دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

الأحزاب والحركات الدينية اليهودية

أوشكت مساحة الأرض، التي احتلها الجيش الإسرائيلي، في أعقاب حرب عام 1967، أن تتطابق مع الحدود التي حددتها بعض أسفار توراة اليهود، لما يُسمى “ملكوت إسرائيل”، أو “أرض الميعاد”؛ فبعد ستة أيام فقط من الحرب صار جيش الدولة ـ التي كانت تعيش في قلق وخوف دائمين من جيرانها العرب ـ يحتل شبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، والأهم من هذا وذاك، الضفة الغربية لنهر الأردن حيث المناطق الأكثر قدسية ـ كما ترى التوراة ـ عند اليهود (أورشليم القديمة، وحائط المبكى، الخليل وقبور الأنبياء، يهودا والسامرة[1]، بيت آيل، الخ…) والتي كانت تحت الحكم الأردني.

وعلى الرغم من أن انتصار 1967، قد حققه جنود دولة علمانية إلا أنه مثّل فرصة للمتدينين لابتعاث جملة من القيم الدينية؛ فحرب 1967، صارت معجزة إلهية، وهدية ربانية لـ “الشعب المختار”، وعقاباً لأعدائه، وهى كذلك، بداية الخلاص والافتداء، وقرينة على قرب مجيء المسيح المخلص. ومنذ تلك الأيام أضحى كل شيء مقدساً: الجيش الذي حقق الانتصار، والشعب الذي قاد الجيش، وقبل كل هذا وذاك، الأرض التي “تم تحريرها بعد ألفي عام من الاحتلال”، وبالتالي فإن المساس بها، لدى قطاع واسع من المتدينين، يعد انتهاكاً للوصايا الدينية وخروجاً على عملية الافتداء.

وقد شهدت البلاد، في أعقاب حرب 1967، ازدهاراً اقتصادياً لم تشهده من قبل، وثقة بالنفس في كافة قطاعات المجتمع ومؤسساته، وصارت عبارة “الذي لا يقهر”، تسبق دوماً اسم إسرائيل[2].

وكما صور المتدينون حرب 1967، كمعجزة إلهية، فقد رأوا في حرب 1973، تعبيراً عن “آلام المخاض”، التي تسبق قدوم المسيح، ذلك القدوم الذي يعني أمراً واحداً هو إقامة “ملكوت إسرائيل”. بيد أن حرب 1973، أدت ـ في واقع الأمر ـ إلى زعزعة وضع المؤسسة العمالية الحاكمة في إسرائيل، من جهة، وتصاعد قوة الشباب داخل حزب “المفدال”، الحليف الرئيسي “للمعراخ”،  حتى ذلك الحين من جهة أخرى.

وكان من نتائج حرب 1973، تصاعد روح التماسك الاجتماعي، في صفوف المتدينين، والميل نحو التعاون مع العلمانيين، ولهذا راح المتدينون يسعون إلى احتواء الدين الرسمي للدولة (الدين المدني)، برموزه وقيمه داخل إطار الدين التقليدي، فصورا حرب 1973، على أنها إحدى مراحل عملية الافتداء. وهكذا صارت هذه الحرب ـ في نظر الحاخام “إيهودا أميطال”، “معجزة إلهية”، “وإنها لم تكن بين دولة إسرائيل والدول العربية، وإنما بين الأمة اليهودية وأمم العالم أجمع”، كما كان يردد.

نشأت الأحزاب الدينية اليهودية في شرق أوروبا وروسيا القيصرية. وفي أعقاب موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، أنشأت هذه الأحزاب فروعاً فيها، أصبحت بمرور الزمن المراكز الأساسية لنشاطها. وقد تعرضت الأحزاب الدينية، شأنها في ذلك شأن بقية الأحزاب، إلى العديد من الانشقاقات والاندماجات.

و(شكل نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية) يوضح نشأة وتطور الأحزاب الدينية الصهيونية، من عام 1902إلى 1996.

وقد حصلت الأحزاب الدينية على (27) مقعداً في انتخابات 1999، مقابل (23) مقعداً في انتخابات 1996، وتقلص العدد إلى (22) مقعداً في انتخابات 2003، كما حصلت على العدد نفسه في انتخابات 2006، ولكنه تقلص مرة أخرى إلى (19) مقعداً في انتخابات 2009.

[1] عبارة “يهودا والسامرة” عبارة توارتية تشير إلى المناطق الواقعة جنوبي القدس وشماليها على التوالي، ويستخدمها ساسة الدولة للإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة عام 1967.

[2] دفع هذا «آرييل شارون» إلى القول، قبل حرب 1973 بفترة قصيرة، “لا أحد يستطيع أن يمنعنا من البقاء في قناة السويس إلى الأبد. إن وضع يدنا على القناة سوف يحطم مصر من الداخل”.

 

الجناح الأول الذي نشأ داخل المنظمة الصهيونية

يتمثل هذه الجناح في:

  1. حركتين رئيسيتين هما: “همزراحي”[1]، و”بوعالي همزراحي” (حزب المفدال منذ عام 1956).
  2. أحزاب صغيرة منشقة أهمها: حزبي “تامي”، و”مورشاه”.

أولاً: حركتا “همزراحي”، و”بوعالي همزراحي” (المفدال منذ عام 1956)

  1. النشأة التاريخية

ظهر أول تنظيم ديني صهيوني في أوروبا عام 1902، تحت اسم حركة “همزراحي” على يد الحاخام “اسحاق يعقوب رينز” (1839 – 1915)، كرد فعل تجاه تزايد نفوذ التيار العلماني في مجال التربية بين يهود العالم. فقد قرر قادة المنظمة الصهيونية العالمية، في المؤتمر الصهيوني الثاني (بازل عام 1898)، أن الدين مسألة شخصية، وأن المنظمة لن تتخذ منه أي موقف رسمي، مما أثار حفيظة الصهيونيين المتدينين. وحينما قرر المؤتمر الصهيوني الخامس (بازل 1901)، أن التربية اليهودية يجب أن ترتكز إلى روح القومية اليهودية، أدرك أنصار الصهيونية الدينية أن التربية القومية أو العلمانية يمكن أن تؤدي إلى تدمير اليهودية في نفوس أصحابها. ولما كان المؤتمر الصهيوني الخامس، قد سمح بتشكيل كتل أو اتحادات في إطار المنظمة، فقد قرر الحاخام “رينز”، تأسيس اتحاد للصهيونيين المتدينين، يعمل في إطار المنظمة الصهيونية العالمية.

انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الجديد “همزراحي”، في مارس 1902، في مدينة “فيلنا” في “لتوانيا”، برئاسة الحاخام “رينز”، وبمشاركة اثنين وسبعين عضواً من الصهيونيين المتدينين، وقرر إقامة حركة “همزراحي”. وقد أصدرت الحركة، فور قيامها، بياناً جاء فيه: “في بلدان المهجر لا يمكن لتوراة إسرائيل ـ وهي روح الأمة ـ أن تسيطر  بكل قوتها، ولا يمكن أداء كل فرائض التوراة، بكل طهارتها، لذا ينبغي توجيه قلوب اليهود إلى صهيون والقدس، المكان الذي سيجد فيه فقراء شعبنا الراحة المنشودة، إن بعث الأمل في عودة صهيون، سيمنح قاعدة آمنة، وطابعاً خاصاً لشعبنا، ومأمناً لتوراته ولكل أقداسه، إن صهيون والتوراة شيئان مقدسان، يكمل كل منهما الآخر ويحتاج إليه”. وفي هذا المؤتمر التأسيسي اتخذت الحركة شعارها التاريخي، “أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفقاً لتوراة إسرائيل”.

في أعقاب تأسيسها، راحت الحركة الجديدة تفتح لها فروعاً في العديد من دول أوروبا. وفي أغسطس 1904، عقدت الحركة مؤتمرها العالمي الأول في مدينة “بريسبورغ” في “هنغاريا”، حيث تمت مناقشة العديد من المسائل التي تهم الحركة وعلى رأسها مسألة: “العودة إلى أرض الأجداد”، وقد تبنت الحركة دستوراً، جاء فيه: “إن المزراحي منظمة صهيونية ملتزمة ببرنامج بازل، تسعى للعمل من أجل بعث حياة اليهود القومية، وتعتقد المزراحي أن وجود الشعب اليهودي يعتمد على محافظته على التوراة والتقاليد الدينية وأداء الفرائض، والعودة إلى أرض الآباء. إن المزراحي ستبقى في المنظمة الصهيونية، وتناضل داخلها من أجل آرائها، ووجهات نظرها، ولكنها ستقيم تنظيمها الخاص بها، من أجل إدارة نشاطها الديني والثقافي. إن رسالة المزراحي هي تنفيذ أهدافها بكل الطرق المشروعة، والإعلان عن مبادئها عن طريق نشر الأدب الديني وتثقيف الشباب”.

تعرضت حركة “المزراحي”، لأول أزمة لها في أعقاب قرار المؤتمر الصهيوني العاشر (بازل عام 1911)، بتكليف اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية ـ وكان كل أعضائها من العلمانيين ـ بتنظيم النشاط الثقافي العبري في أرض إسرائيل وبلدان المشرق، على الرغم من معارضة حركة “المزراحي” الشديدة، ومطالبتها بأن يبقى هذا النشاط في يد المتدينين أو على الأقل مشاركتهم، وفي أعقاب هذا القرار انقسمت الحركة إلى تيارين، حيث طالب البعض بالانفصال عن المنظمة الصهيونية، بينما أيد البعض الآخر البقاء. ولما حسم النزاع لصالح التيار الداعي إلى البقاء، رفض دعاة الاستقلال ـ وكانوا من العناصر اليهودية الأكثر تشدداً من يهود ألمانيا وهنغاريا ـ ذلك، وقرروا الانسحاب من “المزراحي” والحركة الصهيونية، وبادروا إلى الاتصال ببعض الحاخامات ومجموعات معارضة للصهيونية في ألمانيا وهنغاريا، وأعلنوا قيام حركة “أغودات إسرائيل” المعارضة للصهيونية، في مايو 1912.

كان وعد “بلفور” الصادر في 2 نوفمبر 1917، نقطة انطلاق مهمة في تطور الحركة، ففي أعقابه أقامت الحركة منظمات شبيبة في العديد من دول أوروبا، وأنشأت شبكة مدارس دينية قومية تربوية، تحت اسم “شبكة مدارس يافنه”، كما بدأت الاتصال بدوائر “اليشوف”، قدامى السكان اليهود في فلسطين. وفي عام 1918، أقامت الحركة فرعاً لها في “يافا” بفلسطين، وعقدت أول مؤتمر لها هناك في سبتمبر من نفس العام. وفي أواخر عام 1920، نقلت الحركة مقرها الرئيسي من لندن إلى القدس، وتحول مقرا الحركة في لندن ونيويورك إلى فرعين للحركة الرئيسية بالقدس. كان أول إنجاز للحركة، في مقرها الجديد، إنشاء مؤسسة “الحاخامية الرئيسية” في القدس عام 1921، بمبادرة من الحاخام “أبراهام كوك”. ومنذ ذلك الحين كرست الحركة كل اهتمامها في توسيع شبكة المدارس الدينية التابعة لها، وإنشاء محاكم دينية للأحوال الشخصية، وضمان تمثيل الحركة في كافة المؤسسات اليهودية في فلسطين.

وفي عام 1922، أُعلن عن تأسيس حركة “هبوعيل همزراحي: العامل المزراحي” على يد أنصار حركة الشبيبة “هتسعير همزراحي: الفتى المزراحي” من المتأثرين بالتيارات الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وبأفكار الحاخام “شمشون رفائيل هيرش”، والقادمين إلى فلسطين ضمن موجة الهجرة الثالثة (1919 – 1923). لقد شجعت المنظمة الصهيونية هجرة العمال الشباب أكثر من الطبقات المتوسطة ـ التي كانت المصدر الرئيسي للمزراحي ـ وذلك بقصد بناء الاستيطان اليهودي في فلسطين في أسرع وقت، ومن ثم تشكل الأساس البشري للمنظمة العمالية الجديدة. وقد رفع رواد الحركة الجديدة شعار “التحقيق الذاتي”، للصهيونية بواسطة “التوراة والعمل”، وبواسطة الدمج بين الفكر الديني القومي والفكر الاشتراكي، بهدف بناء “أرض الأجداد”. وقد اعتبرت حركة “المزراحي” الحركة الجديدة حركة شبابية عمالية تابعة لها، وصادق مجلسها العالمي الذي عقد في برلين عام 1924، على إقامتها. وفي عام 1925، تأسس “الاتحاد العالمي لحركة التوراة والعمل في الدياسبورا”.

ظلت حركة “العامل المزراحي” تعمل في إطار المنظمة الصهيونية العالمية كجزء من حركة “المزراحي”، إلا أنها راحت تمارس ـ بالتدريج ـ دوراً مستقلاً عنها في مؤسسات “اليشوف”. وعلى الرغم من أن عضوية العامل المزراحي في الهستدروت شكلت حلقة وصل بين المزراحي الأم وبين الهستدروت، إلا أن العامل المزراحي راح يقوم بالعديد من الأنشطة[2]، مثل إقامة شبكة مستوطنات زراعية واسعة، وكيبوتس ديني عام 1935، وتأسيس حركة “بني عقيبا” الشبابية (والتي أنشأ أتباعها سلسلة من المدارس الدينية الصهيونية الثانوية في إسرائيل فيما بعد). وكذلك أنشأت حركة “العامل المزراحي” بنكاً باسم الحزب، والعديد من المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات إسكانية واجتماعية أخرى، ومنظمة للشباب الديني العام باسم “الشباب العامل الديني: هنوعار هداتي هعوفيد”، وثانية للرياضة باسم “اليذور”، وثالثة للمرأة باسم “رابطة نساء هبوعيل همزراحي”.

كان أنصار “العامل المزراحي”، مستاءين من نهج قادة “المزراحي”، في تمثيل مصالحهم في المؤسسات الصهيونية، كما أن النزاعات العمالية الاشتراكية لديهم أضافت بعداً آخر في العلاقات السيئة مع “المزراحي”. ومن هنا اتجه “العامل المزراحي”، شيئاً فشيئاً نحو الاستقلال عن “المزراحي”، وبدأ في الظهور بقوائم مستقلة في انتخابات المؤسسات اليهودية في فلسطين، وصارت الحركة أبرز الحركات الدينية في فلسطين وأعظمها تأثيراً ونفوذاً، وغدت قادرة على استيعاب المهاجرين على غرار الأحزاب العمالية غير الدينية.

  1. أيديولوجية الحركة

صاغ رواد “المزراحي” أيديولوجية حركتهم، في مؤتمر عام 1926، في صيغة موجزة تقول: “المزراحي عبارة عن اتحاد صهيوني قومي وديني يسعى إلى بناء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وفقاً لقوانين التوراة والشريعة”.

وفي عام 1933، انسحبت حركة “المزراحي” من المنظمة الصهيونية العالمية، احتجاجاً على التنكر للتقاليد الدينية في مستوطنات “الصندوق القومي”، ولكنها عادت إليها عام 1935. وكانت الحركة قد قدمت في عام 1934، اقتراحاً بإقامة دولة يهودية في فلسطين، فكانت بذلك الحركة الثانية ـ بعد التصحيحيين ـ التي تطالب بهذا، في ذلك الوقت المبكر. عارضت حركة “المزراحي” مشروع لجنة “بيل” بتقسيم فلسطين لتعارضه مع حدود “أرض إسرائيل” كما جاءت في التوراة.

وبقيام الدولة عام 1948، تحولت الحركتان إلى حزبين سياسيين مستقلين ، وصار حزب “العامل المزراحي”، أكثر نفوذاً وتأثيراً من حزب “المزراحي”.

ثانياً: الحزب الديني القومي “المفدال”

  1. النشأة التاريخية

بعد أن خاض حزبا “المزراحي” و”العامل المزراحي” ثلاث دورات انتخابية، برز اتجاه قوي داخل الحزبين لدمج الحزبين معاً. كان لكل منهما أسبابه فقد رأى “المزراحي” في عملية الدمج فرصة لتكوين قاعدة جماهيرية منظمة، ونظر “العامل المزراحي” إلى عملية الدمج غلى أنها توفر له إمكانات مادية ضخمة يمتلكها التنظيم العالمي “للمزراحي”.

كانت الخطوة الأولى هي توحيد التنظيمين العالميين لهما في الخارج عام 1955. وفي صيف عام 1956، دُعي إلى مؤتمر مشترك في إسرائيل أُعلن فيه عن قيام “الحزب الديني القومي: مفلاغا داتيت ليئوميت”، والذي عُرف اختصاراً باسم حزب “المفدال”. وقد عكس اسم الحزب الجديد “العنصر القومي” الذي كان “العامل المزراحي” يشدد علية، و”العنصر الديني” الذي كان “المزراحي” يؤكد عليه. وفي المؤتمر الثاني للحزب الجديد عام 1963، تم تقسيم المسؤوليات والمهام كالتالي: يتولى “المزراحي” الشؤون السياسية والدينية والإعلامية، وتنظيم الطبقات المتوسطة والعلاقات العامة، في حين يتابع “العامل المزراحي” الشؤون التنظيمية العامة، وأمور رسوم العضوية، وشؤون الهجرة والاستيعاب والعمل، والشؤون المهنية والاقتصادية، وشؤون المهن الحرة، والدوائر التي تهتم بكبار السن وبمدن التطوير.

  1. أيديولوجية الحزب

يستند حزب “المفدال” ـ أيديولوجياً ـ على أفكار الصهيونية الدينية، وينطلق منها في وضع برامجه السياسية والانتخابية. التي تتميز بثوابت أيديولوجية هي:

أ. في مجال العلاقة بين الدين والدولة

(1) الإيمان التام بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، وبمفهوم “أرض إسرائيل الكاملة”، ومن ثم فالاستيطان في كامل فلسطين أمر شرعي.

(2) إن انتصارات جيش الدفاع الإسرائيلي ـ وخاصة في عام 1967 ـ هي بداية الخلاص النهائي لـ “الشعب المختار”، وإن الصهيونية هي أساس عملية الخلاص.

(3) ضرورة بناء الدولة والمجتمع، وفقاً لقوانين التوراة، وتعميق الطابع الديني للدولة، والالتزام بكافة تعاليم الشريعة، والحفاظ على وحدة الشعب اليهودي وخصوصيته في إسرائيل وفي الشتات.

(4) دعم مكانة “الحاخامية الرئيسية”، باعتبارها أعلى سلطة دينية في البلاد، وكذلك دعم كافة المجالس الدينية.

(5) تدريس الدين في كافة مراحل التعليم.

(6) تأييد خدمة طلبة المدارس الدينية في الجيش.

(7) دعم المؤسسة القضائية الحاخامية.

(8) الحفاظ على حرمة السبت، وحل المشاكل القانونية المتعلقة بالتطورات التكنولوجية والعلمية حسب الشريعة.

(9) المحافظة على اتفاقية “الوضع الراهن”.

(10) التأييد الكامل لقانون من هو “اليهودي”، والمناداة بتعديله حسب التصور الأرثوذكسي.

ظل الحزب يوجه كل اهتماماته إلى المسائل الداخلية  المتصلة بالطابع الديني للدولة، والتي تمس مصالح المتدينين مباشرة، مع عدم اهتمامه كثيراً بشؤون السياسات الخارجية والأمنية والاقتصادية، حتى عام 1977، ووصول تكتل الليكود إلى سدة الحكم لأول مرة في إسرائيل.

وبعد صراعات عنيفة، استمرت طوال عقد السبعينيات وأوائل الثمانينيات، بين القيادة القديمة للحزب ـ التي كانت مواقفها السياسية أقرب إلى مواقف حزب “العمل” ـ وبين “كتلة الشباب” بزعامة “زفولون هامر” ـ والتي تأثرت بتعاليم الحاخام “زيفي يهودا كوك” ـ تحول الحزب في المسائل الخارجية والأمن، إلى حزب شديد التطرف قومياً.

ب. في مجال السياسة الخارجية

(1) ما حدث في عام 1967، هو “بداية تحقيق وعد الرب لشعبه المختار بالعودة إلى أرض الآباء”، انطلاقاً من التفسيرات التواراتية، ومن ثم فإن الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة ـ الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 ـ تشكل جزءاً من أرض إسرائيل تم تحريره.

(2) القدس هي “العاصمة الأزلية لشعب إسرائيل”. ومن ثم دعا الحزب إلى ضم الضفة والقطاع والقدس، وهضبة الجولان السورية المحتلة، إلى “دولة إسرائيل”، وتطبيق “القانون الإسرائيلي” عليها، وعدم المساس بالسيادة الإسرائيلية عليها.

(3) المطالبة بوضع الخطط الكفيلة باستيطان هذه المناطق والعمل على تحصينها وتأمينها.

(4) ضرورة تمكين الفلسطينيين من الاختيار الحر بين “الجنسية الإسرائيلية” أو أية جنسية أخرى.

(5) منح استقلال “ديني ـ تربوي” لتجمعات السكان العرب المكتظة.

(6) تعيين إدارة دينية مستقلة للأماكن المقدسة لمختلف الأديان.

(7) أما عن مخيمات اللاجئين الواقعة داخل الدولة، فيرى الحزب ضرورة العمل على تعبئة إمكانيات دولية جادة لتصفيتها، وإعادة تأهيل سكانها ودمجهم في الاقتصاد الإسرائيلي.

(8) يدعو الحزب إلى ما يُسميه بـ “السلام الدائم”، وإقامة علاقات طبيعية سياسية واقتصادية بين إسرائيل والدول العربية المجاورة

ج. في المجال الاقتصادي

(1) تقليص تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي.

(2) تقديم تسهيلات ضريبية لأصحاب رؤوس الأموال.

(3) رفع الرقابة على العملات الأجنبية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

(4) وبيع الشركات الحكومية.

(5) العمل على تشجيع الصناعات التصديرية.

(6) تقليل الاعتماد على المساعدات الأمريكية.

ويمتلك الحزب بنكاً باسم بنك “همزراحي الموحد”، وصندوقاً للمرضى باسم “كوبات حوليم همزراحي”.

وقد حصل “المفدال” على تسعة مقاعد في انتخابات 1996، تقلصت إلى خمسة مقاعد في انتخابات 1999، وزادت إلى ستة مقاعد في انتخابات 2003؛ بينما حصل “المفدال” مع “الاتحاد القومي” على أربعة مقاعد في انتخابات 2006، ولم يحصل على أي مقعد في انتخابات 2009.

  1. الأحزاب المنشقة على “المفدال”

تعرض حزب المفدال ـ شأنه في ذلك شأن كل الأحزاب السياسية في إسرائيل ـ إلى العديد من الانشقاقات، لعل أهمها هو الانشقاق الذي أدى إلى ظهور حركة “كتلة الإيمان: غوش ايمونيم”، في السبعينيات من هذا القرن. أمَّا أهم الأحزاب والقوائم الانتخابية التي انشقت عن حزب “المفدال” فهي:

أ. قائمة “تقاليد إسرائيل: تامي”: وهي أول قائمة حزبية تنشق عن “المفدال”، على يد زعيمها “أهارون أبو حصيرة” عشية انتخابات الكنيست العاشرة عام 1981. وهي قائمة سفاردية تعكس مواقف حزب “المفدال”، حتى أنه شاع عنها أنها “مفدال شمال أفريقيا”، نسبة إلى استقطابها اليهود الشرقيين المغاربة. وقد اندمجت في الليكود عشية انتخابات 1988.

ب. قائمة “متساد: المعسكر الديني الصهيوني”: أسسها عضو الكنيست الحاخام “حاييم دروكمان”، عام 1983.

ج. قبيل انتخابات عام 1984، تحالف “دروكمان” مع قائمة “أوروت: الأضواء”، ومع حزب “بوعالي أغودات إسرائيل” لتشكيل قائمة جديدة باسم “مورشاه: التقاليد أو التراث”. وقد جاء هذا التحالف نتيجة لتبدد الأمل في توحيد المعسكر الديني الصهيوني، بعد أن رفض زعيم “المفدال” آنذاك، “يوسف بورغ”، اعتزال رئاسة الحزب كما كان يطالب “دروكمان” و”بن بورات”. تُعد قائمة “مورشاه” من أكثر الأحزاب الدينية تطرفاً وتعصباً، على الصعيدين الديني والسياسي، تطابق مواقفها مواقف حزب “الليكود”.

تلاشت قائمة “مورشاه” في أعقاب انتخابات 1984، وعادت “أوروت” إلى “المفدال”.

د. وعشية انتخابات عام 1988، تعرض “المفدال” لانشقاق جديد على يد الراب “يهودا عاميطال”، وشكل حركة “ميماد: معسكر الوسط الديني أو اليهودية العقلانية”، مستقطباً اليهود الأوربيين، وعارضاً أفكاراً أقل تطرفاً.

[1] كلمة “همزراحي” هي اختصار للكلمتين العبريتين “مركاز روحاني أي المركز الروحي” والتي تعني الشرقي كان هذا الاسم من اقتراح حاخام يُدعى “إبرهام سلوتسكي”.

[2] وذلك على غرار كل الأحزاب اليهودية قبل وبعد قيام الدولة.

 

الجناح الثاني خارج المنظمة الصهيونية

يتمثل هذا الجناح في حركتين رئيسيتين هما

  1. أغودات إسرائيل
  2. هبوعيل أغودات إسرائيل

إضافة إلى عدد آخر من الأحزاب والجماعات المنشقة عليهما وهي:

  • شاس.
  • يهوديت هيتوراه ، وغيرهما.

أولاً: حركة “أغودات إسرائيل”

  1. النشأة التاريخية

عقد المتدينون المنشقون عن “المزراحي”، وعدد آخر من المتدينين اليهود الألمان والهنغاريين، مؤتمرهم الأول في بلدة “كاتوفيتش” بالنمسا عام 1912، بغرض الإعلان عن تأسيس حركة يهودية غير صهيونية باسم “أغودات إسرائيل العالمية”، أي “رابطة أو جمعية إسرائيل العالمية”. وقد افتتح المؤتمر الحاخام “يعقوب روزنهايم” معلناً أن هدف المؤتمر ليس إنشاء تنظيم كباقي التنظيمات، وإنما “إعادة بعث شعب التوراة”، و”تنظيم الناحية المادية للوجود اليهودي تنظيماً شعبياً يستند إلى روح التوراة”.

في نهاية المؤتمر أُعلن عن تأسيس حركة “أغودات إسرائيل العالمية”، وإقامة “مجلس كبار علماء التوراة”، كهيئة عليا مشرفة على توجيه الحركة، ومسؤولة عن تنظيم حياة الجماعات اليهودية وتوجيهها. كان إقامة ذلك المجلس شيئا جديداً انفردت به الحركة الجديدة لم تفعله المنظمات اليهودية غير الدينية ولا حركة “المزراحي” الدينية. وعلى صعيد آخر لم يُصدر المؤتمر برنامجاً عملياً تفصيلياً للحركة الجديدة، كما ترك للسلطات الدينية اليهودية، في كل بلد، مهمة وضع نظامها التعليمي الديني والاجتماعي، بما يتلاءم مع أوضاع جاليتها اليهودية المحلية.

أضحت حركة “أغودات إسرائيل” أكبر حركة بين يهود بولندا ـ البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة وقتذاك ـ وذلك بعد قدوم العديد من زعماء “أغودات إسرائيل” الألمان مع جيش الاحتلال الألماني لبولندا. شكلت الحركة العديد من المنظمات الجماهيرية منها: “التنظيم العمالي”، وحركة “نساء أغودات”، إضافة إلى شبكة واسعة من المدارس الدينية.

كذالك ناصبت حركة “أغودات إسرائيل”، الحركة الصهيونية وحركة “المزراحي العداء”، منذ اليوم الأول لقيامها، ولا تزال على موقفها حتى يومنا هذا. لقد رأى قادة أغودات إسرائيل أن الصهيونية ـ السياسية والدينية ـ قد انحرفت عن طريق اليهودية الحق، وأن فريضة “استيطان أرض الميعاد” ليست سوى فريضة من أصل ستمائة وثلاث عشرة فريضة. كما أعلنت الحركة أن مفهوم “مركزية أرض إسرائيل” ليس هدفاً في حد ذاته، ولا هو غاية الوجود اليهودي مع أنه يشكل شرطاً للمحافظة على وجود الشعب اليهودي والتوراة. وفي مؤتمر عالمي للحركة عقد في زيورخ عام 1919، أعلنت صراحة معارضتها لبرنامج “بازل” الصهيوني، حيث جاء في مقررات هذا المؤتمر “إن أغودات إسرائيل لا تعترف ببرنامج بازل الصهيوني، وتطالب بإقرار حق الشعب اليهودي في إقامة مجتمع يهودي في فلسطين ـ على قاعدة واسعة للغاية ـ تحت حماية عصبة الأمم أو من تنتدبه ـ عن طريق الهجرة والاستيطان المنظم، وبشروط تؤمن التطور المستقل لثقافته الدينية، على أسس قوية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال اتفاق ودي مع السكان غير اليهود”. كما عارضت الحركة إنشاء “كنيست إسرائيلي” تحت الانتداب، وقيام الحاخامية الرئيسية.

بدأت الحركة نشاطها في فلسطين في عام 1919، بافتتاح فرع لها في مدينة القدس. واستهل هذا الفرع نشاطه بحملة إعلامية قوية ضد الحركة الصهيونية ومشروعها في فلسطين. وقد تبنى أحد قادة “أغودات إسرائيل” في فلسطين، ويُدعى الحاخام “يعقوب دايهان” ما أسماه بالخيار العربي، القائم على استعداد الأمير “عبدالله بن الحسين” السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، والدول العربية المجاورة، مقابل تنازل الصهيونية عن المطالبة بتنفيذ وعد بلفور. ولئن كان نهج “أغودات” هذا مقبولاً خارج فلسطين، فقد عدته غالبية اليشوف اليهودي خيانة وتنكر للوحدة القومية اليهودية، مما أدى، في كثير من الأحيان، إلى وقوع العديد من المصادمات العنيفة بين الحركة والمعسكر الصهيوني. وقد اغتيل الحاخام “دايهان”، في أعقاب لقاء جمع “الشريف الحسين” ونجليه “فيصل وعبدالله” من جهة، ووفد من المتدينين الأرثوذكس ضم الحاخام “يوسف روزنلفد” وعدداً من أبرز الشخصيات الدينية في القدس، وبعض كبار القيادات الدينية المعارضة للصهيونية من “أغودات إسرائيل” و”الطائفة الحريدية” و”ناطوري كارتا”، من جهة أخرى. ومع اندلاع ثورة 1929، العربية في فلسطين، تخلت الحركة عن الخيار العربي.

ومهما يكن من أمر فقد اعترى الحركة العديد من التطورات، وتأثرت ـ كغيرها من الأحزاب اليهودية ـ بموجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، فبعد أن كان اليشوف القديم يسيطر على فرع القدس، سيطر المهاجرون اليهود القادمون من ألمانيا وبولندا ـ في أعقاب صعود النازي إلى الحكم في ألمانيا ـ على مقاليد الأمور داخل الحركة في فلسطين، وأدخلوا العديد من التغيرات في نشاط الحركة وأهدافها في فلسطين، على نحو صارت معه الحركة أكثر مرونة تجاه الحركة الصهيونية، بهدف تحقيق أكبر مكاسب دينية لجمهورها. وفي خلال العامين 1934 و1935، أعاد وفد من رئاسة الحركة في بولندا تنظيم إدارة الحركة في فلسطين، وتشكيل وكالة للعناية بشؤون الهجرة والاستيعاب، كما تفاوض ممثلون عن الحركة مع ممثلين للحركة الصهيونية وللمزراحي، في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن إقامة حاخامية رئيسية موحدة في فلسطين، من جهة، وتحقيق نوع من التفاهم مع حركة “المزراحي”، من جهة أخرى.

أفضت هذه التحركات إلى وقوع أول انشقاق في الحركة؛ لأن المعارضين لهذا التقارب ـ الجزء الأكبر من الجالية اليهودية الأرثوذكسية من اليشوف القديم ـ فضلوا الانفصال عن الحركة، عام 1935، وتشكيل حركة “ناطوري كارتا” أي “حراس أو نواطير المدينة” بقيادة الحاخام “موشى بلوي” الذي قاد “أغودات إسرائيل”، خلال الفترة من 1919 إلى 1935، ونجح في إبعادها عن الصهيونية. بعد سيطرة العناصر البولندية على الحركة، بدأت الحركة مرحلة جديدة، اتسمت بالميل نحو التعاون مع الحركة الصهيونية، وتقبل فكرة “الدولة اليهودية”. وفي عام 1937، أبدت الحركة عدم اعتراضها ـ لأول مرة ـ على فكرة إقامة “دولة يهودية” في فلسطين، وسعت إلى تأمين مصالحها في “الدولة اليهودية” المزمع إقامتها، على الرغم من تخوفها من قيام “دولة يهودية”، بعيدة عن تعاليم التوراة، بقيادة يهود علمانيين.

على صعيد آخر، أُنشئ مركز ثالث للحركة في الولايات المتحدة الأمريكية، هو المركز الذي يرفض المشاركة في جميع المؤسسات الأرثوذكسية، التي تضم عناصر غير أرثوذكسية. وعلى الرغم من عدم تشجيع قادة الحركة في أوروبا أتباعهم على الهجرة إلى فلسطين، إلا أنهم عدلوا عن موقفهم، وطلبوا من الوكالة اليهودية نسبة 5% إلى 6% من تصاريح الهجرة إلى فلسطين، وقُبل  طلبهم هذا، مقابل تعهد الحركة بعدم السعي لعقد اتفاق مع العرب. وترتب على ذلك وصول أعداد كبيرة من الحريديم إلى فلسطين، مما عزز من التقارب بين الحركة والصهيونيين، حيث بدأ أتباع “أغودات إسرائيل” يدركون أن الحركة الصهيونية تمثل إطاراً سياسياً حامياً لليهود من كوارث الشتات، استناداً إلى النص التوراتي القائل: “من ينقذ نفساً من اليهود ينقذ عالماً بكامله”.

ولما جاءت لجنة “أونسكوب” لاستطلاع الأوضاع في فلسطين ـ وهي اللجنة التي أوصت بتقسيم فلسطين ـ سارعت الوكالة اليهودية إلى الحصول على رضا حركة “أغوادت” مقابل رسالة أرسلتها الوكالة في يونيه 1947، تتعلق بمكانة الدين في الدولة المزمع إقامتها، وهي الرسالة التي صارت أساساً لما يسمى اليوم في إسرائيل باتفاقية “الوضع الراهن: Status Quo”، التي تنظم العلاقة بين الدين والدولة. وهكذا تحولت الحركة المعارضة للصهيونية، من موقف العداء السافر للصهيونية، إلى موقف التصالح والتعاون معها، ولكن دون الاعتراف بشرعية الصهيونية ولا شرعية الدولة التي تزمع إقامتها. وبقيام الدولة، تحولت الحركة إلى حزب سياسي يعمل في إطار مؤسسات الدولة، ولكن دون الإقرار بشرعية الدولة ذاتها.

  1. البناء الداخلي

لحركة “أغودات إسرائيل” العالمية ثلاث مراكز رئيسية في كل من إسرائيل، وإنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية. وتشكل مؤسسات الحزب في إسرائيل أقساماً في مؤسسات على نطاق عالمي. وتتميز هذه المؤسسات بضعف هياكلها التنظيمية، وصلاحياتها الشكلية، وبعدم انتظام اجتماعاتها، وانحصار السلطة الحقيقية في يد مجالس دينية عُليا. ويعد المجلس الروحي الإسرائيلي، أقواها وأكثرها نفوذاً وتأثيراً. ومهما يكن من أمر، فثمة سلطة عليا لكل الفروع هي:

أ. الكنيست الكبرى: ويعد أعلى سلطة في الحركة، ويضم ممثلين عن الفروع المختلفة.

وثمة هياكل تنظيمية خاصة بكل فرع هي:

ب. المؤتمر العام: ويعد أعلى سلطة في الفرع، ولم يعقد هذا المؤتمر في إسرائيل سوى مرتين عام 1950، وعام 1976.

ج. اللجنة المركزية للحزب: وتشكل عادة من مائة عضو ينتخبون، أو يعينون، من مجالس الفروع الأربعين. وتتشكل هذه الفروع على أساس موازين القوى التابعة بين الكتل داخل الحزب. ومن الناحية النظرية تنظر هذه اللجنة في القضايا السياسية المهمة، وتتساوى مع القسم الإسرائيلي في اللجنة التنفيذية العالمية للحركة، ومن ثم تشارك في الإدارة العالمية.

د. مجلس كبار علماء التوراة: وهو صاحب السلطة العليا الفعلية داخل الحزب. ولا ينعقد المجلس إلا عندما تكون هناك حاجة للبت في القضايا المتعلقة بالحزب، وتتم اجتماعاته بصورة سرية، وتدور المناقشات داخله باللغة اليديشية، ولا يتم نشر قراراته إلا في المسائل السياسية البارزة. وليس ثمة عدد محدد لأعضاء المجلس، ويشترط في العضو أن يكون ضليعاً في علوم الدين، وأن يتقن اليديشية. والعضوية في المجلس دائمة مدى الحياة.

  1. أيديولوجية الحزب

يرتكز حزب “أغودات إسرائيل” ـ أيديولوجياً ـ إلى أفكار اليهودية الأرثوذكسية المتشددة، وينطلق منها في وضع برامجه السياسية والانتخابية. وفيما يلي عرض للثوابت الأيديولوجية التي يؤمن بها الحزب.

أ. على الصعيد الداخلي

تعد العلاقة بين الدين والدولة هي المجال الوحيد لنشاط الحزب. فهو يسعى إلى تعزيز الطابع الديني للدولة، وفرض تعاليم التوراة “حسب رؤيته”، ويدعو إلى حل كل المشاكل التي تجابه الدولة وفق روح ومبادئ التوراة. وحتى اليوم ليس ثمة دليل فكري أو عملي على اعتراف الحزب بدولة إسرائيل، بل أن ممارسات الحزب اليومية تثبت عداءه للصهيونية وللدولة، فهو لا يحتفل بعيد الاستقلال، ولا ينشد أتباعه النشيد الوطني لإسرائيل، ولا يرفعون علم الدولة.

وقد حافظ الحزب على نهجه الانعزالي عن بقية فئات المجتمع ومؤسساته، من خلال مؤسساته التعليمية، والاجتماعية المستقلة. وانصب كل اهتمام الحزب على تأمين أكبر قدر ممكن من المخصصات المالية لمؤسساته المستقلة تلك، وأكد الحزب دوماً على ذلك في كافة الاتفاقيات الإتلافية التي كان طرفاً فيها.

ومن الناحية الاقتصادية، كان الحزب يدعو دوماً إلى السيطرة على التضخم وإلى استقرار قيمة العملة، وتغيير سياسة الإسكان بحيث توفر مساكن بأسعار مناسبة للشباب الراغبين في الزواج، كما نادى بربط الأجور بجدول غلاء المعيشة، وتخصيص منح مالية لتشجيع عمليات الإنجاب.

ب. على الصعيد الخارجي

لم يكن للحزب مواقف واضحة المعالم، بل حدد مواقفه دوماً بمدى استجابة الحكومات المتعاقبة لمطالبه المتعلقة بشؤون العلاقة بين الدين والدولة. وعلى الرغم من ذلك فإن الحزب لم يعارض السياسات التوسعية للحكومات الإسرائيلية المختلفة، وتعامل معها كما تعامل من قبل مع قرار التقسيم وهو أن ما حدث من قبيل الاعتراف بالأمر الواقع المفروض. ونظراً لأن الحزب ليس له حركة استيطانية تابعة له، فلم يكن له أي نشاط إستيطاني في الأراضي التي احتلت عام 1967.

ثانياً: حركة “عمال أغودات إسرائيل: هبوعيل أغودات إسرائيل”

  1. النشأة التاريخية

تأسست هذه الحركة في بولندا عام 1922، كجناح عمالي لحركة “أغودات إسرائيل”، بهدف تحقيق “العدل الاجتماعي في العمل على أساس التوراة”. وقد دخلت الحركة ـ بسبب مرونتها تجاه الصهيونية من جهة، ومطالبها بتحسين أحوال العمال اليهود من جهة أخرى ـ في صدام مع الحركة الأم. وفي عام 1923، انتظمت الحركة في فلسطين كتنظيم عمالي ديني.

اتجه اليهود الأرثوذكس من الطبقتين المتوسطة والعمالية، المهاجرون من بولندا، إلى إنشاء تنظيم خاص بهم لرعاية مصالحهم، بعد أن عجزت حركة “أغودات إسرائيل”، والحركات العمالية الأخرى، عن استيعابهم. وفي عام 1925، عقدت حركة “هبوعيل أغودات”، مؤتمرها التأسيسي، ثم هاجر واحد من أبرز قادتها السياسيين، وهو الحاخام “بنيامين مينتز”. فحُلت الحركة بعد فترة وجيزة نظراً لامتناع حركة “أغودات”، عن تقديم مساعدات مالية لها.

في عام 1933، أُعيد تأسيس الحركة في تل أبيب تحت زعامة الحاخام “مينتز”، والألماني “يعقوب لانداو”، وانضم إلى التنظيم العمالي الجديد “اتحاد العمال الأرثوذكس”، الذي تأسس قبل ذلك بقليل في “بيتاح تكفا”. وفي عام 1936 ـ ونتيجة لتزايد هجرة يهود ألمانيا وبولندا بعد ظهور النازية في ألمانيا ـ توسعت صفوف الحركة حتى وصل عدد أعضائها إلى نحو ثلاثة آلاف عضو.

في عام 1946، تأسس “الاتحاد العالمي لهبوعيل أغودات إسرائيل”، مما عُدَّ إشارة إلى انسحاب الحركة من حركة “أغودات إسرائيل العالمية”. وبقيام الدولة في عام 1948، تحولت الحركة إلى حزب سياسي.

  1. الهيكل التنظيمي

تتشكل الهياكل التنظيمية للحزب من مؤتمر عام، تليه اللجنة المركزية فاللجنة التنفيذية ثم سكرتارية الحزب، التي يترأسها السكرتير العام للحزب. ونظراً لعدم انتظام اجتماعات المؤتمر العام، وعدم إجراء انتخابات داخلية قبيل انعقاده، فليس ثمة نفوذ للمؤتمر داخل الحزب. ومن جهة أخرى لا يعاني الحزب من التنافس على مراكز القيادة والزعامة ، فقد ترأس الحزب الحاخام “بنيامين مينتز”، من عام 1933 حتى وفاته عام 1961، ثم الحاخام ” كالهان كهانا”، من 1961 حتى 1981، ثم الحاخام “أبراهام فيرديغر” منذ 1981.

ولا يختلف الحزب كثيراً، من ناحية تركيبه العرقي، وقاعدته الاجتماعية، عن حزب “أغودات إسرائيل”، فالنخبة اشكنازية من أصل بولندي، مع وجود حوالي 30% من أعضائه من السفارديم، وقاعدته الانتخابية ـ التي يتألف معظمها من العاملين في مؤسسات التعليم الديني المستقل التابع للحزب ـ تتركز في المدن، والمستوطنات الزراعية.

هذا، ولئن نجح جناحا الصهيونية الدينية: “المزراحي” و”هبوعيل المزراحي” في الاندماج وتشكيل حزب واحد، فإن جناحي الأرثوذكسية المتشددة “الحريدية” لم يتمكنا من ذلك، إذ اتسمت العلاقة بين حزبي “أغودات إسرائيل”، و”هبوعيل أغودات إسرائيل” بالتعاون والتحالف وليس الاندماج.

  1. أيديولوجية الحزب

وعلى الرغم من أن الحزب غير صهيوني، إلا أنه ظل أكثر انفتاحاً على الصهيونية والدولة، من الحزب الأم “أغودات إسرائيل”، مما تسبب في معظم الأزمات التي حدثت بين الحزب وأغودات. وبالإجمال رفض الحزب فكرة انتظار المسيح ، وقام بتكييفها لتتفق مع أفكاره، وأعلن أن المسيح سوف يأتي إذا استحق اليهود الخلاص  في الأماكن المقدسة، ومن ثم رأى أن على اليهود العمل لإثبات أنهم يستحقون ذلك. وقد ترجم الحزب أفكاره عبر إنشاء سلسلة من “الموشافيم” في أماكن مختلفة من البلاد. ولأنه لا يرى في قبوله لقرار التقسيم تنازلاً عن فكرة “حق اليهود التاريخي” في كافة أرض فلسطين، فقد أيد كافة السياسات التوسعية التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المختلفة، وربط دوماً بينها وبين مدى استجابة الحكومات لمطالبه الدينية والمالية[1].

وتتماثل مواقف الحزب، فيما يتصل بعلاقة الدين والدولة، مع مواقف حزب “أغودات الأم”، كما يشاركه في مؤسساته التعليمية المستقلة، والخضوع لسلطة “مجلس كبار علماء التوراة” الروحية التابعة لأغودات.

ثالثاً: الحركات والأحزاب المنشقة على حركة “أغودات إسرائيل”

تعرض حزب “أغودات” ـ شأنه في ذلك شأن كل الأحزاب في “إسرائيل” ـ إلى العديد من الانشقاقات، إضافة إلى أن القوى الحريدية ـ بشكل عام ـ شهدت الكثير من التحالفات والاندماجات، وخاصة في عقد الثمانينيات. ويوجد اليوم، في “إسرائيل”، قوتان حريديتان رئيسيتان متمثلتان في الكنيست هما “شاس”، و”يهدوت هيتورا”، بجانب عدة قوى حريدية لا تشارك في الانتخابات وليس لها ممثلون في مؤسسات الدولة.

  1. حزب «حراس التوراة الشرقيين: شاس»

أ. النشأة التاريخية

يعد “حزب شاس”[2]، نتاج انشقاق اليهود الشرقيين عن “حزب أغودات إسرائيل”، بزعامة الحاخام “اسحاق بيرتس”، وبتشجيع من كل من الحاخام “اليعازر شاخ” ـ الزعيم الروحي للطوائف الحريدية الليتوانية ـ والحاخام “عوفاديا يوسيف”، الحاخام الأكبر الأسبق لليهود الشرقيين، احتجاجاً على سيطرة اليهود الغربيين على الحزب، ورفضهم منح اليهود الشرقيين تمثيلاً ملائماً في مؤسسات الحزب وهيئاته، وفي قائمة مرشحيه للكنيست. وقد خاضت الحركة انتخابات السلطات المحلية، عام 1983، بقائمة منفردة، وفازت بثلاثة مقاعد في المجلس المحلي للقدس.

ظهرت حركة شبيهه بشاس في حي “بني براك”، عُرفت باسم “حاي”، برئاسة “روفائيل بنحاسي”، وبمباركة الحاخام “مناحيم شاخ”، رئيس مجلس عظماء التوراة آنذاك. وفي عام 1948، اندمجت “شاس”، مع كل من “حاي”، وقائمة أخرى، ظهرت في طبرية باسم “زاخ”، وأُعلن عن قيام حزب سياسي تحت اسم “شاس”، بزعامة “اسحاق بيرتس”[3]. وقد انضم إلى الحزب الجديد يهود من الطائفة اليمنية كذلك[4].

ب. التنظيم الداخلي

يتولى إدارة شؤون الحزب مجلس أعلى، يُسمى “مجلس حكماء التوراة”، يرأسه الحاخام “عوفاديا يوسيف”، منذ عام 1984.

ويجد حزب “شاس” مؤيدين له، في أوساط المتدينين الشرقيين، الذي تعلموا في المدارس الدينية الغربية وخاصة الليتوانية منها، وكذلك المتدينين الشرقيين الذين تعلموا في المدارس الدينية الشرقية، وكانت أصوات هؤلاء تذهب لأغودات إسرائيل، قبل ظهور “شاس”. ويُصوت لحزب “شاس” ـ أيضاً ـ التائبون (العائدون إلى الدين)، من أبناء الطوائف الشرقية، الذين يؤمنون بقيادة الحاخام “عوفاديا يوسيف”، وجمهور واسع من أبناء الطوائف الشرقية التقليديين.

ج. أيديولوجية الحزب

يستند الحزب إلي الأفكار الدينية الأرثوذكسية الحريدية، في وضع برامجه الاجتماعية والسياسية والانتخابية وفيما يلي عرض للثوابت الأيديولوجية التي يعتنقها الحزب:

(1) علي الصعيد الداخلي

يؤكد الحزب على الحاجة إلى العودة إلى الأصول التوارتية، ويطالب دوماً ـ في برامجه السياسية ـ بتشريعات دينية متعددة تشدد الرقابة على الطعام المحلل (الكوشير)، وتقضي على مظاهر الانحلال في المجتمع، وتراعي حرمات السبت، وتُـلغي تجنيد الفتيات بالجيش. ويطالب باعتمادات مالية من الحكومة لإرساء دعائم شبكة التعليم الديني التابعة له. كما يؤيد بشدة تعديل قانون “من هو اليهودي” ليلائم النظرة الأرثوذكسية، ويطالب بعدم المساس باتفاقية “الوضع الراهن”.

تمكن حزب “شاس” من ترسيخ وجوده داخل المجتمع، من خلال تأسيس شبكة “همعيان: إلى المنبع” عام 1985، وهى الشبكة التي تتصل يومياً بمؤيدي الحزب، بشكل مباشر، من خلال أربعمائة فرع منتشرة في كافة أنحاء البلاد، وتقدم خدمات اجتماعية وتربوية ودينية. وتستخدم المئات من الحاخامات في إقناع مئات العائلات بالتوبة والعودة إلى الدين. وتهدف الأندية الاجتماعية، التابعة لهذه الشبكة، إلى القضاء على الفقر والجريمة والإباحية والبطالة ومساعدة المحتاجين وأولئك الذين يعانون من مشاكل اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية. وتُمول هذه الشبكة من جانب الحكومات والسلطات المحلية.

دأب الحزب على معارضة السياسات الاقتصادية، التي تعود بالنفع على فئات معينة من المجتمع، والمطالبة بتخفيف الأعباء عن الفئات الفقيرة ودعم تطوير المدن وتمويل التعليم الداخلي.

(2) على الصعيد الخارجي

ليس للحزب مواقف سياسية واضحة وثابتة، فهو يؤمن بأن “أرض إسرائيل” تخص “شعب إسرائيل” طبقاً لـ “توراة إسرائيل”، ومن ثم يعارض الانسحاب من الضفة الغربية، وقطاع غزة، ويؤيد استيطانها باليهود. وعلى الرغم من ذلك أعلن زعيمه “بيرتس” ـ وقت إنشاء الحزب ـ أن الحزب يؤيد الانسحاب من الضفة، والقطاع، انطلاقاً من النص التوراتي “من أنقذ روحاً من شعب إسرائيل، أنقذ عالماً بأكمله”، كما أيد التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1984، وأيد برنامج حزب العمل، للسلام مع العرب في العام 1989. وبالإجمال يرى الحزب، أنه في حالة حدوث سلام حقيقي، فإن “الجهات المسؤولة وكبار الحاخامات في إسرائيل هي التي ستقرر فيما إذا كان بالإمكان التنازل عن أراضٍ من أجل السلام”.

وقد حصل “شاس” في انتخابات عام 1988، على ستة مقاعد محتلاً القوة الثالثة في الكنيست، بعد حزبي “الليكود” و”العمل”، وحصل على عدد المقاعد نفسها في انتخابات عام 1992، والتي زادت إلى عشرة مقاعد في انتخابات 1996، وارتفعت إلى (17) مقعداً في انتخابات 1999، ثم تقلصت إلى (11) مقعداً في انتخابات 2003، وزادت إلى (12) مقعداً في انتخابات 2006، وعادت مرة أخرى إلى (11) مقعداً في انتخابات 2009.

  1. كتلة “يهود التوراة: يهودت هيتوراه”

وهي كتلة دينية ظهرت عشية انتخابات 1992، نتيجة اندماج حزبي “أغودات إسرائيل” و”ديغيل هيتوراه”

أ. حزب “ديغيل هيتوراه: راية (عَلَم) التوراة”

(1) النشأة التاريخية

انشق هذا الحزب على حزب “أغودات إسرائيل”، في أكتوبر 1988، بمبادرة من الحاخام “اليعازر مناحيم شاخ”، رئيس يشيفات بوينباج، في بني باراك، الزعيم الروحي الأعلى للطوائف الليتوانية ـ ليمثل أغلبية الطوائف الليتوانية من الحريديم، وقد ثار “شاخ” على زعامة “أغودات”، الحسيدية في أغلبها، بسبب علاقتها الوثيقة مع طائفة حباد الحسيدية، والتي أوشك أتباعها على الإعلان عن أن زعيمهم الديني المقيم في نيويورك، الحاخام “مناحيم مندل شنيورسون” من لوبافيتش، هو المسيح المنتظر.

وعلى الرغم من العداوة الضارية بين الليتوانيين، والحسيديين، إلا أن الحزب الليتواني حصل على دعم بعض الحسيديين، وخاصة الذين تلقوا تعليمهم في مدارس ليتوانية[5]. كما حظي بدعم عدد من اليهود الشرقيين بعد أن أرسل الحاخام «عوفاديا يوسيف» رسالة تأييد إليه.

(2) البناء الداخلي

للحزب مجلس روحي أعلى، يسمى “مجلس حكماء التوراة”، ويتكون من “شاخ” رئيساً، وأحد عشر عضواً آخر، كلهم من رؤساء المدارس الدينية المقربين من “شاخ”.

عقد الحزب مؤتمره التأسيسي الأول، في مارس 1990، في تل أبيب. برئاسة الحاخام “أفراهام رابتس”، والشخصية الثانية في الحزب هي “موشى جفني”، وحضره أكثر من عشرة آلاف من أتباعه.

(3) أيديولوجية الحزب

يتشابه الحزب ـ في مواقفه الفكرية ـ مع حزب “شاس”، فالهدف الرئيسي هو ترسيخ دور الدين في المجتمع. والإيمان بأن “أرض إسرائيل” حق لـ “شعب إسرائيل”. ولتجنب سفك الدماء ووقف تزويد المنطقة بالسلاح، وافق الحزب على قيام سلام مع العرب وإعادة أراضٍ لهم، كما طالب بإقامة علاقات متوازنة مع الكتلتين الشرقية والغربية.

أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فقد نادى الحزب بالعدالة الاجتماعية، وبناء الاقتصاد حسب روح التوراة، وإنصاف الحريديم في المجتمع، والاهتمام بالتعليم التوراتي، وتوفير منح للتربية الليتوانية، وتمويل شبكة تعليمية خاصة بالحزب، وتمرير قانوني “الاعتناق” و”المحاكم الحاخامية”، ومنع الإباحية والرذيلة، والتصدي للمنظمات التبشيرية المسيحية، ومنع إجراء الحفريات الأثرية، ومنع تشريح الجثث.

وقد كانت للحزب آراء معتدلة فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، حيث ذهب زعيمه ـ في مقالة نشرت بعد انتخابات 1988 ـ إلى حد الموافقة، لا على إعادة مناطق محتلة فحسب، وإنما كذلك على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وهو في موقفه هذا يصنف على أنه “حمائمي” في أفكاره السياسية، وهو ما يتفق بشكل عام مع الموقف الحريدي، الداعي إلى انسحاب “إسرائيل” من أراضٍ محتلة، مقابل سلام حقيقي، يحافظ على حياة اليهود التي هي “أثمن من الأرض”.

وقد عاد الحزب من جديد ـ عشية انتخابات 1992، بعد أن حصل على مقعدين في انتخابات 1988 ـ إلى الاندماج مع حزب “أغودات إسرائيل”، في إطار كتلة دينية حريدية سُميت بـ “يهدوت هيتواره: راية التوراة”. وقد دعت إلى ذلك الحاجة إلى توحيد العالم الحريدي الإشكنازي لمواجهة المنافسة القوية، من جانب “شاس” الحريدي السفاردي من جهة، والاستعداد لنسبة الحسم الجديدة التي ارتفعت من 1% إلى 1.5% من جهة أخرى. وقد ساعد على نجاح هذا الاندماج اشتداد وطأة المرض على الحاخام “شنيورسون”، وانشغال أتباعه بمرضه.

ومن أبرز زعماء الكتلة الجديدة: الحاخام “اليعازر مناحيم شاخ”، و”موشى يهو شع هاجر”. ويمثل الكتلة في الكنيست الرابع عشر: “مائير باروش” و”شموئيل هلبرت” (وهما من “أغودات”)، و”أبراهام رابتس”، و”موشى جفني” (وهما من “ديغيل هيتواره”).

وقد حصل الحزب على خمسة مقاعد في انتخابات عامي 1999 و 2003، ارتفعت إلى ستة مقاعد عام 2006، ثم عادت مرة أخرى إلى خمسة مقاعد عام 2009.

 

[1] رغم تضاؤل تمثيل الحزب في الكنيست بالمقارنة إلى الحزب الأم، إلا أنه أبدى اهتماماً أكبر بالمسائل الخارجية والأمنية، فقد عارض اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع مصر، وأيد سياسات الحكومات المختلفة الخاصة بالاستيطان في الأراضي التي احتلت عام 1967.

[2] لفظة ” شاس ” هي اختصار للاسم العبري ” اتحاد السفاريين حراس التوراه ” وهي كذلك لفظة يطلقها اليهود علي التلمود.

[3] ظل “اسحق بيرتس” زعيماً للحزب حتى مارس 1990، حين انتقلت زعامة الحزب إلى الحاخام “أراية درعي” على أثر أزمة مارس 1990.

[4] حصل الحزب على أربعة مقاعد، في انتخابات 1984، احتلها “بيرتس”.

[5] من الجماعات الحسيدية، التي أيدت حزب «ديجيل هيتواره»، طائفة «بعلاز» الدينية التي انشقت عن حزب أغودات عشية انتخابات 1988، وطائفة “عرلوي” في القدس، وطائفة «تسانز» في نتانيا. وكان سبب تأييدها الرئيسي هو خلافاتها مع أغودات إسرائيل وجماعة «غور» الحسيدية على وجه التحديد.

الحركات والجماعات الدينية غير الحزبية ودورها في الحياة السياسية

إلى جانب الأحزاب الدينية، ثمة حركات وجماعات دينية غير حزبية تُمارس نشاطها، في مواجهة مؤسسات الدولة الرسمية، بقصد التأثير عليها في عملية صنع القرارات السياسية، على وضع تضمن معه تحقيق مطالبها أو بعضها. وقد انقسمت هذه الحركات إلى:

  • حركات وجماعات دينية صهيونية.
  • حركات وجماعات دينية معارضة للصهيونية.

أولاً: الحركات والجماعات الدينية الصهيونية

تتمثل أشهر هذه الحركات والجماعات في ثلاث هي:

  • حركة غوش أيمونيم
  • حركة كاخ
  • حركة ميماد
  1. حركة “كتلة الإيمان: غوش أيمونيم”

أ. النشأة التاريخية

ظهرت حركة “غوش أيمونيم”، كجماعة داخل حزب “المفدال”، في أعقاب حرب العام 1967، ثم كحركة غير حزبية، مستقلة عن حزب “المفدال”، في مطلع العام 1974. وكان ظهور هذه الحركة نتيجة لعدة ظروف وعوامل شهدتها إسرائيل، في أعقاب حربي 1967، 1973.

ب. هدف الحركة

الهدف الرئيسي هو استيطان الأراضي المحتلة عام 1967 ـ وخاصة الضفة الغربية ـ وتهويدها، تنفيذاً لما جاء على لسان الحاخام “زيفي يهودا كوك” ـ الأب الروحي، والفكري، للحركة ـ في شأن هذه الأراضي: “إن هذه البلاد لنا ولا توجد هنا أية مناطق عربية أو أراضٍ عربية، بل أراضي إسرائيل، تراث الآباء الخالد، وهى في جميع حدودها الواردة في التوراة تابعة للحكم الإسرائيلي”.

ضمت هذه الحركة جملة من المتدينين الشباب من أمثال: “حانان بورات”، و”موشى ليفنغر”، و”يوحنان فريد”، و”أوري اليتسور”، و”حاييم دور كمان”، و”بيني كاتسوفر”، و”يوئيل بن نون”، وغيرهم، بجانب عدد أخر من العلمانيين. وينتمي جميع المتدينين إلى جيل واحد، وثقافة دينية عميقة، وخلفية اقتصادية مستقرة، فهم أبناء لعائلات إشكنازية قديمة ثرية متدينة، تلقوا تعليمهم في المدارس الثانوية الدينية التابعة للدولة، وخاصة مدارس “بني عقيبا”، و”مركاز هآراب”[1].

ومنذ عام 1967، صار “كوك” وأتباعه ـ الذين أنشأوا حركة “غوش أيمونيم” ـ لا يستطيعون الفصل بين الصهيونية واليهودية، وبين “القومية اليهودية” و”الديانة اليهودية”، فكما سخّر “كوك”، الأب حياته للتوفيق بين الدين والسياسة، وبين المتدينين والعلمانيين، فإن “كوك” الابن سار على نفس الطريق، فراح يمسح على الصهيونية “ديباجات خلاصية ومسيحانية”، بل وجاوز الأب بتحديده ثلاث مراحل كبرى لعملية الخلاص، هي:

المرحلة الأولى: عودة يهود الشتات ـ بجهود علمانية ـ إلى “أرض إسرائيل”، وقد بدأت هذه المرحلة مع ما أسماه بـ “توبة الخوف” من الأذى الجسدي في الشتات.

المرحلة الثانية: باتت ممكنة بفضل “التقاء الشعب اليهودي قلب يهودا والسامرة التوراتي”، وهى تستلزم “الاستيطان الكامل في الأرض”.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة: فسوف تستلزم “توبة الحب”، وفيها “يدب النشاط في صحة اليهود الروحية بفضل احتكاكهم بكامل أرض إسرائيل، فيتوبون إلى الله ويلزمون أوامره ونواهيه”، وكلما تزايد التزام الشعب بالفرائض الدينية كلما اقترب مجيء المسيح والخلاص.

ج. التنظيم الداخلي

مرت الحركة، من الناحية التنظيمية، بعدة مراحل بدأت بتمرد جناح الشباب داخل حزب “المفدال” ـ في أول مؤتمر للحزب عُـقد بعد حرب 1967، في صيف 1968ـ على القيادات التاريخية. وقد تزامن ذلك مع شيوع آراء الحاخام “كوك”، واعتباره مرشداً روحياً لهؤلاء الشباب من جهة ومع قيام هؤلاء الشباب بأول نشاط عملي لتجسيد آراء “كوك”، من خلال واقعة الاستيطان في مدينة الخليل العربية المحتلة، على يد الحاخام “ليفنغر”، من جهة أخرى.

وبنجاح أسلوب “ليفنغر”، المتمثل في “خلق الوقائع على الأرض”، تطابقت أهداف “غوش أيمونيم”، مع أهداف حركة أخرى نشأت بعد شهرين من حرب 1967، هي حركة “أرض إسرائيل الكاملة”، التي ضمت نخبة من الكتاب المعروفين، والمثقفين، والشعراء، والجنرالات، وزعماء كيبـوتزات، وشخصيات صهيونية بارزة أخرى، بهدف العمل على الاستيطان العاجل والدائم، في الأراضي المحتلة عام 1967. وقد خلا بيانها السياسي من أية ديباجات دينية، فجاءت تعبيراً عن الجناح القومي المتشدد من الصهيونية العلمانية. وفي أعقاب الظهور الرسمي لحركة “غوش أيمونيم”، انضم إليها الكثير من أعضاء حركة أرض إسرائيل الكاملة.

جاء الإعلان الرسمي عن حركة “غوش أيمونيم”، في عام 1974، في مستوطنة “كفر عتسيون” شمال الخليل كحركة شعبية احتجاجية على ما صار يسمى في إسرائيل، “زلزال” 1973. تم إنشاء سكرتارية من تسعة أعضاء، وعدد من اللجان[2]، وقُـدّر عدد أفرادها ببضعة آلاف من الشباب، ولم يكن للحركة بطاقات عضوية، ولا هياكل تنظيمية. وقد حددت الحركة مبادئها  فيما يلي:

(1) لا تنازل ولا انسحاب ولا تخلي عن طريق الإيمان بضرورة استيطان جميع أرجاء أرض إسرائيل.

(2) حق اليهود في هذه البلاد ليس خاضعاً لقوانين الشعوب بل هو وعد من الله ومن التوراة، وإذا كانت قوانين الدولة لا تتفق وأوامر الله، فإن الواجب يدعو إلى عدم الانصياع لها لأن الاستيطان في المناطق المحتلة هدف أسمى وتنفيذ لإرادة الله وليس القانون الإسرائيلي.

كان الهدف المعلن للحركة ـ التي قُصد بها أن تكون كتلة من كتل “المفدال”، في بادئ الأمر ـ عدم مشاركة “المفدال”، في أية حكومة ائتلافية إلا إذا اشتمل برنامجها على بند صريح يمنع تقديم أية تنازلات في الضفة الغربية، ولذا فقد أيدت الحركة تشكيل ائتلاف وطني يضم حزب الليكود في ذلك الوقت.

وقد استمدت الحركة جمهورها، من دعاة الاستيطان، وغلاة المتشددين من الحاخامات، والكتاب، وجنرالات الجيش، ومستوطني الضفة الغربية وغزة، وخريجي المدارس الدينية التابعة للدولة، التي أُنشأت في الأراضي المحتلة عام 1967، والمعروفة باسم “اليشيفوت هِسْدِر”[3]. كما ضمت الحركة عناصر علمانية متشددة من أنصار حركة “الصهيونية العمالية”، وحزب “الليكود”. بظهور حركة “غوش أيمونيم”، شهدت إسرائيل ميلاد قطاع جديد يمزج بين الدين والقومية، كما أراد الحاخام “كوك” الأب في مطلع هذا القرن، وخلافاً للعلمانيين الذين يسيرون حاسري الرؤوس، ولغلاة المتشددين الحريديم الذين يرتدون اللباس الأسود على الطريقة الليتوانية، وقبعة سوداء “يارمولكا” من النسيج الأسود، صار يوجد “متدينون قوميون” يعتمدون مظهراً يجمع بين التقيد الصارم بالتعاليم الدينية والانتماء التام للحداثة ، فهم يرتدون الجينز أو البنطلون القصير، وقميص يظهر فيه بوضوح خمار الصلاة وقلنسوة منسوجة وملونة بألوان متنوعة.

وانطلاقاً من تلك الأفكار التي استندت إليها حركة “غوش أيمونيم”، وارتباطاً بما آلت إليه الدولة في أعقاب حربي 1967، 1973، مارست الحركة نشاطات مختلفة، لتحقيق هدفها الأوحد، المتمثل في عدم التنازل عن أي شبر من أرض إسرائيل، والعمل على استيطان هذه الأرض وتهويدها. ويتمثل أبرز هذه الأنشطة في التظاهر والاحتجاج، والضغط على الحكومة، وإنشاء مستوطنات غير مرخصة، والقيام بعمليات إرهابية ضد العرب. وعلى الرغم من وجود جماعات أخرى تقوم بمثل هذه الأعمال، فإن أهم ما مّيز حركة “غوش أيمونيم”، هو قيامها بهذه الأعمال بشكل مؤثر ومنظم، ونجاحها في دعم وصول “الليكود” إلى السلطة عام 1977، وزرع بذور التنافس بين قادة حزب العمل “ديان” و”آلون” من جهة، و”رابين” و”بيريز” من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن الحركة غير حزبية، إلا أنها نجحت في لعب دور مؤثر في سياسات الحكومة من أجل تحقيق أهدافها، حيث استطاعت إيصال بعض قادتها إلى الكنيست، على قوائم أحزاب أخرى قريبة من أفكارها، كما كان للحركة دوماً أنصار داخل الأحزاب الأخرى، ومن هؤلاء “آرييل شارون”، الذي وُصف دوماً بـ “الممثل الرسمي لغوش أيمونيم”، في حكومات الليكود.

  1. حركة “هكذا: كاخ”

تأسست حركة “كاخ”، على يد الحاخام “مائير كهانا”، في إسرائيل، عام 1973، كامتداد لرابطة الدفاع اليهودية التي أنشأها “كهانا”، في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1968.

أ. النشأة تاريخية

وُلد مؤسس الحركة “مائير كهانا”، في حي بروكلين بنيويورك عام 1932، لأسرة هاجرت من صفد بفلسطين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع مطلع القرن العشرين. وقد انضم “كهانا” ـ في صباه ـ إلى حركة بيتار، ثم تركها وواصل دراسته الدينية حتى صار حاخاماً، كما حصل على الماجستير في القانون الدولي. وبعد أن فُصل من وظيفته بتهمة “الهوس الديني المفرط”، وفشل في أن يصبح محامياً، هاجر إلى “إسرائيل”، غير أنه فشل في الحصول على وظيفة حاخام، فعاد مرة أخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أسس صحيفة “Jewish press” ، ثم صار عميلاً ومخبراً سرياً لدوائر الاستخبارات الأمريكية، وتجسس على اليمين الأمريكي المتطرف، والطلاب اليساريين. وفي العام 1968، شكل “رابطة الدفاع اليهودية”[4]، واتخذ من مقاطعة كوينز بولاية نيويورك مقراً لها، بهدف مواجهة نشاط السود في الدفاع عن حقوقهم المدنية، ومطالبتهم بمقاسمة اليهود الامتيازات، التي كانوا يتمتعون بها على حساب الأقلية السوداء. وقد استخدمت الحركة شعارات مثيرة مثل: “لن تعاد أبداً” (ويُقصد به لن تعاد “المحرقة” أبداً، “ولكل يهودي بندقيته الطويلة”، “أيها اليهود: اشتروا الأسلحة ـ إن النازيين الجدد والشيوعيين والمسلمين …. والذين ينشرون الكراهية ….. موجودون في الولايات المتحدة، وكلهم يهدفون إلى تدمير الجماعة اليهودية…..”.

وخلال الفترة من 1969 – 1972، نفذت الرابطة سلسلة طويلة من الاعتداءات، ضد المصالح الفلسطينية والعربية والسوفيتية، في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تحقيق المصالح الإسرائيلية، وتخريب العلاقات الأمريكية ـ السوفيتية. وقد دفع ذلك بمكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) إلى تصنيف الرابطة ضمن المنظمات الإرهابية الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي فبراير 1975، أدين “كهانا” بتهمة الحض على اغتيال دبلوماسيين عرب وسوفيت، وحُكم عليه بالسجن لمدة عام واحد، قضى منها ثمانية أشهر[5].

وفي العام 1969، انشق “كهانا” عن حركته في الولايات المتحدة الأمريكية ـ تاركاً إياها تمارس حتى اليوم العنف والإرهاب ضد العرب والمسلمين[6] ـ وهاجر إلى إسرائيل، ليؤسس حركة باسم “قمع الخونة: دوف”، شعارها هو شعار رابطة الدفاع، ثم ما لبث أن حوَّل الحركة إلى حزب سياسي تحت اسم “كاخ : هكذا”، في عام 1972.

ب. أيديولجية “كاخ” وأنشطتها السياسية

هي أيديولوجية رابطة الدفاع اليهودية، وقد حُددت الملامح الرئيسية لهذه الأيديولوجية من خلال أفكار وكتابات “كهانا”، على أسس دينية متشددة وأخرى عنصرية متطرفة.

وانطلاقاً من هذه الأيديولوجية، راحت حركة “كاخ” تمارس نشاطها السياسي في إسرائيل بهدف تحقيق أهدافها ومبادئها. وقد تمثل نشاطها هذا، في عمليات إرهاب وقتل وتخريب وتهديد، قام بها الأعضاء النشطين بالحركة وأنصارها، عن طريق تنظيم مظاهرات عنصرية ضد العرب، أو إنشاء تنظيمات سرية مسلحة.

وجهت الحركة نشاطها، في البداية، ضد عرب 1948، فنظمت حملات ومسيرات لإثارة الكراهية ضدهم والتحريض على طردهم من البلاد، والتضييق عليهم ريثما يتحقق ذلك. واتسمت هذه الحملات بالسوقية والابتذال من جهة، وبقدر كبير من الإثارة الإعلامية المسرحية من جهة أخرى، مما أدى بالسلطات إلى إصدار قرار بحظر دخول “كهانا” إلى المدن العربية المحتلة عام 1948. وقد امتدت نشاطات حركة “كاخ” إلى المناطق المحتلة عام 1967، من الاعتداء على العرب بالقتل أو التهديد به، والإضرار بالممتلكات، وتخريب المزروعات، من مقر قيادة الحركة في مستعمرة كريات أربع بالخليل المحتلة. وقد أدى ذلك إلى ملاحقة عدد كبير من النشطين بالحركة واعتقالهم، بل أن “كهانا”، نفسه أُعتقـل بأمر إداري من وزير الدفاع عام 1980، وسُجن ستة أشهر بتهمة تدبير عملية تخريبية ضد المسجد الأقصى.

أقامت الحركة تنظيماً شبابياً خاصاً باسم “تاناح”، يقوم بتنظيم معسكرات تدريب عسكرية للفتيان بغرض تأهيلهم لاستخدام السلاح وممارسة العنف. وترتبط الحركة بالعديد من التنظيمات السرية المسلحة، أهمها: تنظيم “لجنة الأمن على الطرق” الذي أُنشئ عام 1986، بغرض توفير حماية مسلحة لسيارات وأتوبيسات المستوطنين في الضفة الغربية، ويضم التنظيم مئات الأعضاء، معظمهم من كريات أربع، وأجهزة اتصال ونقل حديثة وأسلحة ومواد تخريبية.

وقد انتقلت الحركة إلى العمل السري، فنظمت حملات إرهابية عديدة ضد العرب وممتلكاتهم، كما أنشأت «منظمة دولة يهودا»، التي مارست العديد من عمليات القتل والتخريب ضد العرب. وترتبط هذه المنظمة بما يسمى بـ “دولة يهودا المستقلة”، التي أعلنها ممثلون عن مستوطنات الضفة الغربية، والجولان، وغزة ـ في يناير 1989 ـ والتي اختارت لها علماً ونشيداً ودستوراً وهيئات منتخبة. انتخب “كهانا” رئيساً فخريا للدولة، و”ميخائيل بن حورين” ـ من مستوطني الجولان وعضو “كاخ” ـ رئيساً للجنتها التنفيذية، التي تألفت من سبعة أعضاء. وقد أعلن مؤسسو الدولة أنهم موالون لدولة “إسرائيل” الحالية وقوانينها ومؤسساتها، ولكن هذا الولاء سينتهي في اللحظة التي تتخلى الدولة عن أي جزء من “أرض إسرائيل”، كما تعهدوا بالسيطرة ـ ولو بالقوة ـ على أية أراض يتم التخلي عنها.

كما اقترن اسم “كهانا”، وحركة “كاخ” بتنظيمات سرية أخرى مثل منظمة “الإرهاب ضد الإرهاب: T. N. T” التي حاربت العرب، ومنظمة “حملة الخناجر: السيكاريكيم”، التي تعمل ضد الشخصيات اليهودية التي تدعو إلى السلام مع العرب.

وإلى جانب أنشطة الحركة الإرهابية تلك، خاضت انتخابات الكنيست في أعوام 1973، و1977، و1981، بيد أنها فشلت في تجاوز نسب الحسم في كل مرة. وفي انتخابات عام 1984[7]، نجحت في الحصول على نحو 26 ألف صوت أي (1.2%) من مجمل الأصوات الصحيحة، فحصلت على مقعد واحد شغله “مائير كهانا”[8]. ولعل أبرز خطوط البرامج السياسية للحركة ما يلي:

(1) ضرورة طرد العرب من “أرض إسرائيل”، لتصبح دولة إسرائيل دولة يهودية حقاً.

(2) ضرورة إبعاد العرب المسلمين “الغرباء”، عن ساحة حرم المسجد الأقصى تطبيقاً لقول التوراة، “فليٌقتل كل غريب يقترب من جبل البيت”، ومقاطعة التجار العرب، وعدم السماح للعرب بالدراسة في الجامعات الإسرائيلية، ومحاربة “الدنس” الناجم عن زواج العرب من اليهوديات.

(3) حرمان العرب في «إسرائيل»، من كافة الحقوق والمساعدات، والزج بهم في معسكرات للقيام بالأعمال الشاقة.

(4) العفو عن أعضاء التنظيمات السرية الإرهابية.

(5) عدم التنازل عن أي جزء من “أرض إسرائيل”، وضم الضفة الغربية، وقطاع غزة، للدولة.

(6) توطين اليهود في كامل “أرض إسرائيل”، وتكثيف الهجرة إليها.

(7) تدمير المسجد الأقصى، وقبة الصخرة.

(8) تثقيف اليهود بالقيم اليهودية، وتطبيق تعاليم التوراة.

عشية انتخابات العام 1988، قررت لجنة الانتخابات المركزية حظر مشاركة حزب “كاخ” في الانتخابات بسبب أفكاره العنصرية، وممارسته التي تثير مشاعر الكراهية والعداء ضد العرب.

ج. ما آلت إليه الحركة بعد مقتل زعيمها

فقدت حركة “كاخ” بمقتل “مائير كهانا” ـ على يد رجل مسلح قيل أنه مصري يحمل الجنسية الأمريكية، في 6 نوفمبر 1990 ـ مصدر قوتها الرئيسي، فقد كان هو المنظم والداعية وجامع الأموال، وقائد الحملات الدعائية، ومتخذ القرارات الأساسية، وموجه الأنشطة السياسية ومحركها الرئيسي. ولم يكن بين معاونيه من يتمتع بنضج سياسي، أو كفاءة فكرية أو جاذبية جماهيرية كما كان “كهانا”. لقد كان معاونوه “أدوات تنفيذية له، واستمروا بعد مقتله في إدارة الحركة بالأساليب نفسها، ولكن في نطاق أضيق وبفاعلية أقل”. وقد انقسمت الحركة، بعد مقتل “كهانا”، إلى تنظيمين هما:

(1) حركة “كاخ”

مقرها كريات أربع، ويقودها “باروخ مرزل”، كرئيس للحركة، و”نوعام فدرمان”، كناطق بلسان الحركة، و”تيران بولاك”، كرئيس لـ “لجنة الأمن على الطرق”. ومن الشخصيات المعروفة داخل الحركة، “شموئيل بن يشاي”، و”بن تسيون غوفشتاين”، والحاخام “أبراهام توليدانو”. وقد صارت أنشطة الحركة أكثر شراسة وحدة.

(2) تنظيم “كهانا حّي”

مقره في مستعمرة كفار تبواح في نابلس، ويتزعمه نجل “مائير كهانا”، “بنيامين كهانا”، ويساعده “ديفيد أكسلرود”، ويدير أنشطة التنظيم في الخارج “يكتوئيل بن يعقوب”، المطلوب من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي. ولهذا التنظيم فروع في الولايات المتحدة الأمريكية، وله فرع للفتيان في إسرائيل، يسمى “نوعير مائير” أي “فتيان مائير”.

في أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، في 25 فبراير 1994، والتي نفذها أحد النشطين برابطة الدفاع اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، الناطق باسم حركة “كاخ” في “إسرائيل” في فترة معينة، “باروخ غولدشتاين”، وحظر نشاط تنظيمي “كاخ” و”كهانا حي”، وأُعلن أنهما منظمتان إرهابيتان.

وهكذا ، فإن حركة كاخ، حركة سياسية دينية عنصرية هدفها الرئيسي طرد العرب من أرضهم بكافة السبل بما فيها التنكيل والقتل، وهى تستمد أيديولوجيتها من الدين اليهودي، وتحمل بشكل واضح سمات النظم الفاشية، عبادة الزعيم ـ تقديس الأرض والجماعة التي تسكن فيها ـ كراهية اليساريين والليبيراليين والعرب ـ العنف والإرهاب.

نالت الحركة تأيد قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي، وخاصة الجمهور الديني، كما تلقت الدعم من العديد من الحاخامات، وعلى  رأسهم الحاخام “زيفي كوك”.

  1. “حركة الوسط الديني: ميماد”

أ. النشأة التاريخية

هي حركة دينية صهيونية إشكنازية، أسسها الحاخام “يهودا عميطال” ـ رئيس “يشيفا هرعتسيون”، في “غوش عتسيون”، بالقدس ـ في يوليه 1988. وقد خاضت انتخابات عام 1988، وحصلت على نحو 16 ألف صوتاً، إلا أنها لم تتخط نسبة الحسم. وتنبع أهمية هذه الحركة في أنها تتسم بالاعتدال فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة في إسرائيل، من جهة، وقربها من حزب العمل واليسار الصهيوني عموماً، من جهة أخرى.

انشق “عميطال”، عن حزب “المفدال”، بسبب نزوع الحزب نحو التطرف القومي والديني، واستخدام الدين في عمليات الاستقطاب، والمساومة، عشية كل ائتلاف حكومي، حيث عُرف عن “عميطال”، نظرته المعتدلة في شأن العلاقة بين الدين، والدولة، فهو يرفض انحياز الجمهور الديني إلى اليمين، ويخشى من أن يولد انطباع بأن هناك توافقاً بين التوراة واليمين المتطرف. ويؤمن بأن هدف الأحزاب الدينية المتمثل في تحقيق دولة، تحكمها الهالاخاه، لا يمكن تحقيقه من خلال الأحزاب الدينية الحالية، وهاجم آراء الحاخامات، الذين يُبدون استعداداً للتنازل عن مطالب المتدينين في مجال التعليم، مقابل الحفاظ على “أرض إسرائيل التاريخية”، ورأى أن على الدولة أن تتنازل عن أجزاء من “أرض إسرائيل” المقدسة ـ وليس كل الأرض ـ إذا رأت أن في ذلك صيانة للمصالح العليا للدولة. وللحاخام “عميطال” مواقف معتدلة أخرى؛ فقد أدان مذابح  صبرا وشاتيلا، ورأى فيها تدنيساً لاسم الرب، وحرّم على تلاميذه المشاركة في مظاهرات “غوش أيمونيم” الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، وفي مستعمرة “ياميت” بسيناء.

عارض “عميطال” حركة “غوش أيمونيم”، ورأى أنها “حركة مسيحانية كاذبة”. وهو يؤمن بأفكار الحاخام “أبراهام كوك”، وبأن دولة إسرائيل مرحلة مهمة من مراحل تحقيق الخلاص، إلا أنه يرفض أفكار “كوك” الابن، التي يعدها “متطرفة”.

ومن ثم أنشأ “عميطال” حزبه الجديد، آملاً أن يكون جسراً وسطاً، بين الكتل والقوائم الحزبية، وحزباً دينياً قادراً على تعديل شكل العلاقة بين المتدينين والعلمانيين.

ب. أفكار البرنامج الانتخابي للحركة

(1) على الصعيد الداخلي

(أ) الدعوة إلى تعزيز “الشخصية اليهودية الوطنية” للدولة.

(ب) العمل على تضييق الهوة بين المتدينين والعلمانيين.

(ج) تعزيز السلطة الحاخامية الرئيسية.

(د) معارضة تعديل قانون من هو اليهودي.

(هـ) التوسع في التعليم الديني ودعم المؤسسات الدينية.

(و) ضرورة تأدية طلبة المدارس الدينية للخدمة العسكرية.

(ز) تعزيز مركز المرأة في المجتمع والسماح لها بعضوية المجالس الدينية.

(ح) عدم مخالفة النشاطات الاقتصادية لتعاليم التوراة والحد من تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار ومحاربة الفساد وتوزيع الدخل بشكل عادل.

(ط) توسيع الخدمات الاجتماعية والصحية وسن قانون وطني للتأمين الصحي.

 (2) على الصعيد الخارجي

(أ) الإيمان بحق “إسرائيل”، الأبدي في كامل«أرض إسرائيل».

(ب) إمكانية التنازل عن أجزاء من هذه الأرض مقابل سلام حقيقي، إذا كان ذلك في مصلحة الدولة، مع بقاء المستوطنات، والمستوطنين.

(ج) معارضة فكرة الطرد الجماعي للعرب.

(د) عدم خرق القيم الإنسانية أثناء التصدي للانتفاضة.

(هـ) رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة.

ونظراً لأن “عميطال”، كان يميل دوماً نحو حزب العمل، وزعيمه الأسبق “رابين”، فقد علق حزب العمل عليه أمالاً كباراً، بيد أنها تبددت مع فشل الحركة عام 1988. ثم أحجمت الحركة عن خوض الانتخابات التالية في عامي 1992، خوفاً من الفشل مرة أخرى. شارك الحزب في الحكومة المؤقتة التي شكلها “بيريـز”، في أعقاب مقتل “رابين”، وشغل “عميطال”، منصب وزير بلا وزارة. وخاضت الانتخابات مع حزب العمل ضمن قائمة “إسرائيل واحدة”، وفازت بمقعد واحد في انتخابات 2003.

ثانياً: الحركات والجماعات الدينية المعارضة للصهيونية

تتمثل أبرز هذه الحركات والجماعات في ثلاث هي:

  • حركة حباد
  • الطائفة الحريدية
  • حركة ناطوري كارتا

ولهذه الحركات، والجماعات، مراكز ومقار في عدد من مدن العالم المختلفة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتخوض هذه الحركات صراعات عنيفة مع تيارات وحركات يهودية أخرى، ومنها ما يمارس أنشطة سياسية بارزة في بعض البلدان. ولبعض هذه الحركات نشاط سياسي في إسرائيل، وبعضها الأخر يقاطع الدولة ومؤسساتها بشكل مطلق.

  1. حركة “حباد” الحسيدية

أ. النشأة التاريخية

تأسست حركة حباد[9] الحسيدية على يد الحاخام “شنيور زلمان ملادي”[10] (1745 – 1813)، لتشكل تياراً مستقلاً في الحسيدية، لا يتجاهل دور العقل وتعاليم التوراة، ويرفض فكرة “التسامى عن طريق الغوص في الرذيلة”. نشأت الحركة في بيلوروسيا، ثم انتقلت إلى لاتفيا، ثم بولندا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1940. ويوجد أكبر تجمع للحركة اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم في إسرائيل.

ونظراً لأن الحركة تهتم بدراسة التوراة والتأمل العقلي؛ فقد كانت من أوائل الحركات الحسيدية، التي بادرت إلى إنشاء مدارس دينية، كما دافعت عن مصالح اليهود في كل مكان، وقدمت العون للناجين منهم من النازية. وتهتم الحركة كذلك بتقديم الخدمات الدينية والاجتماعية والثقافية، لأتباعها في كل مكان. وللحركة منظمات نسائية، وأخرى خاصة بتربية الأطفال، ويُقدر عدد مراكزها، في قارات العالم الست، بحوالي ألف وخمسمائة مركز (منها مراكز في المغرب، وسورية، وتونس، وأغلب دول أمريكا الجنوبية، وأوروبا وجنوب أفريقيا، وهونج كونج). وتمتلك محطة إذاعة خاصة في نيويورك، وأخرى في فرنسا، تبث برامج دينية ودروساً في التوراة يومياً. وتقدر مصادر الحركة عدد مؤيديها في العالم بأكثر من مليون يهودي، أما أتباعها الملتزمون بتعاليمها فيقدرون بحوالي مائة وخمسين ألف شخص، يتمركزون في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

تخوض الحركة صراعاً عنيفاً مع التيارات اليهودية الأخرى، في الولايات المتحدة الأمريكية، كما تخوض صراعاً مع جماعات أرثوذكسية، وأهمها طائفة ساطمر الحسيدية. في مطلع القرن العشرين شن الأدمور الخامس للحركة حملة شعواء على الحركة الصهيونية، ووصفها بأنها مبادرة سلبية لاستعجال النهاية، بما يتناقض مع التقاليد اليهودية، ورفض نظرية المراحل التي أخذت بها الصهيونية فيما يتعلق بخلاص اليهود، وقد ارتكزت معارضة الحركة الصهيونية على أساس أن على اليهود أن يظلوا في المنفي حتى يظهر المسيح المخلص، فهو وحده المكلف من قبل الرب بإنقاذ “الشعب اليهودي” و”العودة” به إلى أرضه لتأسيس “مملكة إسرائيل”.

ومن ثم رفض الأدمور الخامس “شالوم دوف بار”، الحركة الصهيونية وأكد أنه “حتى لو أتبع الصهاينة أوامر الإله بشكل دقيق فإنه لا يجوز لليهودي أن ينضم إليهم لكي يبحث عن الخلاص بجهود ذاتية”، ولهذا أفتى “دوف بار”، بعدم جواز استخدام السبل المادية والسياسية للهجرة إلى فلسطين لتعجيل الخلاص، لأن ذلك يخالف وصايا التوراة. ومع قدوم الأدمور السابع “مناحيم مندل شنيورسون”، راحت الحركة تقترب من الصهيونية، حيث أعلن “شنيورسون”، أن إنشاء الدولة “فضل من الإله، والتفاتة منه نحو اليهود، من أجل خلاصهم”، غير أن الصهاينة ـ في رأيه ـ أضاعوا الفرصة، وبنوا الدولة على “أسس لا يجمعها جامع مع توراة شعب إسرائيل”. وكان “شنيورسون” قد أعلن، عند تعيينه، أن “الفترة التي نعيشها هي الفترة التي يجب أن يأتي فيها المسيح”. وعندما اندلعت حرب 1967، اعتبر أن النصر الإسرائيلي يشير إلى بداية الخلاص واقتراب ظهور المسيح. وإبان حرب 1973، طالب باحتلال دمشق كشرط لتحقيق الخلاص، وخلال حرب لبنان نادى باحتلال بيروت كبداية للخلاص.

كان “شنيورسون”، يُمهد الطريق لإعلان نفسه “المسيح المنتظر”، كما مهد أتباعه لذلك، فهو عندهم “عبقري العباقرة” و”قدس الأقداس” و”كل أرواح اليهود مربوطة به”، وكانوا لا ينطقون اسمه إلا بعد عبارة “رابينا رابي الجيل، والملك المخلص”، وأثناء الحملة الانتخابية عام 1988، رفع أنصاره صورة كبيرة له كُتب تحتها “مشيح عخشاف”، أي “المسيح الآن”. وفي أواسط شهر أبريل 1992، غمرت الملصقات والإعلانات طرق إسرائيل، معلنة أن “شنيورسون”، أوشك على إعلان نفسه “المسيح المخلص بمجرد تلقيه الأوامر الإلهية بذلك”، وكان “شنيورسون”، قد أعلن في مؤتمر عالمي عقده عام 1991، أن “اليهود يريدون إنهاء حالة الشتات التي يعيشون فيها، وأن كل المؤشرات على ظهور المخلص قد ظهرت، وأن الوقت قد حان للخلاص النهائي الأخير بظهور المسيح”.

حققت الحركة نفوذاً واسعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وفي كل مكان يوجد فيه يهود، إبان رئاسة “مناحيم مندل شنيورسون”، لها في الفترة من عام 1950، حتى العام 1994. ففي خارج “إسرائيل” يسعى مختلف المرشحين للانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، على سبيل المثال، للحصول على أصواتهم. وكان لـ “شنيورسون”، نفوذاً هائلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، وحظي بتقدير الرؤساء وأعضاء الكونجرس وكبار الساسة.

وكان “شنيورسون”، يرى أن “القدرة الإلهية” تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في العالم، وأن التوراة كلها مقدسة، وأنها سبقت خلق العالم، ومن ثم كانت دعوته لتأليف قلوب اليهود ودعم التراث اليهودي، من أجل تحقيق وحدة “الشعب اليهودي”. وكان يعتقد أن حب “أرض إسرائيل” فريضة لا يمكن على الإطلاق فهم وتطبيق التوراة وإقامة الفرائض دونها. وعلى الرغم من ذلك لم تطأ قدماه “أرض إسرائيل”، وظل يرفض الهجرة إليها ـ على الرغم من معلوماته الواسعة عنها ـ حتى وفاته.

تتمتع الحركة في داخل إسرائيل، بنفوذ كبير، حيث تتبنى مواقف سياسية محددة، ويمارس أتباعها وأنصارها حقوقهم السياسية بحرية، فعلى صعيد الشؤون الداخلية تطالب الحركة بالآتي:

(1) تعديل قانون العودة بهدف ضمان نقاء “الجنس اليهودي المختار”، إذ يرى “شنيورسون”، أن اليهود من جنس أسمى وأعلى من بقية الأمم التي مكانها في الدرك الأسفل، “فأصل أرواح بني إسرائيل هو الروح القُدُس، أما أصل أرواح شعوب العالم فهو من طبقات النجاسة الثلاث”، وهي نظرة عنصرية محضة تفوق نظرة “هتلر” للأجناس.

(2) منع الإجهاض وتشريح جثث الموتى.

وقد كان للحاخام “شنيورسون”، مكانة مرموقة عند ساسة الدولة وكبار المسؤولين فيها، وكثيراً ما كانت شخصيات مثل “بيجن”، و”بيريز”، و”شارون”، و”يوسف بورغ”، و”أهارون ياريف”، وغيرهم تطلب مشورته. وعلى الرغم من أنها حركة غير حزبية، ولم تشارك في أية انتخابات عامة أو محلية، ولم تؤيد رسمياً أية قائمة انتخابية، إلا أن أتباعها كانوا يصوتون دوماً لصالح “بوعالي أغودات إسرائيل”، عدا عام 1965، حينما أمرهم “شنيورسون”، بالتصويت لصالح “المفدال”.

وللحركة أراء متشددة تجاه العرب، فهي تؤيد فكرة “أرض إسرائيل الكاملة”، برغم عدم اعترافها علناً بدولة “إسرائيل”، ومن ثم ترفض فكرة الأرض مقابل السلام، وتطالب الحكومات الإسرائيلية بضم الأراضي المحتلة وعدم إرجاع الأراضي التي غنمتها إبان حرب الأيام الستة، وذلك لأن السيطرة اليهودية على كامل “أرض إسرائيل” هي شرط مسبق لا غنى عنه لظهور المسيح المنتظر. وارتباطاً بهذه الأفكار دعا الحاخام “شنيورسون”، إلى ترحيل العرب عن أراضيهم، بل ونادى، في أكتوبر 1968، بقتل العرب صراحة، وقال “إن العرب يبتغون شيئاً واحداً لا غير، وهو القضاء علينا إن عاجلاً أو آجلاً وإن علينا أن نتبع القول المأثور “عجِّل بقتل من يسعى لقتلك”، كما احتج هذا الحاخام بشدة ـ مراراً ـ على بقاء العرب في القدس، وعلى ما أسماه المعاملة الحسنة التي تعامل بها إسرائيل، “مخربي” فتح. وكان “شنيورسون” من القادة الحريديين القلائل، الذين أعربوا عن دعمهم لحركة “غوش أيمونيم”، ومشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية والقطاع.

توزعت قيادة الحركة في إسرائيل، بين عدد من الحاخامات منهم: “شموئيل هيفر”، و”ليب كفلن”، و”مردخاي أشكنزي”، و”لايفشتس” زعيم منظمة “النشيطون: يد الأخوة” الحريدية، التي تحارب كل ما يشكل خطراً على الدين اليهودي، وظاهرة تسرب العناصر الحريدية إلى العلمانية، والتنصير.

وهكذا، فعلى الرغم من أن حركة “حباد” حركة حريدية معارضة للصهيونية، ولا تعترف بالدولة، إلا أنها لم تقاطعها، بل إن طلاب مدارسهم يخدمون بالجيش، بعد انتهائهم من دراستهم، كما أن أنصار الحركة يقتربون دوماً من العلمانيين، بغية توبتهم، باعتبار أن هذا شرط لقدوم المسيح المخلص في نظرهم.

  1. حركة الطائفة الحريدية

أ. النشأة التاريخية

ظهرت الطائفة الحريدية، عام 1921، في القدس احتجاجاً على إنشاء الحاخامية الرئيسية. وأطلق عليها وقتذاك اسم “لجنة المدينة للطوائف الإشكنازية”، وكانت تمثل أغلب الحريديم في القدس، بالتعاون مع حركة “أغودات إسرائيل”. وظل التعاون بين “الطائفة الحريدية” و”حركة أغودات” حتى العام 1945، حينما صار “المعتدلون” من الحريديم ينضمون تحت راية “أغودات”، بينما أضحت حركة “الطائفة الحريدية”، تمثل “متطرفي” الحريديم. وتتكون الحركة من عدة جماعات حسيدية، منها: طائفة “ذرية أهارون”، وطائفة “ساطمر”، والمدرسة الدينية التابعة لتلاميذ “دوشنسكي”، وقسم من جماعة “المقدسين: هيروشلميم”[11]. وتقدر الحركة عدد أتباعها بثلاثين ألف نسمة، بينما تقدرهم مصادر حزب “أغودات” بثمانية آلاف نسمة، يعيش معظمهم في الضواحي والأحياء الحريدية، وخاصة حي “المائة بوابة: مئشعاريم” بالقدس.

ب. التنظيم الداخلي

تدار الحركة عن طريق عدد من الهياكل التنظيمية، أهمها مجلس الواحد والسبعين، ومجلس الثلاثة والعشرين، والمجلس التنفيذي، ومحكمة الطائفة. وهي تساوي مجالس حكماء التوراة في الحركات والأحزاب الدينية الأخرى.

وعلى عضو الحركة أن يلتزم بالأسس الثمانية عشرة التي تعتبر دستور الطائفة. وأهم هذه الأسس التي تحدد واجبات كل عضو:

(1) الانصياع لأوامر حاخاماته ومحكمة الطائفة.

(2) معارضة الصهيونية ومقاطعة أنشطة الدولة وعدم المشاركة في انتخابات الكنيست أو الانتخابات البلدية.

(3) الإيمان القاطع بأن إقامة الدولة الصهيونية ـ قبل قدوم المسيح ـ إنما هو عقاب من الله، وأن الكنيست تدنيس لأوامر الله، وإهانة للتوراة، لأن قوانينه تتناقض مع شريعة “موسى”.

(4) مقاطعة حزب “أغودات إسرائيل”، لتصالحه مع الصهيونية.

(5) مقاطعة مدارس تعليم اللغات الأجنبية، وإرسال الأبناء إلى المدارس المُجازة من الطائفة، والتي غالباً ما تستخدم اللغة الييديشية.

(6) عدم تناول أي طعام أو شراب غير مصرح به من الطائفة.

(7) المحافظة على اللباس الشرعي المحتشم.

وتقدم الطائفة مجموعة من الخدمات الطائفية لأتباعها، عن طريق عدد من المؤسسات، مثل المحاكم الدينية والمطاعم والمسالخ وأماكن التثقيف والتسلية، وصندوق لتمويل المؤسسات التربوية، بدلاً من أموال الحكومة، ولمساعدة العائلات الفقيرة، ولجان للحفاظ على تعاليم التوراة، وغيرها.

ونظراً لأن الحركة لا تعترف بالصهيونية، وتقاطع الدولة فإنها لا تشترك في انتخابات الكنيست، ولا في الانتخابات المحلية، ولا تتلقى الأموال من الحكومة ، بيد أن ثمة جماعات حسيدية ـ من داخل هذه الحركة ـ تتلقى الأموال من التأمين الوطني، وهى تبرر ذلك بأن الأموال المخصصة للمؤسسات التربوية، هي«أموال أيديولوجية»، تحمل رائحة الدولة، بينما أموال التأمين الوطني محايدة، ولا رائحة لها.

مارس أدمور طائفة “ساطمر”، السابق، “يواليش طايطلبويم”، نفوذاً واسعاً داخل الحركة، فقد كان المرشد الروحي للطائفة الحريدية، ورفض فكرة أن كل مكاسب حرب 1967، إنما هي مساعدة الرب لشعب إسرائيل، لأن هذه الفكرة ستؤدي حتماً إلى إثبات أن الصهاينة صادقون وأن أسلوبهم صادق، وأن دولتهم ليست دولة كفار؛ لأن جنودها حرروا “حائط المبكى” وقبر “راحيل”، بينما يرى هو أن شعب هذه الدولة من المارقين عن الدين، ولا يستحق معجزة إلهية لمساعدته. ولدى طائفة “ساطمر”، كما ترفض الحركة مفاهيم مثل “دولة التوراة” أو “دولة الشريعة”.

ينحصر نشاط الحركة السياسي في تنظيم الاحتجاجات على تدنيس حرمة السبت وانتشار الإباحية. وواقع الحال يؤكد أن الدولة ـ بمؤسساتها وإمكانيتها ـ قد استطاعت أن تُحد من نفوذ الحركة ونشاطها، وأغرت بأموالها جماعات عدة على الخروج من الحركة.

  1. حركة “حراس المدينة: ناطوري كارتا”

أ. النشأة التاريخية

ظهرت حركة “ناطوري كارتا”، كحركة منشقة عن حركة “أغودات إسرائيل”، في العام 1935، بعد أن قام ممثلون عن “أغودات” بإجراء مفاوضات مع المجلس الملّي اليهودي ـ الذي كان يخضع لنفوذ الحركة الصهيونية ـ بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة حاخامية رئيسية موحدة في فلسطين من جهة، والوصول إلى صيغة عمل مشتركة مع حركة “همزراحي”، من جهة أخرى، حيث شكلت العناصر الحريدية، التي تصر على رفض أي تعاون مع الحركة الصهيونية حركة خاصة بها، تحت اسم “رابطة الحراسة المقدسة: أغودات مشمرت هكودش”، ثم تغير الاسم إلى “رابطة الحياة: أغودات هحايم”، ثم إلى الاسم الحالي “حراس المدنية: ناطورى كارتا”[12].

تضم الحركة معظم يهود العالم، الذين يرفضون الصهيونية ويعارضون الدولة، ويُقدر عددهم حسب مصادر الحركة ذاتها ـ بأكثر من نصف مليون نسمة في الخارج، وعشرات الآلاف في إسرائيل، بينما تؤكد مصادر أخرى أن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف في إسرائيل[13]. وقد ظلت الحركة ـ حتى عام 1965 ـ إحدى الجماعات التي تشكل الطائفة الحريدية في القدس، ثم انفصلت عنها، بعد زواج زعيم حركة ناطوري كارتا من فرنسية متهودة مطلقة. ويعد الحاخام “يواليش طايطلبويم” ـ أدمور طائفة ساطمر الحسيدية ـ هو الزعيم الروحى لكل الطوائف الحريدية بما فيها حركة “ناطورى كارتا”، أما أبرز قياديي حركة “ناطوري كارتا”، فهما الحاخامان “عميرام بلوي”، و”أهارون كتسلبويجن”، اللذان يكمل أحدهما الآخر، فالأول يقود المظاهرات ومسيرات الاحتجاج. أما الثاني فيمثل قوة العقل والتفكير.

والحركة مفتوحة أمام كل يهودي يرغب في الانضمام إليها شريطة الالتزام بعقيدتها ومبادئها.

ب. عقيدة الحركة

تتمحور عقيدة الحركة في:

عدم الاعتراف بالصهيونية، ومقاطعة الدولة بشكل نهائي، فالحركة تعتبر نفسها امتداداً للتراث والتقاليد اليهودية، وأنها هي التي تلتزم بالتعاليم الدينية اليهودية دون بقية التيارات والفرق والجماعات اليهودية الأخرى.

عاش اليهود، منذ أكثر من ألفي عام، تحت حكم غير اليهود كعقاب من الله لهم على خطاياهم وذنوبهم.

لا تمثل الصهيونية استمراراً للتراث اليهودي أو تنفيذاً للتعاليم الدينية ، وإنما هي رفض لها وخروج عليها، بل هي واحدة من أخطر المؤامرات الشيطانية على اليهودية. والصهيونية مروق من الدين، لأنها أقامت دولة لليهود، وتعمل على تجميع المنفيين، وهذان أمران من شأن المسيح المخلص الذي سيرسله الرب إلى اليهود، لذا فالدولة ـ في نظر أتباع الحركة ـ ثمرة المروق من الدين وانتهاك التوراة، لأنها قامت على أيدي نفر من الكافرين الذين تمردوا على مشيئة الإله، وهي خيانة للشعب اليهودي الذي تأسس كجماعة دينية في سيناء (لا في أرض الميعاد). ويذهب أنصار الناطوري كارتا، إلى أبعد من ذلك حينما ينظرون إلى كل من الصهيونية، والنازية، على أنهما ينبعان من مصدر واحد فهو فكرة “القومية”، التي ظهرت في أوروبا، بل ثمة من أكد منهم على أنه هناك تفاهم وتعاون بين الحركة الصهيونية والنظام النازي. وهكذا ترى الحركة أن الصهيونية حركة معادية لليهود، لأنها تخلق مشكلة ازدواج الولاء أمام اليهود أينما وجدوا، وتؤجج الاتهامات المعادية لهم، وتزدهر بازدهار معاداة اليهود. وانتصارات الصهيونية ـ في عقيدة الحركة ـ من عمل الشيطان لأنها انتهكت العهود الثلاثة، التي قطعها اليهود للرب قبل خروجهم من المنفى، وهي ـ كما جاءت في التوراة ـ ألا يسببوا الألم للأغيار الذين يُقيمون بينهم وألا يحاولوا احتلال “أرض إسرائيل” بالقوة، وألا يستعجلوا الأمور. ولهذا يرى أنصار الحركة أن العمل داخل إطار الحكومة مستحيل لأمرين: الأول، لأن قيام دولة قبل مجيء المسيح خرق للتوراة ، والثاني، لأن قيم وتعاليم التوراة لا تشكل الأساس الاقتصادي والاجتماعي للدولة.

الشعب اليهودي ليس شعباً بالمعنى الذي قدمته الصهيونية، وإنما هو جماعة دينية ظهرت منذ ثلاثة آلاف سنة، واستمدت وجودها من ميثاق مع خالقها، يلتزم بموجبه كل اليهود بالتوراة وتعاليمها.

وضْع الخالق اليهود في منزلة «شعب الله المختار» ليس الهدف منه تمكين هذا الشعب من السيطرة على العالم، وإنما لخدمة الجنس البشري كله، وقد تم اختيار اليهود لهذا الأمر لأنهم أكثر الناس سلاماً وتواضعاً. وهذا الاختيار يفرض على اليهود عدة واجبات، فالشريعة اليهودية ترى أن ثمة سبعة قوانين أساسية ملزمة لكل البشر كي يصبحوا بشراً (حسب شريعة نوح)، وهناك عشرة قوانين (الوصايا العشر) ملزمة لأتباع الديانات التوحيدية، أما اليهود، فعليهم وحدهم الالتزام بالأوامر والنواهي التي جاءت في التوراة (المتسفوات).

يلخص الحاخام “موشى هيرش” ـ سكرتير الطائفة للشؤون الخارجية ـ موقف الحركة من الصهيونية ومن الدولة في مقال نشره في صحيفة “الواشنطن بوست”، في مطلع أكتوبر 1978، بقوله: “إن الصهيونية تتعارض تعارضاً كاملاً مع اليهودية، فالصهيونية تريد أن تُعرّف الشعب اليهودي باعتباره وحدة قومية، وهذه هرطقة، فقد تلقى اليهود الرسالة من الرب، لا لكي يفرضوا عودتهم إلى الأرض المقدسة ضد إرادة سكانها، فإن فعلوا ذلك فإنهم يتحملون نتائج فعلتهم، والتلمود يقول: (إن هذا الانتهاك سوف يجعل من لحمكم فريسة للسباع في الغابة). وإن المذبحة الكبرى ستكون نتيجة من نتائج الصهيونية”.

كما أوضح “هيرش”، أن التوراة أمرت اليهود بالعيش في سلام مع جيرانهم من غير اليهود في فترات الشتات، وأنه يمكن العيش في ظل دولة فلسطينية، وفي هذه الحالة يمكن تشجيع هجرة اليهود إليها!!. ويعّرف “هيرش”، الحريديم بأنهم “يهود فلسطينيون”. ويقول أحد حاخامات الحركة “إبراهام جرينباوم”، “إن إسرائيل ستظل دولة الشتات الروحية حتى الوقت الذي تحكم فيه التوراة حياة كل فرد في المجتمع”، ولا يعني ذلك أن هذا الحاخام من أنصار إصدار تشريعات توراتية تحكم الأفراد، فالقانون لا يُغير اعتقادات الأفراد وقناعتهم كما يقول.

وتُؤكد الحركة على أن علاقة اليهودي المتدين بـ “أرض الميعاد” تتمثل في اتجاهه بعواطفه وقلبه إلى هذه الأرض، وخاصة مدينة القدس، ففي كل صلاة تُذكر القدس. وعلى اليهودي أن يستمر في هذا حتى يستجيب له الإله ويأمر بعودة اليهود مع المسيح المنتظر. وتنتقد الحركة اليهود المتدينين والحاخامات، الذين يتعاونون مع الدولة ويؤيدونها مقابل المساعدات المالية الحكومية، وترى أن ذلك تدنيس لاسم الرب وخروج عن تعاليمه.

واستناداً إلى ما سبق يعمد أتباع الناطوري كارتا، إلى مقاطعة الدولة وعزل أنفسهم عنها كلية من جهة، والاحتجاج على نشاطاتها وفضح ممارساتها من جهة أخرى. وامتنعوا عن الدفاع عنها إبان حرب 1948. وطلب “عميرام بلوي” ـ في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في يوليه 1949 ـ وضع القدس تحت وصاية دولية، وإصدار “جوازات الأمم المتحدة” للمتدينين اليهود الذي يرغبون في ذلك، وأعلن قبول أتباع الحركة مغادرة القدس إلى أي مكان أخر يستطيع هؤلاء العيش فيه بموجب أحكام التوراة. واعترفت الحركة بكفاح الشعب العربي الفلسطيني وحقه في كامل تراب فلسطين، وبمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني، وأبدت استعدادها للعيش في ظل دولة علمانية تجمع اليهود والعرب.

وقد نددت الحركة باحتلال الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأمرت أتباعها بعدم الذهاب إلى هذه المناطق، أو زيارة “حائط المبكى”، لأن القدس فُتحت عنوة، كما أدانت غزو لبنان، ونددت باعتراف منظمة التحرير بدولة “إسرائيل”. ويرفض أتباع الحركة أي شكل من أشكال الحياة العلمانية، ويمتنعون عن استخدام المنافع والتسهيلات الاجتماعية والمادية، التي توفرها الدولة، وعن دفع الضرائب والجمارك، كما يقاطعون الانتخابات ولا يخدمون في الجيش، ويتكلمون اللغة الييديشية في التعاملات اليومية، أما العبرية فهي عندهم للصلاة فقط. تقاطع الحركة كذلك قراءة الصحف الإسرائيلية، والاستماع إلى الإذاعة العبرية ومشاهدة الإذاعة المرئية، وتعد “يوم الاستقلال” يوم حداد وحزن، يصوم فيه أتباعها. كما أن للحركة ساعة مركزية خاصة بأتباعها تلتزم بالتوقيت اليهودي الذي تؤمن به الطائفة، ويلتزم به أتباعها قدر المستطاع. ولا يستعين أتباع الحركة بالشرطة لأنها شرطة صهيونية.

ويُنظمون مظاهرات ومسيرات احتجاجية ضد انتهاكات العلمانيين ـ ومؤسسات الدولة وموظفيها بشكل عام ـ لتعاليم التوراة (كتدنيس السبت ونشر الإباحية والاختلاط وغيرها)، والتي تسبب حوادث عنف في بعض الأحيان. وتتولى الحركة تدريس عقيدتها وأفكارها لأتباعها وأبنائها، في مدارس دينية تابعة لها في حي مئشعاريم، كما تنشر أفكارها عبر عدد من الصحف أهمها: “الحائط” و”حائطنا”. إضافة إلى نشاطها دعائياً وسط الشعب الأمريكي بهدف إيضاح أن اليهود والصهيونية أمران منفصلان. وتحصل الحركة على مساعدات مالية من يهود بالخارج، وخاصة من طائفة ساطمر الحسيدية، وتطالب الحركة كل يهود العالم بالعودة إلى الدين والإيمان بالافتداء الإلهي.

وقد كان لـ “ديفيد بن جوريون” رأي في هذه الحركة ، حينما أجاب عن سؤال عن سبب عدم معاقبته لأتباعها، بقوله: “إن هناك صعوبة متزايدة باستمرار تحول دون اتخاذ إجراءات مع أناس تنبع أفعالهم من إيمان ديني عميق، وليسوا من مخالفي القوانين بالمعنى المألوف، ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء يمثلون عالماً انحدر معظمنا منه، وهو عالم أجدادنا وآبائنا الذي عرفناه من سن الطفولة فكيف تريدون أن يزج المرء بجده الأكبر في السجن، حتى ولو رمى غيره بالحجارة”.

 

[1] يذكر أن مدارس بني عقيبا ظهرت من داخل حركة الكيبوتز الديني، ولا يزال عدد كبير من قياداتها يأتي تقليدياً من الكيبوتزات الدينية. وهي تدير اليوم أكثر من ثلاثين مؤسسة تربوية وغير تربوية، وساهمت في تأسيس الكثير من المستعمرات التعاونية والجماعية، ويبلغ عدد فروعها في إسرائيل (350) فرعاً، وينتمي إليها اليوم ما يقرب من (50) ألف عضو.

[2] من هذه اللجان: اللجنة الاستيطانية برئاسة «بورات»، واللجنة السياسية برئاسة«ليفنغر»، واللجنة المالية برئاسة «يعقوب ليفين»، واللجنة الإعلامية برئاسة «يهودا حزاني»، وغيرها.

[3] نشأت اليشيفوت هسدر في الجيش، بالتعاون مع المتدينين، لإجتذاب خريجي المدارس الدينية وبني عقيباً لتأدية الخدمة العسكرية في هذه اليشفيوت، بعد 1967. صُممت على شاكلة وحدات الناحال العسكرية المتاحة للشباب الراغب في حياة الكيبوتزات (التي يُقسم العمل فيها بين الزراعة والتدريب العسكري) حيث يقسم العمل فيها بين الخدمة العسكرية والدراسة الدينية.

[4] اتخذ كهانا من نجمة داود التي يتوسطها قبضة شعاراً للحركة.

[5] على الرغم من ذلك، لقيت الرابطة دعماً من عدد من الأمريكيين اليهود، بل أن «مناحيم بيجن» أعرب عن دعمه الرسمي لأساليب الحاخام «كهانا» في الولايات المتحدة، في بروكسل في فبراير 1971، أثناء «المؤتمر العالمي للجماعات اليهودية» هناك.

[6] من الجرائم البشعة، التي اتهمت فيها الحركة، اغتيال الدكتور “إسماعيل راجي الفاروقي” – الأستاذ الفلسطيني الأمريكي الجنسية في جامعة تمبل بفلادلفيا – وزوجته في 27 مايو 1986.

[7] تقدمت حركة حقوق المواطنين إلى لجنة الانتخابات المركزية بطعن ضد قائمة كاخ، وقررت اللجنة عدم التصديق على القائمة، بيد أن المحكمة العليا اعترضت على قرار اللجنة بعد أن قدم «كهانا» التماساً لها في هذا الشأن.

[8] هناك عدة ظروف ساعدت على حصول قائمة كاخ على هذه الأصوات، منها وصول حزب الليكود اليميني إلى الحكم عام 1977، وتصاعد نفوذ المتدينين واليمين عموماً، ونمو مشاعر العداء ضد العرب. وقد صوت لكاخ (33%) من أصوات سكان مدن التطوير (حيث يقطن الشرقيون الفقراء)، و (32%) من القرى التعاونية الدينية (الموشاف)، و(23%) من سكان الأحياء الفقيرة بالمدن الكبرى.

[9] كلمة حباد عبرية تمثل اختصاراً للكلمات الثلاث: الحكمة والفهم والمعرفة.

[10] تزعم الحاخام «زلمان ملادي» الحركة حتى وفاته، ثم حل ابنه الحاخام دوف بار (1773-1827) محل أبيه ، ونظراً لأن هذا الحاخام كان من مدينة لوبافتيش الروسية فقد صار هذا الاسم يطلق على أدامرة هذه الحركة حتى اليوم. وقد جاء بعد «دوف بار» صهره الحاخام «مناحيم مندل شنيورسون» (1789 – 1866) ثم نجله، الحاخام «شموئيل مندل» (1834 – 1882) ثم الحاخام «شالوم دوف بار» (1866 – 1920) ، فابنه الحاخام «سوسيف اسحاق» (1880 – 1950) ، ثم الحاخام «مناحيم مندل شنيورسون» (1902 – 1994).

[11] يذكر أن ثمة جماعات تدخل الطائفة ، وأخرى تخرج منها بين الحين والآخر. ومن أهم الانشقاقات، التي شهدتها الحركة انشقاق جماعة ناطورى كارتا، فرع الحاخام «عميرام يلوي» بسبب رفض محكمة الحركة عقد زواج «بلوي» على مطلقة فرنسية يهودية عام 1965، وكذلك انشقاق طائفة «بعلاز» الحسيدية عام 1980، بعد أن أصدر الحاخام الأكبر «اسحاق فايس» أمراً يمنع تعليم الأولاد في مؤسسات تتلقى الأموال من الدولة، وقد رفضت «بعلاز» الانصياع للأمر.

[12] كان الحاخام «الياهو بروش« هو الذي اختار هذا الاسم و«ناطوري كارتا» عبارة آرامية وردت في التوراة.

[13] يقطن أتباع الحركة في فلسطين المحتلة في حي «المائة بوابة: مئشعاريم» بالقدس، وثمة تجمعات أخرى لأتباع الحركة في حي بروكلين بنيويورك، وفي لندن ومونتريال، وغيرها.

 

المصدر:

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى