دراسات سياسية

هل يؤجل أكراد العراق موعد استفتائهم؟

وليد عبد الحي

حددت قوى كردية في اقليم كردستان العراق يوم 25 سيبتمبر القادم موعدا لإجراء استفتاء على ” الاستقلال” عن العراق، ويبدو ان مثل هذا التطور في حال وقوعه سيشكل دورة نزاع جديدة بعد الانتهاء من جولة داعش( وكنت قد ذكرت في منشور سابق قبل اكثر من سنتين ان معركة العراق بعد داعش ستكون مباشرة مع الاكراد).
في تقديري أن الخطوة الكردية محفوفة بالمخاطر الاستراتيجية الكبرى بغض النظر عن مبررات هذه الخطوة مثل ” الحق القانوني” ، وأن الاقليم يضم قدرا سكانيا كافيا ، كما انه يقع على حدود العراق لا في وسط الدولة ناهيك عن توفر قدر من الانتاج البترولي الداعم اقتصاديا للكيان الجديد في حالة اعلانه.
لكني ارى ان المخاطر الكبرى تتمثل في :
1- العقدة الجيواستراتيجية للاقليم، فاقليم كردستان يقع جغرافيا في وسط تطوقه من كل الجهات دول معادية تماما لانفصاله( تركيا وايران والعراق وسوريا)، وهو ما يعني ان اتفاق هذه الدول على التنكر لما يسمى بحق الارتفاق(البر) ناهيك عن حق المرور البريئ(البحر او الوصول له) متوافر تماما في شروطه الموضوعية، وهو ما يعني ان هذا الاقليم لا يستطيع الوصول للخارج إلا عبر اراضي هذه الدول او عبر اجوائها لا سيما انها ستكون دولة “حبيسة”(landlocked) ، وهو ما يعني ثانية ان بترول الاقليم غير قادر على المرور للاسواق الدولية دون موافقة دول الطوق ، ولعل تجربة قطر في مشكلتها الاخيرة مع دول الخليج تكشف عن خطورة العقدة الجيو استراتيجية والاختناق ، وتشكل هذه كعب أخيل للاقليم الكردستاني..
2- التداخل السكاني بين الاكراد والقوميات الاخرى بخاصة التركمان، وهو امر سيفتح مجالا لمطالبة هذه القومية بنفس الحق الذي تمتع به الاكراد مما يخلق ميدانا لصراع تركي كردي داخل الاقليم، لا سيما ان حدود الاقليم الكردسياني مع العرب ومع التركمان لا تزال موضع تنافس.
3- من الواضح ان البيئة الدولية – باستثناء اسرائيل- لا تبدي قدرا من الحماس للخطوة الكردستانية، فحتى الولايات المتحدة تؤكد بين لحظة واخرى على وحدة العراق(لدوافع خاصة بها في الوقت الحالي بعد تغير المشهد الاقليمي)، كما ان الروس والاوربيين يصرون على نفس التوجه ، ويغلب على تاييدهم طابع حقوق الاقليات اكثر منه حق الانفصال .
4- ستقف الصين وروسيا بقوة ضد الانفصال نظرا لان ذلك يشكل سابقة للاقليات الاخرى مثل الشيشان في روسيا واليغور في غرب الصين وفي التبت ، بل إن باكستان تخشى من اعتبار ذلك سابقة لتعزيز مطالب البلوش في اقليم بلوشستان الممتد بين ايران وباكستان.
5- قد تكون بعض الاجنحة السياسية لا سيما جناح طالباني أقل تسرعا في تبني هذا القرار، وهو ما يعني احتمالات وقوع مشكلات داخلية في الاقليم.
في مثل هذا الوضع ، قد تتزايد الضغوط على جناح برازاني لتأجيل الاستفتاء لموعد غير محدد ، وقد تبدأ الدول المحيطة بالاقليم (سوريا وايران والعراق وتركيا) في إصدار بيانات او اتخاذ اجراءات احترازية واستباقية لايصال رسالة لقيادة الاقليم بان الامر ينطوي على مغامرة كبرى يجب التراجع عنها وإلا سيواجه عقوبات خانقة تماما….ربما.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى