یتناول الكتاب بمنھج تحلیلي بدیع وتمحیص نظري رصین الفرضیات والحلول التي أبدعتھا الأدبیات السیاسیة الغربیة الكلاسیكیة في مسعاھا للإجابة عن سؤال: أین تكمن أسباب الحرب ودوافعھا؟ فتحقیق السلام ینطوي على فھم لأسباب الحرب ومثل ھذا الفھم ھو محور الكتاب. وقد استوفى المؤلف شروط الموضوعیة بتجشمھ عناء الجرد المنھجي “لمستودعات المعرفة” في الفكر السیاسي الغربي الكلاسیكي. وبما أن الكتاب یرسي ما یُسمى “مستویات التحلیل” التي استُإدمت لاحقاً في تفسیر الصراع في النظام الدولي، فإنھ یمتاز في أنھ یؤسس لنظریة في السیاسة الدولیة، وإن كان الكتاب نفسھ لیس نظریة بحد ذاتھ. یقسم المؤلف الكتاب إلى “مستویات تحلیل” یُطلق علیھا تسمیة “تصورات” بوَّب
ضمنھا مواطن أسباب الحرب، وھي: الفرد، والدولة، ومنظومة الدول التي تَعُمّھا الفوضى (أناركي) بما ھي انتفاءُ حاكمٍ أعلى فوق الدول؛ ھذه العناوین تمثلھا الفصول الثاني والرابع والسادس على التوالي، حیث یعالج المؤلف كل تصور من خلال القوالب التقلیدیة في الفلسفة السیاسیة والنظریة السیاسیة. أما الفصول الثالث والخامس والسابع فتوضح بالأمثلة والشواھد التاریخیة كلاً من التصورات الثلاثة. والفصل الثامن مقالة موجزة حول العلاقة المتبادلة بین تلك التصورات الثلاثة، وخاتمة للكتاب في الوقت نفسه.یعالج التصور الأول عدداً من مقولات المتقدمین والمعاصرین الذین یشتركون في أن طبیعة الفرد الأنانیة والعدوانیة مصدر المآسي البشریة، بما فیھا الحرب، التي یكون اجتثاثھا عبر النھوض بالفرد وتنویره، وھو ما نادى بھ القدیس أوغسطین ومارتن لوثر ومالتوس وجونثان سویفت ورینولد نیبور وسبینوزا وغیرھم. وھنا یفحص المؤلف
منطق ارتباط، أو عدم ارتباط، التشخیص بالعلاج. ویذھب التصور الثاني إلى أن الإنسان یولد محایداً فھو نتاج مجتمعھ، والمجتمع لا یمكن فصلھ عن الكیان السیاسي، فالكیان السیاسي الصالح یجعل الناس صالحین، والكیان الفاسد یجعلھم فاسدین. وعلیھ، فإن التنظیم الداخلي للدول ھو سبب الحرب أو السلم، ولیس طبیعة الإنسان. وھنا یناقش مقولة “السلامُ أنبلُ أسبابِ الحرب” التي بحثھا ضمن ما كان یُطلَق علیھ خطأً “نظریة السلام الدیمقراطي”، حیث حذر من مخاطر
النزعة التدخلیة التي یرى دُعاتُھا أن الدیمقراطیات تمثل الشكل الوحید للدولة المسالمة، الأمر الذي یبرر اللجوء إلى كل الوسائل لجعل الدول الأخرى دیمقراطیة. وقد شكك المؤلف في صحة ھذه الفرضیة عبر الاستشھاد بمرجعیة جان جاك روسو. ومما تمس حاجة القارئ العربي إلیھ، وبخاصة في ظل ما یجري الیوم، معرفة الذھنیة التي یصف المؤلفُ من خلالھا العلاقة الثنائیة المربكة ما بین الحریة التي تفضي إلى فوضى ومن ثم حرب تھدد الأرواح، وبین السلام في ظل طغیان نظام یسلب الحریة. وھنا یصیغ المؤلف بجلاء بعضاً من أھم جوانب المشكلة التي تعالجھا التصورات الثلاثة: ففي أوقات السلام یتساءل الناس: ما قیمة الحیاة دون عدالة أو حریة؟ الموت خیر من حیاة الذل والعبودیة. ولكنھم في فترات القلاقل الداخلیة والحروب الأھلیة وانعدام الأمن یتساءلون: ما نفع الحریة بدون سلطة توطد الأمن وتحفظھ؟ وھنا یصبح
للحیاة أولویة على العدالة والحریة. فإذا كانت الفوضى بدیل الطغیان، وكانت تعني حرب الكل ضد الكل، فإن الرغبة بإدامة الطغیان وتحمل سلبیاتھ تصبح أمراً مفھوماً نظراً لأن أحداً لیس بمقدوره أن یتمتع بالحریة في غیاب النظام.
ووفق التصور الثالث تكمن أسباب الحرب في منظومة الدول نفسھا، لا في الإنسان ولا في التنظیم الداخلي للدول. فطالما أنھ لا یوجد في فضاء “المجتمع الدولي” سید أعلى فوق الدول فسوف تبقى البیئة الدولیة فوضویة، وبالتالي ستبقى الحرب ملجأً لحل النزاعات بین الدول. وھنا یعتمد المؤلف اعتماداً مركزیاً على فلسفة جان جاك روسو في بسط تصوره.
في ظل ذلك كلھ، یغدو الصراع، الذي یُفضي أحیاناً إلى الحرب، أمراً محتوماً، فتضطر الدول إلى الاعتماد على قدراتھا الذاتیة، وتصبح فعالیة تلك القدرات ھي الشغل الشاغل لھا، وتضطر كل دولة لأخذ حیطتھا من بقیة الدول.
على الرغم من التغیرات التي وقعت في العالم منذ صدوره، یبقى ھذا الكتاب عملاً كلاسیكیاً یفسر من وجھة نظر غربیة سبب اقتتال البشر والشعوب. ویكاد أن یكون مخططاً توضیحیاً للعقل السیاسي الغربي، إن جاز التعبیر، الأمر الذي یجعل منه ضرورة لكل باحث ومُمارس ولفترة غیر وجیزة، وإن كان من برھان على ذلك فصدور .2006 – 35 ) طبعة من الكتاب في الفترة ما بین 1954 )
ضمنھا مواطن أسباب الحرب، وھي: الفرد، والدولة، ومنظومة الدول التي تَعُمّھا الفوضى (أناركي) بما ھي انتفاءُ حاكمٍ أعلى فوق الدول؛ ھذه العناوین تمثلھا الفصول الثاني والرابع والسادس على التوالي، حیث یعالج المؤلف كل تصور من خلال القوالب التقلیدیة في الفلسفة السیاسیة والنظریة السیاسیة. أما الفصول الثالث والخامس والسابع فتوضح بالأمثلة والشواھد التاریخیة كلاً من التصورات الثلاثة. والفصل الثامن مقالة موجزة حول العلاقة المتبادلة بین تلك التصورات الثلاثة، وخاتمة للكتاب في الوقت نفسه.یعالج التصور الأول عدداً من مقولات المتقدمین والمعاصرین الذین یشتركون في أن طبیعة الفرد الأنانیة والعدوانیة مصدر المآسي البشریة، بما فیھا الحرب، التي یكون اجتثاثھا عبر النھوض بالفرد وتنویره، وھو ما نادى بھ القدیس أوغسطین ومارتن لوثر ومالتوس وجونثان سویفت ورینولد نیبور وسبینوزا وغیرھم. وھنا یفحص المؤلف
منطق ارتباط، أو عدم ارتباط، التشخیص بالعلاج. ویذھب التصور الثاني إلى أن الإنسان یولد محایداً فھو نتاج مجتمعھ، والمجتمع لا یمكن فصلھ عن الكیان السیاسي، فالكیان السیاسي الصالح یجعل الناس صالحین، والكیان الفاسد یجعلھم فاسدین. وعلیھ، فإن التنظیم الداخلي للدول ھو سبب الحرب أو السلم، ولیس طبیعة الإنسان. وھنا یناقش مقولة “السلامُ أنبلُ أسبابِ الحرب” التي بحثھا ضمن ما كان یُطلَق علیھ خطأً “نظریة السلام الدیمقراطي”، حیث حذر من مخاطر
النزعة التدخلیة التي یرى دُعاتُھا أن الدیمقراطیات تمثل الشكل الوحید للدولة المسالمة، الأمر الذي یبرر اللجوء إلى كل الوسائل لجعل الدول الأخرى دیمقراطیة. وقد شكك المؤلف في صحة ھذه الفرضیة عبر الاستشھاد بمرجعیة جان جاك روسو. ومما تمس حاجة القارئ العربي إلیھ، وبخاصة في ظل ما یجري الیوم، معرفة الذھنیة التي یصف المؤلفُ من خلالھا العلاقة الثنائیة المربكة ما بین الحریة التي تفضي إلى فوضى ومن ثم حرب تھدد الأرواح، وبین السلام في ظل طغیان نظام یسلب الحریة. وھنا یصیغ المؤلف بجلاء بعضاً من أھم جوانب المشكلة التي تعالجھا التصورات الثلاثة: ففي أوقات السلام یتساءل الناس: ما قیمة الحیاة دون عدالة أو حریة؟ الموت خیر من حیاة الذل والعبودیة. ولكنھم في فترات القلاقل الداخلیة والحروب الأھلیة وانعدام الأمن یتساءلون: ما نفع الحریة بدون سلطة توطد الأمن وتحفظھ؟ وھنا یصبح
للحیاة أولویة على العدالة والحریة. فإذا كانت الفوضى بدیل الطغیان، وكانت تعني حرب الكل ضد الكل، فإن الرغبة بإدامة الطغیان وتحمل سلبیاتھ تصبح أمراً مفھوماً نظراً لأن أحداً لیس بمقدوره أن یتمتع بالحریة في غیاب النظام.
ووفق التصور الثالث تكمن أسباب الحرب في منظومة الدول نفسھا، لا في الإنسان ولا في التنظیم الداخلي للدول. فطالما أنھ لا یوجد في فضاء “المجتمع الدولي” سید أعلى فوق الدول فسوف تبقى البیئة الدولیة فوضویة، وبالتالي ستبقى الحرب ملجأً لحل النزاعات بین الدول. وھنا یعتمد المؤلف اعتماداً مركزیاً على فلسفة جان جاك روسو في بسط تصوره.
في ظل ذلك كلھ، یغدو الصراع، الذي یُفضي أحیاناً إلى الحرب، أمراً محتوماً، فتضطر الدول إلى الاعتماد على قدراتھا الذاتیة، وتصبح فعالیة تلك القدرات ھي الشغل الشاغل لھا، وتضطر كل دولة لأخذ حیطتھا من بقیة الدول.
على الرغم من التغیرات التي وقعت في العالم منذ صدوره، یبقى ھذا الكتاب عملاً كلاسیكیاً یفسر من وجھة نظر غربیة سبب اقتتال البشر والشعوب. ویكاد أن یكون مخططاً توضیحیاً للعقل السیاسي الغربي، إن جاز التعبیر، الأمر الذي یجعل منه ضرورة لكل باحث ومُمارس ولفترة غیر وجیزة، وإن كان من برھان على ذلك فصدور .2006 – 35 ) طبعة من الكتاب في الفترة ما بین 1954 )