دراسات سياسية

كيف تدير دبلوماسيتك مع ترامب؟

وليد عبد الحي

يبدو لي ان إدارة التفاوض مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب تستوجب تحديد السمات المركزية في النهج الدبلوماسي لهذا الرئيس والتي أظنها على النحو التالي:
أولا: الوضوح التام:
أزعم ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب هو أكثر الرؤساء الامريكيين وضوحا في مواقفه،فمنذ ترومان الى يومنا هذا كان الرؤساء الامريكيون يعتمدون دبلوماسية ” الوجهين ” ، فهم يحدثونك عن حقوق الانسان والديمقراطية والسلام العادل والقانون الدولي بينما في كل ذلك ” يكمن” التدخل العسكري والانحياز ودعم الديكتاتوريات …الخ.
أما ترامب فاراه واضحا ، فهو أقل الرؤساء الامريكيين حديثا عن الديمقراطية او حقوق الانسان او القانون الدولي او الامم المتحدة…فهو يعلن بشكل صريح ان القدس عاصمة ابدية لاسرائيل والجولان لاسرائيل والدولة الفلسطينية لا مكان لها ويسعى لاقفال ملف اللاجئين وفض وكالة غوثهم ..فالرجل واضح وضوح الشمس، وهو ما يُسهل التعامل معه، فمع الرؤساء السابقين عليك أن تحلل وتستنتج ما وراء النص، اما مع ترامب فالنص لا يحمل الا معنى واحد.
ثانيا:الربح التجاري أولا وأخيرا:
ان المتغير الرئيسي في أدوات سياسة ترامب الخارجية هو ” الميدان الاقتصادي” ، فهو الاكثر تركيزا على جلب المنافع الاقتصادية لبلاده من خلال حروب تجارية مع الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي ، وحصار اقتصادي لإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وسوريا ، ليس له هم الا تسويق بضائعه في الصين وبيع سلاحه لدول الخليج ، وهو غير معني بالتلوث طالما أنه يرى فيه لجما لمزيد من مداخن المصانع، وهو يريد انفاقا عسكريا من الآخرين في الناتو لتعويض الاعباء التي يتحملها الاقتصاد الأمريكي…ذلك يعني ان من يريد اللعب مع ترامب عليه ان يبني خطته على اسس اقتصادية تجارية سلعية ونقدية ، فالرجل معني بالضرائب والجمارك ، فخبرته كرجل اعمال – وليس له من خبرة غيرها- تجعله غير معني الا ” بالربح” دون اكتراث بكيفية تحقيق هذا الربح، فهو غير معني بأمراض أطفال اليمن بل معني باستمرار بيع السلاح للسعودية ، وهو غير آبه بنوعية المنشار الذي فرموا به لحم خاشقجي او الفرن الذي ” شُوِيَ ” فيه قدر عنايته بزيادة نتاج السعودية من النفط لتعويض حرمان السوق النفطي من الانتاج الايراني…لا يميل ترامب للحرب بطريقة بوش الأب او الابن او حتى كلينتون…فالعالم ليس الا سوقا لا ميدانا للرماية.. فهو يريد شراء فلسطين من الفلسطينيين، هو رجل لا يعنيه دلالات ” الوطن والانتماء والوجدان الوطني والتاريخ والدافع المكاني كما يسميه العالم لورينز..انه معني بالبيع والشراء والربح..انه يعقد مؤتمرات من ” اجل الازدهار” الذي يغوي به الفلسطينيين ولكنه سيدفع تكلفة هذا الازدهار الفلسطيني الموعود من جيوب ” أندى العالمين بطون راح” كما يقول جرير
ثالثا : نرجسيته المرضية:
في فبراير من عام 2017، وقع 35 عالما من الاطباء النفسيين الامريكيين بيانا نشرته نيويورك تايمز ومجلة الاتلنتيك ونيويورك ديلي نيوز..الخ ، تبعه رد على البيان من قبل استاذ علم نفس هو آلين فرانسيز وحمل الرد عنوانا هو : ” Therapists Against Trumpism
أهم ما ورد في بيان الاطباء النفسيين هو حرفيا” ان ترامب غير مؤهل عقليا لوظيفة قائد عام” ويرد عليهم فرانسيز بالقول “”قد يكون ترامب نرجسيا ، ولكن هذا لا يجعله مريضا عقليا، لأنه لا يعاني من الضيق والضعف المطلوب لتشخيص الاضطراب العقلي”، لكن البروفسور جون غارتنر من جامعة جون هوبكنز يرد على فرانسيز بالقول ان ترامب يعاني من ” نرجسية مرضية، ولديه خلل عقلي لا يؤهله لمزاولة الرئاسة.
ويتفق الجميع على ” نرجسية ” ترامب، لكن الخلاف بينهم على حدة هذه النرجسية وكم من مؤشر من مؤشراتها متوفر في شخصيته، فالتيار الأكبر يرى ان لديه ثماني خصائص من خصائص النرجسية المرضية(من بين 9 خصائص للنرجسية المرضية عددها الاكاديميون)، بينما يرى البعض ان ترامب يعاني من أربع منها فقط. .
وتتمثل خصائص النرجسية المرضية طبقا لهذه المساجلات في 9 صفات نجد قدرا منها في سلوكيات ترامب على النحو التالي:
أ- -ينظر لانجازاته العادية بشكل فيه قدر كبير من المبالغة باهميتها ، ولعل الطريقة التي يستعرض بها توقيعاته على قراراته امام الكاميرات تشير لذلك بوضوح.
ب- لديه وهم المثالية، فهو مثلا يقول في التعليق على الرؤساء السابقين ردا على سؤال عن انهم لم يفعلوا مثله في الجانب الاقتصادي والمساومة مع الدول بالقول ” لأنهم أغبياء” وفي مرة اخرى قال “لم يفعل غيري هذا “.
ت- يظن ان الناس العاديين لا يستطيعون فهمه بل يحتاج لأشخاص غير عاديين لفهمه، ولعل تعليقاته على أغلب من طردهم او تركوا مناصبهم من حوله تؤكد هذه الصفة .
ث- يستمتع بالاعجاب المفرط من قبل الآخرين به، ولعل ذلك هو ما جعله عدوا للصحافة، فهو لا يطيق نقده، ويريد فقط ان يستمتع بالمديح والاطراء
ج – يرى نفسه دائما على حق، ولعل انتقاداته لأغلب زعماء العالم يعزز ذلك، فقد انتقد اغلب رؤساء أوروبا والصين وروسيا وكوريا وفنزويلا ، ولم يمدح الا من ” رقصوا معه بالسيف”.
ح – يستغل علاقاته بالآخرين بشكل جشع ، ويكفي العودة لتصريحاته حول دول الخليج وبالفاظ جارحة مثل ” البقرة الحلوب، لولانا لاحتلت ايران الخليج في 12 دقيقة، لا يملكون الا المال، عليكم ان تدفعوا نظير حمايتكم…الخ)
خ- لا تعنيه مشاعر الآخرين، فهو غير مكترث بلاجئين في فلسطين او اليمن او من يموتوا على حدود المكسيك او ليبيا…
د – لديه وهم بأن الآخرين يحسدونه على ما هو عليه وتأكلهم مشاعر الغيرة منه ، ولعل تصريحاته ضد النائب العام والمحقق في قضاياه مع الروس تكشف عن ذلك بشكل واضح
ذ – متقلب ويبرر مواقفه بشكل متعجرف، ويكفي في سرد مواقفه من الزعيم الكوري الشمالي او حتى من زعماء ايران تبيان ذلك.
هذه الشخصية تعني انها غير معنية الا بتحقيق مكاسب- بخاصة تجارية- تعزز الغرور المتواري في النرجسية المرضية، وهو ما يعني ايضا ان افشاله في مشروعاته- التجارية – ستدفعه نحو الانتقام ممن أفشله ” بطريقة تجارية مالية” لا رحمة فيها ، ولن يتورع عن امتصاص النخاع الشوكي من عظام من يقف في طريق أرباحه وقوانين سوقه ، لكنه إذا شعر بصلابة الموقف المقابل فسيتراجع لكي لا يبدو فاشلا،،ويكفي النظر في إدارته لنزاعاته مع ايران.
ويبدو لي كفرضية اولية ان على الدبلوماسية العربية ” المعنية بفشل ترامب ” أن تحاول امتصاص توجهاته للعام ونصف القادمين، فإذا نجح مرة ثانية فالمعركة ستكون معه ضارية وبوقاحة عالية ،أما إذا فشل في دورته الثانية فلكل حادث- حينها- حديث…ربما.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى