دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

الإسلام و سياسة روسيا الخارجية «الماضي.. والحاضر»

تناقش هذه الورقة تاريخ الإسلام والمسلمين بروسيا وكيف كانت أحوالهم تحت ظل النظم الحاكمة على مر التاريخ الروسي بداية من القياصرة وصولًا ليومنا هذا، كما تتناول ملامح من السياسة الخارجية الروسة تجاه العالم الإسلامي بالسنوات الأخيرة.

نظرة تاريخية:

يعتبر الإسلام أقدم من المسيحية في  روسيا، فقد دخل الإسلام روسيا عام 922م كما أشار الأستاذ أسد الله في  كتابه “موسكو المسلمة ماضيها وحاضرها”، ذلك بعد إرسال الخليفة العباسي المقتدر بالله بعثة من العلماء بناءًا على طلب وفد جاء من بلغار الفولجا بأن يرسل الخليفة معهم علماء يعلمون الإسلام للمجتمعات المجاورة لهم من السلاف وغيرهم من شعوب تقيم حول نهر الفولجا، وكان أحمد بن فضلان ضمن البعثة وقد ذكر إبن فضلان أن الملك ألمش بن يلطور ملك البلغار هو من طلب من الخليفة إرسال تلك البعثة.

ورأيٌ آخر يسرده المؤرخ التتري المسلم شهاب الدين مرجاني أن البلغار اعتنقوا الإسلام قبل العام 922 وبالتحديد في  عهد الخليفة المأمون (813-833) وعهد الخليفة الواثق (842-847)، ولكن الرأي الراجح والمعروف عند غالبية المؤرخين أن الإسلام قد دخل روسيا عام 922.

وعندما أراد حاكم روسيا فلاديمير الأول (960-1050) أن يعتنق دينًا سامويًا اختار المسيحية، ذلك بالطبع بعد أن طلب من البولغار إرسال رجال دين كي يخبروه عن الإسلام وتعاليمه، كما طلب ذلك من التبشريين اليهود والمسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس، وقد اعتنق المسيحية الأرثوذكية وكان سبب تفضيله للمسيحية عن الإسلام كما ذكره فريد شاه في  كتابه هو تحريم الإسلام للخمر ولحم الخنزير، حيث قال فلاديمير لرسل البلغار المسلمين: “أن روسيا معتادة على الخمر ولا تحيا من دونه”، وبالتالي دخلت المسيحية روسيا سنة 982م.

وقامت علاقات جيدة بين شعوب تلك الأراضي التي اعتنقت الإسلام حول نهر الفولغا بلغاريا والتي تعرف الآن بروسيا الأوروبية وبين شعوب المنطقة المحيطة حيث تشاركوا بالتجارة الدولية بين الشرق والغرب وبينهم وبين الشعوب العربية والفارسية.

ومع دخول بركة خان ملك التتار عام 1245 الإسلام وأصبح نهر الفولغا على طول 2000كم نهرًا إسلاميًا ووصل الإسلام إلى سيبيريا ومناطق من فنلندا، وذكرت كتب التاريخ الإسلامي عن عظمة الملك بركة خان من حيث حسن إسلامه ومعاملته، وكانت إمارة موسكو وكييف آنذاك يدفعان الجزية للمسلمين التتار، كما لا يُعَيَّن حكامهم إلا بموافقة الحاكم المسلم بقازان.

ووصف الروس لحقبة حكم التتار أنها غزو المغول لبلادهم وقسموا روسيا لدويلات شبه مستقلة وأنهم محتلين أقاموا دولتهم بحوض الفولغا وفرضوا “إتاوة” على الشعوب الروسية غير المسلمة، وأطلق التتار على دولتهم الجديدة إسم “الأورطة الذهبية” أو “القبلية الذهبية” كما يطلق عليها الروس.

حكم التتار المسلمين جميع الأقاليم والسهول الروسية لمدة 240 عامًا وخلال تلك الفترة قامت عدة معارك بين التتار والروس، فحتى القرن السادس عشر كانت قازان وأتراخان وسيبيريا والقرم تحت الحكم الإسامي، وكانت اللغة العربية مستخدمة على نطاق واسع في  العلوم والآداب، إلى أن جاء إيفان الثالث سنة 1480م وأعلن استقلال موسكو وأعلن الحرب على المسلمين، واستمرت الحرب بعهد إبنه إيفان الرابع والذي أسقط قازان سنة 1552م واتبع سياسات الإبادة ضد المسلمين، واستمرت تلك السياسات من سيطرة القياصرة وتدهور أحوال المسلمين بل تحول بعض المسلمين إلى النصرانية مجبرين وعاش المسلمين بالطبع ويلات وظلم وطغيان ومعاملة مُهينة حيث هدمت مساجدهم ومنعوا من تأدية عبادتهم وتم تشريدهم ونفيهم.

يُمكن تفسير ذلك العداء للمسلمين داخل روسيا بأن أكثر المسلمين بروسيا ترجع أصولهم إلى الترك، وفي  ذلك الوقت قد فتح العثمانيين القسطنطينية “اسطنبول حاليًا” على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453م، وتحولت من مدينة ومركز للمسيحية الأرثوذكسية إلى مدينة وعاصمة إسلامية، وبعد أن سيطر العثمانيين عليها، انتقل مركز الكنيسة الأرثوذكسية إلى موسكو التي قادت حرب الانتقام للعالم المسيحي من العثمانيين والمسلمين على حد سواء.

إلى أن جاءت كاثرين الثانية أو كاثرين العظيمة (1762-1796) وقدمت بعض التنازلات لكسب المسلمين بالدولة ومشاركتهم لخدمة مصالح الدولة القيصرية حيث أعلنت مرسوم نصَّ على التسامح بين جميع الأديان، كما أسست جمعية رجال الدين المسلمين في  أوربينبرغ عام 1788. لكن تلك الإجراءات لن تنفي تاريخ كاثرين الملىء بالعداء والكره للإسلام فقد كانت حروبها ضد الدولة العثمانية تحت راية القضاء على العدو الأول للمسيحية وهو الإسلام، حتى وإن كان الهدف الحقيقي هو سيطرة روسيا على المضائق التي تؤدي للمياة الدافئة بالبحر الأسود والمتوسط.

وخلال الفترة 1783-1755 دمر الروس أكثر من 481 مسجدًا في  قازان علاوة على شن حملات اضطهادية ضد المسلمين بالقوقاز وسيبيريا، كما تم تهميش وإهمال المدن الإسلامية عن عمد، وعام 1782 سقطت أخر مدن القوقاز المسلم تحت سيطرة روسيا القيصرية من خلال هزائم متوالية للعثمانيين، كما تم إخضاع أذريبيجان وداغستان وأرمينيا كما خضعت الشيشان عام 1881 بعد حملة وحشية قام بها القياصرة للقضاء على حركات المقاومة والجهاد والتي دُعمت من العثمانيين سياسيا ودينيًا، وتمثلت المقاومة في  قبائل الشركس والشيشان وعلماء القوقاز وتركستان، وبعد خضوع الشيشان عمل الروس على إذلال هذا الشعب الأبي بفرض التنصير بالقوة وتخريب الاقتصاد والزراعة وتهجير السكان.

ومع سقوط القياصرة بقيام الثورة البلشيفية الشيوعية 1917م خدع لينين المسلمين بشعارات كاذبة في  خطاباته بأنه سيكون ناصرًا لهم بعد الظلم الذي تعرضوا له من قِبل القياصرة، وأن حرية عقائدهم ونظمهم وعاداتهم ومنظماتهم وثقافتهم مكفولة لهم لا يطغى عليها ظاغ ولا يعتدي عليها معتد، تلك الشعارات جعلت المسلمين يحركوا الثورة وعملوا على نجاحها، لكن بدلًا من أن يحقق لينين ما وعده للمسلمين بدأ الشيوعيين باحتلال الأراضي الإسلامية بالقوقاز وآسيا الوسطى وبدأوا بسن القوانين التي تُحظر الأديان وتنشر الإلحاد خاصة بالمجتمعات المسلمة، وتم اعتقال وقتل المسلمين المعادين للشيوعية، كما تم فرض اللغة الروسية كلغة ثانية بتلك البلاد ومُنعت الدراسة الدينية أو تدريس اللغة العربية؛ لكن المسلمون بالطبع لم يمكثوا صامتين أمام تلك السياسات شكلوا الحركات التحررية بتركستان والشيشان وغيرها والذي قابله إبادة جماعية من قِبل السوفيت، كما عمل المسلمون مدارس سرية بالبيوت لتعليم أولادهم القرآن والسنة أخرجت هذه المدارس أجيالًا من حفظة القرآن وعارفين بمبادىء الإسلام وهم من قادوا الصحوة الإسلامية بجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز بعد تفكك الاتحاد السوفيتى.

ولم تستطع روسيا سواء القيصرية أو البلشيفية بالقضاء على الإسلام وأهله بروسيا، ومع قيام روسيا الاتحادية مثلت الاقاليم المسلمة بالداخل الروسي ست جمهوريات وهم (تتارستان- الشيشان- قبارووا- بشقردز- داغستان- أوستيا الشمالية)، كما يوجد المسلمون في  مناطق وجمهوريات روسية أخري ويشكل المسلمون بها أغلبية، كما تعتبر موسكو على قمة العواصم الأوربية من حيث عدد المسلمين المتواجدين بها.

وبالسنوات الأخيرة وخاصة مع وصول بوتين كرئيس لروسيا بدأت محاولات لإظهار احترام حقوق الأقلية المسلمة محاولًا تهدئة وكسب الأحزاب والشرائح الإسلامية بروسيا، وأوصل روسيا إلى منظمة التعاون الإسلامي بعام 2003 برغم المعارضة التي واجهها بوتين بالداخل الروسي سواء من الجهات الأمنية أو من جماعات مصالح ولاعبين سياسيين، وأعقبها تصريحات عدة من النظام الروسي باحترام المسلمين داخل روسيا،  فيعتبر بوتين أول رئيس روسي يعلن أن روسيا بلد متنوع الثقافات فهو بلد مسيحي ومسلم وللمسلمين الحق بالشعور بأنهم ينتمون إلى العالم الإسلامي وأن روسيا كانت ومازالت حليفًا جيوسياسيًا للعالم الإسلامي.

أما بالنسبة للإسلام في السياسة الخارجية الروسية، فمنذ عهد سيطرة الشيوعين كانت موسكو تنظر للعالم الإسلامى على حدودها كخطر يهدد أمن الدولة السوفيتية وترابط نسيجها، والمصالح الروسية تقف على طرفي  النقيض مع الإشتراكية المتنامية التي تغذيها القومية والسيادة الجغرافية والتى يتم تحريكها ودفعها أحياناً من قبل الإسلاميين المتشددين المتطرفين مما يؤدي إلى إضعاف قوة الأقلية الروسية في الجمهوريات المستقلة، ومازال هذا التصور بوجود خطر قادم من الجنوب يهدد دائما المصالح الروسية ووجودها، أو يتنامى خطر ازدياد نفوذ الأصولية الإسلامية في  المنطقة، لذلك تم التأكيد على ضرورة الأمن في  الحدود الجنوبية، وتم إرسال  قوات روسية إلى المنطقة بهذا الغرض بعد عودة الإستقرار إلى المنطقة أوصى أنصار الرؤية الأوروآسيوية، بأنه لا يجب معارضة الإسلام بشكل كامل، بل يجب الحفاظ على وضعه في  المنطقة والتحكم فيه والتقليل من تسلله ونفوذه بقدر الإمكان، ومن ناحية أخرى سادت بين أصحاب التوجه نحو الغرب نظرية مفاداها أن الغرب نظراً للمصالح المشتركة مع روسيا فسوف يساعد روسيا وغيرها بالقوة لتحجيم الخطر الإسلامى نيابة عن العالم الغربى، وبناءاً على ذلك فإن روسيا تتبع مايسمى “بنظرية مونروسكي الجديدة” والتى تنص على إتخاذ ما يسمى بالتهديد الإسلامي كذريعة لشرعية وأحقية التدخل بكل السبل في  نفوذها السابق، والسياسة الخارجية الروسية تعمل للتأكيد على تحقيق هدف رئيسي وهو ألا يصل الإسلام السياسى إلى درجة من القوة والانتشار بحيث يعرض مصالحها للخطر أو يوجه ضربة ساحقة للنفوذ الروسي.

وبالتالي عملت روسيا على التواجد المكثف سياسيًا وعسكريًا في  الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، فمنطقة القوقاز منطقة مهمة جيوسياسيًا بالاستراتيجية الأمنية الروسية، وترى روسيا في التخلي عن جمهوريات شمال القوقاز هو تخلي عن القوقاز بأكمله، وابتعاد السياسة الروسية عن القوقاز يعنى إبتعادها عن مناطق بالغة الأهمية في  الصراع الدولى على رأسها منطقة الشرق الأوسط خاصة إيران وتركيا وآسيا الوسطى والعالم العربى، وتُرجع تواجدها العسكري والسياسي إلى التخوف من سيطرة التطرف الفكرى في  منطقة شمال القوقاز، الأمر الذى قد يؤدى إلى إقامة إمارة القوقاز الإسلامية بشكل رسمى، وهو ما يهدد الحدود الجنوبية لروسيا .

كما أنه إذا استقلت دول شمال القوقاز سيؤدى إلى تغيُّر السياسة العرقية في  تلك المنطقة بعد هجرة ونزوح العرقيات الأخرى غير المسلمة، وظهور مشكلة تأمين وحماية ما يزيد على مليونين ونصف المليون روسى يقطنون منطقة القوقاز، فضلا عن أن الحدود الروسية ستتقلص بنحو 400 كم2 .

ففي  ظل هذا الواقع يصبح الحديث عن روسيا في  ظل العولمة أو بدونها بالنسبة للعالم الإسلامى هو صيرورتها وكيانها الأوروآسيوى، فأسيا الوسطى والقوقاز ما هو إلا إمتداد طبيعى وتاريخى وثقافي  لروسيا، كما أن روسيا إمتداد له بالقدر ذاته، فالظاهرة الإسلامية هى جزء من تاريخ الشعوب الإسلامية من جهة، وجزء من تاريخ الدولة الروسية من جهة أخرى.

و أدّى تدفق المهاجرين المسلمين من آسيا الوسطى والقوقاز إلى نشوء تفسيرات أكثر تحفّظاّ حيال الإسلام في روسيا، من خلال الترويج والإهتمام بالإسلام كمكون أساسي في  روسيا سواء على ألسنة القادة أو بوسائل الإعلام الرسمية.

وكما لدى النظام السياسي بروسيا تخوف من الإسلام السياسي، هناك بالمقابل تخوف و قلق من جانب المسلمين في  روسيا وجمهورياتها من سياسات الكرملين، فالمسلمين اتّجهوا إلى الإسلام على نحو متزايد بسبب شعورهم بالإحباط من سياسات الكرملين، والتي عجزت حتى الآن عن تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأقليّة المسلمة في روسيا. والتدين ليس هو المشكلة في  صعود القومية الإسلامية، ففي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية من التتار، على سبيل المثال بدأ ينمو فيها منذ العام 2012 مستوى التدّين الذي كان منخفضاً لدى هذه المجموعة أي أن هذه المنطقة لم يكن بها نزعة قومية إسلامية من قبل.

وعلى الرغم من أن المسلمين في  روسيا هم من أهم المكونات الثقافية الراسخة في  تلك البلاد، وعلى الرغم أيضاً من إدراك  قياداتها الحالية لهذه الحقيقة، حيث عبر عنها الرئيس بوتن في  ماليزيا، عندما أكد على “أن الإرهاب يرتبط بأفراد وليس بالأديان” ولكن كان قوله في  سعيه لكسب عضوية منظمة المؤتمر الإسلامى”، إلا أن المسلمين لم يحصلوا على حقوقهم السياسية والثقافية كما ينبغي إلى الآن، فلا توجد استراتيجية صريحة للإدماج السياسي والثقافي للمسلمين داخل روسيا، فما زالت روسيا لم تخط خطوة جدية ملموسة، ويمكن إرجاع السبب لعدة معوقات منها جماعات الضغط والمصالح والتي لا تريد أن يكون للمسلمين الروس دورًا وشأنًا سياسيًا بروسيا.

لكن هذا التخوف من قبل الجانبين له أسبابه وتداعياته فروسيا تتخوف من الإسلام  لأسباب غياب المرجعية، مما يجعل القيادة الروسية تواجه مشاكل عدة، إذ أن مختلف الهيئات والمنظمات الإسلامية لا يعترف بعضها ببعض في  ضوء إختلاف المذهبية، وبالتالي ليس هناك موقفًا إسلاميًا موحدًا ومنظمًا حتي يتم تقديم مطالبهم بطريقة فعالة ومؤثرة وقابلة للتنفيذ من قبل الحكومة الروسية، المشكلة الثانية الحاكمة باستمرار لمسألة تأجيج النزاع بين المسلمين والسلطات الروسية، هى المعطيات التاريخية التى لا تحركها المجتمعات العقلانية الحديثة، فمثلا الحديث عن صراع الحضارات الذى كتب عنه صموئيل هنتجتون، فالحل لهذه المعضلة هو الحوار.

الإسلام والسياسة الخارجية الروسية بالسنوات الاخيرة

سياسات روسيا تجاه القوقاز وآسيا الوسطى.

بشكل عام فقد استفادت روسيا من دروس الماضى ولم تعد تهتم فقط بالأبعاد العسكرية وأضحت تعطى الأولوية للشراكات الاقتصادية، إنطلاقاً من أن العلاقات الاقتصادية القوية تمثل قاعدة صلبة للتعاون الاستراتيجى الواسع، وحماية النفوذ الروسي في  المنطقة، وتركز روسيا في  هذا الإطار على الشراكة والاستثمارات المشتركة في قطاع الطاقة ففي عام 2002، تم تأسيس مؤسسة “كازروس جاز” المشتركة بين روسيا وكازخستان، وفي عام 2004، تأسس اتحاد شركات روسي–أوزبكي لاستثمار حقول الغاز الأوزبكية، كما تم توقيع اتفاقية لتوريد الغاز التركماني عبر شركة “غازبورم” الروسية حتى عام 2028، وإتفاق لمد خط غاز جديد من تركمنستان إلى أوروبا عبر الأراضى الروسية نحو بلغاريا واليونان.

كما أن روسيا شريك تجاري مهم لدول المنطقة، وتمثل التجارة معهم أكثر من 60% من إجمالس تجارة كازاخستان، و29%من تجارة أوزباكستان، ونحو 25% من حجم التجارة الخارجية القيرغيزية، ويمثل الاتحاد الجمركي، والمجال الاقتصادي الموحد الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان ومن المرشح أن تنضم إليه قيرغيزستان، نقطة انطلاق مهمة يعدها بوتن نواة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو مشروع طموح يهدف إلى ضم الجمهوريات السوفيتية السابقة في إطار اتحاد اقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي من دون المساس بالإستقلال القومي والسياسي لهذه الجمهوريات. (مع العلم أن روسيا عملت على أن تكون حكومات هذه الجمهوريات المستقلة تابعة لموسكو وتنتهج النظام  السياسى ذات الحزب الواحد الشيوعى وبالتالي ربطت روسيا واحتوت تلك الجمهوريات سياسًا واقتصاديًا).

نظرة روسيا لثورات الربيع العربي:

أن الكرملين لم يُعِرْ الربيع العربي الكثير من الاهتمام عندما اندلع لأول مرة، معتبراً أن الشرق الأوسط و”الإسلامية” الروسية قضيتان مختلفتان، لكن مع صعود الإسلام السياسي في معظم دول الربيع العربي إن لم يكن كلها، نظر صنّاع القرار في روسيا إلى التطورات الإقليمية بقدر أكبر من القلق من الحكومات الأميركية والأوروبية الغربية، على الصعيد المحلي، كانت الدولة الروسية تخوض صراعاً مع القوميين من مناطق عدة ذات أغلبية مسلمة على مدى أكثر من عقدين، وفي الوقت نفسه، برزت الأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط كأكبر مستفيد من الربيع العربي، ويتساءل المسؤولون الروس عما يعنيه ذلك بالنسبة إلى علاقتها مع الأقليّة المسلمة في روسيا.

فمثلت هذه الثورات مصدر قلق وترحيب على التوالى لروسيا، كان مصدر القلق وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في بعض دول الثورات، مع خشية روسيا من انتقال شرارة الثورات إليها، خاصة أن هناك تاريخاً من الصراع الروسي مع جماعات الإسلام السياسي، في  الشيشان وأفغانستان وأيضا تعداد المسلمين بها؛ وما جعل البعض كالمفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة يتنبأ من خلال الإحصائيات أن المسلمين  سيحكمونها عام 2050، كل هذا يؤدى حتما إلى قلق متزايد وهواجس لدى متخذي القرار وصانعي السياسة الخارجية الروسية، ففي حالة مصر علي سبيل المثال وصعود تيار الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية المتمثل في حزب الحرية والعدالة، سبب ذلك مصدر عدم ارتياح وقلق لدوائر صنع القرار في العاصمة الروسية نظراً لما أعدوه من مواقف الجماعة السابقة في تقديم يد الدعم للحركات الانفصالية في الشيشان وشمال القوقاز، والذي يُعد خطاً أحمر يمس صميم الأمن القومي الروسي، وهو ما يفسر موقف موسكو من زيارة الرئيس مرسى آنذاك من عدم استقبال الرئيس بوتن له وعدم توريد القمح لمصر أيضًا، واستمرار هواجس الروس من تأثير نجاح الإخوان في مصر ومردود ذلك على منطقة شمال القوقاز، التي شهدت في الفترة الأخيرة نمواً غير مسبوق في جماعات الإرهاب الإسلامي ونشاطاتها، وكانت العملية الانتحارية التي شهدتها إحدى محطات مترو الأنفاق في روسيا في شهر مارس 2010 ثم العملية الثانية بمطار مديفيديف الدولي بموسكو في العام التالي بمثابة إعلان حرب بدلت من سلم أولويات القيادة الروسية حيث صدرت ملف الإرهاب الإسلامي الأصولي إلى صدر القائمة .

ولهذا كان الترحيب بأحداث 30 يونيو له أسبابه العدية التي من أهمها إزاحة أحد مصادر الخطر على الأمن القومى الروسى متمثلا في نظام حكم ذي توجهات إسلامية أصولية.

((ففي منطقة الشرق الأوسط الكبير المعلومات عن روسيا غير كافية، والناس بمختلف مستوياتهم يحملون عن روسيا وجهة نظر مسبقة وغير واضحة، وينطبق الشيء نفسه بالنسبة لموسكو ونظرتها للعالم الإسلامي. أما في الأروقة التي تحاك فيها السياسة الخارجية، بما في ذلك العلاقة مع العالم الإسلامي، فليس هناك فهم كافٍ لمفهوم البلدان الإسلامية الحديثة، ولمنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الإسلامي العالمي بأسره، كما لا يوجد فهم لكيفية الاستفادة من كل هذه الدول المنتشرة على نطاق العالم بأسره. والمسلمين الروس يشتكون في هذا الصدد من نشاط بعض الطبقات السياسية والتجارية والجماعات التي تعارض تطوير العلاقات مع العالم الإسلامي، جماعات الضغط واللوبيات المرتبطة بالبيروقراطية الروسية موجودة بالفعل وتحول دون تنفيذ هذه المبادرة، ولكنها ليست على كلمة سواء، فهي تقوم بهذه التحركات لأسباب مختلفة، وتترك الموقف سلبيًّا ثم يقوم أصحابها بإجراءات سياسية ذات صلة. ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية ليست فيهم، ولكن في المسلمين أنفسهم الذين لا يملكون لوبيًّا مماثلاً يحقق مصالحهم، وهو ما يؤثر سلبًا على الوضع. ويحتل العالم الإسلامي اليوم كشريك لموسكو المرتبة الثالثة بعد الغرب والصين، وربما يكون الشيء الإيجابي هو نظرتهم لروسيا في المقام الأول كقوة موازنة لسياسات الولايات المتحدة)).

الخلاصة:

إن الإسلام كان وما زال من أهم ركائز ومكونات المجتمع الروسي، ولا يمكن إغفال دورهم ومعاناتهم تحت حكم القياصرة ومن بعدهم السوفيت وحتى الآن على الرغم من اتباع سياسات تعترف بهويتهم وثقافتهم وحقوقهم؛ إلا أنها لم تتحقق بشكل واقعي ضمن سياسات ونهج معلن.

وحتى مع تطور العلاقات الروسية مع العالم الإسلامي، كتطور العلاقات العربية-الروسية مؤخرًا كالعلاقات مع المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات، أو دولًا إسلامية كتركيا وماليزيا، فإن الإدارة الروسية ما زالت لا تحمل رؤية استراتيجية واضحة تجاه الإسلام وكيفية تطوير علاقاتها مع العالم الإسلامي باستغلال عنصر الهوية الإسلامية وأن المسلمين بروسيا هم ثاني أكبر أقلية، والواضح أيضًا بجانب عدم وجود رؤية خارجية روسية تجاه العالم الإسلامي، فبالداخل أيضًا لا توجد سياسة واضحة على أرض الواقع تجاه المسلمين الروس، بل أن السياسات الروسية لا تهتم بأراء ومشاعر المسلمين الروس تجاه العالم الإسلامي، جعلت المسلمين الروس في  حالة مستمرة من عدم الثقة بسياسات الكرملين، كما ينتاب المجتمع الإسلامي الروسي حالة من عدم التنظيم وعدم وضوح للرؤية حتى تكون لهم قوة سياسية ضاغطة تُحترم.

——————————–

لمياء محمود الباجوري – باحثة ماجستير – جامعة القاهرة

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى