تكتسب تجربة الحركة الإسلامية السورية أهميتها من نواح عديدة ففضلا عن قدمها النسبي حيث تعود الى أربعينيات القرن الماضي فإنها تمايزت عن شبيهاتها في الدول الأخرى فنشأ جماعة الإخوان المسلمين في سوريا والتي سبقتها الجمعيات الخيرية التي كانت تمارس دورا سياسيا بشكل من الأشكال – ميزت بارتباطها الوثيق بطبقة التجار وكبار الملاك كما تركز صراعها بشكل رئيسي ضد الحركات القومية العربية وضد الشيوعيين وتحولت في الخمسينيات الى قوة تقليدية مهمة وكان الإخوان السوريون في احدي المراحل ممثلين في البرلمان الأمر الذي لم يسبقهم اليه أى من التنظيمات المماثلة في دول أخري ويظل سؤال الديمقراطية والمشاركة مطروحا في حوارات أعضائها على الدوام .
وبالنظر الى تنوع البنية المجتمعية العرقية والطائفية السورية فقد تميزت التجربة الإسلامية السورية أيضا بالتنوع بين تيار معتدل لا يحبذ الصدام ولا يرمي الى القفز على السلطة بالقوة وتيار عنيف اندفع الى صدام دموي مع السلطة الحاكمة ونتج عن ذلك مجازر دموية كان ضحاياها في صفوفي الإسلاميين يعدون بعشرات الالاف وكان البعد الطائفي حاضرا في كل مواجهة وهو أيضا ما لم تناظره تجربة حركية إسلامية أخري بل وخرج من عباءة الحركة الإسلامية السورية منظرون جهاديون ومقاتلون تحت راية عولمة الجهاد أمثال أبو مصعب السوري فضلا عن تمايز التجربة السورية بموجات من ” الهجرة ” التي اضطرت إليها عناصر الحركة الإسلامية في أعقاب كل مواجهة وهذه الهجرات كان لها تأثيراتها سواء على مستوي مد الحركة بروافد فكرية وتنظيمية جديدة أم على مستوي الانشقاقات التي أحدثتها في صفوفها.
يتناول هذا الكتاب تجربة الإخوان في سوريا بالرصد والتحليل عب عدد من المحاور تغطي كل جوانب التجربة أو أغلبها .