دراسات سياسية

الاستحقاقات القادمة بين الشخصنة والأفكار …

منطقتنا الأوسطية تواجه “أسئلة وجود” أكبر من نظام حكم أو راغبين فى سلطة ، تزداد في أوقات الحروب والأزمات التي تكثر فيها الاستحقاقات وتضيق الخيارات. الصلابة والحدة في مواجهة الخصوم تضحى مجرد عدوانية صماء وعَرَضا لاضطراب سلوكي إذا لم يواكبها تفهم وتسامح وإرتقاء في الرؤية بعيداً عن المصالح .

نزاعات فكرية طاحنة نكتشف أن منشأها هو اختلاف في نص تبناه الطرفان ، وتتم عبر رؤى دينية و طائفية وحزبية وقومية وإيديولوجية وعنصرية ، وفق معايير استنسابية بعيداً عن مفاهيم العدالة والانسانية ورفع الظلم ، مما يشكل ألغاماً في نسيج الأوطان ، ستتفجر تباعاً وتُخلّف معها كرة نار متدحرجة تتشظى كيفما يتم الدفع بها .

التفكير النمطي المقولب ضمن اطار واحد بعيداً عن المشتركات الانسانية بما فيها الفن والجمال لا يتيح للفكر الحر المتطور الانطلاقة الوجدانية الطبيعية .

إن نقطة التحول الرئيسيّة في وقف العنف والحد من الفقر والجهل هو مسار تحقيق الديمقراطية … هي منظومة متكاملة ، هي ثقافة ومناخ ومؤسسات وممارسة؛ هي التوافق على تطبيق دستور يحدد أسس العيش المشترك؛ هي اتاحة المجال للمجتمع المدني لينظم نفسه في جمعيات وأحزاب واعلام؛ هي بناء مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية مستقلة توازن وتراقب بعضها؛ هي عملية بطيئة ومعقدة قد تخطىء احياناً ولكنها تمتلك الآليات لإصلاح أخطاءها وأهم ما يميزها أنها تمنع اتخاذ قرارات مصيرية باسلوب منفرد ، فالأوطان تبنى بالحرية وحقوق المواطنة والعلم والتشاركية والإعلام الحر واللامركزية الادارية والشفافية وسيادة القانون والعدل ، عبر مؤسسات وطنية متجددة غير مترهلة تعمل وفق الدستور دون تداخل بين سلطاتها ، لتحقيق الامن والسلام المجتمعي والمستدام .

‏لا يمكننا تجاوز هذه المرحلة إلا بالحوار والتفاهم والانفتاح والصراحة مع الناس. الأزمات في هذه المرحلة ستصيب الجميع والحل يكمن بتضافر الجهود للأيادي النظيفة والعمل على تعديل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق المعايير الوطنية الخالصة والموضوعية الصادقة والشفافية المطلقة .

إن احترام الخيار الديمقراطي وممارسته وتجذره في المجتمع والفرد والدولة ، من شأنه ترميم النسيج المجتمعي وبناء الوطنية السورية الحقيقية على أسس العدالة وتكافؤ الفرص، وتمكين المرأة من المشاركة الفعالة في جميع المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، مع الاعتراف بكافة المكونات على أرضية المواطنة الحقيقية ، بما يساهم في بناء نظام سياسي -اقتصادي -اجتماعي يوفر العدالة الاجتماعية ويسهم في انتشال أكثر الفئات فقرا وتهميشاً، ويؤمن نمواً مستداماً مؤسساً على حقوق الانسان .

في بادرة أمل ، حكومة الوفاق الوطني و”الجيش الوطني الليبي” يوافقان على استئناف مباحثات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية المرتبطة بها.بعد صراعات دولية وإقليمية عميقة بين أصدقاء وحلفاء تحوّلوا الى أعداء على الساحة الليبية طمعاً بالنفط ،الى الإتجار بالمقاتلين، الى خوف الأوروبيين من الهجرة اليهم، الى إحياء أو إبطال مشاريع سياسية …ويأتي إعلان القاهرة يوم 6 حزيران – يونيو لمبادرة ليبية – ليبية لإنهاء الأزمة والوصول إلى تسوية سلمية تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي ، يشوبه بعض التلميحات بإخفاقه من الضغط التركي . مشهد مرعب ان يتواجه السوريون ويقتلون بعضهم على الأرض الليبية ،هذا المشهد الدموي يلخص الحالة السورية التي وصلنا اليها في آخر فصولها ، فهل هناك من يستيقظ ؟؟

علينا ان نتحدث بشجاعة وشفافية عن فشل وأزمات أوصلت بلادنا إلى مفترق طرق، ‏الآن …يتوجب تبني رؤى جديدة وفتح آفاق مشتركة لإخراج البلاد من دائرة الخطر بعيداً عن المجاملات،ببناء الدولة الوطنية، دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات، الحيادية اتجاه الأديان والطوائف والإثنيات، دولة القانون المنبثق من إرادة الشعب، والمؤسسة على التكامل بين الحرية والعدالة الاجتماعية، الأمر الذي يتطلب المحافظة على الثروات الوطنية واستثمارها لتلبية حاجات الناس وتحسين أحوالهم المعيشية، وضمان حرية كافة أشكال التعبير وتشكيل الأحزاب والنقابات وكل أشكال التجمعات على أسس وطنية  وإنسانية ، تستهدف رفاهية الإنسان .

‏ما بين مارتن لوثر كنج وملابسات مقتل جورج فلويد في امريكا عقودا من عمليات التجميل الزائفه ، التي لمست وتراً حساساً حول العالم بعدم التغاضي عن أي نوع من العنصرية البغيضة والتمييز بين البشر ، لتتحول الى ضمير إنساني جمعي جديد يستيقظ في كل انحاء المعمورة ، للاحتجاج على جميع أشكال العنف وتحقيق العدالة .

إلى أيّ حدّ سيصل التفاهم الأميركي – الروسي في شأن سورية ؟ في ظلّ “قانون قيصر” الذي ستكون لديه مفاعيل كبيرة في الداخل السوري وكل الشركات التي تتعامل مع سورية سواء الروسية والصينية والأوروبية.

تغيّرت قواعد اللعبة في سورية ، بناء على تصريح السيد جيمس جيفري الذي بيّن فيه غايات إدارته في سورية حين قال: “وظيفتي أن أجعل (سورية) مستنقعاً للروس ” في نفس الوقت قرر فيه الرئيس الروسي بوتين تفويض وزارتي الدفاع والخارجية بالتفاوض من أجل توسيع الوجود الروسي في سورية .

مؤشرات التكتيك الجديد تتقارب لترسيخ سورية بموقعها الجيوسياسي كنقطة ارتكاز رئيسية بالشرق الاوسط متوافق عليه بين الطرفين للتأثير الاقوى في ملفات المنطقة بضمان روسي يرضي جميع الاطراف الفاعلة في المنطقة ، وهل سيكون من تأثيراته اعادة الاستقرار ضمن استراتيجيات سياسية جديدة ( مفهوم جديد للحياة السياسية ) اجتماعية – اقتصادية – ثقافية من بينها تفعيل مد خطوط الغاز الخليجي والايراني عبر سورية لتتمكن روسيا من تحديد اسعار النفط والغاز والتحكم بها بالتغاضي عن “اوبك ” بمباركة امريكية وبما يتماشى مع إرضاء كافة الاطراف الاقليمية ورفع وتيرة الاداء الاقتصادي والتنموي في المنطقة لتجاوز تداعيات الازمات المتراكمة والتعافي من الركود التي سببته الحروب وجائحة كورونا ، وتعزيز النمو الاقتصادي والتكافل الاجتماعي ، ومنشآت الأعمال والوظائف للوصول الى رفاهية الإنسان .

إن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 في جوهره هو حق الشعب السوري في تقرير مصيره وشكل دولته وبالتالي استعادة السيادة على كامل الأراضي السورية وإنهاء مختلف أشكال التدخل والتواجد الخارجي، بما فيها مناطق النفوذ وخفض التصعيد وتجاوز مخططات التقسيم وتقاسم النفوذ والصراع الدولي الاقليمي على الأرض السورية ، في ظلّ احتلال تركي لشريط حدودي في الشمال السوري ووضع يد إسرائيلية على الجولان المحتل منذ حزيران – يونيو 1967…

إن الصراع العربي – الاسرائيلي وارتداداته على المنطقة وتعثر الاستقرار والسلام فيها رغم كل السيناريوهات التي تم طرحها ، يؤكد ان المخرج الوحيد يتمثل في عودة الاراضي العربية المحتلة وفق قرارات الامم المتحدة و مجلس الأمن وعلى الأخص رقم 242 لتحقيق السلام المستدام لدول المنطقة .

نحن بشر ، نخطىء ، نتغير ، نندم ، نشعر بالحسرة على التأخير أحياناً ،حان الوقت للبدء بصياغة حياة إنسانية مستقبلية جديدة خالية من كسر الاخرين وتبرير السلبيات ، إنه نوع من التجدد الذاتي الشامل في كافة وجوه الحياة .فالتغيير يبدأ من أنفسنا لنساهم في تحييد الفشل واليأس من حياتنا ، لأن الأمل لا يموت أبداً ما دمنا نعيش على هذه الأرض .

والى لقاء آخر …

مهندس باسل كويفي

الكتلة الوطنية الديموقراطية في سورية …

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى