غزوات الرسول  دروس وعبر و فوائد”، (القاهرة، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع و الترجمة، الطبعة الأولى 2007)، ص266

[12] علي عبد الرحمن، تقرير بعنوان: “اكذب حتى يصدقك الناس”.. ذكرى ميلاد وزير الدعاية النازية جوزيف جوبلز، اليوم السابع، نشر بتاريخ 29/10/2019، متاح على الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2019/10/29/اكذب-حتى-يصدقك-الناس-ذكرى-ميلاد-وزير-الدعاية-النازية-جوزيف/4479495

[13] Damien Kingsbury et al, ” INTERNATIONAL DEVELOPMENT: ISSUES AND CHALLENGES”, (Shanghai, Palgrave Macmillan, second edition 2012), p 120

[14] أيمن النحراوي، مقال بعنوان: “مدخل إلى الحرب البيولوجية”، جريدة الشروق،نشر بتاريخ 22 مارس 2020، متاح على الرابط التالي: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=22032020&id=ae9f0e58-9ac3-4946-8876-3a9c366acecf

[15] عبد الفتاح عبد المنعم، مقال بعنوان: “وثيقة سرية لحماية الأمن القومي الأمريكي”، اليوم السابع، نشر بتاريخ18 سبتمبر 2017، متاح على الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2017/9/18/وثيقة-سرية-لحماية-الأمن-القومى-الأمريكى/3418021

[16] Donald J. Trump, National Security Strategy (NSS) (Washington, DC: White House, 2017), available on:

https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2017/12/NSS-Final-12-18-2017-0905.pdf

[17] https://political-encyclopedia.org/dictionary/الأمن%20السيبراني

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button