محمد حمشي
جامعــــــة باتنـــــــة
الـمقدمــة
انحصرت دراسة العلاقات الدولية في التنافس المستديم بين الاتجاهات النظرية الثلاثة: الاتجاه الواقعي والاتجاه الليبرالي والاتجاه الماركسي (أو الراديكالي على حد تعبير Steven Walt)، غير أن الاتجاه الماركسي بقي قابعا على هامش حقل التنظير للعلاقات الدولية، بينما شهد ازدهارا ورواجا واسعين في حقل الدراسات المتعلقة بالاقتصاد السياسي الدولي؛ حيث يسود الاعتقاد بأن كارل ماركس يعتبر أول منظر في الاقتصاد السياسي، وذلك من خلال كسره لشوكة الاقتصاد الكلاسيكي القائم أساسا على الفصل بين ما اصطلح عليه ماركس بالنية الفوقية والبنية التحتية، فقد كرس ماركس جزءا كبيرا من جهده النظري لتجسير الهوة بين البنيتين، وذلك بربطهما معا في إطار “الاقتصاد السياسي”، وقد جادل ماركس مطولا بأن البنية التحتية (علاقات الإنتاج) هي التي تشكل البنية الفوقية (العلاقات السياسية)، وليس العكس.
خلال حقبة الحرب الباردة، تأثر الاتجاه الماركسي بنظام الاستقطاب الأيديولوجي الذي قامت عليه منظومة العلاقات الدولية طوال نصف القرن الماضي، فقد بقي عرضة للاستهجان من قبل أغلب منظري ما يسمى بالتيار المهيمن main stream في العلاقات الدولية، وهو ما جعل منه بديلا “أيديولوجيا” أكثر منه بديلا “تنظيريا” قائما بحد ذاته.
إثر نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، ساد الاعتقاد بنهاية نفوذ الاتجاه الماركسي في التنظير للعلاقات الدولية، على غرار تراجع أطروحاته النظرية على مستوى الاقتصاد السياسي بعد فشلها إمبريقيا في تجربة الاتحاد السوفييتي؛ وهو ما شكل مصدرا للارتباك حال التفكير بدقة حول ما إذا كانت نظرية الاقتصاد الاشتراكي هي التي فقدت بريقها بزوال اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، أم أن الاتجاه الماركسي برمته هو الذي دخل مرحلة الأزمة، إيذانا بتراجع قوته النظرية، على الأقل من الناحية الابستمولوجية.
من هذا المنطلق تبرز لنا الإشكالية التي شكلت محورا للبحث في هذه الدراسة، وهي إشكالية مزدوجة تحاول من جهة الإلمام بفحص الإسهام الماركسي في إثراء حقل التنظير في العلاقات الدولية، وتحاول من جهة أخرى وضع المستقبل التنظيري للماركسية في حقبة ما بعد الحرب الباردة محل المساءلة.
الإشكالية: إلى أي مدى ساهم الاتجاه الماركسي في إثراء حقل التنظير للعلاقات الدولية، وهل يمكن الحديث عن دور لهذا الاتجاه في التنظير للعلاقات الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة؟
الفرضيات:
1- ساهم الاتجاه الماركسي في إثراء حقل التنظير للعلاقات الدولية من خلال التركيز على علاقات التبعية وأهمية العامل الاقتصادي في العلاقات الدولية، ومن خلال كسر الهيمنة الأرور-الأمريكية على التنظير في هذا الحقل.
2- مازال الاتجاه الماركسي يحضى بدور أساسي في تطوير الاتجاهات النظرية ما بعد الوضعية.
المقاربة المنهجية: اعتمدنا في هذه الدراسة مقاربة منهجية مركبة بهدف الاقتراب من فهم الإشكالية المطروحة. تتكون هذه المقاربة من المنهج التاريخي المقارن، مصبوغا بمنطق التحليل الجدلي، وهي مقاربة تتيح لنا فهم التطور التاريخي/السياقي historical/contextual والموضوعي/الجدلي objective/dialectical لأطروحات الاتجاه الماركسي كمنظور قائم بحد ذاته في حقل التنظير للعلاقات الدولية.
للتحقق من مدى صدقية الفرضيات المقترحة، والوصول إلى الإجابة على إشكالية الدراسة، عملنا على تقسيم هذه الدراسة إلى مدخل تمهيدي وأربعة أجزاء. قمنا من خلال التمهيد بتقديم تصور عام للمرجعية الفكرية والفلسفية للاتجاه الماركسي، وذلك بمحاولة الاقتراب من فهم المادية الجدلية dialectical materialism كإطار فلسفي لنمو وتطور هذا الاتجاه؛ ثم تناولنا في الجزء الأول أهم النظريات الماركسية التقليدية، وهي نظرية الإمبريالية والتيارات النظرية التقليدية ضمن مدرسة التبعية، وقبل ذلك قمنا بتقديم إسهامات كارل ماركس نفسه في حقل العلاقات الدولية، لأن النظرة السائدة تقول بأن ماركس لم يكن منظرا دوليا، وإنما اكتفى بتحليل نمط الإنتاج الرأسمالي على المستوى المجتمعي.
في الجزء الثاني، عرضنا لأهم النظريات والمقتربات الماركسية الجديدة أو ما يعرف بالماركسية البنيوية، وهي: التيارات الجديدة ضمن مدرسة التبعية، نظرية النظام – العالم، النظرية القرامشية، مقترب الإمبريالية الجديدة neo-imperialism لـ”بيل وارن” ومقترب العلاقات الاجتماعية العالمية global social relations لـ”جاستين روزنبرغ”.
وفي الجزء الثالث، قمنا بتحليل انعكاسات الحرب الباردة على الاتجاه الماركسي في العلاقات الدولية، حيث نجادل في هذا الجزء بأن نهاية الحرب الباردة لم تؤد إلى أفول الاتجاه الماركسي، كما يوحي به انهيار الاتحاد السوفييتي وفشل نظام الاقتصاد الاشتراكي (الشق الاقتصادي في نظرية ماركس حول “الاقتصاد السياسي”)، بل في المقابل، أدت إلى ما أسماه “هوبدن” و”حونز” انبعاث الماركسية renaissance of marxism، ثم تتبعنا مظاهر النفوذ الماركسي في الاتجاهات النظرية ما بعد الوضعية كمظهر من مظاهر هذا الانبعاث، مع التركيز على النظرية النقدية الاجتماعية كنموذج لهذا النفوذ. ويأتي الجزء الرابع عبارة عن تقييم عام للاتجاه الماركسي في التنظير للعلاقات الدولية.
المرجعية الفلسفية للاتجاه الماركسي للتنظير في العلاقات الدولية
يرتبط الاتجاه الماركسي في تحليل العلاقات الدولية بمرجعية فلسفية على قدر كبير من العمق. تتمثل هذه المرجعية في ما يعرف بالمادية الجدلية، وهي تعود إلى عالم الاجتماع والاقتصاد كارل ماركس (1883-1818)، وبدرجة أقل وضوحا، رفيق دربه ومعاونه فريديريك إنجلز (1895-1820) الذي ساعده في تحرير “البيان الشيوعي communist manifesto”. غير أنها (المادية الجدلية) في الواقع لم تكن ابتكارا خاصا به، بل تعود إلى تأثره بالتراث الفكري الهائل لأستاذه جورج فريديريك هيجل (1831-1818).
ويمثل الفيلسوف لودفيج فيورباخ (1872-1804) همزة الوصل بينهما، لأنه أو ل من وضع تفسيرا ماديا للجدلية الهيجلية. حيث “تصور تاريخ العالم، ليس على أنه مظهر لتطور العقل أو الروح كما قال هيجل، بل على أنه مظهر لتطور المادة. وقد ارتبط ماركس بهذا الفيلسوف ارتباطا قويا، ولكنه وقع في نفس الوقت تحت تأثير المادية العلمية [وليدة عصره آنذاك]، وهو ما يفسر حماس ماركس للعلم، وعقيدته العميقة الساذجة في التقدم وتعاطفه مع مذهب التطور الذي قدمه دترون.” [1]
وقد أخذ فلاديمير أوليانوف (المعروف باسم لينين) (1924-1870) بنظريات ماركس وإنجلز وصاغها في إطار نظام شامل انتهى إلى أن أصبح يعرف بالماركسية اللينينة. وقد مثلت هذه الأخيرة العقيدة الرسمية والثابتة للحزب الشيوعي السوفيتي (خلال النصف الثاني من القرن الماضي)، خاصة بعد حالة القدسية التي أضفاها عليها جوزيف ستالين. وتجدر الإشارة إلى أن جميع النقاشات التي عرفتها الفلسفة الروسية خلال تلك المرحلة ظلت دائما في حدود هذا الاتجاه ولم تخرج عنه، “كما أنها لم تمس أيا من القضايا الرئيسية للنظام الفلسفي الذي أقره ستالين”[2]. لدرجة أن تاريخ الفلسفة لا يذكر أسماء أي من الذين ألفوا كتبا أو مقالات في الفلسفة الماركسية، لأنهم لم يكونوا يفعلون شيئا إلا ترديد وتأكيد مقولات، ماركس ولينين.
منطلقات “المادية الجدلية”:
تستند “المادية الجدلية” إلى مجموعة من المنطلقات فيما يتعلق بتصورها للواقع الاجتماعي:
-1 الطبيعية naturalism: الإنسان ليس إلا “جزءا” من “كل”، هو الطبيعة. وتنكر المادية الجدلية بصفة عامة أن يكون الإنسان كائنا مميزا عن الكائنات الطبيعية الأخرى.
-2 التجريبية empiricism: الاعتقاد المطلق في السلطة العليا التي تمتاز بها العلوم الطبيعية، وعلى ذلك، فالواقع لا يمكن إدراكه إلا بمناهج علوم الطبيعة، وما لا تدركه تلك المناهج لا يكون إلا مشكلة زائفة، ولا يكون له بالنتيجة مغزى أو أهمية.
-3 العقلانية rationalism: التمسك بالاتجاه العقلاني، ومن ثم الاعتقاد المطلق في قيمة وأهمية المناهج العقلية والتحليلية.
فهم المادية الجدلية:
تعتبر المادية الجدلية امتدادا نقديا للنزعة المادية التقليدية في إطار منظومة الفلسفة الأوربية، حيث ترى أن العالم المادي هو وحده العالم الحقيقي، الجدير بالاهتمام والتأمل؛ وأن العقل في حد ذاته ليس سوى ظاهرة مادية لا تنسلخ عن العالم المادي، لأنه ليس إلا نتاجا لعضو مادي هو الدماغ. وتعتبر كذلك أن التعارض المزعوم بين “المادة” و”الوعي” لا قيمة له إلا في نظرية المعرفة [المجردة]، أما في نظرية الوجود [الحقيقي] فلا يوجد شيء غير المادة. ويبقى أن المادية الجدلية – كما نوهنا به قبل أسطر – لا تتعارض مع النزعة المادية التقليدية، وإنما تنتقدها لغياب العنصر الجدلي فيها، ومن ثم قصورها عن تقديم تصور صحيح عن التطور[3].
تقوم المادية الجدلية على مجموعة من المفاهيم الأساسية، هي[4]:
-1 التطور الجدلي:
ترى المادية الجدلية أن المادة في تحول وتطور دائمين، وبسبب هذا التطور تتكون دوما موجودات جديدة أكثر تعقيدا من سابقاتها. ويحدث التطور على شكل سلسلة خطية/طولية من الطفرات: فحين تتراكم مجموعة من التغيرات الكمية الصغيرة في داخل وجود الشيء، فإنه ينتج عنها نوع من التوتر والصرع.. حتى تصبح هذه العناصر الجديدة في لحظة معينة قوية إلى درجة تجعلها قادرة على كسر التوازن السابق في وجود الشيء، فتظهر كيفية جديدة انطلاقا من تلك التغيرات الكمية المتراكمة. وهكذا فإن الصراع هو القوة الدافعة للتطور، وذلك وفقا لمنطق جدلي قائم على نظام [النقلات shifts].
-2 الواحدية:
ترى المادية الجدلية أنه ينبغي أن نتصور العالم على هيئة “كل” موحد، هذا على خلاف الاعتقاد الميتافيزيقي الراسخ بوجود موجودات وكيانات متعددة لا رابط بين بعضها البعض، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، يتضمن مفهوم الواحدية عند الماديين الجدليين كون العالم “المتجانس” المحكوم بسلسلة قوانين سببية دائمة وثابتة هو الحقيقة الوحيدة، فلا وجود لشيء خارج العالم ، وعلى الأخص “الإله”، وبذلك فلا وجود للمبادئ الخالدة (الأخلاق والمثل).. كل ما هنالك هو عالم يتطور جدليا، والمادة هي العنصر الوحيد الخالد، من حيث هي مادة ومن حيث خضوعها لقوانين تحولاتها الثابتة عبر الزمان والمكان..
-3 الحتمية:
ترى المادية الجدلية أن عملية التطور تجري بغير هدف سابق، وهي تتم تحت ضغط مجموعة من العوامل السببية الخالصة، أي على هيئة صدامات وصراعات [غير منتهية، تتوالى تباعا وفقا] لقوانين دائمة وثابتة وقابلة للحساب والإحصاء.
وفي علاقة الوعي بالمادة، ترى المادة الجدلية أن المادة هي دائما المعطى الأول، أما الوعي (العقل) فهو المعطى الثاني، وينتج عن ذلك أن الوعي ليس هو الذي يحكم المادة ويقودها بل العكس. وهنا تبرز مادية وحتمية المادية الجدلية، غير أن ماركس يبقى أقل تشددا في هذا الاتجاه، فهو يرى أن المادة لا تحدد الوعي وتوجهه بشكل مباشر، وإنما تفعل ذلك من خلال توسط المجتمع بينها وبين الإنسان.
إن النقاش العميق الذي خاضه ماركس لتوضيح هذه العلاقة هو ما يبرر إطلاق تسمية “المادية التاريخية” على فلسفته، فهو يرى أن الإنسان كائن اجتماعي في جوهره، فهو لا يستطيع أن ينتج ضرورات الحياة اللازمة لبقائه إلا في إطار المجتمع. ولكن أدوات ذلك الإنتاج وأنماطه تعود بدورها لكي تحدد أول ما تحدد العلاقات الإنسانية بين البشر بعضهم وبعض، تلك العلاقات التي تنشأ بسبب الإنتاج وتعتمد عليه. وبذلك فإن دور أدوات وأنماط الإنتاج يمتد إلى تحديد وعي الإنسان. فالحاجات الاقتصادية في النهاية تحدد أنماط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية التي يخلقها هذا الإنتاج. وطالما أن أنماط الإنتاج وطبيعة العلاقات الاجتماعية الناجمة عنها تتنوع بغير توقف [إلى حد الصدام]، فإن المجتمع يصبح خاضعا هو الآخر لقانون التطور الجدلي، الذي يعبر عن نفسه في الصراع الاجتماعي بين الطبقات.
خلاصة القول هنا، أن مضمون الوعي الإنساني يحدده المجتمع، ويتعدل ويتغير ويتنوع بحسب التطور الاقتصادي.
-4 الواقعية:
طالما أن المادة هي التي تحدد الوعي، فإن المادية الجدلية ترى أن نظرية المعرفة ينبغي أن تكون نظرية واقعية [realistic] تحترم الوقائع. فالذات العارفة [Knower] لا تنتج موضوع المعرفة [Knowledge]، إنما الموضوع يوجد قائما بذاته ومستقلا عن الذات، وما على المعرفة إلا أن توجد في عقل/وعي الذات العارفة نسخ أو انعكاسات للمادة.
– I النظريات الماركسية التقليدية
1- كارل ماركس والتنظير العلاقات الدولية
تقوم تحليلات كارل ماركس حول الرأسمالية على مجموعة من المقولات الفلسفية العامة، تتمحور أغلبها حول نظرته للتاريخ الاجتماعي، حيث يرى أن هذا التاريخ لا يتعدى كونه حركة مستمرة وفي اتجاه واحد لتحقيق مزيد من التقدم والانعتاق الإنساني، وأن أي تحول اجتماعي في التاريخ إنما يتم من خلال آليات الصراعات الطبقية داخل المجتمع. خلاصة هذا التصور هي مقولته الشهيرة في “البيان الشيوعي”: “إن تاريخ المجتمعات حتى الآن ليس سوى تاريخ صراع الطبقات”. كما بين ماركس أن طبيعة العلاقات الاجتماعية (العلاقات بين الطبقات) تؤثر بشكل مباشر على طبيعة قوى الإنتاج في المجتمع.
لقد استغرق ماركس جزءا معتبرا من حياته العلمية في دراسة القوانين التي تولد وتحرك نمط الإنتاج الرأسمالي، وذلك من خلال فحص الظروف التاريخية التي أدت إلى بروز الرأسمالية في أوروبا، وطبيعة العلاقات الطبقية التي تتحكم في عمله وصيرورتها التاريخية. ومن هنا جاءت إدعاءاته القوية حول استنتاجه بأن هناك خللا في البنية الجوهرية للنظام الرأسمالي يمنعه من الاستمرار تاريخيا، وبذلك فهو لا يمثل إلا مرحلة تاريخية تمهيدا لنظام اجتماعي “أكثر استقرار وعقلانية وإنسانية”.
تكمن الأهمية العلمية للقوانين الماركسية في فهم الرأسمالية في قدرتها – إذا تم تعميمها – على الكشف على القوانين [التاريخية] الخاصة التي تتحكم في بروز وتطور وسقوط أي تشكيل اجتماعي والتنبؤ ببديله الذي [يفترض جدليا أن] يكون أرقى منه تنظيما لقوى وعلاقات الإنتاج.
تاريخيا، لم يتسن لكارل ماركس أن يسقط منطقه الجدلي على دراسة المجتمعات غير الأوربية، والوصول – من ثم – إلى الكشف عن أبعاد التوسع الرأسمالي على المستوى العالمي. وبذلك فقد كان من اللازم انتظار إسهامات فلاديمير لينين الذي ارتبط تفكيره بماركس، حيث أصبحت الماركسية-اللينينية leninist-marxism تطلق على الاتجاه الفلسفي الذي تبناه الحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفييتي لعقود متعاقبة.
2- نظرية الامبريالية
تعتبر كتابات لينين النقدية حول الإمبريالية امتدادا للفلسفة الماركسية حول تطور النظام الرأسمالي، وفي نفس الوقت هي عبارة عن مداخلات نظرية للرد على التيارات التحريفية revisionist (في طليعتها إدوارد بيرنشتاين) التي كانت قد شككت في إدعاءات ماركس حول المسار التاريخي [الحتمي] للرأسمالية. وقد لاحظ لينين أن الرأسمالية تتجه نحو مرحلة تاريخية جديدة ولكنها لا تختلف في جوهرها عما وصفه ماركس، بل إنها تقوي وتدعم تصوره لسيرورة الرأسمالية نحو نهايتها. هذه المرحلة هي مرحلة الرأسمالية الاحتكارية/الإمبريالية، وهي بالنسبة له أعلى مراحل الرأسمالية.
لقد حاول لينين – على غرار ما فعله ماركس – وضع نظرية شاملة تكشف أسباب بروز الرأسمالية الاحتكارية والقوى والقوانين الداخلية المتحكمة في تطورها، وقد خلص إلى أن التنافس الرأسمالي قد وصل إلى مرحلة نوعية جديدة بقيام الاحتكارات، وتحولت المنافسة إلى منافسة دولية تتسبب في حروب “إمبريالية” خالقة – بذلك – أوضاعا مناسبة للثورة البروليتارية وبالتالي القضاء على النظام الرأسمالي.
من المفارقات التي تبعث على الفضول أن طلائع نظرية الإمبريالية جاءت من الاقتصادي الليبرالي الإنجليزي John A. Hobson. وقد دفعت به مسيرته المهنية كمراسل صحفي لـ The Manchester Guardian إبان حرب الـ Boer في جنوب إفريقيا إلى مناهضة الرأسمالية، لأنه كان شاهدا على دور محتكري الماس في تغذية الحرب واستمراريتها. يرى Hobson أن المجتمعات الرأسمالية دائما تواجه معضلة “فيض الإنتاج وغيض الاستهلاك dilemma of overproduction and underconsumption”، ولو أن الرأسماليين عملوا على إعادة توزيع الثروة الناتجة عن فائض القيمة surplus لتعزيز مستوى الرفاه المحلي لما كانت هناك مشكلة بنيوية في الأساس، غير أنهم في المقابل يعمدون إلى البحث عن إعادة استثمار رأس المال الفائض في الخارج، فتكون النتيجة هي الإمبريالية، التي يمكن تعريفها بأنها “سعي [الرأسماليين] الصناعيين لتوسيع قنوات الثروة الناتجة عن فائض القيمة من خلال البحث عن أسواق ومناطق استثمار خارجية [جديدة]..” [5]. وإلى جانب Hobson هناك المنظران الاشتراكيان الألمانيان Rosa Luxembourg (1870-1919) و Rudolph Hilferding (1877-1941) اللذان عملا على تطوير إسهامات Hobson، غير أن لينين يبقى أهم منظر للإمبريالية[6].
كان لينين في كتيبه النافذ الذي صدر عام 1917 بعنوان Imperialism: the Highest Stage of Capitalism محافظا على خط تفكير كارل ماركس، الإسهام الذي أضافه يكمن في مسعاه لوضع الرأسمالية – من المنظور التحليلي – في سياق دولي أوسع نطاقا من السياق الذي تناوله ماركس، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فقد أفضى به تأثره الشديد بإدراك ماركس للرأسمالية إلى ملاحظة أن التناقض في المصالح بين البروليتاريا والبورجوازية يبقى قائما بغض النظر عن الموقع الجغرافي للعامل أو الرأسمالي. وقد كان هذا التصور ترديدا لصدى العبارة الشهيرة التي أطلقها ماركس: “يا عمال العالم اتحدوا، فليس هناك ما تخسرونه سوى أصفادكم”، إذ يصبح التضارب في المصالح بين عمال الدول على اختلافها أمرا غير وارد، هذا إذا تمكنوا من التحرر من قيود الأيديولوجيات البرجوازية المسيطرة محليا[7]، هذا بالنسبة للبروليتاريا؛ أما بالنسبة للبورجوازية، فقد لاحظ لينين أن الرأسمالية الاحتكارية تمكنت من إحداث بنية ثنائية المستوى ضمن الاقتصاد العالمي الحديث، حيث يوجد مركز مهيمن يستغل المجموعات الطرفية الموجودة على هامش البنية، هذه البنية مكنت البورجوازية في دول المركز من استعمال فوائض القيمة الناتجة عن استغلال الأطراف في تحسين ظروف البروليتاريا داخل دول المركز، وبذلك فقد أعاد لينين النظر في مقولة التناغم في مصالح العمال على صعيد عالمي[8].
مما سبق، يمكن الخلوص إلى أن لينين هو أول منظر بنوي ينتبه إلى أن الانقسام البنيوي بين مركز النظام الرأسمالي وأطرافه هو الذي يحدد طبيعة العلاقة بين البورجوازية والبروليتارية. وهنا يمكن تسجيل ملاحظة على قدر من الأهمية في تحديد المنطلقات الأنطولوجية للماركسية الدولية، تتعلق بكون الدول لا تمثل الفاعلين الوحيدين في العلاقات الدولية، كما ذهبت إليه الواقعية والليبرالية على نحو أقل تشددا، بل هناك الطبقات الاجتماعية والمواقع التي تحتلها ضمن البنية الشاملة للنظام الرأسمالي العالمي، وهي (المواقع) التي من شأنها تحديد نماذج التفاعل بين الوحدات الدولية وأنماط الهيمنة والسيطرة السائدة فيما بينها.
يبقى أن نشير إلى الأهمية الكبيرة التي تمتعت بها نظرية الإمبريالية ضمن الحوار الذي احتدم في فترة ما بين الحربين العالميتين حول الأسباب التي تفرز ظاهرة الحرب، وإن كان هذا الحوار أشبه بـ “الحوار الصامت silent debate”، نتيجة لكونه جمع بين المنظور الواقعي الكلاسيكي غربي/رأسمالي التمركز capitalist-centered ومنظور الإمبريالية شرقي/ماركسي التمركز marxist-centered، ولم تكن له انعكاسات واضحة على حقل التنظير لحقل النزاعات الدولية. ففي الوقت الذي ركز فيه المنظور الواقعي على الطبيعة الشريرة للإنسان والبنية الفوضوية للنظام الدولي، فقد جادل منظور الإمبريالية بأن الحروب هي نتاج النزوع المستمر للرأسمالية نحو التوسع بحثا عن أسواق خارجية جديدة وعن فضاءات أوسع وأخصب لاستثمار فوائض القيمة الناتجة عن استغلال المركز للأطراف، هذه النزعة تؤدي بالمراكز الرأسمالية المتنافسة إلى الصدام ببعضها البعض، وعندما لا تتوفر الآليات المناسبة للإجماع حول تقاسم مناطق النفوذ، يتم الحسم عسكريا من خلال الحروب.
3- مدرسة التبعية (التيارات التقليدية)
تمثل نظرية التبعية قطيعة مع الافتراض (الذي دافع عنه ماركس، لينين وصولا إلى الشيوعيين المتشددين في أمريكا اللاتينية) القائل بأن الرأسمالية/الإمبرايالية تؤدي إلى التصنيع الرأسمالي في الدول المتخلفة. فماركس كان يعتقد أن القوانين الداخلية تدفع بالرأسمالية إلى الانتشار المستمر على الصعيد العالمي، وفي إطار توسعها خارج أوروبا ستصطدم بالمجتمعات غير الأوروبية وتؤثر عليها إيجابيا، من خلال دورها التاريخي والثوري في القضاء على أنماط الإنتاج التقليدية المتخلفة. غير أن ما حدث تاريخيا هو أن الرأسمالية عند احتكاكها بالمجتمعات المتخلفة لم تقم كما توقع ماركس بتحطيم بنية الإنتاج التقليدية، وإنما عملت على ترسيخها وتحالفت مع قوى الإقطاع لخدمة أهداف الرأسمالية العالمية في امتصاص فوائض القيمة من المجتمعات المتخلفة إلى دول المركز. ويعتبر الاقتصادي الأمريكي Paul Baran [من الرواد الذين انتبهوا إلى كون] الرأسمالية الاحتكارية في أواسط القرن العشرين لم تعد تقوم بأي دور تقدمي، وبدلا من ذلك فقد قامت بإعاقة التصنيع في بقية العالم غير الرأسمالي، وذلك في سبيل المحافظة على الأرباح الاحتكارية في المركز الرأسمالي[9].
تاريخيا، ترتبط الإسهامات النظرية للتبعية بمنظرين أغلبهم لهم علاقة مباشرة باللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ECLA، وهي لجنة أكاديمية عملت تحت إشراف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وقد عكفت على السعي لإبراز الأسباب الحقيقية لتخلف دول أمريكا اللاتينية رغم مضي عقود طويلة على حصولها على الاستقلال، وهو الوضع الذي خيب توقعات وآمال الأطروحات الليبرالية حول التحديث وحتمية حدوث الإقلاع take off التنموي في المجتمعات المتخلفة على غرار ما حدث تاريخيا في المجتمعات المتقدمة. لذلك فقد حاول أعضاء هذه اللجنة وضع إجابات مقنعة عن الأسئلة التالية: بماذا يمكن تفسير الركود الاقتصادي والخلل [المزمن] في موازين المدفوعات وتراجع مستويات التجارة في دول العالم الثالث؟ ولماذا فشلت عملية نقل النموذج التنموي لأمريكا الشمالية وغرب أوروبا إلى بقية دول العالم؟[10].
وتجدر الإشارة إلى غياب نظرية موحدة وشاملة للتبعية، فكل ما هنالك هو مجموعة من الأطروحات والمقولات المندرجة ضمن تيارات نظرية غير متناسقة، ورغم اتفاقها في التسليم بواقع حالة التبعية فهي تختلف في إيجاد إطار نظري واحد لتشخيص هذا الواقع، وهو ما دفع بجيمس دايتز إلى حد القول بأن عدد الأطر التصورية و[التيارات] النظرية في مدرسة التبعية يزيد على عدد المنظرين والمساهمين في النقاش حول واقع التبعية، غير أن تيارات التبعية تتميز بكونها ذات نزعة توليفية/تركيبيةelecticism مما يضفي انطباعا بأنها مندمجة منهجيا لدرجة أنها تبدو نظرية واحد[11]. ويبقى أننا نميز مجموعتين أساسيتين من التيارات المنظرة للتبعية، تيارات تقليدية، وتيارات جديدة.
ويأتي إسهام Raul Prebisch المدير التنفيذي للجنة ECLA في مقدمة التيارات التقليدية لنظرية التبعية. وقد عمل على تطوير فكرة لينين عن علاقات الاستغلال بين المركز والمحيط، وذلك بتركيزه على علاقات التبادل التجاري غير المتكافئ بينهما. فالجديد في إسهام Prebisch هو انتباهه لآلية التجارة الحرة على المستوى العالمي كآلية لتعطيل التنمية الصناعية في المحيط، حيث يتم تخصص دول المحيط في إنتاج المواد الأولية ثم مقايضتها بالمواد المصنعة في المركز (عبر آليات السوق العالمية الحرة)، والمشكلة بالنسبة لـ Prebisch تكمن في كون معدلات التبادل التجاري تسيل بشكل معاكس للمنتجات الأولية مقارنة بالمواد المصنعة. ويتحدى Prebisch الافتراض السائد للاقتصاد السياسي الليبرالي الذي مفاده أن جميع الاقتصاديات بإمكانها أن تستفيد نسبيا من إنتاج بعض المنتجات، وأنه من غير المهم تحديد نوع هذه المنتجات. فبإمكان جزر Windward أن تتخصص في إنتاج الموز وتستورد البضائع المصنعة من الخارج، بالنسبة لـ Prebisch فإنه ينبغي لجزر Windward لكي تستمر في استيراد القيمة نفسها من المنتجات المصنعة أن تزيد بشكل مستمر من قيمة اللوز المصدر، وهو أمر صعب نتيجة للمنافسة الدولية ولمحدودية الطلب على الموز مقابل اتساع وزيادة الطلب على المواد المصنعة[12]. يمثل هذا التيار جانب Prebisch كل من Paul Baran و Paul Souizy، وهم يركزون في تحليلهم لعلاقات التبعية على لإبراز الخسائر المطلقة (لا النسبية كما يدعي الاقتصاد السياسي الكلاسيكي) التي تنطوي عليها العلاقات التجارية بين دول المركز ودول المحيط.
وقد اقترح Prebisch سياسة تصنيع إحلال الواردات التي تهدف إلى حماية وتطوير الصناعات المحلية لكي تسمح للمنتجين المحليين بتأمين الطلبات المحلية مع استيراد مواد التصنيع والتكنولوجيا وأقل كمية ممكنة من المنتجات المصنعة[13]. على أن فشل هذه السياسات في إنجاز الإقلاع التنموي في الدول المتخلفة أدى إلى بروز تيارات جديدة داخل نظرية التبعية تضم جيلا من الماركسيين الجدد، أو ما يعرف بالبنيويين الجدد neostructuralists. تضم هذه التيارات كلا من: Thestonio Dos Santos, Fernando Cardoso, A. Gunder Frank, Arghiri Emmanuel & samie Amin.
– II النظريات والمقتربات الماركسية الجديدة (البنيوية)
1- مدرسة التبعية (التيارات الجديدة)
تتهم التيارات البنيوية الجديدة ضمن مدرسة التبعية البنيويين التقليديين بأنهم إصلاحيون، لأن سياسات تصنيع إحلال الواردات تم تصميمها لتحسين موقع دول الجنوب ضمن اقتصاد العالم الرأسمالي، وع كونهم (البنيويين التقليديين) يطمحون إلى القضاء على النظام الرأسمالي العالمي، فقد جادلوا بأن هذا الأمر لا يمكن حدوثه إلا بعد تطوير قوى الإنتاج في الأطراف بشكل كاف، لذلك شهدت أمريكا اللاتينية تدعيم الشيوعيات التقليدية للبرجوازية المحلية، وذلك لاعتقادهم بأن الثورة الاشتراكية لا تنجح بمعزل عن الثورة البرجوازية. أما بالنسبة للبنيويين الجدد فكانت جميع أجزاء الاقتصاد العالمي قد أصبحت رأسمالية بسبب إنتاجها للسوق الرأسمالية، وعليه فقد قاوموا الشيوعية الرسمية وقدموا بدلا من ذلك ولاءهم لحركات العصابات الريفية المتمردة، وكان الهدف هو قطع سلسلة الاستغلال التي ربطت سوية كلا من الميتروبولات في المركز والأطراف التابعة في النظام الرأسمالي العالمي، وهم يعتقدون أن نظام التجارة العالمي يعمل على نقل الموارد من الفقراء في الأطراف إلى الأغنياء من المركز وليست هناك إمكانية لإصلاح هذا النظام لفائدة دول الأطراف[14].
التحول الآخر – والأهم من الناحية الأنطولوجية – هو أن تفكير البنيويين التقليديين كان دولتيا statist/étatique في الأساس، وعليه فقد ندد البنيويون الجدد بهذا التفكير، واحتجوا بكونه يعمل على إخفاء الصورة الصحيحة للاقتصاد السياسي [الدولي] الذي لا يعتبر في نهاية المطاف خاصا بالدول، وإنما بالطبقات، فالرأسماليون في كل مكان [في كل دولة] يستغلون العمال أينما وجدوا، وما الرأسماليون في الأطراف إلى شركاء صغار لأمثالهم في المركز[15].
2- نظرية النظام – العالم World-System Theory
ترتبط نظرية النظام – العالم World-System Theory بإسهامات المنظر الأمريكي Immanuel Wallerstein، غير أن كتابا آخرين يشاركونه إثراء هذه النظرية، من أبرزهم الكاتب الفرنسي Fernand Braudel في كتابه The Mediterranian and the Mediteranian World in the Age of Philip II 1975.
بالنسبة إلى Wallerstein، يعتبر النظام – العالم World-System وحدة التحليل الأساسية لدراسة سلوك الدول / المجتمعات. وينطوي هذا المفهوم على عنصرين أساسيين[16]:
أولا) كون العناصر/المكونات التي تشكل هذا النظام مترابطة فيما بينها، وتربطها علاقة ديناميكية نشطة، بحيث لا يمكن فهم أدوار ووظائف وأنماط سلوك عنصر من العناصر إلى إذا تم فهم موقعه ضمن النظام الشامل الذي يتفاعل فيه. وعليه يرى Wallerstein أن محاولات الفصل بين بين العناصر المكونة للنظام الدولي، كالعناصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية تبقى محاولات مضللة لا تؤدي إلى نتائج ذات أهمية.
ثانيا) التفاعل الحاصل داخل النظام هو تفاعل ذاتي الاحتواء، بمعنى أن أنماط التفاعل ثابتة بغض النظر عن المؤثرات الخارجية، فإذا تم عزل النظام عن هذه المؤثرات فإن نتائج التفاعلات داخله تكون متطابقة تماما، وعليه فإن مسعى البحث يجب أن يركز على ديناميكيات التفاعل الداخلية بدلا من هدر الوقت في البحث في العوامل الخارجية.
هناك مشكلة اصطلاحية يجب لفت الانتباه إليها، تتعلق بترجمة مصطلح World-System بـ النظام العالمي، وهذا لا يتفق مع مقولات Wallerstein نفسه، فهو، في معرض تناوله لمفهوم الاقتصاد – العالم، يؤكد على ضرورة التفريق بين /world-economy/économie-mondالاقتصاد – العالم من جهة و /world economy/économie mondialeالاقتصاد العالمي من جهة أخرى[17]. فإضافة البادئة prefix “world” للنظام لا تشير إلى وصفه بأنه عالميا أي يشمل العالم بأسره، ولكنه يقصد أن يشير إلى بنية معقدة ذاتية الاحتواء (كما أشرنا إليه قبل قليل). وفي موضع آخر نجد أن Wallerstein يؤكد على أن التاريخ يكون قد شهد نوعين من النظام – العالم، الإمبراطورية – العالم world-empire والاقتصاد – العالم world-economy [18]. فنلاحظ هنا أنه يضيف البادئة prefix إلى “الإمبراطورية”رغم كونها تشمل نطاقا جغرافيا محدودا من العالم، مما يؤكد تمييزنا السابق بين ترجمة المصطلح World-System بـ “النظام – العالم” بدلا من الترجمة الشائعة “النظام العالمي”، غير أنه يجب أن نتذكر كون النظام – العالم الحديث هو نظام عالمي بالفعل، لأنه تاريخيا نما ليصبح شاملا للعالم بأسره.
والفرق الأساسي بين الإمبراطورية – العالم world-empire والاقتصاد – العالم world-economy يكمن في الكيفية التي يقرر بها توزيع الموارد (أي من يأخذ ماذا؟)، ففي نظام الإمبراطورية – العالم يقوم النظام السياسي المركزي باستخدام سلطته بإعادة توزيع الموارد بين الأطراف إلى المركز (من خلال دفع الضرائب مثلا، كما في حالة الإمبراطورية الرومانية)؛ أما في نظام الاقتصاد – العالم فلا توجد هناك سلطة مركزية بإمكانها تحقيق هذا الهدف، بل توجد هناك مجموعة من مراكز القوى المتنافسة فيما بينها، ويتم إعادة توزيع الموارد، ليس بموجب مرسوم مركزي، ولكن من خلال نوع من أنواع الوسيط، هو السوق. ورغم اختلاف آليات إعادة توزيع الموارد في النظامين، فإن الأثر الخالص يبقى نفسه، ألا وهو انتقال الموارد من المحيط نحو المركز[19].
والنظام – العالم الحديث حسب Wallerstein هو مثال لنمط الاقتصاد – العالم، والذي نشأ في أوروبا مع مطلع القرن السادس عشر، ثم توسع عبر التاريخ ليضم العالم بأسره. وقد شكلت الرأسمالية النشطة بدون توقف [كنمط إنتاج] القوة الدافعة وراء هذا التوسع. ويجادل Wallerstein أنه في سياق هذا النظام هناك مجموعة من المؤسسات تتوالد بشكل متواصل، ولا ينسحب ذلك على المؤسسات الاقتصادية فقط (كالشركات وحتى الصناعات…)، بل ينسحب ذلك على المؤسسات الدائمة والقائمة أصلا، كالوحدة الأسرية، الجماعات الإثنية والدول. ويجادل Wallerstein بأن هذه المؤسسات هي ذات طبيعة لازمنية، ولا واحدة منها تبقى على حال واحدة، وأن الادعاء خلاف ذلك يعني تبني موقف لاتاريخي، ومن ثم الفشل في فهم كيف أن خصائص المؤسسات الاجتماعية هي محددة تاريخيا. أبعد من ذلك، وهو أمر حاسم بشكل كبير، يجادل Wallerstein بأنه ليست فقط عناصر النظام هي التي تتغير، بل إن النظام في حد ذاته خاضع لحركة التاريخ، فهو ذو بداية، ومرحلة وسيطة، وستكون له نهايته[20].
الجديد في نظرية النظام – العالم هو تضمين Wallerstein وصفه للاقتصاد – العالم الحديث منطقة ثالثة إلى جانب منطقتي المركز والمحيط محل تركيز الماركسيين التقليديين، ألا وهي منطقة شبه المحيط semi- periphery، وهي المنطقة الوسط بين المنطقتين السابقتين، وتلعب دورا حيويا في إشاعة الاستقرار في بنية النظام. ويؤكد Wallerstein على الترابط بين المناطق الثلاث في إطار علاقة استغلالية، يتم عبرها امتصاص الثروة من المحيط نحو المركز؛ ونتيجة لذلك تترسخ أكثر فأكثر المواقع النسبية للمناطق، بحيث يصبح الأغنياء أشد ثراء والفقراء أشد فقرا،[21].
وإذا كانت هذه المناطق تشكل الأبعاد المكانية للنظام – العالم، فقد عمل Wallerstein على تضمين نظريته مجموعة من الأبعاد الزمانية، وذلك لتعميق فهمنا للديناميات التي تحكم تفاعلات النظام عبر الزمان. هذه الأبعاد هي: الإيقاعات الدورية cyclical rhythms، الاتجاهات secular trends، التناقضات contradictions، والأزمة crisis [22].
إسهام Christopher Chase-Dunn في تطوير نظرية النظام – العالم:
هناك العديد من الكتاب المراكسيين الذين اهتموا بتطوير نظرية Wallerstein حول النظام – العالم، من بينهم Christopher Chase-Dunn الذي أولى أهمية أكبر من Wallerstein في إبراز دور نظام ما بين الدول inter-state system. وهو يجادل بأن الرأسمالية كنمط إنتاج لها منطق واحد من خلاله تلعب العلاقات الاقتصادية الاستغلالية والعلاقات السياسية العسكرية دورا أساسيا[23].
هناك إجماع بين منظري النظام – العالم بأن الاقتصاد – العالم الرأسمالي ونظام ما بين الدول مترابطان بحيث ينتج أحدهما الآخر، وفي نفس الوقت فإن كل واحد منهما ضروري وحيوي لوجود وبقاء الآخر، فالدول تلعب دورا أساسيا في تسهيل الآداء الناجح للاقتصاد الرأسمالي، وفي نفس الوقت تساهم في التقليص من حدة التناقضات التي تتولد بشكل مستمر وحتمي داخل الاقتصاد – العالم الرأسمالي، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فإن من مصلحة الرأسماليين الفاعلين في البنية الراهنة للنظام – العالم أن تبقى الدول منتظمة في نظام ما بين الدول (المتكون من دول ذات سيادة تتنافس فيما بينها)، بحيث لا تتمتع دولة بمفردها بهيمنة كاملة على الدول الأخرى، وهو ما يمنع قيام بعض الدول بعرقلة نشاط الرأسماليين، لأن في ذلك إضرارا بدولهم. ومن طبيعة النظام – العالم أنه يحول دون قيام دولة عالمية واحدة (التي ستكون حسب مفهوم Wallerstein الإمبراطورية – العالم) لأنه منتظم في بنية تنافسية بين الدول، إذ يؤدي التنافس الشديد بين الرأسماليات الدولية المتضاربة إلى تذبذب منتظم في درجة القوة النسبية لمختلف الدول ضمن النظام. وهكذا يصبح النظام – العالم ونظام ما بين الدول جزئين لا ينفصمان لكل واحد متكامل[24].
ويبقى أن نشير إلى تأكيد منظري نظرية النظام – العالم على العلاقة بين دول المركز، الهيمنة والقوة العسكرية. فدول المركز تتولى القيام بوظيفتين أساسيتين للحفاظ على استقرار بنية النظام، الأولى هي إيجاد دور قيادي نزاع إلى الهيمنة ضمن نظام ما بين الدول، وهنا قد تعمل القوة المهيمنة على فرض ممارسات أو مؤسسات معينة تمن البيئة المناسبة لتمكين التراكم الرأسمالي من المضي قدما بنجاح وعلى مدى النظام كله (نظام بريتون وودز كنموذج)؛ أما الوظيفة الثانية فهي استخدام القوة العسكرية لتصحيح الاختلالات وتأديب العناصر الرافضة للخضوع لقواعد اللعبة داخل النظام. وتاريخيا، لم تتوان دول المركز في التدخل عسكريا لضمان الاحتفاظ بقدرتها على الوصول إلى مصادر المواد الخام وإلى الأسواق الحيوية، كما استخدمت قوتها العسكرية لشل حركة دول المحيط وشبه المحيط التي اعتبرتها أنه تهديد لاستقرار النظام[25].
3- النظرية القرامشية gramscianism
نناقش في هذا المبحث الإسهام الذي أدلى به الكاتب الإيطالي Antonio Gramsci (1891-1937) في كتابه Prison Notebooks، والذي أصبح ذا تأثير كبير على أدبيات الاقتصاد السياسي الدولي، حيث ظهرت ونمت ما يعرف بالنظرية القرامشية الجديدة Neogramscianism أو ما يعرف بالمدرسة الإيطالية Italian school.
التساؤل الذي شكل محور اهتمام Gramsci في عمله النظري هو حول الأسباب التي تحول دون الانتقال نحو الاشتراكية في مجتمعات أوروبا الغربية، كما تنبأ به ماركس عندما أكد بأن الثورة ستحدث في المجتمعات الرأسمالية الأكثر نضجا. على أن الذي حدث تاريخيا هو أن الثورة البلشوفية حدثت في إحدى أكثر المجتمعات تخلفا (روسيا). لقد أدرك Gramsci وجود خلل في التحليل الكلاسيكي لماركس، ومن ثم أخذ على عاتقه عبء البحث عن هذا الخلل ومحاولة إصلاحه.
وقد جاءت إجابة Gramsci من خلال استعماله لمفهوم الهيمنة hegemony، وهو المصطلح الذي أصبح محورا للعديد من محاولات التنظير للعلاقات الدولية منذ المنتصف الثاني للقرن الماضي إلى اليوم. حيث أصبح يعبر عن الدولة الأكثر تأثيرا في النظام الدولي (الدولة المهيمنة hegemonic state) أو على الأقل في منطقة إستراتيجية معينة. ويرتبط مفهوم Gramsci للهيمنة بإدراكه الموسع والأكثر عمقا لمفهوم القوة. حيث يتبنى نظرة ميكيافيللي للقوة على أنها أشبه بـ”القنطور centaur”، الكائن الخرافي ذو النصف الأعلى الذي هو عبارة عن إنسان والنصف الأدنى الذي هو عبارة عن حصان، فالقوة وفقا لهذه النظرة عبارة عن مزيج من الإكراه والاسترضاء a mixture of coercion and consent. فوفقا للإدراك الماركسي الكلاسيكي، يتم الحفاظ على النظام القائم حصريا من خلال الممارسات القهرية للدولة، تلك المؤسسة التي وصفها Engels بأنها ليست إلا آلة اضطهاد في يد طبقة ضد أخرى، فالقهر وأحيانا الخوف من القهر هو ما يحول دون ثورة الطبقة/الأغلبية المضطهدة [بفتح الهاء] ضد نظام الاضطهاد الذي تمسك به الطبقة/الأقلية المضطهدة [بكسر الهاء]. وهنا يخلص Gramsci إلى أن هذا التحليل مناسب للمجتمعات المتخلفة (مثل روسيا قبل الثورة)، ولكنه غير مناسب تماما للمجتمعات الأكثر تقدما في الغرب، حيث لا يتم الحفظ على سيرورة النظام فقط من خلال القهر، ولكن يتم كذلك من خلال الاسترضاء[26].
ومن خلال الهيمنة، حسب Gramsci، تسود القيم والأيديولوجيات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية للطبقة المسيطرة/المهيمنة وتصبح غير قابلة للمساءلة من قبل الطبقات الأخرى، ويحدث هذا عبر مؤسسات المجتمع المدني التي تتمتع باستقلالية [زائفة عن الدولة]. ويعتبر Gramsci أول من انتبه إلى العلاقة المرضية القائمة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، حيث أشار إلى كون هذه المؤسسات تمثل الأداة الأساسية للقهر اللين soft coercion الذي تمارس من خلاله الدولة وظيفة الاسترضاء للحفاظ على الوضع/النظام القائم.
لقد أحدث Gramsci ثورة على الإدراك الماركسي للعلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية للمجتمع، حيث بين كيف أنه في الوقت الذي تعكس فيه بنية المجتمع مجموع العلاقات الاجتماعية للإنتاج القابعة على المستوى الاقتصادي، فإن طبيعة العلاقات القابعة في البنية الفوقية هي ذات علاقة وطيدة بتحديد درجة تعرض المجتمع للتغير والتحول، أي هناك علاقة تأثير متبادل بين البنيتين. وقد اقترح فيما بعد مفهوما أساسيا لتوضيح دور هذه التبادلية في التأثير، هذا المفهوم هو الكتلة التاريخية والأيديولوجية historical and ideological bloc، والتي تشكل حاجزا بنيويا في وجه التغيير الاجتماعي، وأداة للحفاظ على نمط الهيمنة داخل المجتمع (سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي)؛ ويعبر الشق التاريخي في الكتلة bloc عن البنية التحتية للمجتمع (علاقات الإنتاج)، في حين يعبر الشق الأيديولوجي عن البنية الفوقية (الأفكار والممارسات السياسية).
وقد عمل Graig Murphy على إسقاط هذا المفهوم على استعصاء التحول في العلاقات بين الشمال والجنوب. حيث يرى أن هناك نوعا من الكتلة التاريخية بين الشمال والجنوب North-Soutn historical bloc، تتشكل فيها الطبقة الحاكمة من بعض الطبقات[/النخب] الحاكمة في الدول الصناعية المتقدمة، والطبقات الحاكمة- أو ما أسماه بالبورجوازية المنظماتية organizational bourgeoisie في الدول التابعة في العالم الثالث والتي تحافظ على وضع جماعي للسيطرة داخل المجتمعات المتخلفة[27].
4- مقترب الإمبريالية الجديدة (Bill Warren)
ينطلق Bill Warren في كتابه Imperialism: Pionner of Capitalism 1980 من التصور الكلاسيكي لكارل ماركس حول الدور الإيجابي الذي تؤديه الرأسمالية في تسريع عملية التحول نحو الاشتراكية داخل المجتمعات المتخلفة، وعليه فقد جادل ماركس بأن القوى الاستعمارية عندما تنقل نمط الإنتاج الرأسمالي إلى المستعمرات فهي تقضي على أنماط الإنتاج المتخلفة داخلها، وبالتالي فهي توفر لها الشروط المناسبة للتحول، تماما كما حدث مع مرحلة التفسخ الإقطاعي في أوروبا. وبغض النظر عن المآسي الاجتماعية التي تصاحب انتشار الرأسمالية، فهي تبقى مرحلة ضرورية [ولا يمكن تجاوزها] من التقدم التاريخي نحو الاشتراكية.
وكما رأينا فقد جادل لينين بأن الرأسمالية الصناعية مع بداية القرن العشرين أصبحت لا تلعب نفس الدور التقدمي الذي تنبأ له ماركس، بل أصبحت تلعب دورا معيقا للتقدم التاريخي والاجتماعي داخل المستعمرات، وأصبحت تفعل ذلك من طريقين متوازيين: الطريق الأول يتمثل في إحجامها عن تطوير قوى الإنتاج في المستعمرات في العالم الثالث، والطريق الثاني يتمثل في استخدامها لجزء من فائض القيمة الممتص من المستعمرات في القضاء على الإمكانيات الثورية للطبقة العاملة في الدول المتقدمة (وذلك بتحسين ظروفها الاجتماعية). وعليه فقد جادل لينين بأن الامبريالية تمثل المرحلة العليا والأخيرة من مراحل الرأسمالية، وهو المنظور الذي هيمن على تحليلات الاتجاه الماركسي طوال المنتصف الثاني من القرن العشرين.
في مرحلة لاحقة صدر كتاب Imperialism: Pionner of Capitalism للكاتب اليساري Bill Warren أين جادل بأن استنتاجات لينين لم تكن على قدر كبير من الصحة سواء من الناحية الإمبريقية أو من الناحية النظرية. وفي المقابل حاول إعادة الاعتبار للأطروحات الأرثوذكسية لكارل ماركس، مجادلا بأن الامبريالية الجديدة [في المنتصف الثاني من القرن العشرين] بقيت تلعب دورها التاريخي في المحيط بتطوير قوى ووسائل الإنتاج بشكل سريع من جهة، ومن جهة أخرى – وبشكل حاسم بالنسبة للانتقال مستقبلا نحو الاشتراكية – بتسهيل ظهور ونمو طبقة عاملة حضرية urban. وبذلك دعا Bill Warren إلى اعتبار الامبريالية على أنها ممهد الطريق نحو الرأسمالية أكثر من كونها المرحلة العليا من مراحلها. وقد قدم Warren قرائن إمبريقية لإثبات نظريته، فقام بفحص للتطور الذي لحق بالمستعمرات جراء الديناميكية الرأسمالية فيها، وذلك بالتأكيد على ثلاثة أشكال رئيسية، هي: تحسين الرعاية الصحية، تحسين مستوى التعليم، وتحسين مستوى الحصول على السلع ذات الطابع الاستهلاكي. ورأى بأن هذه الأشكال كلها تساهم في بناء أسس متينة على المدى البعيد لتطوير قوى الإنتاج[28].
لاشك أن الاستنتاجات التي خلص إليها Warren لا تقبع بشكل واضح تحت مظلة الاستنتاجات التقليدية للمنظرين الماركسيين [باستثناء كارل ماركس نفسه]، ولكنها تقوم على تحاليل تاريخية – اجتماعية – جدلية بشأن التطور الخطي لقوى الإنتاج والعلاقات الاجتماعية الناجمة عنها في المجتمعات المتخلفة التي تعرضت للاستعمار من طرف قوى رأسمالية. وبغض النظر عن كفاءتها في التنبؤ بمستقبل الصراع الطبقي في هذه المجتمعات، فإن الأهمية النظرية للإسهام الذي أدلى به Warren تكمن في عودته إلى تحاليل كارل ماركس ومحاولة إسقاطها على تطور الظاهرة الامبريالية في القرن العشرين.
5- مقترب العلاقات الاجتماعية العالمية Global Social Relations
في الوقت الذي ركز فيه Warren على الإمكانيات الاقتصادية التي يمكن للتوسع الرأسمالي [الامبريالي] أن يوفرها لمجتمعات العالم الثالث، نجد أن Justin Rosenberg – في المقابل – يركز اهتمامه على طبيعة النظام الدولي وعلاقته بالطبيعة المتغيرة للعلاقات الاجتماعية[29].
نقطة انطلاق Rosenberg هي انتقاده الشديد للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية، وخاصة إدعاء الواقعيين بمقدرتهم على بناء نظرية لاتاريخية ولازمنية (أزلية) ahistorical & timeless لتفسير العلاقات الدولية، لأن ذلك من شأنه أن يحول دون تلبية حاجتنا لنظرية تسمح بتطوير فهم تاريخي للكيفية التي تطورت بها العلاقات الدولية. وقد حلل Rosenberg الفوارق الموجودة تاريخيا في العلاقات الدولية بين حقبتي المدن – الدول اليونانية والإيطالية، متحديا بذلك التأكيد الواقعي على التشابه الجوهري بين الحقبتين التاريخيتين [من جهة، وكل الحقب التاريخية التالية من جهة أخرى]. ويؤكد Rosenberg على عقم المحاولة الواقعية لتزويدنا بالتفسير المناسب للنتائج التاريخية للعلاقات القائمة بين الوحدات الدولية خلال الحقبتين السابقتين، لأنها تستند بشكل محض إلى مستوى العلاقات بين الدول inter-state level. ويجادل Rosenberg بأن فشل التصور الواقعي للنظم الدولية يرجع إلى اعتقادهم [الخاطئ] باستقلالية تلك النظم وكونها عوالم سياسية مجردة. وهذا الاعتقاد لا يصمد طويلا أمام تحليل طبيعة نظم العلاقات الاجتماعية الداخلية للنظم الدولية[30].
كبديل عن الإدراك الواقعي، يجادل Rosenberg بأن نظرية العلاقات الدولية ينبغي أن تكون حساسة للطبيعة المتغيرة للسياسة الدولية. ويدعو إلى ضرورة توسيع أفق هذه النظرية لتصبح جزءا من نمط أوسع للعلاقات الاجتماعية. وعليه، يعتقد Rosenberg أن طبيعة علاقات الإنتاج يصبغ بنية المجتمع ككل، من أسفل إلى أعلى، ويتجاوز بينة المجتمع ليشمل طبيعة العلاقات بين الدول، أي أن شكل الدولة في حد ذاتها عرضة للتغير بتغير نمط الإنتاج السائد في المجتمع، ونفس الشيء ينسحب على طبيعة العلاقات القائمة بين الدول[31].
لقد عمل Rosenberg على إعادة تقييم مفهومي السيادة والفوضى – المركزيين في التنظير الواقعي – على ضوء المنهجية الماركسية في التحليل. وتوصل إلى أن هذين المفهومين يعكسان الخصائص المميزة لنمط الإنتاج الرأسمالي. فالسيادة تعكس الكيفية التي أصبحت معها الدولة منفصلة عن عملية الإنتاج في ظل الرأسمالية، وبذلك أصبحت تنجز دورا سياسيا محضا. ففي كل الحقب السابقة، كانت الدول تتدخل بشكل مباشر في عملية الإنتاج، ولكن مع الانفصال الذي أصاب الحكم الإقليمي السيادي عن عملية الإنتاج، أصبح بإمكان الشركات الرأسمالية أن تعمل على الصعيد الدولي بشكل أكثر استقلالية عن مراقبة وضبط الدولة. ويشير Rosenberg إلى أن هذا الوضع لا يمكن فهمه بعيدا عن تحليل وفهم الترتيبات الاجتماعية الراهنة[32]. أما بالنسبة لمفهوم الفوضى، فيجادل Rosenberg بأن هذه الخاصية تكمن في جوهر خصائص نمط الإنتاج الرأسمالي، حيث يكون الرأسماليون محصلو الأجور wage-earners في حالة تنافس مع بعضهم البعض، فماركس نفسه يقول حرفيا: “في المجتمع الذي يسود فيه نمط الإنتاج الرأسمالي، تكون الفوضى anarchy في التقسيم الاجتماعي للعمل والاستبداد (الحكم المطلق) في تقسيم أرباب الشغل للعمل ظرفان ينتج أحدهما الآخر بشكل تبادلي”. ويخلص Rosenberg إلى أن الفوضى خاصية مرتبطة بنمط الإنتاج الرأسمالي وليست مجموعة من الظروف اللصيقة بنمط العلاقات الدولية السائدة، فهي موروثة داخل العلاقات الاجتماعية الكامنة في نمط الإنتاج الرأسمالي أكثر من كونها خاصية للعلاقات الدولية عبر التاريخ[33].
-III انعكاسات نهاية الحرب الباردة على الاتجاه الماركسي في العلاقات الدولية
1- مظاهر “انبعاث الماركسية renaissance of marxism” عند Hobden & Jones
أدت نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي في أوروبا الشرقية عموما، إضافة إلى الانتصار العالمي لرأسمالية السوق الحرة، إلى الافتراض بأن الفكر الماركسي سيتراجع إلى الظل، خاصة مع ما بدا انه استسلام الأحزاب الشيوعية الصامدة في الصين، فييتنام، كوبا وكوريا الشمالية للمنطق الاقتصادي للسوق. فقد كان ذلك مؤشرا قويا على أن الشيوعية الماركسية لم تعد توفر البديل الجذاب عن الرأسمالية الليبرالية. في هذا الخصوص يقدم Stephen Hobden & Richard Wyn Jones حججا قوية تفند هذا الافتراض، حيث يجادلان بأن نهاية التجربة السوفييتية وفشلها في تقديم نفسها كبديل حاسم للرأسمالية ربما يكون قد أدى إلى أزمة في النظرية الماركسية، غير أنه بعد عشر سنوات، ظهر هناك ما يشبه الانبعاث في الأطروحات الماركسية renaissance of marxism [34].
يقدم Hobden & Jones سببين لما أسمياه بانبعاث الماركسية، هما:
أولا: اعتقاد الكثير من الماركسيين بوجود نوع من الانحراف في التجربة السوفييتية. فمباشرة بعد ثورة أكتوبر، أعلن العديد من الماركسيين ولاءهم للإتحاد السوفييتي على أنه أول وطن للعمال the first Workers’ State. واستمر هذا الولاء رغم الممارسات الفاسدة لستالين على المستوى المحلي وعلى المستوى الخارجي فيما تعلق بجمهوريات الاتحاد في شرق أوروبا. لقد ساد الاقتناع بأن الاشتراكية القائمة بالفعل في الاتحاد لا تمثل اليوتوبيا الشيوعية التي وعد بها ماركس، وعليه فمنهم من أخذ على عاتقه مهمة الانتقاد الصريح للاتحاد السوفييتي، ومنهم من اكتفى بالصمت على أمل أن يتحسن أداء الاتحاد. ومع انهيار الكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفييتي، عمل الماركسيون على إعادة فتح النقاش حول إمكانيات توجيه الجدل النظري لمصلحة أطروحات ماركس بدون اللجوء إلى تبرير أفعال الحكومات التي تدعي التزامها بتلك الأطروحات. ومن جهة أخرى، فقد أدى انهيار الاتحاد السوفييتي إعادة تقييم أعمال ماركس بدون حصرها في الأيديولوجيا الماركسية اللينينية، كأيديولوجيا خاصة بالدولة السوفييتية؛ وهذا مهم جدا، لأن الكثير من المفاهيم والممارسات طالما تم أخذها على أنها عقائد ماركسية رغم أنها لم ترد إطلاقا في كتبات ماركس، يشمل ذلك “المركزية الديمقراطية democratic centralism والاقتصاد الموجه مركزيا centrally directed command economy [35].
ثانيا: وهو الأكثر أهمية، أن النظرية الاجتماعية الماركسية تتضمن مجموعة من الأدوات التحليلية القوية التي أفرزت تحليلا محكما للرأسمالية كنمط إنتاج، ولا يوجد إلى اليوم تحليل آخر يفوقه إحكاما ودقة. هناك اعتقاد بأن الانتشار المتزايد لميكانيزمات السوق في مختلف جوانب حياتنا يجعل من تحليل ماركس للديناميكية الرأسمالية والتناقضات الملازمة لها مصدرا للجدل بأن الماركسية تبقى نظرية ذات درجة عالية من الموثوقية في وقتنا الحاضر. ويقترح Hobden & Jones تحليل ماركس لأزمة النظام الرأسمالي كنموذج لقوة النظرية الماركسية. ففي ظل الأدبيات الكلاسيكية [قبل ماركس] ظل الاعتقاد سائدا بأن الأسواق الحرة دائما تنزع نحو وضع التوازن، وبالتالي فهي مستقرة بشكل متأصل، غير أن التجارب الحديثة أثبتت أن الماركسية العالمية مستمرة في التعرض للأزمات التي تفرز آثارا سيئة على حياة الأفراد عبر العالم (انهيار أسواق الصرف عام 1987 والأزمة المالية الآسيوية مع نهاية التسعينيات)؛ بالنسبة لماركس، هذه الأزمات والنتائج الإنسانية البغيضة الناجمة عنها تبقى متأصلة وملازمة للنظام [الرأسمالي] في حد ذاته[36].
يبقى أن Hobden & Jones في معالجتهما لمظاهر انبعاث الماركسية خلال القرن الحالي، لم ينكرا كون التاريخ لم يكن رحيما ببعض الأطروحات الماركسية الأخرى ، خاصة فيما تعلق بأطروحات ماركس حول حتمية القضاء على الرأسمالية، على غرار ما حدث للإقطاعية، وحتمية حدوث ذلك على يد الاشتراكية، فقد ثبت أن هناك نوعا من عدم النضج في هذه الأطروحات. وفي المقابل يؤكد Hobden & Jones بأن الفشل في بناء مجتمعات بديلة بناء على أفكار ماركس، لا ينفي كون المنظومة النظرية التي طورها ماركس وأتباعه حول تحليل النظام الرأسمالي تبقى ذات فائدة كبيرة في عالم تهيمن عليه الأسواق الحرة[37].
2- النفوذ الماركسي في الاتجاهات النظرية ما بعد الوضعية (النظرية النقدية الاجتماعية كنموذج)
يتمتع الاتجاه الماركسي بنفوذ قوي في ما يعرف بالاتجاهات النظرية ما بعد الوضعية postpositivist بجميع تنويعاتها، فنجد تيارات يسارية داخل النظرية النسوية fiminism، وتيارات يسارية داخل النظرية ما بعد الحداثية postmodernism، وتبقى النظرية النقدية الاجتماعية social critical theory لـ “روبرت كوكس Robert Cox” الأكثر تأثرا بالأطروحات الماركسية في العلاقات الدولية، خاصة إذا عرفنا أن هذه الأخيرة تطورت ضمن ما يعرف بمدرسة فرانكفورت، التي ضمت بقايا اليسار من المفكرين الألمان. هذا بدون أن نغفل الإشارة إلى التأثر الماركسي الواسع على أدبيات الاقتصاد السياسي الدولي international Political Economy.
وبالعودة إلى النقدية الاجتماعية، فقد تطورت أساسا في إطار الفلسفة الماركسية، التي تفترض وجود علاقة جدلية صراعية بين الطبقات الأضعف والطبقة المهيمنة اجتماعيا، كما شكل الافتراض الماركسي بوجود دور لعاملي الثقافة والإيديولوجيا في تحديد أشكال العلاقة الاجتماعية وأنماط الصراع الطبقي داخل المجتمع مرجعية لواحدة من أهم الأطروحات النقدية، وهي علاقة المصلحة والقوة بإنتاج المعرفة النظرية، وهنا نقف إلى عبارة روبرت كوكس واسعة الاقتباس، “النظرية دائما هي من أجل شخص ما ولخدمة هدف ما”. وحسب النقديين فإن الظاهرة الاجتماعية تفهم في سياقها التاريخي ، وبالتالي فإنه يمكن ملاحظة تأثير واضح للماركسية على النظرية النقدية.
والنظرية النقدية تسمى عادة بالنظرية الغرامشية الجديدة لأنها تستلهم بعض أفكارها من إسهامات المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي ساهم – عل نحو ما رأينا – في شرح فكرة الهيمنة والتي تعني عنده فرض السيطرة على الغالبية وقبول الوضع القائم الذي تهيمن عليه الطبقة المهيمنة. والهيمنة لا تقوم إلا من خلال الإيديولوجيا التي هي عبارة عن منظومة فكرية تحدد أشكال البنى والممارسات الاجتماعية في المجتمع، والتي تجعل من هيمنة القوى الرأسمالية وأنماط العلاقات التي تفرضها أمرا غير مثير التساؤل .
وقد أشرنا إلى أن النقدية الاجتماعية تطورت في إطار ما يعرف بمدرسة فرانكفورت التي انبثقت عن الماركسية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وقد هـــدفت هـذه المدرسة إلى توسيع إطار الفكر النقدي الماركسي ليشمل مجالات اجتماعية أخرى لم تشملها الدراسات الماركسية التي كانت تركز فقط على الطبقات وعلاقات السيطرة والهيمنة داخل المجتمع، لتدرس قضايا أخرى أهمها أثر السلطة على اللاوعي الجماعي، وأنماط الهيمنة السياسية في الظواهر الاجتماعية التي لا تبدو فيها هذه الهيمنة واضحة، أو تلك التي يعتقد أن الهيمنة غائبة فيها تماما.
ومن أهم مظاهر النفوذ الماركسي في النقدية الاجتماعية، تفنيد النقديين للإدعاء الواقعي باستقلالية الحقل الأكاديمي مما يجعل العمل التنظيري في منأى عن النقد والتمحيص ، حيث يتساءل النقديون عن أي من البحوث يمكن أن تكون مجردة من المصالح المادية، خاصة في الولايات المتحدة أين الميزانية المخصصة للبحوث في الميدان الأمني مثلا تفوق ميزانية دول أخرى، ما جعل الأبحاث الأمريكية تسجل هيمنة كبيرة حقل العلاقات الدولية.
– IV تقييم الاتجاه الماركسي للتنظير في العلاقات الدولية
من خلال فحص أهم النظريات والمقتربات المشكلة للاتجاه الماركسي، يمكن إجمال الافتراضات الأساسية التي ينطلق منها هذا الاتجاه فيما يلي[38]:
– التأكيد على ضرورة فهم السياق الشامل الذي تتفاعل ضمنه الدول الوحدات الأخرى، إذ أن تفسير السلوك على أي مستوى تحليلي (الفردي، البيروقراطي، المجتمعي، بين الدولي، أو بين المجتمعي) يتطلب أولا فهم البنية الشاملة للنظام العالمي التي يحدث ضمنها السلوك المراد تفسيره.
– التأكيد على أهمية التحليل التاريخي في فهم النظام الدولي، ولا يمكن فهم البنية الراهنة للنظام الدولي بدون اقتفاء أثر تطوره التاريخي، مع اعتبار الرأسمالية على أنها العامل التاريخي الحاسم والمحدد لهذا النظام.
– الافتراض بأن الميكانيزمات الخاصة بالهيمنة وجدت بشكل يمنع دول العالم الثالث من التطور، وبالتالي ساهمت في الانتشار العالمي للتنمية غير المتكافئة، ولفهم هذه الميكانيزمات يجب فحص العلاقات القائمة على التبعية بين دول الشمال المصنعة ودول الجنوب الفقيرة.
– الافتراض بأن العوامل الاقتصادية تبقى حاسمة في تفسير تطور عمل النظام الرأسمالي العالمي وإمكانية تخليص دول العالم الثالث من حالة الخضوع والتبعية.
وهنا يمكن الاستنتاج مع Viotti & Kauppi بأن الماركسيين يتقاسمون ثلاثة منطلقات مع التعدديين/الليبراليين، هي: التركيز على مقاربة الاقتصاد السياسي الدولي، رفض تقسيم السياسة إلى سياسة عليا وسياسة دنيا، التركيز على الأحداث، المسارات/السياقات، المؤسسات والفاعلين ضمن وبين الدول، إضافة إلى الاهتمام بقضايا الرفاهية والجوانب السوسيو-اقتصادية[39].
غير أن أطروحات الاتجاه الماركسي في العلاقات الدولية تعرضت لقدر كبير من الانتقادات، بعضها كان فضا وقاسيا على حد تعبير كل من Viotti & Kauppi اللذين لخصا مجموع الانتقادات الموجهة للمقاربة الماركسية للعلاقات الدولية فيما يلي:
-1 مشكلة السببية:
بعض الانتقادات ركزت على عدم حسم نظرية التبعية بمختلفة تياراتها في ما إذا كانت التبعية تؤدي إلى حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي (كما يدعي الماركسيون) أم أن التخلف هو الذي يضع الدول في وضعية التبعية، بصيغة أخرى، لم يحسم منظرو التبعية فيما إذا كانت التبعية سببا أم نتيجة للتخلف[40].
-2 مشكلة الحتمية الاقتصادية:
يعمد الماركسيون إلى اختزال عملية النظام الدولي برمتها في عملية تراكم رأس المال والديناميكيات المرتبطة به، بينما يتم إهمال التفسيرات غير الاقتصادية noneconomic للإمبريالية والعلاقات بين الدول. فهذا العامل – على سبيل المثال – يعجز عن تفسير نظام التنافس بين الوحدات السياسية في الفترات السابقة للرأسمالية precapitalist (قبل القرن الخامس عشر)، إذ يمكن على سبيل المثال تفسير الحروب البولوبونيزية التي ناقشها Thucydides باستعمال المفاهيم الواقعية كالفوضى anarchy والمعضلة الأمنية security dilemma أكثر من المفاهيم الماركسية التي تركز على البعد الاقتصادي في التفسير[41].
-3 سيطرة النظام system dominance :
هناك تركيز مبالغ فيه على العوامل الدولية في تفسير الفقر والتبعية في دول المحيط، وفي المقابل يتم إعطاء دور أدنى للمتغيرات المحلية، وهو ما يدفع بالماركسيين – خاصة أصحاب نظرية التبعية – إلى توجيه اللوم لدول الشمال المصنعة على أنها المتسببة في أية مشكلة اقتصادية، سياسية أو اجتماعية تواجهها دول العالم الثالث (من غياب النمو الاقتصادي، مرورا بعدم الاستقرار الاجتماعي وصولا إلى هيمنة الحكومات التسلطية) [42].
-4 الصرامة النظرية theoretical rigidity :
من أهم المشاكل التي تعاني منها النظريات الماركسية عموما، تلك المتعلقة بأسسها النظرية والمنهجية، فهي تعتمد على بناء نظري theoretical construct واحد (التبعية أو النظام – العالم) من أجل احتواء نماذج وحالات خاصة متعددة. كما أن الماركسيين غالبا ما يعمدون إلى إجراء تغييرات في النظريات والمفاهيم على ضوء الأدلة الامبريقية أو على ضوء الإشكاليات التي تطرحها دراسات الحالة case studies، وأكثر من ذلك، فبعض الماركسيين لا يلجئون إلى دراسات الحالة إلا إذا بدا أنها قادرة على تزويد حججهم بالأدلة؛ وهو ما يلغي أي نوع من أنواع التوتر tension بين النظرية والنتائج theory and findings. إضافة إلى ذلك، فالماركسيون يفتقرون إلى الرغبة في اعتماد فرضيات بديلة [عوض فرضياتهم الأصلية التي قد لا تصمد أمام الواقع الإمبريقي][43].
-5 تفسير الحالات الشاذة accounting for anomalies :
يضاف إلى ما سبق عجز النظريات الماركسية (خاصة نظرية التبعية) عن تفسير النقلة التنموية في بعض دول العالم الثالث الناجحة اقتصاديا، كفنزويلا، البرازيل، سنغافورة وكوريا الجنوبية. وهي دول لا تمثل نموذجا للتنمية المستقلة، وإنما تبدو أنها استفادت بنجاح من الروابط الدولية [المشاركة بفعالية في الاقتصاد العالمي، والتفاوض بنجاح مع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الدولية] [44].
إضافة إلى الانتقادات السابقة التي سجلها كل من Viotti & Kauppi، يمكن تسجيل القصور الفادح للاتجاه الماركسي في إدراك مستويات تحليل العلاقات الدولية، وذلك من خلال تركيزه على الطبقات كوحدة تحليل أساسية في فهم العلاقات الدولية، رغم أن هذا الادعاء يحمل في طياته تناقضا مع تركيز الماركسيين على تحليل نماذج الدولة في كل من المركز والمحيط، والكيفية التي يتم بها استغلال جهاز الدولة من طرف طبقة الأقلية البرجوازية لاستغلال الطبقة العاملة، ثم الكيفية التي تستعين بها البروليتاريا بجهاز الدولية لإتمام مرحلة الانتقال من النظام الاشتراكي إلى مرحلة الشيوعية؛ وهو ما يجعل من الدولة وحدة تحليل غير ثانوية في الأطروحات الماركسية. هذا، إضافة إلى كون بعض النظريات الماركسية (نظرية النظام – العالم كنموذج) نظريات نسقية systemic في الأساس، فهي تعتمد على النظام – وليس الطبقات – كمستوى تحليل.
غير أنه ورغم الانتقادات السابقة وغيرها، يبقى أن نشارك الأستاذ جون كينيث غالبريث كلمة التحذير التي أطلقها في كتابه “تاريخ الفكر الاقتصادي: الماضي صورة الحاضر”؛ إذ يشير إلى أن البحث عن أخطاء ماركس [وأتباعه من منظري العلاقات الدولية] لم يكن مجرد جهد فكري، وإنما هو منذ عهد طويل صناعة في خدمة من مازالوا يرون في ماركس خطرا شديدا[45]. ففي نهاية المطاف، يبقى أن الاتجاه الماركسي قد أسهم في إثراء حقل التنظير للعلاقات الدولية، وتظهر قوة هذا الإٌسهام من خلال ما يلي:
أولا: كسر الهيمنة الأورو-أمريكية على حقل العلاقات الدولية: تدعم الإحصائيات بشكل قوي إدعاء Hoffmann سنة 1971 بأن العلاقات الولية هي علم اجتماع أمريكي، ذلك لأن معظم علماء العلاقات الدولية هم أمريكيون أو يعملون في الولايات المتحدة، [أو أنهم أوروبيون هاجروا إلى الولايات المتحدة وحصلوا على الجنسية الأمريكية]. ومن الأمور الواضحة كذلك، يشير كريس براون، أن النظريات السائدة حول العلاقات الدولية يغلب عليها أن تنشأ في المناطق الغنية والقوية من العالم وليس في الأجزاء الفقيرة والضعيفة[46].
ويذهب بروان إلى أن هناك وجهة نظر خاصة بالجنوب a view point from the south ولم تنشأ في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) ولا في الشمال (الدول المتقدمة). تتمثل وجهة النظر القادمة من الجنوب في النظريات البنيوية/الماركسية في العلاقات الدولية، والتي تهدف – على نحو ما رأينا – إلى وصف تبعية دول الجنوب لدول الشمال. وهذه النظريات هي الوحيدة التي نشأت في الجنوب (العالم الثالث) من بين نظريات العلاقات الدولية الحديثة[47].
ثانيا: القدرة المستمرة لنظرية التبعية على تفسير معضلة التنمية dilemma of development في الدول الأقل تطورا Less Developed Countries.
ثالثا: القدرة المستمرة لنظرية النظام – العالم على وصف وتفسير انقسام النظام التجاري العالمي الجديد (في ظل قيام منظمة التجارة العالمية)، حيث يمكن إعادة رسم صورة النظام التجاري العالمي الجديد باستعمال متغيري المركز والمحيط، مع مراعاة هذه المعطيات الجديدة:
– تحول الاتحاد الأوروبي ضمن القارة الأوروبية ومنطقة الحوض الجنوبي للبحر المتوسط، واليابان ضمن منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا إلى مراكز جديدة.
– تحول الأطراف التقليدية من طور التبعية للمركز الوحيد (الولايات المتحدة) إلى طور التبعية لمجموعة متعددة ومتنافسة من المراكز. ونفترض هنا وجود مجموعة ـ ولو محدودة ـ من المناطق التي ستقع في نقاط تقاطع بين أكثر من مدار، نتيجة لكونها محل تنافس شديد بين أكثر من مركز (منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. منطقة جنوبي شرق آسيا بين اليابان والولايات المتحدة…).
رابعا: تفسير الكيفية التي يهيمن بها العامل الاقتصادي على بقية العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية، وهي العلاقة التي تأكدت وترسخت أكثر بعد نهاية الحرب الباردة.
خامسا: الاتجاه الماركسي والعولمة: يشير كل من Hobden & Jones إلى أنه لا يمكن اعتبار أي تحليل حول العولمة تحليلا كاملا بدون أخذ النظريات الماركسية بعين الاعتبار. وأبعد من ذلك فهما يذهبان إلى أن كارل ماركس يعتبر في حقيقة الأمر أول منظر حول العولمة. [48]
فإذا كانت العولمة تعبر عن العمليات التي تحدث فيها التفاعلات الاجتماعية بجميع أنواعها وبشكل متزايد بدون اعتبار للحدود الوطنية للدول، الأمر الذي جعل العالم يصبح مجالا اجتماعيا واحدا لا حدود له نسبيا، وإذا كانت تعبر عن الاندماج المتزايد للاقتصاديات الوطنية، والإدراك المتنامي للترابط البيئي، وانتشار الشركات والحركات الاجتماعية والمنظمات الدولية التي تعمل على نطاق عالمي… فإن بوسع الماركسيين رفض أي ادعاء بأن هذه المظاهر هي مظاهر جديدة، بل هي – على حد تعبير – Christopher Chase-Dunn مجرد مظاهر لاستمرار الاتجاهات التي كانت لفترة طويلة ترافق نمو وتوسع الرأسمالية. ويبقى أن الأمر الوحيد الجديد في كل ذلك هو نشوء إدراك متزايد لهذه المظاهر، غير أن الماركسيين يؤكدون دائما بأن الفهم العميق لهذه التطورات يجب أن يندرج في إطار فهم السياق الذي تجري فيه العمليات البنيوية الناشطة ضمن النظام – العالم (وولرشتين مثلا يذهب إلى أن نزع الشرعية عن الدولة ذات السيادة هو مرتبط بالأزمة الراهنة في النظام – العالم الحديث) [49].
ويذهب الماركسيون إلى أن اتخاذ موقف لاتاريخي وغير نقدي اتجاه العولمة يعمي بصيرتنا عن رؤية الكيفية التي تصبح معها الإشارة المتزايدة إلى العولمة يوما بعد يوم جزءا من أيديولوجية النخبة المهيمنة على النظام – العالم الراهن، ولا يمكن مواجهة مثل التبريرات الأيديولوجية لوضع سياسات عالمية تخدم مصالح رجال الأعمال الرأسماليين إلا من خلال فهم أوسع نطاقا للعلاقة التي تحكم البنيتين السياسية والاقتصادية للنظام – العالمي.
ويبقى أن الإدراك الأعمق الذي يعرضه المنظرون الماركسيون يكمن في أنه ليس هناك شيء طبيعي أو حتمي بالنسبة للنظام – العالم الحالي الذي يقوم على أساس السوق العالمية، فهو مثله مثل النظم التاريخية الأخرى جميعا مآله في النهاية إلى السقوط، وفي عبارة مؤثرة، يقولون أن المهمة التي تواجهنا الآن ليست قبول حتمية النظام الراهن، بل وضع الأسس لنظام – عالم جديد، أكثر عدلا وأكثر إنسانية[50].
سادسا: يبقى أن نؤكد في نهاية هذا التقييم أن الاتجاه الماركسي لا يلهم فقط الاتجاهات النظرية ما بعد الوضعية على نحو ما رأينا في مبحث سابق، ولكنه كذلك كان ومازال – ويبدو أنه سيبقى – يلهم أغلب الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة عبر العالم، ويكفي أن نلقي نظرة فاحصة سريعة على أدبيات هذه الحركات لنلاحظ أنها لا تشكل إلا امتدادا لليسار الماركسي المعروف تاريخيا بمناهضة الآثار البنيوية السيئة للنظام الرأسمالي العالمي على الشعوب المهمشة (الطرفية/المحيطية)، وبذلك يصبح من المستساغ أن نقرأ الأطروحات الرائجة اليوم من قبيل أن “العولمة هي أعلى مراحل الرأسمالية”، على غرار أطروحة لينين التاريخية حول “الإمبريالية [كـ] أعلى مراحل الرأسمالية”.
الخاتمــة
انطلقنا في هذا البحث من التشكيك في الاعتقاد الشائع بمحدودية الإسهام الماركسي في تطوير التنظير للعلاقات الدولية، وقد رأينا أن هذا الاعتقاد ينطوي على روح أيديولوجية مناهضة لليسار أكثر من كونه يستند إلى نقد علمي وموضوعي للدور الذي لعبه ومازال يلعبه الاتجاه الماركسي في حقل العلاقات الدولية.
وقد اقترحنا إشكالية مركبة، تتساءل من جهة عن مدى إسهام الاتجاه في تطوير نظرية العلاقات الدولية، وتتساءل من جهة أخرى عن الدور الذي يمكن لهذا الاتجاه أن يؤديه في ظل نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يوفر له الدعم الإمبريقي والشاهد العملي على قوة أطروحاته النظرية. ثم عملنا على صياغة افتراضين موافقين، أحدهما يجادل بأن الإسهام الماركسي هو إسهام متعدد المستويات، فهو يتجلى من خلال التركيز على علاقات التبعية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، وهو جانب أغفلته بشكل كامل الاتجاهات النظرية الأخرى رغم ادعائها بكونها تهدف إلى بناء نظريات عامة لوصف وتفسير الظاهرة الدولية؛ ثم من خلال التركيز على أهمية العامل الاقتصادي في تشكيل وتوجه العلاقات الدولية، وهو ما أصبح اليوم (في ظل العولمة) أقرب إلى المسلمة منه إلى الافتراض؛ وأخيرا من خلال الحد من هيمنة الأكاديميين الأورو-أمريكيين على حقل العلاقات الدولية، وذلك بضمه لمجموعة من المنظرين من العالم الثالث (من أمريكا اللاتينية ومن مصر ومن سوريا*)، وهو ما لم يحققه أي اتجاه نظري آخر. أما الافتراض الآخر، فيجادل بأن الاتجاه الماركسي يتمتع بنفوذ قوي داخل ما يعرف بالاتجاهات النظرية ما بعد الوضعية التي نمت وتطورت مع نهاية الحرب الباردة ودخول الاتجاهات النظرية التقليدية مرحلة الأزمة.
وكما تبين من خلال مقاربتنا للإشكالية السابقة، فإن فحص التطور التاريخي/السياقي historical/contextual والموضوعي/الجدلي objective/dialectical لأطروحات الاتجاه الماركسي ينتهي بنا إلى تأكيد صحة الافتراضين السابقين. فالإسهام الماركسي يتجاوز شرح علاقات التبعية والكيفية التي يهيمن بها العامل الاقتصادي على العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بل يتعدى ذلك إلى استمرار القدرة على التكيف مع متغيرات السياسة الدولية انطلاقا من أدوات تحليلية تم تطويرها في مراحل سابقة للتغير، هذا الاستنتاج يقود بنا إلى استنتاج آخر لا يقل أهمية، وهو كالتالي: في الوقت الذي وجدت فيه الاتجاهات النظرية الأخرى (الواقعي والليبرالية) نفسها مجبرة على تجديد أطروحاتها للتكيف مع متغيرات السياسة الدولية لما بعد الحرب الباردة، فإن الاتجاه الماركسي بقي قادرا على التكيف مع تلك المتغيرات مع الحفاظ على نفس الأطروحات التي طورها قبل ظهور هذه المتغيرات؛ وهو ما دفع كلا من Hobden & Jones إلى الادعاء بأن ماركس هو أول منظر حول العولمة.
من جانب آخر، وربما الأكثر أهمية مما سبق، يبدو أن نهاية الحرب الباردة لم تنعكس سلبا على الاتجاه الماركسي كما يشيع الاعتقاد، فقد بقي هذا الاتجاه ذا نفوذ مؤثر وحاسم في تطور التنظير للعلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وذلك من خلال إلهام inspiring المحاولات التنظيرية الطموحة ambitious لما يعرف بما بعد الوضعيين postpositivists، وهو ما لمسناه من خلال تأصيلنا المقتضب لنشأة وتطور النظرية النقدية الاجتماعية كواحدة من أهم تلك المحاولات؛ هذه الحقيقة تجعلنا نعتقد بقوة في الدور الحاسم الذي لعبه وسيبقى يلعبه الاتجاه الماركسي في مسار نظرية العلاقات الدولية خلال عقود طويلة قادمة.
ختاما، يبدو أن أزلية Timelessness علاقات القوة عند الواقعيين لا تقل وضوحا وتجليا وثباتا في السياسة الدولية من أزلية علاقات الاستغلال والتبعية، ففي الوقت الذي لم يتقوض فيه إدعاء Thucydides بأن “القوي [دائما] يفعل ما تمكنه قوته من فعله والضعيف يقبل ما يجب عله قبوله”[51]، يبدو أن إدعاء ماركس بأن الطبقة البرجوازية [الغنية] دائما تنزع نحو استغلال الطبقة العاملة [الفقيرة] لم يتقوض هو الآخر بعد، وهو ما يمكن سحبه وإسقاطه على الوحدات الدولية في النظام الدولي، فالدول المتقدمة/القوية دائما تفرض علاقات من التبعية والاستغلال مع الدول المتخلفة/الضعيفة. الفرق بين الإدعائين يكمن في أن الواقعيين يركزون على الأداة العسكرية في علاقات القوة، بينما يركز الماركسيون على الأداة الاقتصادية في علاقات الاستغلال والتبعية، ويبدو أن مرحلة العولمة وما بعد الحرب الباردة تعزز الإدعاء الماركسي أكثر مما تعزز الإدعاء الواقعي.
قائمــة الـمراجع
1– الكتب:
-1-1 باللغة العربية:
1- الخولي (يمنى طريف)، فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول، الحصاد والآفاق المستقبلية، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2000)
2- براون (كريس)، فهم العلاقات الدولية، (ترجمة، مركز الخليج للأبحاث)، (الإمارات العربية المتحدة: مركز الخليج للأبحاث، 2004)
3- بيليس (جون) و سميث (ستيف)، عولمة السياسة العالمية، (ترجمة مركز الخليج للأبحاث)، (دبي: مركز الخليج للأبحاث، ط1، 2004)، ص 268
4- عبد الله (عبد الخالق)، التبعية والتبعية السياسية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996)
5- غالبريث (جون كينيث)، تاريخ الفكر الاقتصادي: الماضي صورة الحاضر، (ترجمة أحمد فؤاد بلبع)، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2000 )
6- كريب (إيان)، النظرية الاجتماعية: من بارسونز إلى هابرماس، (ترجمة، محمد غلوم)، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1999)
7- بوشنسكي (إ. م.)، الفلسفة المعاصرة في أوروربا، (ترجمة، عزت قرني)، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1992)
-2-1 باللغة الإنجليزية:
1- Baylis (John) & Smith (Steve), The Globalization of World Politics: An Introduction to International Relations, (New York: Oxford University Press, 2nd Edition, 2001)
2- Dougherty (James E.) & Pfaltzgraff (Robert L.), Contending Theories of International Relations: A comprehensive Survey (New York: Longman, Fifth Edition, 2001)
3- Groom (A. J. R.) & Light (Margot), Contemporary International relations: A Guide to Theory, (New York: Pinter Publishers, 1994)
4- Viotti (Paul) R. & Kauppi (Mark V.), International Relations Theory: Realism, Pluralism, Globalism, and Beyond (USA: Allyn & Bacon, 3rd Edition, 1999)
-3-1 باللغة الفرنسية:
1- Roche (Jean-Jacques), Théories des Relations Internationales (Paris: Editions Montchrestein, 5th Edition, 2004)
2– المقالات:
1- Tayfur (Fatih), Systemic-Structural Approaches, World-System Analysis and the Study of Foreign Policy, METU Studies in Development, 2000, Middle East Technical University, Turkey.
[1] بوشنسكي (إ. م.)، الفلسفة المعاصرة في أوروربا، (ترجمة، عزت قرني)، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1992)، ص 92
[2] المرجع نفسه، ص 95
[3] المرجع نفسه.
[4] المرجع نفسه، ص ص 99-96
[5] Dougherty (James E.) & Pfaltzgraff (Robert L.), Contending Theories of International Relations: A comprehensive Survey (New York: Longman, Fifth Edition, 2001), P 432
[6] Ibid., P 433
[7] بيليس (جون) و سميث (ستيف)، عولمة السياسة العالمية، (ترجمة مركز الخليج للأبحاث)، (دبي: مركز الخليج للأبحاث، ط1، 2004)، ص 268
[8] المرجع نفسه، ص 269
[9] براون (كريس)، فهم العلاقات الدولية، (ترجمة، مركز الخليج للأبحاث)، (الإمارات العربية المتحدة: مركز الخليج للأبحاث، 2004)، ص 216
[10] Viotti (Paul R.) & Kauppi (Mark V.), International Relations Theory: Realism, Pluralism, Globalism, and Beyond (USA: Allyn & Bacon, 3rd Edition, 1999), P 348
[11] عبد الله (عبد الخالق)، التبعية والتبعية السياسية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996)، ص 21
[12] براون (كريس)، فهم العلاقات الدولية، المرجع سابق الذكر، ص 217
[13] المرجع نفسه، ص 218
[14] المرجع نفسه، ص 218
[15] المرجع نفسه، ص 219
[16] بيليس (جون) و سميث (ستيف)، المرجع سابق الذكر، ص ص، 276-275
[17] Wallerstein (Immanuel), Patterns and Perspectives of the Capitalist World-Economy, In International Relations Theory, edited by Paul R. Viotti & Mark V. Kauppi, (USA: Allyn & Bacon, 3rd Edition, 1999), P 369
[18] Baylis (John) & Smith (Steve), Op., Cit, P 231
[19] Ibid, PP 231-232
[20] Ibid, P 232
[21] Ibid, P 233
[22] Idem.
[23] Baylis (John) & Smith (Steve), Op., Cit, P 234
[24] بيليس (جون) و سميث (ستيف)، المرجع سابق الذكر، ص ص، 291-289
[25] بيليس (جون) و سميث (ستيف)، المرجع سابق الذكر، ص ص، 293-292
[26] Baylis (John) & Smith (Steve), Op., Cit, P 236
[27] Viotti (Paul R.) & Kauppi (Mark V.), Op., Cit, P 347
[28] Baylis (John) & Smith (Steve), Op., Cit, P 243
[29] Ibid., P 244
[30] Idem.
[31] Ibid., P 245
[32] Idem.
[33] Ibid., PP 244-245.
[34] Hobden (Stephen) & Jones (Richard Wyn), Marxist Theories of International Relations, In The Globalization of World Politics: An Introduction to International Relations, edited by John Baylis & Steve Smith, Op., Cit, P 226.
[35] Ibid., P 226
[36] Ibid., PP 226-227
[37] Ibid., P 227
[38] Viotti (Paul R.) & Kauppi (Mark V.), Op., Cit, P 342
[39] Ibid., PP 342-343
[40] Viotti (Paul R.) & Kauppi (Mark V.), Op., Cit, P 357
[41] Idem.
[42] Idem.
[43] Viotti (Paul R.) & Kauppi (Mark V.), Op., Cit, P 358
[44] Idem.
[45] غالبريث (جون كينيث)، تاريخ الفكر الاقتصادي: الماضي صورة الحاضر، ترجمة أحمد فؤاد بلبع (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2000 ) ص 154
[46] براون (كريس)، فهم العلاقات الدولية، المرجع سابق الذكر، ص 213
[47] المرجع نفسه، ص 216
[48] Baylis (John) & Smith (Steve), Op., Cit, P 224
[49] بيليس (جون) و سميث (ستيف)، المرجع سابق الذكر، ص 307
[50] المرجع نفسه، ص 308
* راؤول بريبيش، فرناندو كاردوسو، ثستونيو دوس سانتوس، آرغيري إيمانويل، سمير أمين، برهان غليون…
[51] Dougherty (James E.) & Pfaltzgraff (Robert L.), Op., Cit, P 69