الإيغور قصة معاناة أقلية مسلمة في الصين

د / صالح محروس محمد

ربما لا يهتم المسلمين بحال الأفليات المسلمة المضطهدة في العالم مثل مسلمي بورما والإيغور الصينيين ومسلمي أفريقيا الوسطى ؛ لحالة الشتات الموجود في العالم الاسلامي وعدم وجود  كيان اسلامي يدافع عنهم حتى منظمة العالم الاسلامي غير مسموعة وفعالة في حالة الضعف التي يعاني منها العالم الاسلامي  اليوم . فالإيغور أقلية مسلمة  ترغب في قيام دولة تجمعهم كما كانوا ( تركستان  الشرقية ) وهذا ما لاتريده الصين مما جعلهم لايعطوهم ابسط حقوقهم في ممارسة شعائر دينهم . فما قصة الإيغور وتاريخ مشكلتهم ؟ وما قصة اسلامهم ؟

لقد انتقل الإسلام إلى غربي الصين أواخر القرن السابع الميلادي عن طريق البعثات الدينية ثم بالفتوحات العسكرية لتتأسس قاعدة جديدة للإسلام من منطقة كانت تعرف بـ”تركستان الشرقية”، وظلت هذه المنطقة جزءا من العالم الإسلامي حتى غزو الصين لها عام 1759 ثم عام 1876 . قاد مسلمو تركستان الشرقية عدة ثورات مسلحة لنيل استقلالهم أخفقت بعضها ونجحت أخرى في إقامة دولة مستقلة على غرار ثورتي 1933 و1944، لكن مع قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 أصبحت تركستان الشرقية جزءا من أراضي الصين وأطلق عليها بشكل نهائي اسم “شينجيانغ” . يبلغ عدد سكان الصين مليارا و300 مليون إنسان ينتمي 92% منهم إلى عرق “الهان” أما المسلمون فيبلغ عددهم حوالي 23 مليونا وفق الإحصاءات الرسمية.

ينتمون إلى 10 أعراق بينها شريحتان كبيرتان جدا: “الهُوِي” الذين يتحدثون الصينية وهؤلاء لا يشكلون أي مشكلة لدى الصين فهم موالون سياسيا ومبعثرون جغرافيا ولا يطالبون بالاستقلال و”الإيغور” الذين يمثلون مشكلة الصين وأرقها الدائم، هؤلاء يتحدثون لغة تركية ويطالبون بالاستقلال. سياسات الصين تجاه المسلمين بعد قيام جمهورية الصين الشيوعية عام 1949 أضحى ترويج الإلحاد سياسة عامة للدولة تجاه الأديان وعليه اتبعت الصين عدة سياسات في التعامل مع المسلمين فكانت مرحلة المهادنة والإرضاء بين عامي 1949 و1958 ثم مرحلة تحويل الهوية الإسلامية إلى هوية شيوعية عبر موجة العنف الأولى بين عامي 1958 و1966 ثم لم تفلح تلك السياسات تماما فبدأت الدولة تعطيل الشعائر الدينية ومنع الحج وإغلاق المعاهد الإسلامية أما المرحلة الأخطر فجاءت مع انطلاق الثورة الثقافية ما بين عامي 1966 و1976 فقد جرى ضرب رجال الدين وحرق المصاحف وتدمير المساجد وإغلاقها ويقال إن في بكين كلها لم يبق سوى مسجد واحد ليصلي به الدبلوماسيون، وفي شينجيانغ “تركستان الشرقية” جرى تدمير وإغلاق 97.5% من المساجد لينخفض عددها من 20 ألفا إلى أقل من 500. ومع نهاية السبعينيات وبالتوازي مع الثورة الإسلامية الإيرانية وبدايات الجهاد الأفغاني جاءت مرحلة الصلح فقد أعلنت الصين احترامها لمكانة جميع الأديان وأعادت فتح أكثر من 1900 مسجد في شينجيانغ وحدها بل وساهمت بنفقات إصلاح بعض المساجد وأعادت بعثات الحج والعطلات الإسلامية وكانت هذه المرحلة بداية العصر الذهبي لمسلمي الهُوِي. تتعامل الصين مع مسلمي الهُوي على أنهم المسلمون الحقيقيون تمنحهم كل الحريات الدينية التي يريدون ووصل عدد المساجد في الصين بفضلهم إلى 35 ألف مسجد، أما الإيغور وبقية الأقليات التي لا تعرف تحدث الصينية جيدا وتنتشر في الغالب بإقليم شينيانغ فتفرض عليهم الصين رقابة صارمة وتمنعهم من ابسط حقوقهم وأخذت حملات القمع بحقهم تتصاعد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 فقد توفرت بيئة دولية تتسامح مع أي عنف في مواجهة الإسلاميين.

يُحظر على الإيغور النقاب واطلاق اللحى وأحيانا الحجاب ويُجبرون بشكل دوري على تسليم المصاحف وسجادات الصلاة للسلطات المحلية خوفا من اكتشافها ومصادرتها خلال عمليات الدهم والتفتيش، كما أن الصيام تم منعه مرارا في المدارس العامة والمؤسسات الحكومية. وفي عام 2015 اُجبر أئمة المساجد على على الرقص في الشارع بحجة أن “الله لا يدفع رواتبهم” . جوازات السفر تُعد حلما لمسلمي الإيغور أما أصحاب محلات السلع الغذائية فعليهم بيع الخمور والسجائر خوفا من إغلاق مصادر رزقهم، وإذا دخلت مسجدا في شينجيانغ فقد تجد لافتة تحذر من دخول أي شخص تحت سن 18 عاما! فالحكومة الشيوعية تتعامل مع إسلام الإيغور كما تتعامل منظمو الصحة العالمية مع التدخين فلا يحق لك أن تمارس عبادتك قبل بلوغ سن الرشد! تنسحب الممارسات العنصرية أيضا على النواحي الاقتصادية فالإيغور لا تعليم لهم ولا توظيف بحجة أنهم غير مؤهلين ولا يعرفون الصينية جيدا. إقليم غني لشعب فقير تصنف الصين إقليم شينجيانغ كمنطقة “خاصة” تتمتع بحكم ذاتي نظريا وهو إقليم صناعي يُشكل سدس مساحة البلاد ويساهم بقد كبير في ثروتها ففيه حوالي 80% من إنتاج الصين النفطي و90% من إنتاجها من اليورانيوم، لكن غنى الإقليم لا يعود بالخير على المسلمين الإيغور، فالهان الذين بدأت الصين بتوطينهم في شينجيانغ مند تسعينيات القرن الماضي هم الذين يعيشون الرفاه الحقيقي وبفعل سياسة إغراق الإيغور ببحر من الهان يكاد يصبح الإيغور أقلية في أرضهم التاريخية ليُشكلوا 50% فقط من سكان الإقليم مقابل أكثر من 40% للهان الذين كانو يشكلون في السابق 10% فقط. المقاومة لنيل الحقوق وسط هذا الواقع المؤلم يلجأ الإيغور إلى المواجهة أحيانا فقد شهد شينجيانغ ما بين عامي 2008 و2013 21 حادثة عنف كبيرة بينها خطف للطائرات وهجوم بالسكاكين وتفجيرات انتحارية، في المقابل يفضل بعض الإيغور الهرب من بلدهم والعيش مسالمين في بلاد أخرى أو الالتحاق بجماعات متشددة تنتشر حول العالم. وفي سياق محاولات السلطة كبت الهوية الدينية تتنامى مقاومة فكرية سرية من خلال المدارس الإسلامية التي تزدهر تحت الأرض بعيدا عن أعين السلطات.

الإسلام في الصين عبارة عن إسلامين: إسلام ترضى عنه الصين ويخضع لسلطتها الكاملة وإسلام لا يمكن كبحه بسهولة فيحل عليه الغضب. يبحث الإيغور عن حقهم في الاستقلال والحياة كما يريدون لكن تحل عليهم لعنة ثروة إقليمهم الباطنية التي لن تتخلى عنها الصين في سياق صعودها كقوة اقتصادية عظمى، ورغم علم العالم الاسلامي  الذي يستورد معظم  استهلاكاته من الصين  بمعاناة الإيغور.فلم يستخدم الورقة الاقتصادية  حتى في الضغط على الصين لتخفيف الضغوط على مسلمي الإيغور وبقيت المعاناة المستمرة  لهم .

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button