ثمة مجموعة من الملاحظات التي لا بد من إثارتها بداية عند توقع نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية، وهي:
أ- أن الوضع المعيشي ومن منظور براغماتي صرف هو المتغير الحاسم في تحديد توجهات الناخب الامريكي وبمعدل لا يقل 70-80%.، وان الشأن الخارجي لا يتجاوز وزنه في قرارات الناخب 5%.
ب- وزن الصوت اليهودي : من عام 1916 صوت اليهود خلال 26 انتخابات رئاسية مع المرشح الديمقراطي 24 مرة، نجح منهم 11 ، اي ان توجههم تطابق مع الغالبية في 45.8%، لكنهم لم يتمكنوا من انجاح 13 مرشحا رئاسيا رغم مساندتهم له ، ويكفي الاشارة الى أن المرشح آل غور فشل امام جورج بوش رغم ان 79% من اليهود صوتوا له. والملفت للنظر ان معدل تاييد الجمهوريين لاسرائيل هو 75% بينما بين الديمقراطيين لا تتجاوز 35%،وهو ما يخلق التباسا عند البعض من ان التاييد الديمقراطي هو الاقل لكن اغلب اليهود مع هذا الحزب، وهو ما يعزز اولوية المحلي على الخارجي في اعتبارات الناخب الامريكي سواء أكان يهوديا او غير يهودي، بدليل ان اليهود مع الحزب الاقل تاييدا لاسرائيل مقارنة مع الجمهوريين( ملاحظة: كلاهما مع اسرائيل وبقوة ، ولكن حصر المقارنة بين الحزبين من حيث درجة السوء تُظهر ان الجمهوريين هو الاقرب لاسرائيل، وهو ما يتضح اكثر في اللحظة الحالية ).
ت- اشكالية دور الكلية الانتخابية : تضم الكلية الانتخابية كما هو معروف 538 صوتا ، وهم ما يساوي عدد اعضاء الكونجرس وموزعين طبقا لمقاعد كل ولاية ، ويقوم هؤلاء بعد الانتخابات الشعبية بعقد اجتماع لانتخاب الرئيس ونائبه، وهنا تكمن المشكلة وهي ان خمسة رؤساء كانوا فائزين طبقا للانتخاب الشعبي ،ولكن الكلية الانتخابية اختارت الخاسر واصبح رئيسا، وآخر نموذجين من النماذج الخمسة لهذا الامر هم آل غور الذي فاز ب 48,4% من الاصوات مقابل بوش(47.9%)، لكن الكلية الانتخابية اختارت بوش(عام 2000)، وكان ترامب هو الحالة الثانية عام 2016، فقد فازت عليه هيلاري كلينتون ب 48.2% مقابل 46.1%، لكن الكلية الانتخابية قلبت النتيجة لصالح ترامب.
ذلك يعني انه من بين 46 رئيسا ، فاز خمسة بالكلية الانتخابية لا بالاغلبية الشعبية، وهو ما يعني ان اي تنبؤ يجب ان يضع في اعتباره ان هناك فرصة بنسبة 11% تقريبا ان لا يتطابق التأييد الشعبي مع موقف الكلية الانتخابية.
ث- ان وزن الحملات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية بين المترشحين لا يتعدى تأثيرها 3% طبقا للعديد من الدراسات الاكاديمية.
نماذج الدراسات المستقبلية للانتخابات الرئاسية:
ثمة نموذجان هما الابرز في هذا الميدان وهما :
1- نموذج آلان ابراموفيتس(Alan Abramowitz) والذي طبقه على انتخابات 2016(التي فاز بها ترامب بالكلية االانتخابية كما اشرنا)
2- نموذج آلان ليكتمان وفلاديمير كيليس بوروكAllan Lichtman- Vladimir Keilis Borok)) وهو النموذج الابرز والأشمل بل اراه أكثر تقيدا بالمنهج العلمي ، وهو نموذج يقوم على 13 مؤشرا (سبق وأن اشرت لها في مقال سابق) وحقق هذا النموذج منذ صدوره في مطلع الثمانينات نجاحا يصل الى حد المطلق في تنبؤاته.
الخلاصة:
إذا استبعدنا ال 11% (البجعة السوداء) من التنبؤ بالنتيجة ، فان تطبيق نموذجي التنبؤ يشير الى ان كامالا هاريس هي التي ستكون الرئيس 47 للولايات المتحدة، فهي تحقق ما بين 7-8 مؤشرات من نموذج ليكتمان (من اصل 13) ،كما ان الظروف العامة تساندها من خلال:
أ- سيصوت اغلب الامريكيين من اصول مهاجرة لصالحها
ب- نسبة تأييد السود لها لا تقل عن 85%
ت- تشير بعض استطلاعات الرأي الى ان 70-75% من النساء ستصوت لصالحها
ث- نسبة عالية من الشباب اقل ميلا لطروحات ترامب.
ج- عدم تطابق “اللهفة الاسرائيلية” مع ترامب مع توجهات الديمقراطيين اليهود .
ح- رغم حيرة الجمهور الاسلامي الامريكي ،فان هذا الجمهور يرى ان هاريس اقل سوءا مقارنة بالأسوأ
خ- التوجس العالمي من ترامب( بخاصة الصين، وجماعات المناخ، والقلق على الناتو منه بخاصة لدى اغلب الدول الاوروبية، ) وربما تكون روسيا هي الأكثر نزوعا نحو ترامب.
ولكن يبقى التحذير من ان تقلب الكلية الانتخابية كل هذا لصالح ترامب..وهو احتمال يصل الى 11% كما اشرنا..وعليه سيكون هناك سؤال مهم جديد: هل سيقبل ترامب الهزيمة إذا وقعت؟ هل سيؤلب اتباعه باتجاه العنف ،ويبدأ بالتشكيك في النتائج كما فعل عند هزيمته من قبل بايدن؟ ذلك يحتاج لوقفة تأمل قادمة.