القاموس السياسيدراسات سياسية

الإقتراب المؤسسي – Institutional Approach – Institutional analysis

ارتبط تطور التحليل السياسي بتطور طرق البحث من مرحلة إلى أخرى. فانتقل من المرحلة التقليدية التي تميز فيها البحث بطرق ووحدات تحليل أضفت عليه الطابع الشكلي التأملي الوصفي غير المقارن إلى المرحلة الحديثة والتي تميز فيها البحث بفصل الواقع عن القيم الموضوعية واستعمال المناهج الكمية والكيفية واستعمال النظريات والاقترابات التي تستعمل كإطار لتصنيف و تحليل عدد كبير من المعلومات حول مختلف النظم السياسية؛ فالاقتراب هو وسيط بين الباحث وبين الظواهر المختلفة تعين على تفسيرها استناداً إلى المتغيرات أو المتغير الذي نرى أنه يملك قدرة تفسيرية أكثر من غيره، و عليه سنتناول في بحثنا هذا الاقتراب المؤسسي الذي هو أحد أهم الاقترابات التي حللت الظواهر المختلفة .

الإطار المفاهيمي للإقتراب المؤسسي

لتوضيح مفهوم الاقتراب يتوجب علينا شرح مفهوم الإقتراب أولاً ومن ثم المؤسساتية، لنصل إلى مفهوم الأقتراب المؤسسي بمعناه الكامل؛ وعليه نجد أنه قد تعددت الآراء و تباينت في تعريف الاقتراب و تحديدها إلا أنها أجمع اجتمعت فيما بينها بأنها المدخل الذي يستخدم للإشارة إلى المعايير المستخدمة في انتقاء الأسئلة التي تطرح والضوابط التي تحكم؛ بغية اختيار موضوعات ومعلومات معينة أو استبعادها من نطاق البحث. كما يستخدم الاقتراب كإطار لتحليل الظواهر السياسية والاجتماعية ودرايتها، ويساعد الباحثين والمحللين على تحديد الموضوعات الأكثر أهمية وإيضاح جوانبها الأساسية،  ويعينهم على الكيفية التي يعالجون بها موضوعاتهم.

فالاقتراب يعبر عن تأثير ما للباحث على عملية البحث وتتعدد وجوه هذا التأثير وأشكاله وتعابيره، لذلك قد يكون الاقتراب كمصطلح صالح للدلالة على هذا التأثير كوننا حددناه على أنه الزاوية التي ينظر منها الباحث إلى موضوعه.

و الاقتراب هو طريقة للتقرب من الظاهرة المعنية بعد اكتشافها وتحديدها وذلك بقصد تفسيرها وبالاستناد إلى عامل أو متغير كان قد تحدد دوره من وجهة نظر الباحث في حركة الظاهرة سلفاً.

و تتعدد الاقترابات بتعدد الزوايا التي ينظر منها كل باحث للظاهرة، فضلاً عن إختلاف الخلفية الفكرية  المعرفية والفلسفية لكل واحد منهم، وسبب تعقد الظاهرة السياسية، لذلك من المستحسن أن تتكامل الاقترابات التي تستخدم في دراستها، حتى يمكن تقليب الظاهرة على جميع جوانبها بغية السيطرة على خفاياها و الوصول إلى أعماقها، فالسعي إلى إدراك الظاهرة و فهمها يتطلب منا تلمس جميع المسالك الموصلة إليها، بغض النظر عن فلسفتها بطبيعة الظاهرة السياسية.

أما في مفهوم المؤسسة فهي مجموع المظاهر والأنماط السياقية التي تمثل الخيارات الجماعية والتي تحدد وتقيد وتعطي الفرص للسلوك الفردي، وقد عرفها صموئيل هنتغتون بأنها “أنماط من السلوك الثابت و المقيم و المتواتر بين الأفراد”، فالمؤسسة هي الكيان الذي يضم العديد من الأشخاص مثل مؤسسة عامة أو جامعة خاصة و يكون لديها هدف جماعي يرتبط ببيئة خارجية كما أن المؤسسة هي شيء شديد الأهمية عند القيام بالعديد من المشاريع الجماعية. وكذلك هو الأمر بالنسبة للمؤسسات السياسية التي تعتبر مجموعة العناصر التنظيمية الرسمية ذات العلاقة بالنظام السياسي والتي تشمل المؤسسات التشريعية، التنفيذية، القضائية، والمؤسسات البيروقراطية.

تعريف الاقتراب المؤسسي:

 يقصد بالتوجه المؤسسي أو الاقتراب المؤسسي مجمل النظريات في حقل السياسة المقارنة و في العلوم السياسية بصفة عامة و التي تعطي أهمية للمؤسسات في تحديد السلوكيات و المخرجات السياسية، على اعتبار أن المؤسسات تمثل تغيرا مستقلا يؤثر على تحديد من هم الفاعلون الذين يسمح لهم بالمشاركة في الساحة السياسية، تحدد نمط الاستراتيجيات التي ينتجونها، تؤثر على الخيارات و المعتقدات التي يتبنونها حول الممكن و المرغوب فيه.

مراحل تطور الاقتراب المؤسسي

ظهر الاقتراب المؤسسي كرد فعل على الاقتراب التاريخي و القانوني حيث أدرك العديد من علماء السياسة أن الظاهرة السياسية هي أكثر من مجرد الأبعاد القانونية و الدستورية و ن ثم حدث تحول  الاهتمام منصبا على دراسة الحقائق السياسية كما تركز الدراسة في هذا الاقتراب على المؤسسة كوحدة للتحليل، و قد مر هذا الاقتراب بمرحلتين هما:

  1. المرحلة التقليدية: هي المرحلة التي كان الاهتمام فيها منصبا على الدولة و مؤسساتها التشريعية و التنفيذية و القضائية و كانت الدراسة تطبع بالطابع الشكلي الذي يهتم بالمؤسسات الرسمية و تغلب فيه النظرة الوصفية و التاريخية و الدستورية، و يتجاهل هذا الاقتراب عموما السلوك السياسي و السياق الاجتماعي و الأيديولوجية التي تتحرك فيها المؤسسات، كما يتجاهل الفاعلين غير السميين كالطبقات الاجتماعية و القوة السياسية، و ظلت هذه المرحلة حتى بلوغ المدرسة السلوكية.
  2. المرحلة الحديثة: هي المرحلة التي انبعثت فيها المؤسسة الحديثة أو التاريخية، و لئن ظهرت بعض بذورها في أواسط الستينات على يد العالم السياسي الأمريكي صمويل هنتغتون و ذلك في كتابه الشهير النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة إلا أن عودة المؤسسة الحديثة برزت جليا في الثمانينات حيث تم التركيز على المؤسسات غير الرسمية، و بالسلوك الاجتماعي و السياق الاقتصادي و الأيديولوجي الذي يتحرك فيه الأفراد، و تم تفادي الدراسات القانونية.

خصائص الإقتراب المؤسسي

للاقتراب المؤسسي بشقيه التقليدي و الحديث خصائص عديدة نطرح من بينها ما يلي:

  • تحليل الظاهرة السياسية بشكل عميق و من مختلف الجوانب.
  • تصنيف معنى و وظائف المؤسسة.
  • الاهتمام بالتحليل القيمي للمؤسسات.
  • الاهتمام بالجانب الرسمي و غير الرسمي للمؤسسات.
  • غلبة الطابع المؤسسي القانوني.
  • التصنيف الشديد في إطار المقارنة و الاقتصار على النظم الغربية في أوروبا “بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، و الولايات المتحدة الأمريكية”.
  • الاهتمام بتطور المؤسسات عبر التاريخ.
  • اعتبار المؤسسة وحدة أساسية للتحليل.
  • القدرة على دراسة المؤسسة كوحدة واحدة أو مجزأة إلى عدة وحدات.

معايير قياس الاقتراب المؤسسي:

لقد تعددت الدراسات التي تناولت المؤسسات و الأطر النظرية و التحليلية التي يستخدمها الباحثون فقد اهتم هنتغتون بدراسة المؤسسات و أبعادها و أنماطها و آثارها و وضع مقاييس تعتمد على مؤشرات معينة لتحديد تلك الأنماط و المستويات، حيث حدد أربعة مقاييس لقياس مستوى المؤسسة و هذه المعايير هي:

  1. التكيف: و يقصد به قدرة المؤسسة على الاستجابة على التأثيرات الداخلية و الخارجية و مواجهتها من خلال ترتيبات معينة كإحداث تغييرات في الأشخاص أو الوظائف، و تقاس هذه القدرة باستخدام المؤشرات التالية:

    – العمر الزمني: فكلما كان عمر المؤسسة طويلا كانت أقدر على التكيف و العكس صحيح، بل أن المؤسسة الأكثر رسوخا في القدم هي أكثر تأثيرا و بشكل إيجابي في تعزيز كل من أداء الدولة و استقرارها.

    – العمر الجيلي: و يتعلق بالتغيرات في القيادة العليا للمؤسسة و مدى تعبيرها عن التغير الجيلي، أي هل انتقلت القيادة سلمياً من جيل إلى جيل، فالمؤسسة التي يتم فيها الانتقال وفقا لقواعد مقررة و بشكل هادئ وسلمي هي أقدر على التكيف من المؤسسة التي تتم فيها عملية الانتقال للقيادة بصورة عنيفة و دموية، أو يحدث التغيير القيادي في إطار الجيل نفسه.

    – التغير الوظيفي: هل تغير المؤسسة في مهامها الرئيسية؟ فالمؤسسة التي تغير من وظائفها أكث قدرة على التكيف من التي تعجز عن ذلك.

  2. التعقيد: بمعنى أن تظم المؤسسات مجموعة من الوحدات المتخصصة و تقوم بمجموعة من الوظائف التي تكفل لها الاستمرار، و يقاس التعقيد بالمؤشرين التاليين:

    – درجة تعدد وحدات المؤسسة و تنوعها

    – درجة تعدد وظائف المؤسسة و تنوعها.

  3. الاستقلالية: و تشير إلى مدى حرية المؤسسة في العمل وتقاس بـ:

    – الميزانية: هل للمؤسسة ميزانية مستقلة، و هل لها حرية التصرف فيها أم لا؟، فكلما تمتعت المؤسسة باستقلالية كلما أمكن وصف النظام السياسي بأنه نظام مؤسسات، وفي المقابل كلما كان النظام السياسي من خلال مؤسساته تابعاً وخاضعاً لنفوذ فئات اجتماعية، عائلية، عشائرية…الخ، كلما أمكن الحكم عليه بأنه ينقصه الحكم الذاتي، وأنه يعكس ممارسة عالية من الفساد السياسي.

    – شغل المناصب: إلى أي حد تتمتع المؤسسة بالاستقلال في تجنيد أعضائها؟.

  4. التماسك: و يقصد به درجة الرضا والاتفاق بين الأعضاء داخل المؤسسة، و يقاس بالمؤشرات التالية:مدى انتماء الأعضاء للمؤسسة.

    مدى وجود خلافات داخل المؤسسة، و ما إذا كانت تتعلق بمبادئ المؤسسة و بأهدافها أو بقضايا هامشية.

    مدى وجود أجنحة داخل المؤسسة.

استخدامات الاقتراب المؤسسي

يقوم هذا الاقتراب على شرح و تفصيل وصفي للمؤسسة، ثم إجراء مقارنة بين المؤسسات من حيث التشابه والاختلاف، سواء داخل الدولة أو بين الدول من خلال التركيز على المحطات التالية:

  1. الهدف من تكوينها: هل تأسست بقصد تحقيق غرض عام أو من أجل تحقيق مكاسب خاصة، و هل القصد بها تحقيق الفاعلية في الأداء، أو لمجرد إضفاء شرعية زائفة.
  2. مراحل تطورها: و ما هي العوامل التي كانت لها الأدوار الحاسمة و التأثيرات الكبيرة في شكل المؤسسة و أدائها، و هل التطور الذي لحق بالمؤسسة كان بفعل نضجها و تطورها الطبيعي، أو بسبب ثورة، أو بفعل عوامل اقتصادية و اجتماعية و ثقافية.
  3. تجنيد الأعضاء في المؤسسة: الملاحظ أن عملية التجنيد تختلف من مؤسسة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، والتجنيد قد يتم عبر الانتخابات أو التعيين أو الجمع بينهما.
  • الوسائل التي تستخدمها المؤسسة من أجل الحفاظ على بقائها.
  • هياكل المؤسسة و أبنيتها أي مما يتكون هيكل المؤسسة.
  • علاقة المؤسسة بغيرها من المؤسسات.
  • اختصاصات المؤسسة حسب ما ينص عليه الدستور و القانون.
  • الثقل النسبي للمؤسسات من حيث الأهمية و الفاعلية و القوة و التأثير.
  • التنظيم الداخلي للمؤسسة و توزيع الأدوار فيها.
  • وظائف المؤسسة و أهميتها.
  • المدى الزمني الذي تستطيع أن تمارس فيه المؤسسة عملها.
  • البناء الداخلي و الهيكل الخارجي للمؤسسة.

تقييم الاقتراب المؤسسي

يحتوي الاقتراب المؤسسي العديد من السلبيات و الايجابيات تتمثل فيما يلي:

السلبيات:

  1. لا يقدم اقتراب منسق يسمح بالمقارنة.
  2. يخرج التخصص من العلوم السياسية إلى إدخال علم الاجتماع و التاريخ.
  3. عدم الربط بين المؤسسة و أعضائها حيث أن هذه العلاقة تكاملية و مجرد الفصل بينهما يعتبر تشويه للواقع.
  4. عدم صلاحية هذا الاقتراب لدراسة نظم الحكم في المجتمعات البدائية التي تخلوا من المؤسسات السياسية الحديثة.
  5. أن الاقتراب المؤسسي يصف المؤسسات دون بيان أنماط التفاعل داخل كل مؤسسة على حدى.

الايجابيات:

  1. الاهتمام بالجانب الرسمي بالإضافة إلى الجانب غير الرسمي.
  2. الديناميكية بدلا من الثبات.
  3. التركيز على الجانب القيمي و قواعد السلوك داخل المؤسسات.

من خلال تطرقنا لهذا البحث حول الاقتراب المؤسسي الذي يعتبر أن المؤسسة هي الوحدة الأساسية للتحليل، حيث يستخدم في تحليل الدراسات السياسية وذلك بوصفه المؤسسات السياسية للدولة والهدف من تكوينها ومراحل تطورها، حيث أنه يولي أهمية كبيرة للأبنية والهياكل حيث يعتبر هذا الاقتراب أن المؤسسة تغير مستقل يشكل البنية السياسية ويؤثر فيها وأن لها دور كبير في البناء السياسي، وعموماً فإن الاقتراب المؤسسي يرى أن السياسة هي نتاج المؤسسات التي تستطيع أن تؤثر بشكل كبير في العملية السياسية.

المصادر والمراجع:

محمد شلبي، منهجية التحليل السياسي. الجزائر: كلية الحقوق و العلوم السياسية، 1999.

عبد العالي عبد القادر، محاضرات في النظم السياسية المقارنة.الجزائر: جامعة سعيدة مولاي الطاهر، 2008.

سمية فلو عبود، مترجما، النظام السياسي لمجتمعات متغيرة. بيروت: دار الساقي، 1993.

وفاء لطفي، محاضرات في نظرية النظم السياسية. مصر: جامعة ستة أكتوبر، 2016.

محمد نصر عارف، ابستيمولوجيا السياسة المقارنة: النموذج المعرفي، النظرية، المنهج. ب،ب،ن: المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، 2002.

ميلود عروس، “معوقات الممارسة السياسية في ظل التعددية في الجزائر 1990-2006 مقترب تحليلي تقسيمي”. مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2010.

أحمد عزت محمد، تعريف المؤسسة. الموقع الالكتروني، com .3mawdoo ، تم التصفح يوم:2016/10/21، 14:40.

المصدر: الموسوعة السياسية

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى