قضايا بيئية

الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية المتجددة يحمل أخطارا تهدد صحة الإنسان ورفاهيته

الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية المتجددة يحمل أخطارا تهدد صحة الإنسان ورفاهيته

الفيضانات والجفاف في العديد من المناطق ارتبطت بإزالة الغابات

أ-د/ ناول عبدالهادي

من أهم ملامح النظام البيئي المعاصر تزايد الاهتمام العالمي بالأخطار المشتركة التي تمثل تحدياً للبشرية جمعاء كالفقر والإرهاب الدولي وسباق التسليح واللاجئين وتلوث البيئة،ورغم أن تلوث البيئة ليس بالموضوع الجديد،إذ أنه ارتبط بالثورة الصناعية في العالم الغربي وما أفضت إليه من تلوث للهواء والماء والتربة واستنزاف للموارد الطبيعية،إلا أن مكافحة هذا التلوث لم تكن تمثل قضية أمنية،وكان التركيز في مرحلة الحرب الباردة على التهديدات العسكرية وهو ما ظهر في سباق تسلح محموم بين المعسكرين الشرقي والغربي،وبانتهاء الحرب الباردة اختفت المهددات العسكرية،فبرزت مهددات أخرى اقتصادية وبيئية،وأضحت مكافحة تلوث البيئة تحتل موقعا في السياسات العامة للدول،حتى أن بعض الدول خصصت وزارة لشؤون البيئة .وعلى الصعيد العالمي،نشطت الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ومنظمات السلام الأخضر في وضع أسس لحماية البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي ووضع حد لاستنزاف الموارد الطبيعية وقد تجلى ذلك بوضوح في المؤتمرات الدولية التي عقدت لبحث قضايا بيئية مثل مؤتمر قمة الأرض الذي عقد في ريودي جانيرو البرازيل في شهر يونيه عام 1992م،مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي عقد في برلين الألمانية في الفترة من 28 مارس إلى 7 أبريل 1995م،وقد ناقش المؤتمر الأول فكرة إبرام معاهدة لمواجهة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض وأخرى لحماية التنوع الحيوي،بينما ناقش الثاني التدابير الواجب اتخاذها لتقليل انبعاث الغازات التي تتسبب في ارتفاع حرارة الأرض بعد عام 2000 إلى مستواها الذي كانت عليه عام1990م،وبالإضافة إلى المؤتمرات الدولية،توجد الآن هيئات عالمية تعنى بشؤون البيئة مثل الهيئة العالمية الفرنسية-السويسرية،هيئة الراين العالمية،برنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة،وفي الغرب يوجد اليوم ما يزيد على 120ألف هيئة أو مؤسسة من أصدقاء البيئة،ويوجد في الدول النامية أكثر من 200 منظمة غير حكومية،وأصبحت للبيئة أحزاب سياسية خاضت الانتخابات النيابية في دول مثل ألمانيا وبريطانيا،وتوجد الآن شبكة عالمية لمراقبة المناخ تتألف من عشر محطات أساسية في المناطق المصابة بالتلوث تابعة لبرنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة.

إن هذا الاهتمام القطري والعالمي بمشكلات البيئة أصبح يعبر عنه في الدراسات الإستراتيجية بمصطلح أمن البيئة وقد تبنت إدارة كلينتون بالولايات المتحدة هذا المصطلح كجزء من مبادئ الأمن الوطني للولايات المتحدة الأمريكية ويتناول مفهوم الأمن البيئي مسألتين: الأولى هي العوامل البيئية التي تقف خلف النزاعات العنيفة سواء أكانت نزاعات عرقية أم إقليمية والثانية تتمثل في تأثير التدهور البيئي العالمي على رفاهية المجتمعات والتنمية الاقتصادية وتتلخص الفرضية التي انبثق عنها مفهوم أمن البيئة في أن الضغط المتزايد على نظم دعم الحياة في الكرة الأرضية والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية المتجددة يحملان أخطارًا تهدد صحة الإنسان ورفاهيته لا تقل في درجتها عن الأخطار العسكرية التقليدية.

يتعامل الأمن البيئي مع أخطار تتطور ببطء شديد مقارنة بالأخطار العسكرية لذلك فان المدى الزمني المطلوب لتخطيط سياسات حماية البيئة طويل جداً وكذلك نتائج هذه السياسات لا تظهر إلا في الأجل الطويل فإذا كان من الممكن لسياسة دفاعية تقوم على قوة عسكرية مقتدرة ومسلحة بأسلحة عالية التقنية وجيدة التدريب أن تؤتي ثمارها في فترة محدودة في الحفاظ على أمن وسيادة البلاد تجاه عدوان خارجي،فان السياسيات الرامية إلى إصلاح طبقة الأوزون قد تستغرق حوالي100 عام للحصول على نتائج،وكذلك السياسات الخاصة بإبطاء درجة حرارة الأرض والتي قد تستغرق وقتا أطول من ذلك وهذه الآفاق الزمنية تمثل عقبة كبرى في طريق أولئك الساعين إلى إدخال الأمن البيئي في عملية صنع السياسات العامة.

أهم المشكلات البيئية التي تهدد الأمن :

لقد تزايدت معدلات تلوث البيئة خلال الربع الأخير من القرن الحالي كنتيجة للزيادة الكبيرة في عدد المصانع والمعامل ووسائل النقل والمصافي،ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والزراعة المكثفة للأراضي وعدم كفاءة نظم الري والصرف،وكذا الحروب الأهلية والإقليمية،ونتيجة لذلك كثرت المشكلات البيئية بشكل بات يهدد مسيرة التنمية الاقتصادية،بل ويهدد حياة سكان الكرة الأرضية الذين يتزايد عددهم باطراد والذين تعاني قطاعات كبيرة منهم من سوء التغذية والمرض والكوارث المناخية نتيجة تلوث البيئة والذي نفصله فيما يلي:

لقد تدهورت الموارد الطبيعية ( المياه الصالحة للاستعمال التربة،الغابات،والطاقة والتنوع الحيوي)، وزادت نسبة الملوثات في الجو بشكل يؤدي إلى تسخين المناخ والتغير في تركيب الغلاف الجوي ونوعية الغازات الموجودة فيه وكميتها وزيادة نسبة الغازات السامة المخربة لطبقة الأوزون التي تعد القناع الواقي للأرض من تأثير الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

وقد خلصت بعض الأبحاث إلى أن التعرض المستمر للأشعة فوق البنفسجية نتيجة لتدمير طبقة الاوزن قد يؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية والطحالب والأعشاب البحرية وتقليل مناعة الإنسان بشأن مقاومة الأمراض المعدية،ولقد تم أيضاً إفساد دورة المياه في الطبيعة بالإضافة إلى استنزاف الموارد المائية في العالم أو تلوثها على حد سواء في الدول الصناعية والدول النامية وطالت التعديات البشرية الغابات بالإزالة أو الحرق،وقد كشفت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) خلال انعقاد مؤتمر قمة الأرض في ريودي جانيرو عن حقيقة مفادها أن العالم يفقد غاباته بمعدل 18 مليون هكتار سنوياً.

وقد أدى تدهور الغابات إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمناطق الجبلية المجاري المائية،حيث ارتبط حدوث الفيضانات والجفاف في العديد من المناطق بإزالة الغابات،وقد ترتب على تقلص الغابات مع عوامل أخرى كالزراعة الأحادية للأرض وسوء نظم الري والتسميد،تنامي ظاهرة التصحر وانجراف التربة الزراعية،وتقدر مساحة الأراضي المعرضة للتصحر والمهددة نتيجة سوء استغلالها بثلاثين مليون كلم 2، أي ما يعادل 19% من سطح اليابسة ويشكل التصحر خطراً مباشرًا على التوازن البيئي ويؤدي إلى انجراف التربة وانخفاض إنتاجيتها مما يجعلها عاجزة عن الوفاء بالاحتياجات الغذائية للإنسان والحيوان كما يؤدي التصحر إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وتزايد الفيضانات،مما يدفع السكان إلى الهجرة بحثا عن ظروف أفضل وقد ينتج عن هذه الهجرة مشكلات بين المهاجرين والمقيمين بسبب اختلاف الثقافات وأنماط الحياة والتنافس على الموارد المحدودة،وقد يفضي هذا في النهاية إلى زعزعة استقرار المجتمع وتفشي الجريمة فيه،ومن عوامل التلوث أيضا النفايات السامة وخصوصا النفايات الكيماوية والنفايات النووية ،حيث يتم التخلص منها بطرائق غير سليمة بيئياً كإغراقها في مجاري المياه أو إلقائها في البلدان النامية الفقيرة كي يتم طمرها في أراضيها مقابل مساعدات مالية وتشكل هذه النفايات تهديداً لمياه البحار وكائناتها وللمياه الجوفية.

لقد أدى التلوث إلى تدهور الحياة الفطرية،حيث انقرضت بعض الأنواع الحيوانية والنباتية وذلك نتيجة لتدمير بيئاتها،والإسراف في استعمال المبيدات الكيماوية والصيد الجائر وهذا من شأنه الإخلال بالتوازن البيئي الذي هو ضرورة لدعم الحياة البشرية إذ أن الحفاظ على التنوع الحيوي ضرورة لتوفير بيئة متوازنة متكاملة تمد الإنسان باحتياجاته من الغذاء والدواء وقد أشار العملاء إلى مناطق تتعرض فيها الأحياء للانفراط مثل غابة تشوكو بكولومبيا والغابات الموسمية في سفوح الهملايا وبعض أراضي الفلبين الواطئة.

خطر استنزاف الموارد الطبيعية على الأمن الدولي:

نتيجة للثورة الصناعية في الغرب، والتوسع الزراعي المكثف في البلدان النامية الذي أجهد التربة،والحروب حدث تناقص حاد في الموارد الطبيعية وخصوصاً المياه الصالحة للاستخدام والأراضي الصالحة للزراعة والمحصول السمكي في البحار،مما قد يهدد بنشوب نزاعات دولية في المستقبل القريب بسبب التزاحم على هذه الموارد.

والحقيقة أن العلاقة بين ندرة الموارد الطبيعية والنزاعات الدولية ليست موضوعا جديداً ولكن بخلاف مفهوم الأمن القومي التقليدي بشأن تلك النزاعات والذي يركز بالأساس على الموارد غير المتجددة مثل المعادن والبترول نجد أن المفهوم البيئي يركز على الموارد المتجددة التي لا تتأثر بالاستنزاف والتبديد إذا تمت المحافظة عليها بشكل سليم وتعد موارد المياه ومصائد الأسماك أوضح الأمثلة للموارد المتجددة التي تمثل مصدراً للصراع الدولي،فلقد قدرت مؤسسات الاستخبارات الامريكية في منتصف عقد الثمانينيات أن هناك عشرة أماكن في العالم – نصفها في الشرق الأوسط- قد تندلع فيها حروب بسبب نقص إمدادات المياه العذبة ومن أخطر تلك الأماكن نهر الأردن الذي تتقاسم مياهه كل من الأردن وإسرائيل ولبنان،ونهر النيل الذي تتقاسم مياهه كل من مصر والسوادن وإثيوبيا،ونهر الفرات تتقاسم مياهه كل من العراق وتركيا وسوريا.

وبالنسبة للمناطق التي تزدهر فيها الثروة السمكية،فقد تفجرت حولها عدة منازعات دولية في العقد الحالي وخلال العام 1995م وحده نشب ثلاثون نزاعًا حول مصائد الأسماك وكان من بينها نزاعات استخدمت فيها القوة وقد هددت الدول التي انخفضت كميات الأسماك التي تصطادها من مصائدها بسبب عمليات الصيد التي تمارسها أساطيل الصيد التي تجوب البحار المجاورة باستعمال القوة لمنع الأساطيل التي تضبط وهي تمارس الصيد بإسراف،حتى ولو كانت تقوم بالصيد خارج مناطق الصيد التابعة لتلك الدول.

وهكذا فان اتجاه الأمن البيئي يعطي بديلاً واضحًا للمفهوم التقليدي بشأن النزاعات الدولية حول الموارد الطبيعية المتجددة وهذا يعني أن المشكلة الرئيسية هي كيفية المحافظة على هذه الموارد وعدم استنزافها وذلك لتظل قادرة على سد احتياجات البشر مستقبلاً بدلاً من محاولة السيطرة على موارد هي في طريقها للنضوب.

حماية البيئة ضرورة أمنية:

وهكذا فإن تلوث البيئة بكافة أشكاله يشكل تهديداً للأمن سواء القطري أو الدولي وهو ما يثير التساؤل عن التدابير الواجب اتخاذها لحماية البيئة وتبدأ هذه التدابير بتنمية الوعي البيئي لدى الجماهير وتصل إلى حد شن التشريعات الملزمة بشأن حماية البيئة من التلوث.

وفيما يلي أهم الخطوات الواجب اتخاذها:

1. الحفاظ على العمليات البيئية والأنظمة الحيوية الأساسية التي تتوقف عليها عملية التنمية ومن أمثلتها نظافة الهواء،نظافة الماء ،المحافظة على العشائر النباتية والحيوانية ذات الأهمية الخاصة( الأعشاب البحرية- الشعب المرجانية- المستنقعات-الغابات)

2.المحافظة على الغطاء الأخضر وتنميته وخصوصاً في الأراضي الصحراوية مع التوسع في التشجير.

3.المحافظة على التنوع الحيوي من خلال بنوك الموروثات والمحميات الطبيعية وحدائق النباتات.

4.إيقاف التعديات على الأراضي الزراعية وتنمية ثروة البحيرات من طيور وأسماك.

5.المحافظة على المراعي وتنميتها والحد من الرعي الجائر والتحطيب.

6.تنظيم الاتجار في الحياة البرية وسن التشريعات التي تنظم عمليات الصيد وكمياته والأوقات المسموح بالصيد فيها والأدوات التي تستخدم في الصيد.

7.تجنب إغراق النفايات في المسطحات المائية أو إلقائها في العراء،وخصوصا النفايات النووية والتنفيذ الجاد لمعاهدة خطر التجارب النووية حماية للبيئة البحرية من التلوث.

8.ترشيد استخدام الطاقة الأحفورية ( البترول- الفحم – الغاز الطبيعي) وتطوير مصادر الطاقة البديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الكتلة الحيوية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى