دراسات سياسية

الاستقرار السياسي العربي والقضية الفلسطينية: سؤال للتأمل

وليد عبد الحي

قياس الاستقرار السياسي للاقاليم السياسية المختلفة يتباين من نموذج لآخر من ناحيتين هما عدد وطبيعة المؤشرات المعتمدة للقياس من ناحية ، والوزن النوعي الذي يعطى لكل مؤشر في معادلة حساب الاستقرار، واستنادا لدراسة علمية أعمل على انجازها لصالح جهة بحثية ، عملت على قياس العلاقة بين مستوى الاستقرار في المنطقة العربية( 18 دولة) وبين طبيعة العلاقة العربية الاسرائيلية ، ووضعت الفرضية على النحو التالي: كلما كانت العلاقة العربية الاسرائيلية أكثر سلمية كلما زادت وتيرة التنازع العربي الداخلي، أي ان هناك علاقة بين زيادة التوتر الداخلي العربي وبين زيادة التقارب مع اسرائيل ، ووضعت مؤشرات التقارب مع اسرائيل على اساس 5 مؤشرات هي : توقيع اتقافيات سلام بين الطرفين، اعمال ذات طبيعة عسكرية من طرف عربي او اسرائيلي ضد الآخر، حجم التبادل التجاري بين الطرفين، عدد المؤتمرات العربية الرسمية الخاصة بالقضية الفلسطينية وأخيرا عدد الاخبار المتداولة(متداولة بشكل واسع) في الصحف الاجنبية عن اتصالات عربية اسرائيلية سرية رسمية او غير رسمية.
بالمقابل اعتمدت في قياس درجة الاستقرار السياسي العربي على عدد من المقاييس الدولية المعتمدة بشكل كبير في الدوائر الاكاديمية خاصة مثل :
Fragile States Index-1 (Fund for Peace)
Economist Intelligence Unit,-2
the World Economic Forum, -3
the Political Risk Services-4
Daniel Kaufmann-5
6- Global Peace Index
وقد تراوحت المؤشرات “المركزية” المعتمدة في هذه المقاييس بين 4(كما هي في نموذج كوفمان) و 88 مؤشرا في مقاييس أخرى، كما تتفاوت المؤشرات الفرعية ، لكني لاحظت أن نسبة التكرار في المؤشرات بين هذه المقاييس عالية (أي انها متماثلة في اغلب المؤشرات)، كما لاحظت ان النتائج في اتجاهها العام متقاربة الى حد كبير ( يتعذر نشر الجداول حاليا قبل النشر الكلي للبحث).
لكن المشكلة التي واجهتني هي ان بدايات القياس للاستقرار السياسي تتباين من مقياس لآخر، مما جعلني اعتمد على بعضها لمجرد انه سابق على غيره في الفترات الاولى (1967-1980) بينما اعتمدت على “معظمها” من 1980 إلى الأن وبخاصة بعد 1995.
النتائج :
اذا اخذنا بنموذج كوفمان( وهو المقياس الذي يبدا من -2,5( الاكثر عدم استقرار) إلى + 2,5( الاكثر استقرارا) أو أي مقياس آخر لفهم الاتجاه العام (trend) تبين لنا ان نتائج المقاييس كلها متقاربة بنسبة تفوق 82%، وقد تبين بناء على ذلك ما يلي:
1- كان معدل الاستقرار السياسي العربي الداخلي خلال الفترة من 1967-1969 هو +1,6 ، واصبح + 1,7 خلال الفترة 1970-1972، ثم ارتفع إلى + 1,9 خلال افترة 1973-1975، وبقي في نفس النسبة(+1,9) خلال الفترة من 1976-1978. وهذا يعني ان الفترات التي كان فيها الصراع العربي الاسرائيلي في اشد لحظاته كان مستوى الاستقرار الداخلي العربي يحتل المرتبة الثالثة عالميا بين 9 أقاليم سياسية في العالم.
2- وعند متابعة نتائج القياس بعد 1977-1979( زيارة السادات للقدس ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية) بدأ مقياس الاستقرار العربي يتراجع بشكل خطي متزايد الى حد كبير باستثناء فترة قصيرة ، فاصبح خلال الفترة من 1979-1981(+1,5) ثم 1982-1984(+1,2) وهكذا بشكل خطي حتى وصل في عام 1991-1993 إلى +0,3 وتوالي الانخفاض في الاستقرار حتى دخل مرحلته السالبة منذ 1994-1996، لكنه تحسن قليلا خلال عام 2000( الانتفاضة الفلسطينية) ثم عاد للتراجع حتى بلغ – 2,385( ويحتل المرتبة الاولى بين كل الاقاليم عام 2016) وهي الفترة التي انشغل فيها العالم العربي بموجة الاضطرابات أو ما سماه البعض “الربيع العربي” والذي جعل القضية الفلسطينية في موقع متخلف من حيث العناية السياسية العربية الرسمية او الشعبية.
3- تبين من القياس انه من بين 18 دولة عربية خلال عام 2015-2016 تراجع الاستقرار في 13 دولة عربية ، وكان معدل الاستقرار في الدول العربية على النحو التالي: (كله بالسالب)
–قطر- 1,568
– الكويت-1,626
-الامارات –1,805
-الاردن- 1,944
– عمان- 1,947
– تونس –1,952
– المغرب-2,002
– السعودية –2,042
– الجزائر –2,131
– البحرين-2,142
– مصر – 2,382
– لبنان- 2,623
– اليمن -2,751
– فلسطين- 2,782
– ليبيا – 2,819
– السودان- 3,295
– العراق – 3,444
– سوريا – 3,645
4- من بين 159 دولة هناك 81 دولة تحسن وضع الاستقرار فيها ( منها 5 دول عربية تحسنت بمعدل 0,065 ) وهناك 78 دولة ازداد عدم الاستقرار فيها سوءا ( منها 13 دولة عربية) خلال 2015-2016.
ذلك يعني: انه منذ تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بعد 1979:
أ‌- زاد الانفاق العسكري العربي
ب‌- تزايدت نسبة الوجود العسكري الاجنبي في الدول العربية
ت‌- تراجعت نسبة الاستقرار السياسي في الوطن العربي بشكل خطي.
فهل معنى ذلك :
أ‌- أن المقولة التي راجت في الكتابات الغربية بان الموضوع الفلسطيني ” كان” أداة لامتصاص الاحتقانات الداخلية العربية بتوجيهها نحو الخارج كانت مقولة صحيحة ؟ فالمؤشرات الكمية تشير إلى ان القضية الفلسطينية شكلت ” الاسفنجة” التي كانت تمتص الاحتقانات الداخلية العربية سواء بين الدول العربية او داخل كل دولة من هذه الدول، وهو ما يدل على تصاعد عدم الاستقرار الداخلي في أغلب الدول العربية بعد الانفتاح على اسرائيل….وعليه هل هذا يعني ان افضل طريقة للانظمة العربية لحماية نفسها هو العودة للصراع مع اسرائيل؟
ب‌- ان اسرائيل –رغم السلام العربي معها – ما تزال تعمل على مزيد من الخوار في الجسد العربي وهو ما يفسر –في بعض جوانبه- تزايد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي العربي… فهل الأفضل للعرب ان يستمروا في السلام رغم التغلغل الاسرائيلي في جسدهم أم العودة للصراع معها مما يعزز من استقرارهم الداخلي ولو نسبيا؟
أسئلة لا يجوز التعامل معها بعفوية، ولا شك ان الصورة معقدة للغاية..وان النتائج تبقى اسيرة ” ربما”.. ولكنها اسئلة تستحق التأمل…وتستحق ” ربما”.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى