دراسات أسيويةدراسات استراتيجية

الإستراتيجية الكبرى للصين: إتّجاهاتٌ، مساراتٌ ومنافسةٌ طويلة الأمد

أندرو سكوبيل، إدموند بوركي، كورتيز كوبر الثالث، سالي لِيلي، تشاد أوهلاندت، إريك وورنر و جي. دي. ويليامز، مؤسّسة راند، 2020، الولايات المتحدة
إعداد وترجمة: جلال خَشّيبْ، باحث مشارك أول بمركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية
يُحاول هذا التقرير المطوّل، الذّي كُتب لصالح الجيش الأمريكي وبتمويلٍ منه، إستشراف طبيعة العلاقات الصينية الأمريكية خلال الثلاثين سنة القادمة، وذلك من خلال دراسة الإستراتيجية الكبرى للصين، أهدافها، ركائزها، وآليات تنفيذها، ثمّ تقييم مدى إمكانية نجاح الصين في تنفيذ هذه الإستراتيجية وبلوغ أهدافها الكبرى بحلول عام 2050، وكيف سيؤثّر ذلك كلّه على طبيعة تفاعلها مع الولايات المتحدة ويُحدّد مستقبل القيادة العالمية.
يتكوّن التقرير من ستّة محاور أساسية، يُحدّدُ المحور الأول (مقدّمة) الأدوات المنهجية للبحث، أمّا المحور الثاني فيتتّبع تطوّر الإستراتيجية الكبرى للصين ما بين 1949-2017 والتّي تهدف أساساً لجعل الصين قوةً إقليميةً وعالمية، ذاتُ نموذجِ حَوْكَمةٍ فعّال، يُحقّق إستقراراً إجتماعياً، إزدهاراً إقتصاديا، تقدّماً تكنولوجياً وقوةّ عسكريةً شاملةً بحلول عام 2050، ويرى التقرير بأنّ للصين إستراتيجيةً عالميةً طموحةً خلال العقود الثلاث القادمة صارت تُعلن عنها صراحةً، إلاّ أنّ قياداتها ستُركّز أكثر على القضايا المحليّة وقضايا الجوار الإقليمي الحيوية، لاسيما في بحر الصين الجنوبي، محاولةً بناء نظام إقليمي يخضع لقيادتها الحميدة.
يُسلّط المحور الثالث الضوء على مسألة القيادة والنظام السياسي، آليات الحَوْكَمة الصينية وأهدافها، إضافةً إلى تفاعل هذه القيادة مع المجتمع وثقافته السياسية، المشكلات الداخلية وكيفية تأثيرها على قضايا الدفاع الوطني، مُحاججاً بأنّ ذهنية السيطرة الحازمة للقيادة الصينية على المجتمع بهدف الإبقاء على الإستقرار الداخلي تُعدّ عاملاً أساسياً لضمان نجاح الإستراتيجية الكبرى للصين.
أمّا المحور الرابع، فيُحلّل المجالات الأساسية التّي ترتكز عليها الإستراتيجية الصينية الكبرى وهي الدبلوماسية، الإقتصاد والتكنولوجيا، مُوضّحاً الإصلاحات التّي تُباشرها الصين في هذه المجالات الحيوية بهدف حشدها على نحوٍ متكاملٍ لأجل بلوغ الأهداف الإستراتيجية الكبرى، وهنا يُشيد التقرير بنجاح الصين في نسج علاقاتٍ دبلوماسيةٍ ناجحةٍ وواسعة النطاق عبر محيطها والعالم، وتحقيقها إنفتاحاً إقتصادياً غير مسبوقٍ وتمكّنها من غزو الأسواق العالمية بتكنولوجياتها أيضاً وفَرضِ نفسها كقوةٍ قائدةٍ على المستوى الإقليمي، غير أنّه يُوضّح وجود بعضٍ من الحواجز المُعيقة للصين في نجاح مساعي هذه القيادة على غرار التعارض القائم بين طبيعة نظامها السياسي المرتكز على إحكام السيطرة السياسية داخلياً ومظاهر الإنفتاح والتسامح الخارجي التّي تحرص الصين على إظهارها للجيران والعالم.
يُخصّص كتّاب هذا التقرير المحور الخامس للتفصيل في الإستراتيجية العسكرية للصين والإصلاحات التّي تمّ إدخالها على جيش التحرير الشعبي الصيني ليكون متكيّفاً مع التغيّرات الجديدة ومتناسقاً مع أهداف الإستراتيجية الكبرى للصين وآلياتها. يؤكّد التقرير هنا على حرص الصين على تحصيل مقدّرات “القوة الوطنية الشاملة”، تجّنب أيّ مواجهةٍ مباشرةٍ مع الولايات المتحدة في جوارها من خلال الإدارة العقلانية للعلاقات التنافسية معها وحلّ التهديدات الناشئة عن التنافس بطريقةٍ لا تُهدّد أهداف الإستراتيجية الكبرى أو تكرّس صورةً سلبيةً عن نفسها في مدركات الجيران بإعتبارها قوة مُهدّدةً لهم، وهذا في حدّ ذاته يُعدّ تحدّياً صعباً للصين كما يقول التقرير.
أمّا المحور الأخير فيرتكز على كلّ المحاور السابقة ليُحاول إستشراف المآل الذّي ستصير إليه الصين بعد ثلاثين سنةً من الآن، وكيف سيؤثّر شكل الصين المستقبلي على طبيعة العلاقات الصينية الأمريكية. يضع التقرير أربعة سيناريوهاتٍ محتملةٍ قد تؤول إليها الصين وهي: إنتصارُ الصين، إستمرارها في الصعود، سيناريو ركود الصين، أو سيناريو الإنهيار.
يستبعد التقرير سيناريو الإنتصار لأنّه يفترض وجود هامشٍ ضيئلٍ من الخطأ، عدم وجود منافسٍ جادٍ أو خلّوِ هذه الفترة من أزمةٍ كبيرةٍ مُعيقةٍ وكلّها إفتراضاتٌ غيرُ واقعية، كما يستبعد التقرير سيناريو الإنهيار نظراً لتميّز القيادة الصينية بمهارة التنظيم، التخطيط والقدرة على التكيّف مع الأزمات بنجاح، لذا فالسيناريو الأكثر إحتمالاً يبقى متأرجحاً بين إستمرار الصين في الصعود وتحقيق حدٍّ لا بأس به من النجاحات من جهة، ومواجهة الصين لتحدّياتٍ كبيرةٍ تُوقفُ وتيرة هذا الصعود وتجعلها تفشلُ في تنفيذ إستراتيجاتها الكبرى من جهة أخرى.
تِبعاً لذلك، يضع التقرير ثلاث سيناريوهات محتملة لطبيعة العلاقات الصينية الأمريكية ستكون نتاجاً بالضرورة عن طبيعة الصين التّي نُقبل عليها، وهي سيناريو: الشريكين المتوازيين، المتنافسين المتضاربين أو أن يسلك كلّ منهما إتجاهاً متبايناً عن الآخر. فالسيناريو الأول سيكون نتاجاً عن إستمرار الصين في الصعود أو تعرّض هذا الصعود لركود ما، بينما السناريو الثاني سيكون نتاجاً عن إنتصار الصين، في حين سيكون السيناريو الثالث مُرجّحاً إذا ما تعرّضت الصين للإنهيار وإنصرفت لحلّ أزماتها الداخلية.
بناءً على أكثر السيناريوهات إحتمالاً (إستمرار وتيرة صعود الصين أو تعرّض هذا الصعود لركودٍ ما) يُقدّم التقرير جملةً من التوصيات العملية لصنّاع القرار في واشنطن للتعامل مع الوضع المُتشكِّل، منها الإهتمام بتحسين آداء وقدرات الجيش الأمريكي في التعامل السريع مع الأزمات الطارئة والتنسيق مع الحلفاء الشرق آسيويين، الحرص على تجنّب الصدام المباشر والدخول في نزاعات مع الصين وإبقاء وضع المنافسة قائماً على أقلّ تقدير مع الحرص على ضمان التفوّق التكنولوجي الجوي والبحري على الصين لأجل جعل القيادة في بيجين تُفكّر أكثر من مرّة قبل إتّخاذ قرار الدخول في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الجيش الأمريكي هناك بهدف طردها من المنطقة نهائيا.
إعداد وترجمة: جلال خشِّيب، البوصلة الجيوبوليتكية، مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية، المجلّد الأول، العدد السادس والثلاثين، 07 أغسطس 2020، إسطنبول-تركيا (حقوق النشر: مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية 2020، جميع الحقوق محفوظة)
يُمكنكم تحميل العدد كاملا باللغتين العربية والإنجليزية على شكل ملف بي دي أف من الرابطين التاليين:
Arabic PDF:
English PDF:

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى